شبكة ذي قار
عـاجـل










مقتل إيران في العراق  ،  هكذا يقول التاريخ  ،  ليس الآن فحسب إنما كان ذلك في غابر الأيام ايضا .. فكلما جربت إيران حظها العاثر في العراق انكسرت وتقهقرت تلعق بجروحها قرون .. الفرس الصفويون هم هكذا لا يتعظون من أحداث التاريخ ولا من أزماته طالما هم مولعون بالتوسع والتمدد صوب الغرب  ،  حيث أرض السواد .

يعتقد الفرس الصفويون أن تحالفاتهم مع اعداء العراق والأمة واعداء الأنسانية من إمبرياليين وصهاينة ومستعمرين  ،  ستمهد لهم الطريق لأهدافهم غير المشروعة  ،  ولم يدركوا أن التحالفات مهما بلغت هي تحالفات مؤقتة ومشروطة بتحولات رياح المصالح  ،  لأنها أساساً تقوم على ذلك  ،  والشراكة فيها محكومة بسياسات وإستراتيجيات  ،  وهي ايضاً قابلة بقوة للتفكك . الشريك يفسخ شراكته ويبيع أسهمه مرغماً لشريك أو مشترٍ أو متعاون أخر وقد يشهر افلاسه على الملأ .. وحين تنتهي صلاحية التحالفات  ،  سواء كانت دولاً أم زعامات أم أفراد في عالم السياسات المشبوهة  ،  تتفسخ تلك العلاقات وربما تنتهي إلى صراعات من نوع آخر.

لقد تخلت أمريكا عن شريكها المعتمد النظام الفهلوي  ،  الذي كان يعتمد وتعتمد عليه أمريكا في سياستها - الأستراتيجية  ،  وجعلت منه وكيلاً لها في مخفر الخليج ، ولكن أين أصبح هذا الشرطي حين برزت تحولات خطيرة خلف ظهره في أفغانستان والصين والأتحاد السوفياتي ومنطقة الشرق الأوسط ( كش ملك ) .. وجاء ملك آخر بدلاً منه  ،  ليس على رأسه تاج أو بيرية عسكرية إنما على رأسه عمامة سوداء لها دلالاتها في إشعال أكثر من فتيل مذهبي وعرقي في المنطقة والعالم .؟ ، ثم أين ذهب تحالف مبارك  ،  وزين العابدين بن علي  ،  وعلي عبد الله صالح  ،  ومحمد مرسي واخوانه وقبلهم كثر أنظمة وأشخاص.؟

- النظام الصفوي في إيران  ،  والنظام الصهيوني في فلسطين المحتلة يعملان على التوسع والتمدد .. إيران تتمدد مذهبياً من خلال البشر  ،  والكيان الصهيوني يتمدد من خلال المستوطنات  ،  وكل له استراتيجيته  ،  والتمدد يظل واحداً يحمل مشروعاً استعمارياً متسقاً ومتكاملاً حيال المنطقة العربية برمتها .

- نظام إيران الصفوي يتورط تدريجياً في مستنقع العراق .. وإذا ما تدخل عسكرياً كما تتدخل الجيوش فلن تقوم له قائمة .. ستغوص معه إيران في رمال العراق وستغرق في مياهه  ،  عندها لن ترحمها الشعوب الإيرانية الثائرة الآن في أكثر المدن اضطراباً وثورة .. إيران هشة في الداخل فلتجرب حظها العاثر على تراب العراق  ،  نريدها أن تتدخل عسكرياً وبصورة رسمية لكي نعجل بخلاص المنطقة وشعوبها من شرورها .. فالثورة قائمة في الأحواز وتواجه بالقمع ، والثورة قائمة في مناطق كرد - إيران وتواجه بالأعتقالات والقمع ، والثورة قائمة في بلوشستان وقائمة في أذربيجان ، والثورة قائمة على مستوى المذاهب والقوميات على الأرض الإيرانية عدا الديانة اليهودية.!!

- إيران لا تستطيع إلا أن تتدخل في محيطها القريب .. وخاصة بعد أن منهجت تمددها منذ العام 1979 وكرست أذرعها المسلحة الطائفية في العراق ولبنان وسوريا واليمن .. كما انها لا تستطيع وقف تراجعها وتقهقرها المؤكد صوب الداخل .. وهنا يكمن مأزقها ، مأزق أن تستمر في التمدد الذي يفضي إلى مأزق الأنكفاء نحو الداخل  ،  ينتهي بها إلى السقوط على يد الشعوب الإيرانية .. حيث أن أجواء إيران توحي بفقدان السيطرة على اوضاعها الداخلية ، والفوضى بدأت تتفشى في مدن إيرانية كثر .. منها على وجه الخصوص مدن الأحواز العربية ، وطهران وأصفهان ومهاباد وما يحيطها من مدن وقرى بلغت اكثر من ( 80 ) مدينة تعلن رفضها لنظام ( ولي الفقيه ) ، وتسأل " علي خامنئي " من أين لك هذا ؟ حيث بلغت ثروته الشخصية ( 95 ) مليار دولار  ،  وهو المرشد الأعلى  ،  الذي يدعي الأستقامة والنزاهة والعدل والميل نحو الآخرة وليس الدنيا وهو يكدس أموالاً طائلة والشعوب الإيرانية يسحقها الجوع والحاجة  ،  وتقمعها سلطاته الفارسية .. فهناك قوى مسلحة ترفض داخل ايران وتقاوم نظام طهران العنصري  ،  وهي قوى سياسية وطنية وقومية ( العرب والكرد والتركمان والبلوش والآذريين ) ، فيما تطوف ارجاء ايران قوى من نوع آخر .. بعضها يضرب مراكز الأمن والشرطة الإيرانية  ،  وبعضها يسطو على البنوك والبعض الآخر يخطف المواطنين  ،  وبعضها يدير شبكات واسعة للدعارة وتجارة الأطفال والتهريب  ،  والآخر يتجه صوب زراعة المخدرات على طريقة طالبان وعلى طريقة حسن نصر الله .. وهذه الشبكات والتنظيمات دخلها رجالات البازار والحرس ورجالات المؤسسة الطائفية في قم وطهران.

- النظام الفارسي الصفوي لا يستطيع العيش بدون تصدير مشكلاته الداخلية عن طريق ما يسمى تصدير الثورة .. فتصدير الثورة بواسطة ( التشيع الفارسي ) هو الوسيلة التي يتجنب فيها هذا النظام نتائج تدخله العسكري المباشر .. فأعتمد تصدير الثورة بأغطية عامة هي محاربة الأرهاب وتحت الخيمة الدولية أخذ يتدخل تدخلاً مليشياوياً مسلحاً في سوريا تحت ذرائع واهية ( حماية مرقد السيدة زينب ) وفي العراق ( حماية المراقد المقدسة في كربلاء والنجف ) ومحاربة ( تنظيم داعش ) .. ويتدخل كذلك في اليمن تدخلاً مليشياوياً مسلحاً لمرامي تطويق الجزيرة العربية من خلال مضيق باب المندب .. واللعبة المشتركة الإيرانية الأمريكية لا تغفلها العين التي ترصد الحركة والفعل والنيات والمنهج الفارسي والأمريكي معاً وعلى طاولة واحدة .

- أحيانا .. تطغي سياسة خلط الأوراق  ،  بحيث يصعب معرفة ( البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة ) ، كما يقال  ،  فيتم الحشد والتعبئة المادية والشحن العاطفي صوب أهداف  ،  هي ليست وجهتها الحقيقية  ،  إنما لأهداف أخرى لا ترصدها العين المجردة . فعلى سبيل المثال لا الحصر .. ضربة هنا لها تردداتها ، تختلط الأوراق .. ولكن الهدف هو أبعد من ذلك . قلناها سابقاً هنالك فلسفة سياسية اسمها خلق النقائض في عمليات الصراع .. وهي صناعة فارسية بامتياز تناوب اللآعبان على تكريسها نظام طهران ونظام الأسد منذ أن كان الأمريكيون على أرض العراق جيوشاً نظامية .. وهذه الصناعة المشتركة لهذا النقيض ( نقيض الثورة ) ، لها أكثر من هدف  ،  والشروع في تطبيقها يتطلب مسوغات وذرائع لكي يستقيم الأمر على ما يلي :

أولاً- شن الحرب ( تحرير ) الأرض  ،  والهدف هو وتجريف البشر والحجر ومنع المواطنين من العودة إلى مساكنهم في قراهم .. وهو في حقيقته تغيير ( ديمغرافي- جيو- سياسي ) يصب في صالح إيران .. ونظام طهران هو المستفيد .. والمسوغ الذي يتوشح بوشاح ( الأرهاب ) ، يتراجع هنا ليتم تنفيذ التجريف ليظهر هناك  ،  وهكذا تجري دورة الحركة .. تصادم هنا ثم تراجع .. تصادم هناك ثم تراجع .. تحشيد هنا وتحشيد هناك في الرجال والسلاح والموارد .. نزيف مستمر يصب في مصلحة إيران ومصلحة أمريكا والخاسر الوحيد هو شعب العراق.

ثانياً- لولا هذا النقيض ، لما استطاعت إيران تحت ذريعته تقوية شوكة مليشياتها المسلحة المرتبطة بها أيديولوجياً في تنفيذ هدف القتل والحرق والتجريف ومنع المواطنين من العودة إلى بيوتهم تحت ذرائع الأرهاب.!!

ثالثاً- ولولا هذا النقيض والذريعة ، لما استطاعت إيران أن تكرر ( هزائم ) الجيش النظامي  ،  رغم أن نواته هي نواة مليشياوية مطعمة ببعض الرتب العسكرية العالية المرتبطة  ،  هي الآخرى  ،  بمرجعياتها المذهبية والسياسية التي تتلقى أوامرها المتكررة بالأنسحابات ( الموصل والرمادي ) نموذجاً يدعو إلى الأستغراب والتساؤل  ،  طالما كان التسليح قوياً والتشكيلات العسكرية تعلن عن جاهزيتها في كل الظروف  ،  فمن المستفيد من هذه الأنسحابات ؟ ، بيد أن الهدف يبقى  ،  إستمرار ذريعة إرهاب ( داعش ) ، التي بنت أمريكا   ،  على سيناريو هذا الصراع تحالفها الدولي  ،  فقتلت ودمرت وهي تعلن أن هذا النوع من الصراع يطول ولا يحسم بحرب طيران عسكري .. فيما يبقى المكمل لهذه الحرب الأمريكية  ،  حرب أخرى إيرانية الصنع على الأرض بمسوغ النقيض  ،  الذي خُلِقَ في سوريا وزحف ليكمل الهدف الفارسي الصفوي في العراق .. وما دام لا يتعرض لأمريكا ولا لمصالحها في الداخل والخارج فهو مقبول أمريكياً ، كما أنه ما دام لا يتعرض لأيران ولا لمصالحها في الداخل والخارج فهو مقبول إيرانياً بحدود السيناريو القائم على ( الهجوم .. يقابله تراجع .. حيث تبدأ الصفحة الثانية من السيناريو  ،  وهي القتل والنهب والتجريف ومنع المواطنين من العودة إلى مدنهم - تغيير ديمغرافي ) .

الخلاصة :

1- إيران تريد أن تجعل من العراق وأرضه مجالاً حيوياً تلعب من خلاله لعبتها الجيو- استراتيجية في المنطقة حيال ( سوريا  ،  لبنان  ،  الأردن ) على حافات البحر الأبيض المتوسط من جهة و ( السعودية  ،  ودول الخليج العربي  ،  ورأس مضيق باب المندب  ،  واليمن ) من جهة أخرى ، والوسيط السياسي الذي يدعو إلى الأستغراب هو ( مسقط ) العاصمة التي هي حاضنة التفاهمات الأمريكية كقناة سرية.!!

2- من جعل الجيش العراقي يكرر انسحاباته ويعلن انهياره .. من ؟ وما الهدف؟ ومن المستفيد؟ هل ليحل محله ما يسمى بـ ( الحشد الطائفي ) الذي يتحول إلى حرس ثوري عراقي على غرار الحرس الإيراني.؟!

3- من خطط لكي يجعل ( الحشد الطائفي ) له الكلمة العليا في القرارات العسكرية على أرض الميدان ؟ ولماذا ؟ وما الهدف  ،  ومن المستفيد؟

4- إن سياسة خلط الأوراق الأمريكية - الإيرانية المشتركة تشترط  ،  كأي سياسة تسعى إلى تنفيذ أهدافها  ،  أن يتوفر المسوغ لأستمرار حالة الصراع .. والمسوغ العام هو الأرهاب ( وتحت خيمة الأرهاب تم خلط المقاومة الوطنية بإرهاب داعش وبإرهاب القاعدة ) ، وعلى أساس هذا الخلط بنت أمريكا وإيران إستراتيجيتهما العسكرية والأستخبارية والأعلامية لأجهاض ثورة الشعب العراقي.

5- تريد ايران ان تكرس نفوذها في العراق والمنطقة بكل الوسائل الممكنة وعلى رأسها التدخل المليشياوي الطائفي المسلح تحت ذريعتين متهافتتين هما :

أولاً- حماية الأماكن والمراقد المقدسة ، حتى لو كانت في داخل دول قومية اخرى ذات سيادة .!!

ثانياً- محاربة الأرهاب  ،  حتى لو كان في ساحات أخرى  ،  إنسجاماً من نهج الأستراتيجية الأمريكية القائمة على محاربة الأرهاب الدولي منذ عام 2001 وحتى الوقت الحاضر وبوجوه متعددة تبعاً لطبيعة التحولات التي تجري على أرض الواقع  ،  حيث اخذت هذه الأستراتيجية تعتمد  ،  خلال العقود الماضية  ،  على تعدد صفحات الحرب .. فالدولة الإيرانية بنظامها الفارسي الصفوي الذي يمارس الأرهاب الأقليمي بات مقبولاً لدى الأمريكيين على خط محاربة الأرهاب الدولي .. فأمريكا تحارب ( الأرهاب ) من السماء ، وإيران تحارب ( الأرهاب ) بواسطة مليشيات الحشد الطائفي على الأرض .. أمريكا تستفيد من خدمات ايران في افغانستان والعراق مقابل نفوذ لن يتحقق أبداً .!!

وعلى الرغم من أن محاولات ايران هذه قد حققت بعض النجاحات في خضم ( الفوضى الخلاقة ) ، التي تنفذها أمريكا وبالتوافق معها  ،  إلا انها تراجعت بعد أن تكشفت اهدافها تماماً .. وما يجري حالياً في سوريا من تآكل النظام المدعوم من إيران التي تعول عليه .. وما أصاب حزب الله في الجنوب اللبناني من تصدعات .. وما تلقته تشكيلات الحوثيين في اليمن من ضربات .. وما واجهته حكومة العملاء الطائفيين في بغداد من تداعيات وانهيارات .. وما يحصل في الداخل الإيراني من انتفاضات وثورات شملت عدداً كبيراً من المدن الأيرانية ( طهران وأصفهان ومهاباد والأحواز وغيرها ) ، قد أربك القيادة الايرانية التي بات جنرالاتها يتخبطون بتصريحاتهم المتعجرفة والمتوترة  ،  فيما بات المرشد الاعلى يعلن بكل ارتباك ( ان الكلمة الفصل في سياسات المنطقة باتت في يد إيران ) .. وهذا التصريح يعكس مدى الهوة التي تفصل واقع ايران الراهن على الارض ونمطية تفكير القيادة الايرانية المتغطرس  ،  والذي يبرهن على واقع الأنفصام الكائن بين فكر النظام وواقع الدولة الإيرانية الفارسية .. هذا الأنفصام يدرج تحت لآئحة الـ ( شيزوفرينيا ) المرضية ، حيث يتحكم هذا المرض بمفاصل صنع القرار الإيراني.

وأمام تحجيم النفوذ الإيراني  ،  عربياً وليس أمريكياً ، فقد استهلك النظام الفارسي الصفوي الكثير من أوراقه في سلسلة من الأخفاقات من ( البحرين الى حماس- الجهاد الى اوضاع نظام دمشق الى وضع حزب الله في الجنوب اللبناني الى اليمن الى العراق  ،  الذي يعيش فيه النظام الفارسي مأزقاً سياسياً مستداماً ومأزقاً عسكرياً مركباً ومأزقاً اجتماعياً متفجراً ومأزقاً اقتصادياً مروعاً سيقصم ظهر النظام لا محالة .

إذن .. الأستنزاف بات هو الأداة الفعالة لتحجيم النظام الفارسي الصفوي وإرجاعه الى حجمه الطبيعي أو تغيير سلوكه السياسي بالكامل  ،  وهو أحد الخيارات التي ستتحقق في المستقبل القريب .. !!






الخميس ١٠ شعبــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / أيــار / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة