شبكة ذي قار
عـاجـل










أشرت في الاسطر ألاخيره من الحلقة الثانية الى موضوع الاجتهاد وتحوله الى مشكلة عويصه وللبيان أود الاشاره الى أمر مؤكد لهذه الرؤية { ألامام جعفر - الصادق - بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب أسس مدرسة دينية تحت شعار احياء سنة جدي رسول الله وقد اعلن أن الاجتهاد فيه خير الامه ، والدارسين من غير العرب استثمروا هذا الشعار فاجتهدوا وكسبوا المريدين والاتباع لهم فتحولوا الى مناهج - مذاهب - وها نحن اليوم نعيش الصراع والتصفيات واللعن والشتم والتكفير ....الخ } ، أما الإسلام كروح وكقيم فهو لكل زمان ومكان فتطبيق الإسلام اليوم لا يعني بالضرورة إخضاع الواقع لنص محدد ، بل استلهام الإسلام من النصوص لما فيه خدمة الانسان والمجتمع وعندما نقول استلهام أو تأويل النص فهذا يعني وضع نصوص وقوانين وضعية تستجيب لمتطلبات الحياة والعصر بما لا يتناقض مع روح الإسلام ، إن رفض القول بصحة وضع قوانين بشرية تنظم حياة الناس في مختلف مجالات الحياة ، والتشبه والتقيد بالنص القرآني والحديث النبوي ، من دون مرونة في التعامل يعني إحدى فرضيتين { الأولى هي أن النص الديني قرآناً وحديثاً يتوفرعلى إجابات حول مشاكل ومستجدات العصر ،

وأن كل صغيرة وكبيرة يتوفر النص الديني على إجابة مباشرة عنها هذا يعني أنه يمكننا أن نجد في النص المقدس ـ قرآناً وحديثاً ـ نصوصا حول العلاقات الدولية المعاصرة ، ونظرية الدولة والاقتصاد والتأمين والشركات ، وحبوب منع الحمل ، وأطفال الأنابيب ، والذرة ، والاستنساخ وغيرها من المجالات… الخ ، وهذا شيء غير موجود في النص الديني ، ولا يمكنه أن يكون لأن النص الديني المقدس ، سيبدو في نظر المسلمين الأوائل ، غريباً وغير مفهوم يتحدث عن أمور غريبة عنهم وشاذة ، ومن هنا نرى ان موضوع الاخذ بالاحدث جواب على ما ذهبت اليه في البيان ، والفرضية الثانية هي القول بأن الله جلت قدرته لم يكن يدري ما سيطرأ على العالم من تحولات وما سيواجه من مشاكل وما سيستجد من نظم واكتشافات ، وعليه فإن هذه الفرضية مرفوضة ويجب تجاهلها ! لما فيها من الحاد } لا شك في أن الفرضيتين مرفوضتان إذاً الشيء الأقرب إلى المنطق وإلى حقيقة النص الديني هو القول بأنه يعود إلى الناس تأويل النص الديني والتعامل معه بيسر ووضع هذه التأويلات والتفسيرات في قوانين وضعية تجيب عن مشاكل العصر ، وبما لا يجعلها تتناقض مع روح الاسلام ومبادئه الأخلاقية ،

بمعنى أن القوانين الوضعية ـ في السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلوم الخ ـ تدخل في باب الاجتهاد في أمور مستجدة ، وهذا يتفف مع قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم { أنتم أدرى بشؤون دنياكم } ، إذا فالخصوصية التي يتحدث عنها بعضهم ليست خصوصية الإسلام بحد ذاته ، وتميزه عن الديانات السماوية الأخرى ـ وهي خصوصية موجودة بلا شك ولكن في حدود ـ لكنها خصوصية أوضاع المسلمين ، خصوصية اجتماعية سياسية واقتصادية ، وهي أوضاع لا تنسب الى الإسلام الحقيقي بل الى مدعيه والمتعاملين معه وبالتالي عندما نقارن بين العلمانية في الغرب المسيحي ، بالمفهوم الذي أوردناه والعلمانية التي يجري الحديث عنها في العالم الإسلامي ، يجب الأخذ بعين الاعتبار الظروف والتحولات التي سبقت وتساوقت مع تطبيق العلمانية في الغرب وهيأت شروط نجاحها ، ومقارنتها بالظروف والأوضاع السائدة في الوطن العربي والعالم الإسلامي حيث يراد تطبيق العلمانية ونعتقد أنه مما يخدم الاسلام ، التعامل بمرونة مع مقولة إعجاز النص القرآني ،

بدلاً من تحويل النص المقدس الى لغز وقيد على العقل ، وحاجز أمام التطور والإبداع فالقول بإعجاز النص القرآني كان ذا هدف معين عند نزول القرآن ، وبالنسبة الى أناس ومجتمعات محددة ، لها لغتها وأوضاعها الخاصة.أما اليوم ، في عالم متغير ، وظروف مجتمعات ولغات وثقافات متباينة ، فان التمسك بالفهم الجامد لإعجاز القرآن كلغة وتعبير ، قد يسيء الى الاسلام أكثر مما يفيده ، لان التقيد بأعجاز النص ، قد يقنع البعض من أصحاب اللغة العربية ، ولكنه لا يستطيع إقناع أناس من لغات وثقافات أخرى ، أما إبراز روح الاسلام وقيمة الخلاقة فأنه أكثر قدرة على الإقناع لأنه يتعامل مع الإسلام كقيم وتربية حسنة ، ويبعد عن الإسلام ما يلحق به من تعصب وانغلاق وتخلف ، ويجعله قابلاً لاستيعاب الأمور المستجدة ويفتح الباب واسعاً للاجتهاد والتأويل أمام ذوي الاختصاصات في الأمور المستجدة ، ويجعله قابلاً للفهم من كل ثقافات العالم هذا الفهم لإعجاز القرآن ،

يسمح لكل ذوي الخبرة والاختصاص وللعلماء والباحثين من كل الثقافات والجنسيات بالانفتاح على الإسلام والنهل من علمه وتعاليمه دون أن يكونوا شرطاً متعمقين في اللغة العربية ، بل يكتفي منهم أن يكونوا مشبعين بروح الإسلام إن عقل العلمانية وتلمس أسباب نجاحها وفهم آليات عملها وتطبيقها في الغرب ، لا يستقيم إلا في إطار نظرة شمولية إلى التاريخ الأوروبي منذ القرن السادس عشر تقريباً حتى نهاية القرن التاسع عشر ، بما حفلت به هذه الحقبة من تحولات وأحداث وثورات هيأت الشروط الموضوعية لنجاح العلمانية وأخذها السمات العامة التي هي عليه اليوم فمن التعسف أن نفصل بين العلمانية وبين الثورات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها أوروبا والتي هيأت المناخ المناسب لنجاح العلمانية ،

فالثورة الدينية مثلت ثورة عقلية لدى الانسان الغربي ، جعلته يضع محل التساؤل كل ما يتعلق بنظرته إلى الدين ، وكل ما هو ثاو في عقله من تفسيرات ومفاهيم وتصورات حول نفسه ومحيطه وكل الأمور التي تنسب إلى الدين ، أي أنها أعادت النظر ليس في الدين بحد ذاته ، ولكن في وضع الدين في المجتمع ووظيفته وعلاقته بالمجالات الحياتية الأخرى ، كما أن الثورات السياسية والاجتماعية في فرنسا وبريطانيا وألمانيا… الخ ، أعادت إلى الإنسان إنسانيته وخلقت المواطن الذي يعرف حقوقه وواجباته ، وحددت علاقة الحاكمين بالمحكومين وأبرزت مفهوم إرادة الأمة وحقها في الثورة وفي تغيير حكامها ، وجردت هؤلاء الآخرين من حق احتكار الديني والمقدس أو التحدث باسم الإله ، أي أنها أسقطت الشرعية الدينية عن الحكام والثورة الصناعية أعادت إلى الانسان كرامته وثبتت إنسانيته بتوفيرها ظروف حياتية شريفة وتحريرها الإنسان من العوز والفاقة ، وأعطت الوطن مواطنين منتجين ، والثورة العلمية حررت العقل الإنساني من هيمنة الخرافة والأساطير وسهلت عملية تحكمه في الظواهر الطبيعية والاجتماعية وفهمها وتفسيرها باعتبارها أشياء ، حقائقها في ذاتها وليس في مصادر خارجة عنها
وانتفاء شروط الحياة الكريمة

يتبع بالحلقة الاخيرة






الاربعاء ٢٦ جمادي الثانية ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / نيســان / ٢٠١٥م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة