شبكة ذي قار
عـاجـل










في مجتمعات تزيد فيها نسبة الأمية كيف يمكننا أن نتحدث عن مجتمع مسلم إلا باعتبار الإسلام طقوس وعبادات وليس حضارة تؤسس وما زاد من حدة المشكلة وتفاقمها هو الانقسام الحاد للمجتمع العربي إلى قلة مترفة ذات تعليم عصري علماني وثقافة مشبعة بروح الحداثة وقيمها ، وأغلبية جاهلة فقيرة وأمية ذات تعليم تقليدي الأولى لا تعرف من الإسلام إلا أسمه وتتعامل معه كشيء من التراث وتحمله كل أسباب التخلف عن ركب الحضارة ـ وبعض شرائح هذه النخبة ممن هم في السلطة السياسية ومع عدم إيمانها الكامل بالشريعة الإسلامية ـ إلا أنها ترفع شعارات الإسلام وتنصب نفسها حامية حماه ، لتضفي على نفسـها شـرعية دينية ولتمرر من خلال خطابها الديني ، الذي يخدر عقول الجماهير المتدينة تقليدياً وبالوراثة سـياساتها وتحقق مصالحها ، بينما واقع سلوك هذه الجماعة السياسية ونمط حياتها هما أبعد ما يكون عن الإســـلام ورموزه وكماهو حاصل في العراق اليوم لمرحلة مابعد الغزو والاحتلال والثانية أغلبية يعمها الفقر والبؤس والأمية تتكدس في الأرياف وفي أحزمة البؤس على أطراف المدن تمارس طقوساً تعتقد أنها الإسلام ، وحتى مناهج التعليم التي تتلقاها فهي تقليدية محض في المراحل الأول ، وتقنية وعلمانية في المراحل العليا ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدروس الدينية ، فإن نوع التوجيه ونوع الموجهين الدينيين ، للأسف لا يخدمان الإسلام الحقيقي بشيء ،

الإســلام الذي يلقن للتلاميذ تتداخل فيه الحقيقة مع الباطل والأسطورة ، ويتم التعامل من خلاله مع عواطف وغرائز الخوف عند التلاميذ ، بدلاً من التعامل مع عقولهم ، ويصبح الإسلام عالماً مخيفاً ومرعباً فيه نار جهنم وشياطين وعذاب لا ينقطع ، والموضوعات المسيطرة على الدروس والكتابات الدينية المدرسية وغير المدرسية ، كمشاكل الزواج والطلاق ونوع اللباس والإرث والزنى والخمر هي أمور مهمة ولكنها ليست الأساسية ، فيما المشاكل الحقيقية أبعد ما تكون عن هذه الدروس وكيف يمكن أن تناقش أمور جوهرية والمكلفون بالدروس الدينية وبالتعليم التقليدي عموماً أناس ينتمون إلى الماضي ، غير متفتحين على علوم العصر وغير مطلعين على مشاكل الساعة ، وكتب التراث هي كل معارفهم وحيز مداركهم ؟ والأخطر من ذلك أن المنهج المتبع والروح السائدة في هذه التربية تقتل روح الخلق والإبداع والعمل عند الإنسان ، بإرجاع كل فعل أو عمل أو إنجاز إلى إرادة الله وقدرته ،

وكأن إرادة الإنسان في الفعل والعمل شيء يتناقض مع إرادة الله ، الإنسان يصبح مجرد أداة لا حول له ولا قوة ولا دور له في هذه الحياة ، إلا انتظار مشيئة الله والتسليم بإرادته ، الأمر الذي يؤدي إلى تربية أجيال من السلبيين الاتكاليين العاجزين المنتظرين إرادة الله والمستسلمين لها فالحكم الجائر من إرادة الله ! والجوع والفقر أيضاً من إرادة الله الذي لا راد لإرادته ! وهزائمنا أمام العدو أيضا هي نكسـات ومصائب لا دور لنا فيها ولا قدرة لنا على ردها ! ، حزب البعث العربي الاشتراكي – القطر العراقي وفي مؤتمره التاسع تناول هذا الامر باسهام وكما أشرت اليه سابقا" في أكثر من موضوع ، وان الشهيد القائد صدام حسين رحمه الله قد بين بالدقه الفرق فيما بين رجل الدين والبعثي الحقيقي أي المؤمن بالبعث كقوة خلاص للامة من ماهي عليه وخاصة في موضوع الجمع والانزواء بحدود الطائفة أو المذهب ،

أما الأشخاص المسندة إليهم هذه الدروس والمروجون لهذه الأفكار السلبية عن الإسلام فهم غالباً من الشيوخ المسنين ، أو من الملتحين الجادين الصارمين بوجوه مكفهرة لا تعرف الابتسام أو الانشراح ويستعملون لغة ومصطلحات تنتمي إلى عصر غير هذا العصر ، ويناقشون موضوعات لا تلامس الحياة اليومية المعاشة وان كان هناك نوع من الاشارة فلايوجد فيه الحل العملي والاجراءات الواجبة بحق المقصرين او المدانين لجرائمهم ، مما يخلق لدى المتلقي ما يشبه ازدواج الشخصية ، إذ يكون أثناء تلقيه هذه الدروس والمحاضرات في عالم معين وعندما يخرج إلى معترك الحياة يصطدم بعالم آخر وحياة أخرى ، وكأن لا علاقة للإسلام الملقن بها ، فيقع ضحية التناقض بين هذين العالمين وتكون الصورة أكثر غرابة في الأرياف ، حيث تسود الأمية ويعم الجهل ، فيتحول الإسلام لدى سكان الأرياف ـ وهم نصف عدد السكان تقريبا ـ إلى مجرد طقوس وأساطير لا يُفْقَه معناها ، وإلى تقليد عادات يقوم بها سكان المدن من صلاة وصيام وحج وأضحية عيد…. الخ ،

كنوع من إظهار المكانة والتشبه بالحضر والتمايز الشكلاني عن الآخرين أو كنوع من التقاليد ، من دون فهم واع لمغزى الإسلام وروحه ، وبجهل لتاريخه وتشريعاته وأصوله ، ومن هنا يصبح مشروعاً لنا أن نتسـاءل { هل الدول التي تصنف كدول إسلامية هي مسلمة بالفعل ؟ ، وهل الأنظمة والأحزاب والمؤتمرات التي تنطق باسم الإسلام وترفع راياته هي مسلمة بالفعل ؟ } إنه مما يسيء إلى الإسلام الحقيقي أن نقرنه بواقع حال المسلمين ، أي نقرنه بالتخلف والبؤس والجهل والتعصب المذهبي والطائفي والعاملون بالفتنه كي يبقون في كراسيهم فكل هؤلاء ينسبون أنفسهم إلى الإسلام إما جهلا- من الأغلبية ، التي تعتقد أن ما هي عليه هو الإسلام الحقيقي ـ أو نفاقا ومصلحة من بعضهم الآخر الذين يسعون إلى إضفاء شرعية دينية على تصرفاتهم وسياساتهم ومصالحهم باستغلال المشاعر الدينية الغامضة والمشوشة لدى الجماهير الشعبية وجهلها بحقيقة الإسلام كدين وسنة نبوية شريفه ،

منهج ال بيت النبوه عليهم السلام ان كان اقوال وافعال ، أما القول بأن الإسلام يتميز عن المسيحية بكونه دينا ودنيا في الوقت نفسه ، والمطالبة بناء عليه بالتطبيق الحرفي لنصوص القرآن والحديث النبوي والرجوع إلى الأصول الأولى إلى عهد الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم كمرجعية إسنادية ، فإن الأمر يحتاج إلى توضيح فلاشك أنه في ذلك العهد ، كان الإسلام كذلك حيث كانت النصوص الخاصة بالمعاملات وتنظيم أمور الناس كافية للإجابة عن كثير من قضايا ومشاكل ذلك العصر ، بمعنى أن النص كان متطابقا مع الواقع بالإضافة إلى خصوصية شخصية الرسول وشخصية الخلفاء الراشدين ، أما اليوم ، فإن الحياة تتطور وتتعقد والنص الديني تباعدت معانيه المباشرة مع الواقع الذي أصبح أكثر تعقيداً وتمايزاً واختلافاً وتناقضاً بعضه مع بعض ، لتشرذمه إلى مجتمعات متباعدة ذات نظم سياسية واقتصادية واجتماعية ولغوية وثقافية مختلفة ،

ولا يمكن أن نتجاهل هنا الصعوبة على المستوى التطبيقي ، في ما يتعلق بمن يحق له الاجتهاد ، والموضوعات التي يمكن الاجتهاد فيها ، فليسـت الأمور بالبسـاطة التي يراها القائلون { بأن الحق بيِّن والباطل بيِّن } فتعقد المجتمعات جعل المتشابهات أو الأمور الذي يثور الغموض حولها ـ أهي حق أم باطل ـ كثيرة فحجم المعرفة الإنسانية خلال العقد الأخير وحده ، يفوق بمرات المعرفة التي كانت سائدة في القرن السابع الميلادي ، وهذا التطور المعرفي بحاجة إلى دمج في منظومة القيم والأفكار والمعتقدات الإسلامية ، وعملية تكييف وتعايش ما بين الإسلام وبينها ، وخصوصاً أن هذه المعرفة ليست وليدة أفكارنا وقيمنا الإسلامية ، ولكنها جاءت من الآخر بقيمه ومعتقداته ،

إذا من يحق له أن يجتهد في هذه الأمور هل كل إنسان مؤهل للاجتهاد فيها ؟ أم أنها من اختصاص أولي الأمر ؟ ، أم أنها من اختصاص أولي الخبرة في الموضوع محل الاجتهاد ؟ إن الإجابة ليست بالأمر الهين ، والتساؤل ليس بالشيء المستجد ، لكن أوضاع الجهل والفقر التي يعيشها العالم الإسلامي ، وفي ظل الهيمنة والاستلاب ، الممارس من طرف ثقافات وحضارات متفوقة ومغايرة ، وفي ظل هيمنة رجال الدين التقليديين على الشأن الديني ، ووضع النقاش فيه في نطاق المحرمات ، ومع انقياد المسلمين لأنظمة مشكوك في شرعيتها الدينية والشعبية والديمقراطية ، في ضوء كل ذلك فإن فتح باب الاجتهاد يتحول إلى مشكلة عويصة ، تزداد تعقيداً مع تباين أوضاع المسلمين وتباين نظمهم وثقافاتهم وغياب الدولة الواحدة ، فيتحول الدين إلى وسيلة وأداة توظفها الأطراف المتصارعة في المجتمع ـ وبين المجتمعات ـ كل بما يخدم أغراضه ، وكثيراً ما تتناقض الاجتهادات بعضها مع بعض حول الموضوع الواحد لان المرجعية في التفسير والتأويل لا تكون روح الإسلام وقيمه ولكن مصالح سياسية دنيوية ، والخلل هنا ليس في النص الديني ، لأن النص الديني كان يخاطب مجتمعاً محدداً وبلغة ومفاهيم وأمثلة من واقع حياته. فالنص، كلغة ومفردات ، كان خاصاً بالمجتمع العربي الإسلامي آنذاك

يتبع بالحلقة الثالثة





الاثنين ٢٤ جمادي الثانية ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / نيســان / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة