شبكة ذي قار
عـاجـل










قد يقول قائل أن سلسلة مقالات البعث باق والطريق طويلة استحوذت عليها الوحدة العربية وأخذت حيزا فيها ، وأقول أن الإنسان إذا ما مرض وأصابه الوهن والأذى والشحوب وفقد قواه التي من الله بها عليه فلابد من طبيب حاذق ماهر يداويه ويصف له الدواء الذي يقضي به على حالة المرض ، ومع الفارق بالتشبيه فان الأمة العربية مصابة بمرض مزمن ، لكنه من الإمراض التي يمكن شفاؤها ومرض الأمة بعد العام 1258م – 656 هـ ، هو مرض التجزئة ، فبعد أن كانت الأمة واحدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي تجزأت بسببين : الأول لأنها فقدت عوامل روح الأمة الواحدة في نفوس أبنائها ، وابتعدت عن التصاقها بالمبادئ التي منحها الله إليها عندما قال : كنتم خير امة أخرجت للناس ، وحملها رسالة الإسلام ، وهذا السبب مهد للسبب الآخر وهو الغزو الأجنبي للأمة وعدم قدرتها على الوقوف بوجه الغزاة بسبب العامل الأول الذي أدى إلى ضعفها واستمكانها من قبل الطامعين ، ولو أن الأمة تحصنت بإيمانها لاستطاعت بناء نفسها وكيفية مواجهة أي عدوان خارجي عليها ولانتصرت في كل معارك التاريخ ولكانت الآن القوة العظمى المضاهية للدول الكبرى في هذا العصر ، وعليه فمن حق أي عربي الآن أن يحمل في ذاته وضميره وروحه قدرة الأمة على البقاء والنهوض والوحدة ، وأن يسائل السياسيين الذين يقودون أقطار الأمة ولسان حاله يقول انتم السبب الآن ، وسلفكم السبب أيضا ، وستتحملون وزر هذه الأمة كما سيحاسبكم الله في يوم الدين لأنكم مسؤولون عن وحدتها ووحدة بقائها ، لأنها تحمل رسالة خالدة خلود الدهر ، أما الطبيب الذي شخص ويشخص مرض التجزئة ولديه الدواء الشافي والمنقذ لهذا الحال وفي إطار تجارب الفكر العربي على مدى أكثر من سبعة قرون فهو الفكر القومي العربي الاشتراكي النير ، هو فكر البعث العربي الاشتراكي ، الذي بزغت شمسه في نيسان من عام 1947 في ثلاثية وضعت أيدينا على الجرح ، وقد أعطى البعث في أهدافه ارجحية للوحدة لماذا ؟ لأنها علاج لكل داء في الأمة ، فإذا ما جمعت ثروات الأمة واستنهضت قدراتها فلم يبقى فقير فيها وعلى أرضها وبين صفوفها ، وإذا ما تحررت من قيودها التي تكبلت بها منذ عدة قرون فلم يبقى للاستعباد والمهانة والسيطرة الأجنبية والذل ما يمثلها في كل ساحات الأمة ، فالوحدة هي الإطار العلمي والعملي للنهوض والتقدم والمهابة ، فمن لا هيبة له لا وطن له ، ويحدثنا التاريخ عن أمم ودول أخرى قررت وصمدت وانتصرت ، ولنأخذ مثلا دولة الصين والتي خاضت حروبا في القرن التاسع عشر وللعام 1948، فقد عاداها الغرب وحاول عزلها منذ تلك الفترة وحتى حكم نكسون ، لكن الذي وحد الصين هو إرادة المجموعة السياسية التي صممت على توحيد البلاد ضد التدخل الأجنبي ، وقاومت كل الضغوط الدولية والإقليمية ،

وأخذت دورها حيث أصبحت من الدول الكبرى الخمس في الأمم المتحدة ، رغم أنها بلد فيه أقليات متعددة ولغات واديان مختلفة ، فما بال الأمة العربية التي امتلكت مقومات وعناصر لم تتهيأ لأمم ودول أصبح لها شان في عالم المعمورة ، لقد آن الأوان أن نبلور نظرة موضوعية للوحدة العربية وان قادة هذه النظرة التي تقترن بالإيمان والفعل وليس بالأقوال والتمني لابد أن تكون من رؤساء وأنظمة الأمة وقواها الوطنية والقومية والإسلامية ، ومن لا ينتمي لهذا المشروع عليه أن يغادر موقع المسؤولية ويأتي من يكون مؤمنا وفاعلا وأمينا ودافعا لتحقيق هذا الهدف النبيل ، حتى لو كان الثمن حياته ، لأن لا يوجد أعلى وأرقى من المشروع العربي إلا الحق والوحدة حق بيد أبنائها لكن كيف السبيل ؟ هناك مشتركات بديهية لايراد لها برهان ولا مطلوب إثباته، منها أن الأمة مستهدفة بجميع أقطارها ومن يظن انه خارج هذا الاستهداف فهو مخطئ ، فكل وقائع التاريخ أثبتت أن الكيان الصهيوني هو عدو العرب ، وانه عدو للوحدة العربية ، لأن الوحدة تتعارض مع وجوده ، وأن أمريكا ودول الغرب ساهمت في إيجاد هذا الكيان ،

لأنه يمنع قيام أي وحدة عربية في المنطقة ، حتى تحافظ على وجودها وعلى إدامة مصالحها ، وأن هذا الخطر لم يزرع في قلب الوطن العربي ليشكل تهديدا للشعب الفلسطيني فقط ، بل لكل أقطار الأمة ولهذا فالصراع العربي الصهيوني هو صراع حضاري بين العرب والصهيونية العالمية ومن يدعمها ويقف ورائها ، وعلى قادة الأمة أن يجسدوا هذا المبدأ بالقول والفعل وليس بالإعلام الكاذب والممارسات التي لا تمت إلى الوحدة القومية بصلة . منذ العام 1965 ومؤتمرات القمة العربية تنعقد تحت لافتات وشعارات لم يتحقق منها شيء حتى يومنا هذا ، بل هي منبر للخلاف والقذف وتبادل الاتهامات ، يتبعها بيان الختام الذي لا يمت إلى قضايا الأمة المصيرية بصلة ، فالقضية الفلسطينية تراجعت والشعب الفلسطيني لا زال يئن تحت حراب الاحتلال الصهيوني ، والأجزاء التي اقتطعت من أرض الأمة في غفلة لا زالت تحت إقدام المغتصبين ، والعراق العربي محتلا والسودان تقسمت والأنظمة العربية أطيح برؤوس بعض قادتها والبعض الآخر يدافع عن نفسه وبقائــــه أمام الزحـــــف المخطط لهـــــا من قبـــل ( إسرائيل ) وأمريكا وحلفائها الأوروبيين في ما يسمى بثورات الربيع العربي ، ودول الجوار الإقليمي من غير العرب بدأت تكشر عن أنيابها للاستحواذ على مقدرات الأمة وابتلاعها بخطاب الإسلام السياسي الطائفي المقيت والمراقب السياسي يجد أن التيار القومي الذي سطع نجمــــه في سماء العرب في الخمسينيات من القـــــرن الماضي قد أفل الآن واستطالت عليــــه الألسن بوصفـــه ( القومجية ) ،

بل ويجرمون أي توجه قومي خلاق يحاول الوقوف بوجه التحديات الكبيرة المفروضة الآن على الأمة بجميع أقطارها كالاجتثاث والمساءلة والعدالة سيئة الصيت ، لقد ساهمت القطرية كإطار آخذ بالترسخ ، والانفصال الذي وقع في أيلول عام 1961 ، في إحداث بلبلة فكرية وسياسية واسعة النطاق داخل صفوف الوحدويين العرب ، كما أدت إلى أزمات في بناهم الداخلية منها الدعوة إلى وضوح نظري وفكري للحركة القومية بخروجها من حالة التشويش والضبابية والتي وقفت وراء كل هذه النكبات والتراجعات ، وقد وجدنا أن القوى الوحدوية العربية لاسيما في المشرق عدا بعض الاستثناءات تنقسم إلى تيارين الأول اكتفى من الدراسة والبحث بالاطلاع على بعض الأفكار والتجارب التقدمية والماركسية في العالم ، فلمس عناصر البحث المتشابهة بين مضمونها العام وبين أزمتنا الخاصة ، فعمد إلى نوع من الترجمة شبه الحرفية لهذه الأفكار والتجارب معزولة أحيانا عن سياقها الحي ولغتها الأصلية ،

إما التيار الثاني فهو التيار المتمسك بالأصولية القومية بحرفيتها الرافض لكل هذه الأفكار الهجينة والطارئة للحد الذي جعله بعيدا عن أوسع قطاعات الشعب الفاعلة من عمال وفلاحين وشباب ، وبالتالي أظهر الفكرة القومية الوحدوية وكأنها بالفعل فكرة شائخة جامدة ترفض التقدم والتطور ، بالوقت الذي يمثل فيه الاتجاه الفكري الوحدوي الأصيل اتجاه ديناميا متحركا ومتطورا قادرا على استيعاب سريع لكل المتغيرات وعلى جميع الأصعدة ، وفي وسط هذه التربة ومع البلبلة الفكرية والنظرية التي سادت تلك المرحلة نمت أزمة العمل الوحدوي وعبرت عن نفسها في مظاهر منها انكسار الإرادة الوحدوية ، فهذه الإرادة بلغت ذروتها في أواسط الخمسينات وحققت انتصارها في ولادة الجمهورية العربية ، ثم بدأت بالتراجع وهي اليوم شبه غائبة عند معظم القوى الوحدوية العربية داخل السلطة وخارجها ، وما موقفها من احتلال العراق إلا واحد من أكثر التراجعات خطورة في تاريخ العرب ، وفي تاريخ الحركة القومية ، وإن الفشل الذي أصابها في أكثر من موقع لا سيما بعد نكسة الانفصال وهزيمة حزيران 1967 ، قد دفع العديد من الوحدويين إلى نوع من رد الفعل على أسلوب العمل القومي السابق المتجاهل للخصائص والظروف الإقليمية والقافز فوقها باتجاه ما يعتبره هؤلاء مغامرات وحدوية غير مضمونة ، وقادهم رد الفعل هذا إلى الغرق في العمل القطري . وللموضوع صلة






الاربعاء ٢٣ شعبــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / حـزيران / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو مجاهد السلمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة