شبكة ذي قار
عـاجـل










قلنا سابقا ان روسيا قد وضعت نفسها خلف ايران، وتنتظر في آن واحد حدوث فراغات، شأنها في ذلك ايران .. فهذه السمة باتت مشتركة تماماً .. روسيا تفتش عن نفوذ في المنطقة، وايران تفتش عن نفوذ فيها .. المسعى الروسي كتاجر سلاح، والحراك المليشياوي الصفوي كوصي طائفي توسعي.

وطيلة العقود الماضية، وبالتحديد منذ عام 1979 وهو تاريخ مجيء خميني على رأس السلطة بعد ان تم خلع التاج وتنصيب عمامة أعلنت الحكم المطلق كما هو التاج، بولآية الفقيه .. والنظام الصفوي يفتش عن نفوذ في المنطقة عن طريق التوسع الطائفي واستخدام القوة المليشياوية المسلحة .. فيما تظل موسكو تنظر الى المياه الدافئة وخاصة عند سواحل البحر الابيض المتوسط، بعد ان خسرت عدن، وبعد ان طردت القاهرة- السادات خبرائها العسكريين.

إذن .. المشترك القائم بين موسكو وطهران يجعل العاصمتان تعملان معاً اضافة الى عوامل اخرى، على ايقاعات محسوبة :

- موسكو تراعي وجودها العسكري في ميناء ( طرطوس ) .. فتحمي نظام دمشق سياسياً وتدعمه عسكرياً ، فهي بهذا تقترب من طهران، التي هي الاخرى تريد ان يستمر نفوذها للوصول الى حافات البحر الابيض المتوسط حيث جنوب لبنان- حسن نصر الله- دمشق الاسد- وقبلهما حزب الدعوة الارهابي الموالي لايران الدولة المارقة.

- العمل خارج الحدود الاقليمية في صيغة قوة مسلحة، عمل محفوف بالكثير من المجازفات ومنها القدرة على المطاولة، والقدرة على معالجة الاستنزاف في الموارد المالية والبشرية، والقدرة على تثبيت حالة متحركة من العسير الاقرار بنتائجها، والقدرة على إحكام المعادلة الجيو- ستراتيجية في ظل أجواء ردود الافعال العنيفة، والقدرة على هضم الفريسة والأسترخاء بدون خوف أو قلق، والقدرة على تعويض النقص في الموارد المالية والبشرية عند الوصول الى الهدف.

- إذن .. حسابات موسكو ليست نهائية، وهي خاضعة لاعادة النظر في ضوء المعطيات والتداعيات .. فيما حسابات طهران تحمل معنيين، الاول يقول : ان طهران ستقاتل حتى النهاية دفاعا عن نظام دمشق .. لماذا ؟ ، لأن سقوط نظام دمشق يؤدي الى قطع زعنفة صفوية أساسية في الجنوب اللبناني، ويؤدي بدوره إلى زعزعة الداخل الإيراني المضطرب. والمعنى الثاني : يقول ان خسارة سوريا عدا الساحل أحسن من خسارة سوريا وسقوط النظام.

- الحالة العامة في المشرق العربي على وجه التحديد والشرق الاوسط بوجه عام دفعت موسكو الى إعادة النظر في حساباتها، حيث أجْلَتْ خبرائها العسكريين وعائلاتهم واستبقت على من يدير مرافقها العسكرية في طرطوس .. والعمل هنا محكوم بمصالح دولة عظمى ترى متى تتقدم ومتى تتراجع وكيف ولماذا تعيد حساباتها كلما أستشعرت باهمية التحولات التي تجري على الارض في سوريا والعراق والمنطقة.

- الحالة العامة في المشرق العربي والجزيرة والخليج العربي دفعت طهران، ليس نحو إعادة النظر في حساباتها، إنما الى الهروب الى الامام .. بإشعال النار في الخارج لكي تطفئ الداخل المشتعل، إعتقاداً منها بأن تصدير المشكلات هو الوسيلة الوحيدة المتبقية لديها .. فقد علنت في إثر تداعيات الموقف في سوريا وتراجع النظام وانحساره ، انها دفعت بالمزيد من المليشيات العراقية والحرس الإيراني وأنصار حزب الله في الجنوب اللبناني ومجندين أفغان للقتال إلى جانب النظام السوري .. كحالة لم يعرف لها مثيلاً في التاريخ ( تجنيد مواطني دول للقتال على أرض دولة سيادية لحساب دولة تتبنى التجنيد أداة في سياستها الخارجية ) ،هذه الحالة الغريبة تدركها موسكو كما تدركها واشنطن .!!

- تعتقد موسكو بأن المجال الحيوي في مياه البحر الابيض المتوسط وفره نظام دمشق سواء كان يفرض سلطته على كل الاراضي السورية ام على بضع مئات من الكيلومترات الساحلية .. فضمانة المجال الحيوي لروسيا متوفر .. وما دام الأمر كذلك فلا شيء يقلق موسكو من إعادة النظر في حساباتها بتكييف سياسي للحالة السورية من غير الأسد إذا اشتد الزخم، ولكي تتفادى الاتهامات والمسؤولية السياسية والقانونية عن استمرار النظام الذي بقتل شعبه بالسلاح الروسي والايراني .. كما ان موسكو باتت تدرك أن لا مستقبل لهذا النظام في أن يبقى قادراً على الحياة بعد قتل الشعب وتهجيره وتدمير الدولة السورية. كما أن طهران هي الأخرى ليست قادرة على دعم هذا النظام مالياً وعسكرياً إلى ما لآ نهاية، خاصة وقد لحق بها الوهن المالي واللوجستي والسياسي وانكشاف مخططاتها بشكل كامل.

- روسيا ، على الرغم من سحبها لخبارئها العسكريين وعوائلهم ( 100خبير عسكري ) ، إلا أنها لن تتخلى بسهولة عن مصالحها الحيوية في الساحل السوري، وإن تأثير موسكو في لعبة الملف النووي الايراني واضحة يمكن أن تعكر مزاج "باراك أوباما" إذا ما تعرض لمصالحها في سوريا وهي تعيد النظر بحساباتها في ضوء نتائج معادلة الصراع .. ولكن ليس على شريط الساحل الذي يضم المصالح الحيوية الروسية، طالما ان موسكو ترى في المياه الدافئة مجالا يصعب الاستغناء عنه .

- ومن المعروف أن الأستراتيجية - السياسية الروسية تقوم على ضرورة التفويض الأممي المسبق لأستخدام القوة ، ولكن موسكو عملياً قد خرقت هذا المبدأ حين تدخلت عسكرياً في ( أوسيتيا ) الجنوبية دون الحصول على تفويض دولي. وقد بررت موقفها المتناقض هذا بأن الموقف أحياناً يكون ملحاً .. فهي بهذا لا تبتعد كثيراً عن الأمبريالية الأمريكية حين شنت الحرب على العراق دون مسوغ حقيقي ودون تفويض دولي على أساس ( حرب اختيار ) ، وحسب مفهوم الأدارة الأمريكية الفارغ .

- روسيا تشعر بالقلق جراء تصاعد ما يسمى بالصراعات المذهبية والأثنية في المنطقة خوفاً من تمدد هذه الصراعات إلى العمق الآسيوي حيث البطن الرخو السابق للأتحاد السوفياتي وجمهورياته المسلمة التي يقطنها أكثر من خمسة وخمسين نسمة .. وإن إيران تنمي القلق الروسي من مسألة ( الأرهاب الأسلامي ) الذي قد يتمدد صوب مجالها الحيوي .. وعلى هذا السياق ينمي نظام دمشق حالة الخوف لدى موسكو، وطرح البديل ( طهران ودمشق ) نفسيهما على أساس أنهما يحاربان الأرهاب في المنطقة .. الأمر الذي يجعل هذه الأستراتيجية السياسية ذات الطابع المليشياوي محط تغذية مستدامة من لدن دمشق وطهران .. وكل منهما يشارك بطريقة التخطيط الميداني .

- وترمي السياسة- الأستراتيجية هذه إلى تقوية محور ( موسكو طهران دمشق ) للوقوف بوجه ما يسمى ( التيار الأسلاموي المتطرف ) .. حيث تتخذ طهران من أسلوب دعم عناصر القاعدة ورعايتهم واحتضانهم في معسكرات على أراضيها وتسخيرهم في مخططاتها الميدانية في العراق وسوريا على وجه التحديد وفي اليمن وغيرها بوجه عام، أسلوباً تشد بواسطته موسكو الى ظهرها في الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري. وما تفعله طهران تفعله دمشق في إطار هذه السياسة- الأستراتيجية، يكاد ان يكون متطابقاً ميدانياً .!!

- ومن المعروف أيضاً .. توجس موسكو من أنقرة ، وتوجس الأخيرة من طهران .. فالحركة التركية تقلق موسكو وطهران، وهي الحركة التي تجعل موسكو أكثر التصاقاً خلف النظام الفارسي الصفوي في طهران .. وعلى أساس لعبة الصراعات الطائفية والأثنية في المنطقة التي باتت السمة الطاغية على سطح الأحداث الكارثية في هذا العقد وربما في العقد القادم، فأن التصعيد في وتائر حركة القوى الأقليمية يعتمد على حركة القوى المسلحة على الأرض التي تكتسب أهمية قصوى في رسم معالم الواقع الجيو- ستراتيجي لمنطقة الصراع، فيما تعلن واشنطن عن لسان رئيسها "أوباما" أنها لا تملك ستراتيجية متكاملة لواقع الصراع في المنطقة .. فهي بهذا تتجنب الضغط بعودة قواتها إلى منطقة الصراع من جهة، وتتفادى الأتهامات المتلاحقة من أن أمريكا كانت متعمدة في ترك ( فراغ ) أمني لكي تملؤه المليشيات الطائفية والأثنية بما فيها القاعدة، الأمر الذي ترك المنطقة تسبح ببحر من الدماء وتعيش على كومة من أنقاض المدن المدمرة وشعوبها المشردة.

- وإذا كانت ( خطوط انابيب النفط والغاز والمياه ) قد غابت عن ملامح مجريات الأحداث، فأنها لم تغب عن المرتسمات الخاصة بالصراع، التي على أساسها تبدو اللعبة الأقليمية على درجة من الخطورة تحت أغطية الصراعات الطائفية والأثنية ( وهي الأداة الأساسية لتغيير الخرائط السياسية لمنطقة الشرق الأوسط من أجل حماية الكيان الصهيوني ) .. ويبدو ان ايران ليس لها مستقبل توسعي في المنطقة كما تشتهي، وإن أدواتها في التغييرالتي أغرت أمريكا بالعمل التوافقي قد افتضحت، كما افتضحت حركة جنرالاتها، الذين لم تعد هسيتيريتهم تداوي جراحات طهران ولا حتى نباح حسن نصر الله في الجنوب اللبناني .. لماذا ؟ لأن الأمر قد خرج عن سيطرة مليشياتها، التي كشفت عن عوراتها الفاضحة من جهة، ولأن لعبة ( السنة والشيعة ) التي زجت في الصراع الأقليمي باتت هي الأخرى فاضحة تماماً من جهة ثانية .

- وقد يبدو للبعض أن طهران قد وجدت نفسها محط أنظار واشنطن وموسكو .. واشنطن تريد ان تعقد معها إتفاقاً يسحبها من حضن موسكو .. وموسكو تريد ان تبقيها جداراً طائفياً يمنع تسلل المذهبية والأثنية إلى مجالها الحيوي .. ولكن طهران وهي في موقع الشد والجذب، على الرغم من علم موسكو بتعاون طهران الأستراتيجي مع امريكا في افغانستان والعراق، فأن موسكو تستبقي نفسها وراء الحائط الطائفي الفارسي .. ومن هنا يأتي الأسناد الروسي لنظام دمشق، إضافة إلى عوامل أخرى جيو- بوليتيكية .. حيث مكن نظام دمشق وأزمتها موسكو من أن تكون لآعباً رئيساً في المنطقة .. وسنتهي بحدود الساحل .!!






الاربعاء ٢٣ شعبــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / حـزيران / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة