شبكة ذي قار
عـاجـل










أوضحت في الحلقة السابقه كيف تعامل العالم الغربي مع الدين ورمزيته الكنيسة ورجل الدين ومن أجل الوصول الى الهدف الاساسي من العنوان الذي اتخذته لابد من التطرق الى موضوع اجده هو مكمن الحركة الاسلامية الاصولية وما نتج عنها ان كانت احزاب او تيارات او حركات مجموعها تمحورت حول نقطه واحده الا وهي تضليل وخداع المتلقي لافكارها من خلال دعاتها ووسائل اعلامها ان كانت مرئية او مقروءه او مسموعه - المقدس - ،

فما هو مقدس ليس ما يقول به رجال الدين بالضرورة ، بل أن قدسيته تستمد من قدرته على خدمة الإنسان والمجتمع بما لا يتناقض مع روح الدين وقيمه السامية وبالتالي فإن القانون الوضعي لا يتناقض أو يلغي النص الديني ، بل يكون هذا الأخير متضمنا فيه وممثلاً روحه ، فما يخدم الإنسان ويمثل إرادة الأمة ويحظى بإجماع الشعب ، ورضاه لا يمكنه إلا أن يكون مقبولا من قبل الخالق جل علاه إلا أن تبسيط العلمانية وحصرها في علاقة ثنائية تناقضية مفترضة بين الدين والسياسة ، أو الدين والدولة ، لا يساعد على فهم أسباب وعوامل نجاح العلمانية في الغرب وتعثرها في البلدان الإسلامية وهنا قد يطرح بعضهم خصوصية الإسلام وتميزه عن المسيحية ، كأهم أسباب صعوبة تطبيق العلمانية ، من منطلق أنه لا يوجد في الإسلام كهنوتية ـ طبقة رجال الدين ـ كما هو الأمـــر فــي المسيحيــة ( وهنا ينافي الحقيقة والهالة التي اوجدها رجال الدين وخاصة المرجعية واتباعها حيث اصبح المرجع هو نائب للامام الغائب والذي يعد الثاني عشروعليه لابد من التسليم المطلق له والتقيد بالفتوى التي يصدرها وعدم الخروج عن منطوقها الا من هو بمستواه الفقهي من حيث الاجتهاد فيحق له التحوط والاخذ بالرأي الذي هو يراه ويقدره وأن الإســلام فـي جوهــره ديــن ودنيا لا يمكن الفصل بينهما ،

نعتقد أن هذه الأسباب ، وإن كان لها بعض القدرة على التفسير، غير مقنعة إذ أن المتعمق في البحث لن تعوزه النباهة ليكتشف وجود طبقة رجال الدين وما يشبه الكهنوتية في المجتمعات الإسلامية ، بل إن هذه الأخيرة هي أكثر انغلاقاً وتخلفاً من الكهنوتية المسيحية فلعقود طويلة والدين مجال مقدس محرم لا يناقش ، وعالم مغلق على رجال الدين التقليديين من أئمة مساجد وشيوخ وعلماء يحتكرون فهم الدين وتفسيره بالشكل الذي يتفق مع مصالحهم ورغباتهم ، ومع مصالح ورغبات من هم في السلطة ) ، كما كان الدين محتكرا" من قبل السلطة التي توظفه بالشكل الذي يخدم أغراضها وكان مما يزيد من شقة التباعد بين الناس العاديين وبين الفهم الحقيقي للإسلام ، وإدراك معانيه العميقة وعقلنته ، هو التحالف بين الفئتين السابقتين ـ رجال الدين التقليديين والسلطة ـ هذا التحالف الذي جعل الفئة العظمى من المواطنين ، وخصوصاً المثقفين الشباب ، تلتجئ إلى الإيديولوجيات العلمانية وتتبنى أفكارها وتنخرط في أنشطتها ، ليس كفراً بالإسلام ، لكن لأن الإسلام الرسمي والتقليدي لم يكن يشفي الغليل ، ولم يكن يسمح لهم بالتفكير العقلاني معه وبه وكانت أية محاولة من طرف المثقفين الشباب للتساؤل والتقصي حول أمور تنسب إلى الإسلام ، تفسر بتوجهات إلحادية وبالزندقة ، حيث كانت عملية التساؤل والتفسير من اختصاص الشيوخ التقليديين أو من اختصاص السلطة والمجامع العلمية الدينية التابعة لها ومما زاد في ارتباك مفهوم الإسلام في أذهان الناس وسلوكياتهم وتداخل الإسلام مع أمور تنسب إليه وليست فيه ، واحتكاره من طرف فئة محددة من الفقهاء وعلماء السلطة ، وانتفاء شروط الحياة الكريمة، والمواقف اللاعقلانية والعنصرية للغرب في تعامله مع الشعوب الإسلامية ـ والعربية خصوصا ـ هي التي تستثير الجانب اللاعقلاني عند المتدينين ،

وهو جانب التطرف والانكفاء على الذات ومعاداة الآخر وكلما تمت عقلنه الواقع بجعله قائماً على العدل والإنصاف واحترام إنسانية الإنسان وحقوقه ، نزعت من المتدينين صواعق تفجيرهم وتحولهم إلى ممارسي سلوك غير عقلاني ، أي إلى ظاهرة التطرف الديني والتكفيري أو بشكل آخر ، كلما جعلنا الحاضر أفضل من الماضي ـ وهذه هي سنة الحياة وطبيعة التطور الذي يسير إلى الأمام دوما ـ الذي تتقمصه بعض الحركات الأصولية ، وتجعله نموذجا لما يجب أن يكون ، وكلما أصبحت المجتمعات المسلمة أكثر قدرة على التحكم في واقعها وعلى التحرر من عوامل الهيمنة والاستلاب التي تحكم علاقتها بالمجتمعات الأخرى ، قلت الحاجة إلى الاستنجاد بالماضي وبالسلف الصالح ، وانتفى مبرر انتشار النزعة الدينية المتطرفة إذا الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تفجر ظاهرة التطرف واحتدام الصراع بين الأصوليين من جهة ، وبين أنظمة وقوى علمانية من جانب آخر ، هي أسباب دنيوية ، مشاكل ترتبط بالفقر والبطالة والهيمنة الأجنبية ، والإحباط واليأس المسيطر على الجيل الصاعد ، أي أنها غير مرتبطة مباشرة بالإيمان بالله أو عدم الإيمان به ، أو بأن نكون مسلمين أو غير مسلمين وبالتالي ، فإن طرح بعض الحركات الإسلامية الجانب السلوكي والطقوسي من الدين لا يعبر عن حقيقة المشكلة ولن يساعد على حلها ، لأنها ببساطة لا تتعامل مع جوهر المشكلة حتى في الجانب الديني الإيماني فحيث أننا لسنا في زمن الأنبياء والرسل ومع انقياد المسلمين لأنظمة مشكوك في شرعيتها الدينية والشعبية والديمقراطية ، في ضوء كل ذلك فإن فتح باب الاجتهاد يتحول إلى مشكلة متداخله وشائكة تزداد تعقيداً مع تباين أوضاع المسلمين وتباين نظمهم وثقافاتهم وغياب الدولة الواحدة ، فيتحول الدين إلى اسلوب وأداة توظفها الأطراف المتصارعة في المجتمع ـ وبين المجتمعات ـ كل بما يخدم أغراضه وكثيراً ما تتناقض الاجتهادات بعضها مع بعض حول الموضوع الواحد لان المرجعية في التفسير والتأويل لا تكون روح الإسلام وقيمه ، ولكن مصالح سياسية دنيوية ، والخلل هنا ليس في النص الديني ،

لأن النص الديني كان يخاطب مجتمعاً محدداً وبلغة ومفاهيم وأمثلة من واقع حياته فالنص ، كلغة ومفردات كان خاصاً بالمجتمع العربي الإسلامي آنذاك ، أما الإسلام كروح وكقيم فهو لكل زمان ومكان فتطبيق الإسلام اليوم لا يعني بالضرورة إخضاع الواقع لنص محدد ، بل استلهام الإسلام من النصوص ، لما فيه خدمة الانسان والمجتمع وعندما نقول استلهام أو تأويل النص ، فهذا يعني وضع نصوص وقوانين وضعية تستجيب لمتطلبات الحياة والعصر بما لا يتناقض مع روح الإسلام وجوهره ، إن رفض القول بصحة وضع قوانين بشرية تنظم حياة الناس في مختلف مجالات الحياة ، والتشبه والتقيد بالنص القرآني والحديث النبوي ، من دون مرونة في التعامل يعني إحدى فرضيتين - الأولى هي أن النص الديني ، قرآناً وحديثاً ، يتوفر على إجابات حول مشاكل ومستجدات العصر ، وأن كل صغيرة وكبيرة يتوفر النص الديني على إجابة مباشرة عنها هذا يعني أنه يمكننا أن نجد في النص المقدس ـ قرآناً وحديثاً ـ نصوصا حول العلاقات الدولية المعاصرة ونظرية الدولة والاقتصاد والتأمين والشركات ، وهذا شيء غير موجود في النص الديني ، ولا يمكنه أن يكون لأن النص الديني المقدس ، سيبدو في نظر المسلمين الأوائل ، غريباً وغير مفهوم ، يتحدث عن أمور غريبة عنهم وشاذة والفرضية الثانية هي القول بأن الله جلت قدرته ، لم يكن يدري ما سيطرأ على العالم من تحولات وما سيواجه من مشاكل وما سيستجد من نظم واكتشافات ، وعليه فإن هذه الأمور مرفوضة ويجب تجاهلها ! -

لا شك في أن الفرضيتين مرفوضتان إذاً ، الشيء الأقرب إلى المنطق ، وإلى حقيقة النص الديني هو القول بأنه يعود إلى الناس تأويل النص الديني والتعامل معه بيسر ووضع هذه التأويلات والتفسيرات في قوانين وضعية تجيب عن مشاكل العصر ، وبما لا يجعلها تتناقض مع روح الاسلام ومبادئه الأخلاقية بمعنى أن القوانين الوضعية ـ في السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلوم الخ ـ تدخل في باب الاجتهاد في أمور مستجدة ، وهذا يتفف مع قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم { أنتم أدرى بشؤون دنياكم } ، إذا" فالخصوصية التي يتحدث عنها بعضهم ليست خصوصية الإسلام بحد ذاته ، وتميزه عن الديانات السماوية الأخرى ـ وهي خصوصية موجودة بلا شك ولكن في حدود ـ لكنها خصوصية أوضاع المسلمين خصوصية اجتماعية سياسية واقتصادية ، وهي أوضاع لا تنسب الى الإسلام الحقيقي بل الى مدعيه والمتعاملين معه وبالتالي عندما نقارن بين العلمانية في الغرب المسيحي ، بالمفهوم الذي تناولته في الحلقة السابقة والعلمانية التي يجري الحديث عنها في العالم الإسلامي ، يجب الأخذ بعين الاعتبار الظروف والتحولات التي سبقت وتقاربها وتباعدها مع تطبيق العلمانية في الغرب وهيأت شروط نجاحها ، ومقارنتها بالظروف والأوضاع السائدة في العالم العربي الإسلامي ، حيث يراد تطبيق العلمانية ونعتقد أنه مما يخدم الاسلام التعامل بمرونة مع مقولة إعجاز النص القرآني ،

بدلاً من تحويل النص المقدس الى لغز وقيد على العقل وحاجز أمام التطور والإبداع فالقول بإعجاز النص القرآني كان ذا هدف معين عند نزول القرآن ، وبالنسبة الى أناس ومجتمعات محددة ، لها لغتها وأوضاعها الخاصة أما اليوم ، في عالم متغير وظروف مجتمعات ولغات وثقافات متباينة ، فان التمسك بالفهم الجامد لإعجاز القرآن كلغة وتعبير ، قد يسيء الى الاسلام أكثر مما يفيده لان التقيد بأعجاز النص قد يقنع البعض من أصحاب اللغة العربية ، ولكنه لا يستطيع إقناع أناس من لغات وثقافات أخرى ، أما إبراز روح الاسلام وقيمة الخلاقة فأنه أكثر قدرة على الإقناع لأنه يتعامل مع الإسلام كقيم وتربية حسنة ، ويبعد عن الإسلام ما يلحق به من تعصب وانغلاق وتخلف ، ويجعله قابلاً لاستيعاب الأمور المستجدة ويفتح الباب واسعاً للاجتهاد والتأويل أمام ذوي الاختصاصات في الأمور المستجدة ، ويجعله قابلاً للفهم من كل ثقافات العالم هذا الفهم لإعجاز القرآن ، يسمح لكل ذوي الخبرة والاختصاص وللعلماء والباحثين من كل الثقافات والجنسيات بالانفتاح على الإسلام والنهل من علمه وتعاليمه دون أن يكونوا شرطاً متعمقين في اللغة العربية ، بل يكتفي منهم أن يكونوا مشبعين بروح الإسلام إن عقل العلمانية وتلمس أسباب نجاحها وفهم آليات عملها وتطبيقها في الغرب ،

لا يستقيم إلا في إطار نظرة شمولية إلى التاريخ الأوروبي منذ القرن السادس عشر ، تقريباً حتى نهاية القرن التاسع عشر ، بما حفلت به هذه الحقبة من تحولات وأحداث وثورات هيأت الشروط الموضوعية لنجاح العلمانية وأخذها السمات العامة التي هي عليه اليوم فمن التعسف أن نفصل بين العلمانية وبين الثورات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها أوروبا ، والتي هيأت المناخ المناسب لنجاح العلمانية فالثورة الدينية مثلت ثورة عقلية لدى الانسان الغربي ، جعلته يضع محل التساؤل كل ما يتعلق بنظرته إلى الدين جوابا" واضحا" يمكن الاخرين من الوصول الى هدفه ، لأن بعض الناس يسيء فهم الدين فيعمل الى التعتيم والتقيد والاستلاب ليحول الفرد الى فاقد كل مقومات التغيير لانه غيب وهذه هي الاخرى من اكبر قوى الصراع لانها حولت الاداة الفاعله الى يأس واستسلام وهذا الذي هو يحصل الان في العراق واليمن ومصر وليبيا وسوريا ولبنان بجنوبه بفعل الفتاوى والزخم المتزايد من التخويف والوعيد وليس ببعيد ما عوى به ابو الحسن هادي العامري مخاطبا" ذوي ضحايا ومفقودي ومغيبي سبايكر وما كان يروم تحقيقه ليتناغم مع قانونهم الذي يريدون تمريره من خلال مجلس النواب ليتشرعن فعلهم الاجرامي باستهداف كل الوطنين الاخيار ابناء العراق


يتبع بالحلقة الاخيرة






الاحد ٢٦ ربيع الثاني ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / شبــاط / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة