شبكة ذي قار
عـاجـل










بناء على إلحاح حد القرف من جانب الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما، انطلقت يوم أمس قمة أراد لها الرئيس الأمريكي تذكير العرب بما جره عليهم معسكر كامب ديفيد من ويلات خسروا فيها أنقسهم قبل أن يخسروا فيها القضايا التي كانت قد نوقشت أو تم التوصل بعدها إلى اتفاقات يمكن أن يعتبرها بعض العرب انتصارا قطريا لهم إلا أنها في واقع الحال كانت انتصارات تكتيكية قصيرة العمر، وهزائم استراتيجية لأنها أحدثت شروخا ما تزال قائمة في منظومة الأمن القومي العربي وقد لا يتمكن العرب من تجاوز آثارها لزمن قادم طويل، ويبدو أن أوباما لم يشأ أن يعقد قمته في واحدة من العواصم العربية وإنما حرص على دعوة زعماء مجلس التعاون الخليجي ليذكرهم بأنه يستطيع دعوتهم متى شاء ولا يكلف نفسه المجي إليهم، وهذا هو الذي دفع بعض قادة الدول العربية إلى رد التحية لأوباما بمثلها، وإن كانت غير كافية وربما عصية على فهم الرئيس الأمريكي.

إن إحجام أكثر من زعيم أو رئيس دولة من دول مجلس التعاون الخليجي عن المشاركة فيها في رسالة مقصودة لأوباما لا يمكن أن تخطأ الإدارة الأمريكية وليس الرئيس في فهم مغازيها، بأن الولايات المتحدة لم تعد حليفا أو صديقا يمكن الوثوق بتعهداته بوجه ما يهدد المنطقة من أخطار جدية كان للولايات المتحدة دور كبير بل وحاسم في نشوئها، فبعد أن ظلت دول مجلس التعاون الخليجي فرادى وجماعة وحتى قبل تأسيس هذا المجلس في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، تنظر إلى الولايات المتحدة كحليف استراتيجي ضامن لأمنها القومي ومدافع عنها بوجه الأخطار الخارجية، لا بد أنها اكتشفت أنها أدت هذا الدور ضد العراق بعد دخول الكويت، أما الأخطار الإيرانية فليست لها تلك الأهمية في نظر الولايات المتحدة، وهو ما أدخل المنطقة في صراعات المحاور التي عانى منها الوطن العربي منذ إقامة إسرائيل فوق الأرض الفلسطينية وما تركته من اختلافات جوهرية بين الدول العربية في طريقة تحرير فلسطين بل ما إذا كانت الدول العربية كلها تؤمن بهذه النظرة إلى جوهر القضية الفلسطينية، ومنذ ذلك الوقت كانت الخلافات على المستوى القومي تتعمق مع الوقت، ولم تنفع كل مؤتمرات القمة العربية التي ما تزال تنعقد حتى يومنا هذا من رأب الصدع العربي.

في قمة كامب ديفيد وجهتا نظر متصادمتان، الأولى عربية ترى في الخطر الإيراني المتمثل بالهيمنة والتمدد في أكثر من بلد عربي، الملف الذي يجب أن يحظى بالأولوية في الحوار ومن ثم اتخاذ القرارات اللازمة لوقف التوسع الإيراني كخطوة أولى تمهيدا لإزالته من أربع عواصم عربية تبجح الإيرانيون أنها أصبحت إما عاصمة لإمبراطوريتهم الفارسية كما هو حال بغداد أو الخطة التالية بعد دمشق وصنعاء كما هو حال مكة المكرمة والمدينة المنورة، .

وجهة النظر العربية تريد إقناع الإدارة الأمريكية أن الخطاب السياسي لإدارة الرئيس أوباما مع إيران، لم يحقق الهدف الأمريكي المعلن من استدراج إيران إلى الاعتدال السياسي في سياستها الخارجية سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي أو في برنامجها النووي المثير للقلق الإقليمي والعربي، بل أدى إلى مزيد من الشعور الإيراني بالثقة بالنفس زائد عن الحدود المقبولة وخرج عنها، خاصة وأن الدول العربية لم تكن قد هيأت نفسها لمواجهة احتمالات الخطر النووي الإيراني ببرامج منافسة ولو للأغراض السلمية، بل نامت مطمئنة على وعود أمريكية بمظلة الحماية اللازمة عند الضرورة، ولكن تأكد فيما بعد أنها لا رصيد لها في بنوك الخيارات الاستراتيجية، كما أن واشنطن لم تفعل شيئا تجاه النفوذ الإيراني في المنطقة والذي تحول إلى احتلال حقيقي لسوريا، وبقيت مراهنة الإدارة الأمريكية على بقاء بشار الأسد في السلطة باعتباره أفضل الخيارات السيئة، وهذا الموقف ينطلق من خشية الولايات المتحدة على أمنها القومي والأمن الإسرائيلي من أي نظام إسلامي متطرف بديل أو أية فوضى محتملة في سوريا ستعقب سقوط الأسد، ولهذا فقد تجاهل الرئيس أوباما كل ما أعلنه بنفسه من خطوط حمر إذا تجاوزها النظام السوري في ارتكاب الجرائم بحق الشعب السوري، وخاصة استخدامه للأسلحة الكيمياوية على نطاق واسع، فقد تهيأ العالم لتنفيذ الولايات المتحدة لما سبق وأن أعلنته من أجل وضع حد لانتهاكات وجرائم بشار الأسد، ولكن الرئيس أوباما كان كما كان دائما إنسانا مترددا ورئيسا خائبا وقائدا ضعيفا لأقوى دولة في العالم.

إن التمدد الإيراني في العراق والذي لم يتم إلا بإرادة أمريكية مباشرة تمثل في أكثر من زيارة لمسؤولين إيرانيين توجت بزيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في الثاني من آذار 2008 لبغداد أثناء وجود أكبر حشد عسكري أمريكي في العراق، ومن قبلها زيارة كمال خرازي وزير الخارجية الإيراني لبغداد منتصف شهر أيار 2003 أي بعد شهر واحد من احتلال بغداد وهو أول وزير خارجية أجنبي يزور بغداد بعد الاحتلال، وما كان لهذه الزيارات لتتم لولا موافقة أمريكية صريحة كناية عن تسليم مفاتيح العراق لدولة الولي الفقيه.

وذهبت الحسابات الأمريكية الخاطئة إلى أن منح العراق لإيران سيدفعها إلى الشعور بالاكتفاء بهذا الثمن أو الجائزة الكبرى، وإذا بإيران تخرج من شرنقة القناعة الزائفة بمكسبها هذا وراحت تركب الموجة العالية التي تحققت لها باحتلال العراق وتوظف قدرات العراق جسرا للتوسع في كافة الأرجاء، فلم تبذل الولايات المتحدة جهدا حقيقيا لوضع حد للنفوذ الإيراني الذي ما كان له أن يتحقق لولا موافقتها الصريحة عليه، بل راحت تطرح أفكارا تتناغم مع مشروع جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي بتقسيم العراق.

وفي اليمن فقد دهش المراقبون من الموقف الأمريكي تجاه الانقلاب الحوثي وصمتها المطبق على ما جرى في اليمن قبيل عاصفة الحزم، ثم انتقال دبلوماسيتها النشيطة بعد عاصفة الحزم ليس في دعم دول التحالف العربي ضد تحرك واحد من أخطر الأذرع الإيرانية الذي يشعل مزيدا من النيران على مقربة من الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية خزان النفط الأكبر في العالم مما بات يعدد باشتعال المنطقة برمتها بسبب ما أعلنته إيران من أنها باتت تحكم سيطرتها على أربع عواصم عربية، أو ما أعلنه زعماء مليشيا الحوثي، من أن الخطوة التالية بعد صنعاء ستكون مكة المكرمة والمدينة المنورة، فمارس جون كيري وزير الخارجية الأمريكي ضغوطا هائلة على المملكة العربية السعودية لقبول هدنة "إنسانية" ليس دفاعا عن الإنسانية المعذبة في اليمن والتي لم يبلغ عمرها شهرين، وإنما تساوقا مع التوسع الإيراني، فإنسانية واشنطن لم تظهر بهذا المدى من الحرص على حياة الناس وأمنهم وغذائهم ودوائهم وإلا لكانت أوضاع العراق وسوريا أدعى إلى تحركها الإنساني، ويبدو جليا أن الضغط الأمريكي ترافق مع تلويح أو تلميح وربما بتصريح بوقف إمداد التحالف العربي بالعتاد الحربي المطلوب لإدامة العمليات العسكرية، وهذا يعكس وجها آخر من التعاطف الأمريكي مع إيران على الرغم من التصادم المزعوم بين دولة الولي الفقيه والشيطان الأكبر، وهذا يدعو العرب إلى وقفة جدية مع الصديق المفترض وعدم الركون إلى مظلة حماية خارجية، فلا قوة توفر الأمن القومي لأي بلد إلا القوة الذاتية.

الولايات المتحدة لا تبحث عن صداقات متكافئة لأنها لا تشعر بالتكافؤ بينها وبين أي طرف آخر في العالم وهذا حق من حقوقها في أن تنظر إلى نفسها بأية مرآة تريد، ولكن أن تحرص واشنطن على تجنيد مرتزقة يقاتلون معاركها الخاصة وخاصة في ما تسميه بالحرب على الإرهاب فذلك ليس متاحا لها حيثما اقتضت ضروراتها الخاصة، يجب على العرب وضع حدود دقيقة وفاصلة بين أمنهم القومي والأمن القومي الأمريكي وحتى الأمن الدولي، لأن المخاطر متباينة ولكل كتلة من الكتل الدولية حساباتها ومصالحها أو هذا ما يجب أن يكون، فليس كل ما يهدد الأمن القومي الأمريكي يمكن أن ينسحب أوتوماتيكيا ليصبح تهديدا للأمن القومي العربي عموما أو لأية دولة عربية.

على أمريكا أن تقترب من التفسير العربي لما يهدد الأمة العربية من خطر جدي يخرج من إيران وإسرائيل، كي يقترب العرب من تفسيرها هي لطبيعة المخاطر التي تهددها وخاصة ما تعتبره تهديدا إرهابيا إسلاميا سنيا ينطلق من دول عربية وإسلامية سنية وليس من إيران كما تفكر الولايات المتحدة.

ترى هل في جعبة أمريكا شيء تقدمه في قمة كامب ديفيد لتهدئة المخاوف العربية من تنامي الخطر الإيراني في العراق وسوريا واليمن؟ أم أن أوباما سيحاول فرض الرؤية الأمريكية للمخاطر التي تزعزع الأمن والاستقرار في العالم أي ما يسميه الأمريكيون بالإرهاب العابر للقارات؟

الجواب عن هذه الأسئلة لن تظهر فورا بل يحتاج إلى وقت قد يطول قبل الكشف عنه.






الخميس ٢٥ رجــب ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / أيــار / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة