شبكة ذي قار
عـاجـل










سبق وتمت الاشارة الى أن حركات الإسلام السياسي خرجت من رحم الحركة الإصلاحية ألاسلامية التي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر ، واستمرت حتى عشرينات القرن المنصرم ، حيث بدأت قطاعات الإسلام السياسي بالانزياح تدريجيا عن فكر وممارسة الإصلاحية الإسلامية ، وصولًا إلى إحداث نوع من القطعية ، وشهدت أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن المنصرم صعود عدد من الجماعات الجهادية أعطت زخماً إضافياً ، وآذنت بانتشارها في شتى أقطار العالمين العربي والإسلامي ، وقد كانت المساهمة الأكبر في التنظير لأفكار الحرب الدينية في المنطقة على يد الشيخ المهندس محمد عبد السلام فرج الذي أعدم في 1982 م في قضية اغتيال السادات منذ نشأة تنظيم الجهاد في مصر عام 1966 م , فإن التنظيم لم يكتب تأصيلاً فكرياً وفقهياً وعقائدياً مفصلاً للإستراتيجية التي تبناها التيار وظل هكذا حتى عام 1980 م عندما كتب كتابه الفريضة الغائبة الذي هو الأكثر شهرة بين المرجعيات التي يصفونها بالجهادية وهو { الفريضة الغائبة } ، ويعد هذا الكتاب الركيزة الأساسية والمرجع الرئيس للجماعات الموصوفة أو المنعوتة بالجهادية السلفية ، وتستمد الوثيقة قوتها كونها المحاولة الأهم في التنظير للقطيعة مع الاجتهادات الفقهية التي نادت بتأصيل الجهاد من قبل تيارات ومدارس وجماعات وأحزاب إســلامية ، بحجة - التمكين تارة ، أو الوعظ والإرشــاد تارة ثانية - أو - انتظار الخليفة تارة ثالثة - ، أو تأهيل الفرد والمجتمع وجميع هذه المبررات بحسب رؤية المهندس محمد عبد السلام فرج - باطلة وواهية - فالحكومات الحالية لا تمت إلى الإسلام بصلة ، ويجتهد فرج في البرهنة والاستدلال على مسألتين أساسيتين ، هما {{ كفر الدولة القائمة حالياً في أي مكان من الدول العربية والإسلامية ، ووجوب القتال باستحضار ركن الجهاد ، باعتباره الوسيلة الشرعية الوحيدة القادرة على إحداث التغيير المنشود }} ،

ويعتمد فرج في {{ تكفير الدولة على مسألة التشريع ، الذي تحكم به نخبة علمانية ، تصر على اعتبار الشعب هو مصدر السيادة ، وتمنح المجالس النيابية صفة المشرع الوحيد في دساتيرها ، وهكذا فإن الشريعة الإسلامية جزء يسير من مصادر تشريعات ذات جذور رأسمالية أو اشتراكية أو وطنية أو قومية ، وهذا ما يجعل الدولة اليوم كافرة عملاً بالنص القرآني* ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون * }} ويصر فرج على المماثلة بين حالة المسلمين اليوم ، والدولة التي يعيشون بين ظهرانيها بسابقتين في التاريخ الإسلامي هما {{ حالة المسلمين زمن حكم التتار ، الذين غزوا البلاد الإسلامية ، وحكموا أهله بمقتضى شريعة الياسق ، وهو كتاب – دستور - وضعه جنكيز خان في القرن السابع الهجري ، وحكم به المسلمين ، وبعد وفاته تولى أبناءه الحكم به وقد اشتمل على أحكام اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها ، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره ، وهواه ، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه ، في قليل ولا كثير وهذه بحسب الوثيقة أول محاولة في تاريخ الدولة الإسلامية كلها ، التي يتم فيها فصل الدين عن الحياة ، والسابقة الثانية حالة المسلمين في بلدة ماردين ، فقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه كتاب الجهاد ، حول مسألة الحكم الشرعي في سكان البلدة التي كانت تحكم بحكم الإسلام ثم تولى أمرها أناس أقاموا فيها حكم الكفر ،

هل هي دار حرب أو سلم ؟ فأجاب بأنها دار مركبة فيها المعنيان ، فهي ليست بمنزلة دار السلم ، التي عليها أحكام الإسلام ولا بمنزلة دار الحرب ، التي أهلها كفار بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحق ، ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه وبالتالي فإن فرج يقرر أن الأحكام التي تعلو المسلمين اليوم هي أحكام الكفر ، بل هي قوانين وضعها كفار وسَيّروا عليها المسلمين فبعد ذهاب الخلافة نهائياً عام 1924 واقتلاع أحكام الإسلام كلها واستبدالها بأحكام وضعها كفار ، أصبحت حالتهم هي نفس حالة التتار فحكام هذا العصر في ردة عن الإسلام ، تربوا على موائد الاستعمار ، سواء الصليبية ، أو الشيوعية ، أو الصهيونية }} ،

وبناءاً على ما سبق فإن فرج يؤكد على فرضية الجهاد في المنطقة وفق استراتيجية تقوم على العنف ، من أجل خلع الحاكم الكافر ، وتغييره بهدف إقامة الدولة الإسلامية وفق معيارين الأول تحديد العدو القريب ، والعدو البعيد ، والآخر القتال والجهاد ، باعتباره فرض عين على كل مسلم ، فهو يقول هناك من يقول بأن ميدان الجهاد اليوم ، هو تحرير القدس كأرض مقدسة والحقيقة إن تحرير الأراضي المقدسة أمر شرعي ، واجب على كل مسلم ، ولكن يجب توضيح أن قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد إن دماء المسلمين التي ستنزف حتى وإن تحقق النصر ، فالسؤال الآن هو هل هذا النصر لصالح الدولة الإسلامية القائمة أم أن هذا النصر هو لصالح الحكم الكافر القائم وهو تثبيت لأركان الدول الخارجة عن شرع الله وأساس وجود الاستعمار هو عمل غير مجد وغير مفيد ، وما هو إلا مضيعة للوقت ، أما بخصوص فرضية الجهاد العيني على كل مسلم ضد الحكام فهو يقرر وبالنسبة للأقطار الإسلامية فإن العدو يقيم في ديارهم ، بل أصبح العدو يمتلك زمام الأمور وذلك العدو هم هؤلاء الحكام الذين انتزعوا قيادة المسلمين ، ومن هنا فجهادهم فرض عين ، وتتبع فرج خطى صالح سرية في رسالة الإيمان ويكرر مجمل الكلام المتعلق الجهاد كوسيلة لإقامة الدولة ، ويشن حملة على أصحاب المناهج السلمية والتربوية الإسلامية باعتبارها نوع من الطوباوية ويكتسب فرج أهمية خاصة في كتابه - الفريضة الغائبة - ، ليس بسبب الأفكار التي تمت على أساسها اغتيال الرئيس أنور السادات ،

وإنما بسبب أنها شرعت عمليات القتل وإباحة الدم ، واستحلال المال ، في سبيل إقامة الدولة الإسلامية ، فضلاً عن التشدد في موضوع الانتخابات والمشاركة في الوزارات ، ووضع العمل الجهادي موضع التنفيذ ، كوسيلة وحيدة لقلب أنظمة الحكم باعتبارها كافرة وتحكم مجتمعات جاهلية ، الأمر الذي حولها إلى دار حرب بسبب القوانين الوضعية السائدة فيها لقد شهدت فترة الثمانينات من القرن المنصرم ازدهاراً ونمواً مطرداً للفكر الجهادي السلفي في العالمين العربي والإسلامي ، وتصاعد منطق الحروب الدينية في ظل نظام دولي بلغت فيه الحرب الباردة بين قطبي الصراع العالمي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق أوجها ، وكانت أفغانستان أحد أهم تخوم حدود الصراع بعد ان تمكن الحزب الشيوعي الافغاني من الوصول الى السلطة ،

فقد اغتنمت أمريكا الفرصة لتقويض وتفكيك الاتحاد السوفييتي عبر أفغانستان وقد عملت في هذا الإطار على إحياء مفهوم الحزام المحمدي الذي نوه عنه مستشار الامن القومي الامريكي الاسبق بريجينسكي ، وذلك بالتحالف مع القوى الإسلامية الصاعدة السلفييين الجهاديين لتقويض أركان المنظومة الاشتراكية ، وقد نجحت في صناعة تحالف غربي ، عربي ، إسلامي { العرب الافغان } ، ســـاعدها على ذلك رغبة شـــديدة من قبل الأنظمة العربية والإســــلامية ، التخلص من الجهاديين المزعجين الذين اســـتهوتهم أيديولوجيا قتال { العدو القريب } وألهمتهم المتغيرات المعده مسبقا" في ايران عام 1979 والشعارات الثورية التي رددها الملالي ومنها شعار تصدير الثوره الاسلامية بإمكانية الانقضاض على مؤسسات الدولة ، وتلخصت سياسات الأنظمة العربية والإسلامية بتصدير فائض العنف الجهادي السلفي الذي بدأ يشكل إزعاجاً وخطراً حقيقياً ، وقد استقطب الجهاد الأفغاني معظم رموز منظري السلفية الجهادية ، وفي مقدمتها الشيخ عبد الله عزام ، الذي عمل على تأسيس { مكتب الخدمات } ،

منذ وصوله إلى أفغانستان عام 1984 ، وكان اسامه بن لادن و أيمن الظواهري وبقية شيوخ السلفية الجهادية قد جاءوا إلى أفغانستان وعملوا على تأسيس معسكرات خاصة بهم ، حيث بلغ عدد الجماعات التي عملت على أرض أفغانستان أكثر من أربعة عشر جماعة تمثل الدول التي جاءوا منها ، ويمكن القول أن هذه المرحلة شهدت توسعاً في المفاهيم التي جاء بها مؤسسي الخطاب السلفي الجهادي ، أمثال قطب ، وسرية ، وفرج ، كالحاكمية والجاهلية والجهاد ، وقد أثر القادمون من الجزيرة العربية على مجمل الأطروحات الجهادية ، وبدأ منظروا التيار بالاستفادة من التراث الكبير الذي خلّفه أئمة الدعوة النجدية على وجه الخصوص ، وبدت أطروحاتهم أكثر التصاقاً بالتراث الحنبلي ، وخصوصاً أطروحات الفقيه الحنبلي ابن تيمية وتلاميذه أمثال { ابن القيم ، وابن كثير وابن رجب الحنبلي } ، والتراث التجديدي لدعوة محمد بن عبد الوهاب وأبنائه وأتباعه ، حيث بدأ التوسع في مفاهيم الولاء والبراء ، والحكم بغير ما أنزل الله ، والإرجاء والعذر بالجهل ، ونواقض الإيمان ، والطائفة المنصورة ، والديمقراطية ، والطاغوت ، وغيرها من المسائل التي تؤسس لمنطق الحروب الدينية داخليا وخارجيا لقد شكلت هذه المسائل منظومة متكاملة تؤسس لمنطق الحروب الدينية من خلال القول بتكفير الأنظمة والدول في كافة أرجاء العالم ، كفراً أصلياً لأهل الكتاب والمنظومات الرأسمالية الديمقراطية ، والاشتراكية والشيوعية والقومية ، وكفر ردة وشرك في العالمين العربي والإسلامي ، وهي المسألة التي أخذت مساحة واسعة في الفكر السلفي الجهادي ، إذ أن مسألة كفر الأنظمة وردتها ، أصبحت أحد مسلمات الخطاب السلفي الجهادي ، وتبلورت رؤية سلفية أصولية تعتمد منهجاً عنيفاً في استعادة الخلافة المفقودة ، وتسعى إلى إقامة دار الإسلام ، على أي بقعة محررة في العالمين العربي والإسلامي ، وخلت الأطروحات النظرية للمنظومة السلفية الجهادية في هذه المرحلة من أي مقاربة نظرية تتعلق بواقع العلاقات الدولية ، وذلك بسبب طبيعتها الثورية وإستراتيجيتها القتالية التي تعمل على استرجاع رأس المال الضائع في ديار الإسلام ، لقد شهدت أواخر الثمانينات ومطلع التسعينيات من القرن المنصرم تحولاً جذرياً في طبيعة العلاقات الدولية ، تمخض عن نهاية الحرب الباردة وخروج الاتحاد السوفييتي السابق من أفغانستان وهو مثقل بالازمات الاقتصادية وانعكاس الانهيار العسكري في افغانستان ، ثم انهيار الاتحاد السوفييتي ، وتفكك المنظومة الاشتراكية ، ساهم هذا السقوط بتغير التصور الأمريكي المتعلق بالواقع السياسي الدولي من حيث التطلع الى التفرد و البناء الامبراطوري الذي لاينافسه احد ان كان اوربيا" أو غيره ، وهذه الحاله اشار اليها القائد الشهيد صدام حسين رحمه الله في اكثر من حديث ومن ابرزها { نضالنا والسياسة الدولية ، والدين والتراث ، وكلمته في اجتماع مجلس التعاون العربي في عمان }

يتبع بالحلقة الخامسة





الخميس ١٤ جمادي الاولى ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / أذار / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة