شبكة ذي قار
عـاجـل










إن اتحاد الأمة العربية في كيان قومي موحد هو الثورة الحقيقية ، وهو مفتاح النهضة والتقدم ، فالفكر القومي في الوضع الحالي يحتاج إلى تجديد وابتداع أساليب جديدة ملائمة لطبيعة الظروف التي تمر بها أقطار الأمة العربية ، ولابد من التفريق بين القضية القومية والقضية السياسية ، فالوحدة هي قضية قومية إما النظام السياسي لدولة الوحدة فهو قضية سياسية ، وان الدمج بين القضيتين هو غير صحيح ،

لكن لابد أن يكون النظام السياسي خادما للقضية القومية ، أي أن عليه أن يقوي الروابط القومية وان يستجيب لمتطلبات القضية القومية ، فلا وحدة بدون قرار سياسي جريء ، ولا وحدة دون وصول قناعة الشعب إلى مستوى من الإيمان بالوحدة ، باعتبارها العامل الأساس في قوتهم وفي رفاههم وفي بناء مستقبلهم القادر على صيانة أمن الأمة وثرواتها ، وان التجديد وابتداع الأساليب الجديدة لابد أن تنهض به النخب الفكرية لتحديد مشاكل المجتمع العربي لغرض الوصول إلى نتائج أكثر قربا من الحقيقة ، ويبدو أن العمل الثقافي والفكري في هذا الجانب لا زال يسلك المنهج القديم الدارج القائم على استيعاب مبتسر حتى لعملية الاستنتاج ، وكثيرا ما تراه يقفز إلى استنتاجات كبيرة على أساس معطيات ضعيفة لا تتحمل قواعدها البناء الذي وقع فوقها ،

وسبب ذلك يعود إلى عدم التفريق بين الحادثة والظاهرة ، فعندما تستخدم الحوادث القليلة أساس لاستنتاجات كبيرة فإنها سوف لا تأتي بنتائج صحيحة ، إلا إذا كان الأساس ظاهرة ، ومن سمات الوضع الثقافي العربي انه يشهد موجات من الصعود والهبوط بسببين : الأول تطور دولي معين والثاني تقلبات الوضع الداخلي ، ففي مرحلة سابقة خلال وجود المعسكر الاشتراكي وانتشار الأفكار الاشتراكية كان الانعكاس في الغالب غير متوازن ، فظهرت ميول التطرف والانفعال وأصبحت الاشتراكية هي النمط السائد على ما سواها من قضايا التقدم ، حتى أصبحت القضية الأولى وشرطا لتحقيق الوحدة ،

وبعد زوال الاتحاد السوفييتي وتراجع الحركة الاشتراكية عالميا ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية قوة تسعى إلى السيطرة على العالم ، ورافق ذلك شعار الديمقراطية الليبرالية على النمط الغربي ، وقد تفاقم مع هذا وضع أنظمة الحكم الاستبدادي في عموم الوطن العربي ، الأمر الذي أضاف قوة جديدة إلى هذا الشعار ( الديمقراطية الغربية ) وظهرت موجة جديدة تدعو إلى الديمقراطية ، ففي الموقف من الاشتراكية كان هناك شيء من عدم التوازن ، وفي الموقف من الديمقراطية كان شيء من عدم التوازن أيضا ، فلا الاشتراكية كانت في جوهرها على خطأ ، ولا الدعوة إلى الديمقراطية في جوهرها على خطأ أيضا ،

لكن الخطأ هو في الموازنة والملاءمة ومدى النظر إلى الواقع العربي بالاعتبار وتحديد الملائم وحدوده ، أي لابد من رسم معالمها بما يناسب الوضع العربي ، فوحدة الوطن والتماسك القومي وسيادة الدولة وصعود سلم التقدم بالتدريج والإبداع في الحلول العملية والأمن الداخلي والاستقلال الوطني أمور مهمة وواجبة ، ولا بد من الحرص عليها وليست قضايا ثانوية يمكن التفريط بها ، ففي المرحلة الأولى حاولت الحركة القومية تحقيق كيان عربي موحد بشكل وحدود معينة ، متمثلا بالثورة العربية بقيادة الشريف حسين ، وعند النظر في تفاصيل ذلك الحدث وتطوراته نجد انه لم يكن يخلو من رأي في مسألة الكيفية وهو التحالف مع قوة خارجية يتم تبادل المصالح معها ، إلا أن الزمن كشف أن نظرية العمل تلك لم تكن ناجحة ، واتضح أن القوة الخارجية ليست مع الوحدة ، بل مع التجزئة خدمة لمصالحها ، وهذا ما أظهرته معاهدة سايكس بيكو سيئة الصيت ،

والتي قسمت الوطن العربي إلى أقطار ساعدت على ترسيخ الأنظمة القطرية ، التي أصبحت تدافع عن وجودها بكافة السبل ، وفي مرحلة لاحقة تطور الفكر القومي فنشأت حركة وحدوية في صفوف الجماهير ، ثم تطور الشعور العام إلى نشوء حركة شعبية ، اتخذت شكلا تنظيميا ، فاستطاع ذلك تحريك نخب عسكرية للعمل واستطاعت الحركة تحقيق خطوة توحيد تمثلت بوحدة سورية ومصر، التي لو أمعنا النظر فيها لتبين أنها كانت بحاجة إلى كثير من الأمور التي تحافظ على وجودها واستمرارها كما اشرنا إلى ذلك في أجزاء سابقة ، وان كانت متقدمة على ما سبقها ، وخلاصة هذه التجربة هي تكوين حركة شعبية لها فروع في الأقطار العربية وتعمل تلك الفروع على الوصول إلى السلطة ، وعن طريق ذلك يتحقق مشروع الوحدة ،

في الوقت الذي طلب فيه عبد الناصر حل تنظيمات حزب البعث التي كان لها دورا كبيرا في تعبئة الجماهير نحو هذا الهدف ، وذلك بوجود قيادات بعثية في كافة الأقطار العربية ، وكان هذا الإجراء قد أفقد الوحدة من عنصر مهم في حركتها نحو الاستمرار والاستقرار ، لان مشروع الوحدة يحتاج إلى حركة شعبية مؤطرة وفق مبادئ تصل إلى جميع ثنايا المجتمع لخلق عوامل ومحفزات وجود الوحدة ، وانه لابد من التفاعل مع الأنظمة وابتداع الحلول الملائمة للعقبات الداخلية والخارجية ،

وان لا مناص من البناء التدريجي لهذه الخطوة بكل ما يتطلبه ذلك من صبر وأمد طويل ، وقد يقول قائل أن الأنظمة العربية لها ارتباطات وثيقة مع الدول الكبار التي تقف حجر عثرة في طريق الوحدة ، فكيف يتم التفاعل معها ؟ ونقول إن خلق تيار شعبي كبير نحو الوحدة وفي عقول جميع أبناء الأمة في أقطارها ومؤمن بالديمقراطية الشعبية لبناء النظام السياسي بالتوافق مع قوى وأحزاب سياسية عربية ، سيكون عنصرا ضاغطا على الحكومات بالذات ، وعند ذاك نرى التأثير الكبير في سياسة تلك الأنظمة نحو القبول بهذا المبدأ ( وحدة الأمة ) وقيام خطوات مدروسة نحو الوحدة العربية ، إذا ما غادرت تلك الأنظمة السلطة بفعل الضغط الشعبي الكبير ويتصدر المشهد السياسي بدلها من هم دعاة الوحدة والسابحين في فضائها الرحب ،

ويكونوا هم أداة التغيير لأنهم مندمجون في الأساس مع التيار الشعبي الواسع للوحدة ، مع الأخذ بالاعتبار الوضع العربي الراهن وخصوصياته عندما يضعون خطط عمل تطوير الوحدة ، واهم هذه الخصوصيات هي أن الدولة القطرية موجودة ، ولها وضع دولي وقانوني، كما أن هناك منافسة واضحة على الزعامة وتكوين المحاور ، بل وصل الحال إلى تنافس بين عوائل حاكمة ومحاولات تكوين المحاور والنزاعات الصامتة والعلنية ، وان وضعا كهذا لا تناسبه زعامة واحدة ، ولا قيادة دولة واحدة ، وحتى عندما تتوفر قيادة مرموقة لم يحصل عليها الإجماع ولم يحصل التسليم الكامل بزعامتها ، ولهذا مطلوب تأجيل النظر في هذه الخطوة الآن وعدم وضعها في مقدمة العمل الوحدوي ، عندما تكون النية مخلصة لقيام خطوة أو خطوات على طريق الوحدة ،

والاهتمام يجب أن ينصب على النظرة الجماعية والعمل التعاوني والبناء التدريجي لعلاقات الاندماج ، بحيث يشعر العربي في موريتانيا أو في أي قطر آخر أن له مصلحة في الوحدة العربية ويترك موضوع الزعامة والمحور لما يتمخض عنه واقع العمل ، ويبدو أن التكامل الاقتصادي للأقطار العربية له مردود ايجابي كبير لخلق مقومات ووسائل قيام الوحدة ، فعندما يشعر العربي في الأقطار ذات الإمكانيات المتواضعة بأنه يتساوى مع أشقائه العرب في الأقطار ذات الإمكانيات الكبيرة ولو بمقدار فانه سيضحي من اجل قيام الوحدة ، ويعدها هدفا استراتيجيا يحفظ له بقاؤه وقراره الوطني والقومي المستقل ،

كما إن أبناء الأقطار ذات الإمكانيات الكبيرة وبفعل القناعة المتدرجة لديهم فتراهم يرحبون بقيام خطوات على طريق الوحدة ، وبتتابع الخطوات من الجميع سيبرز من هو مؤهل لتقدم الصفوف وسحب القاطرة ، على أن يغرس في نفوس الجميع قادة وحركات سياسية وشعب إن مسالة القيادة ليست هي القضية الأساس في قيام الوحدة ، وان كل قطر يملك الفرصة لهذا الدور إن هو أراد وعمل من اجل ذلك بدون أي اعتبار آخر ، وان المسؤولية الوطنية والقومية تقتضي نكران ذات عالي وتواضع كبير أمام مصلحة الأمة التي ستقرر شكل النظام السياسي لوحدتها ومؤسساتها الدستورية وبالصيغ التي تحفظ حقوق الجميع .
 






السبت ٢٦ شعبــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / حـزيران / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو مجاهد السلمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة