شبكة ذي قار
عـاجـل










وهنا يطرح سؤال محدد (( فهل يترك العمل السياسي على أساس ديني بالحالة التي هو فيها وما يفرزه من شق للحمة المجتمعية وايقاض الفتنة به )) والاجابه عند الخيرين هذا الأمر المنكر خلقا"ودينا" و حذرنا الله تعالى من الاطمئنان إلى ممارسيه بقوله * أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * البقرة: 75 و قوله ـ تعالى ـ * ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أي إنهم فهموا ما قال الله ـ تعالى ـ وتصوروه على وجهه الصحيح ، ثم عمدوا إلى تحريفه وهم يعلمون أنهم محرفون له لتحقيق منافعهم وأهوائهم وخداع المساكين ألبسطاء ، إن الدين الحق إنما جاء لينفع الناس في دنياهم وآخرتهم ، فلا يمكن أن يكون فيه ما يمنع من الأخذ بشــــيء هو من ضرورات العصر أما أهواء العصر وما يشيع فيه من قيم وأفكار وعادات وتقاليد فإن الدين لم يأت لموافقتها ،

بل جاء لإقرار ما فيها من حق وإنكار ما فيها من باطل ، فالمعيار هو كلام الله لا أهواء البشرثم إن كثيراً مما يسمى بثقافة العصر مما يخالف الدين الحق ليس هو في حقيقته بالأمر الجديد الذي يقال إنه مما امتاز به عصرنا ، وكان لحزب البعث العربي الاشتراكي منذ مرحلة التبشير والتأسيس الموقف الواضح من استغلال الدين والمشاعر الدينية لاغراض دنيوية لاتتوافق والحاجات الاساسية للانسان العربي او المسلم ان كان ذلك في كتابات الرفيق المرحوم القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق - في سبيل البعث - او كتابات المرحوم الرفيق القائد الشهيد صدام حسين ، أو ماصدر عن الحزب من مقررات قومية او قطرية في هذا الجانب ومن أبرزها التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر القطري التاسع في العراق ، وبغض النظر عن القراءات المتناقضة لما يسمى بـ الحركات الإسلامية أو الأصولية أو الإسلام السياسي أو الصحوة الإسلامية .....الخ ،

فهذه الظاهرة وليدة بيئتنا وثقافتنا ، وتنهل من ماضينا ومقدساتنا ، الأمر الذي يجعل مقاربتها لا يحتاج إلى الجري وراء تنظيرات المستشرقين والمفكرين الغربيين وكتاباتهم حول الموضوع حيث ان ما كتب او حلل ماهو الا نتاج التوافق والتعارض والاستفادة والتأثر ، فأقول فبما أنها خاصتنا دون منازع فعلينا أن ننظر إليها بعيوننا وليس بعيون الآخرين فمثقفونا ورجال سياستنا وليس سياسيوا الصدفة والذين خرجتهم دهاليز المخابرات الاجنبية ليكونوا قوة لاراداتهم المستقبلية في البلدان التي يستهدفونها ، أقدر من غيرهم على التعامل مع الموضوع وعليه لابد من الجمع فيما بين العلمانية والأصولية في موضوع واحد مع أنهما مصطلحان متناقضان وينتميان إلى مرجعيتين مختلفتين وهذا كلام صحيح أي على مستوى التعريفات ، ولكن بما أننا وكما سبق القول سأتناول الموضوع من خلال الواقعية المتمثلة بالممارسة والمعايشة فإن التعرض لأي منهما سيحيل تلقائياً إلى الآخر وخصوصاً في الشكل الذي هما مثاران في مجتمعاتنا العربية والإسلامية فالعلاقة بينهما علاقة الفعل وردة الفعل أو الشيء ونقضيه ، مع أنهما غير متناقضتين بشكل كامل وهناك مقولة مشهورة للباحث في علم الاجتماع فولتير فحواها - قبل أن تتحدث معي حدد مصطلحاتك - وهذه المقولة يتوجب استحضارها عند اجراء بحث اجتماعي سياسي حيث تتعدد المفاهيم وتتداخل وتتناقض بعضها مع بعض ألاخر حول القضية الواحدة ، فالمصطلح في العلوم الاجتماعية يتحمل تفسيرات عدة وهو لا ينجو من تأثيرات الأيديولوجيا والذاتية اللتين يضيفهما الباحث على رؤيته وتفسيره للمفاهيم المستعملة ، إن المصطلح الذي هو - تجريد للواقع يسمح لنا أن نعبر عن هذا الواقع من خلاله - ،

هو أساس لغة التعامل الإنساني ووسيلة للتعبير عن أفكار وحالات وأوضاع محددة لأنه عن طريق هذا التحديد يمكن للباحث أن يحصر المعلومات التي عليه جمعها ، ويمكن للقارئ أيضا منذ البداية أن يعرف ماذا يقصد الباحث بهذا المفهوم أو ذاك أو ما هي القضية محل النقاش ، إن تحديد وتعريف مفهوم أو مصطلح والإلمام بمقاصده وخصوصا في دول العالم الثالث ، حيث يتداخل ما هو اجتماعي مع ما هو سياسي ، والديني مع الدنيوي بشكل كبيرلا يستمد هذا التعريف غالباً من المفهوم ذاته ، أي من كونه تجريد للواقع بل تغلب عليه الأيديولوجيا والأمال والتطلعات ، فيصبح المصطلح من خلال ما يضفي عليه مما ليس فيه ، تعبيراً عن شيء أو أشياء لا علاقة لها بالواقع ، أو عن شيء يجب أن يكون كما يريده العقل المتعامل والمستعمل للمصطلح وليس عن الشيء الموجود بالفعل ، الأمر الذي جعل بنية الفكر العربي الإسلامي الذي تملأه هذه المفاهيم وتشــــكل لحمته وسداه ، عبارة عن بناء تصوري ذاتوي منسلخ عن الواقع ، فكر مرتبط ومحكوم ومسير بمفاهيم ومصطلحات يعتقد أنها واضحة وبينة ، بينما هي في الحقيقة أبعد ما تكون عن الوضوح والموضوعية ، حيث إن كل شخص أو حركة أو نظام يضفي عليها مسحة أخلاقية وقيمية إيجابية أو سلبية بحسب هواه ، وهو الأمر غير المقتصر على الحركة الإسلامية أو الفكر الإسلامي المعاصر ، وهذه الرؤية توقف عندها حزب البعث العربي الاشتراكي كثيرا" عندما تناول - القومية وفكرة النهوض القومي كونها اللبنة الاولى في البناء الايديولوجي الذي يترعرع وينمو في فضاء القضية لابين الجدران في الغرف المغلقه كي تكون تلك الفكرة هي نقطة الانطلاق للانقاذ والبناء والتوحد وبهذه الروحية الجدلية المترابطة كانت الارادة القومية هي الخصم الواعي والمتيقض امام كل قوى الظلام ان كانت افكار مزروعة او مستورده لاتتلائم والحاجة القومية ، وعندما طرح البعث العلمانية ركز على موضوع الايمان الواعي والفهم العميق للدين الاسلامي كونه روح الامة وقوة الدفع الايجابي في التغيير وليس كونها من المفاهيم التي أقحمت في الجدل المحتدم في العالم العربي والإسلامي حول علاقة الديني بالدنيوي ، يظهرها بعضهم كأسلوب حياة وحكم متعارض مع الشريعة الإسلامية ، ويطرحها آخرون بشكل لا يضعها موضع التصادم مع الإسلام - ، فإن هناك شبه إجماع لدى المختصين على أنها تعني فصل الدين عن الدولة وحيث إن العلمانية في نظرهم شكلت عنصراً أساسياً في تطور الحضارة الغربية ، وإحدى ركائزها ،

فإن الأمر في نظرهم يتطلب تطبيق العلمانية في العالم العربي الإسلامي لتكون ركيزة نهضة حضارية ، وهؤلاء هم أنصار - نظرية التنمية - ، أو المستلهمون مرتكزاتها الفكرية ، وعرض الامر بايجازه لا نستعيد المفاهيم والتحليلات المتعددة التي أعطيت للعلمانية من طرف كتاب عرب ، والنقاش الذي بدأ منذ بداية القرن العشرين مع صدمة الحداثة ، ثم توسع واحتدم مع علمانية كمال اتاتورك في تركيا لكنه سنبين المفهوم الذي أعطى للعلمانية ووضعها في حالة تعارض مع الإسلام ، حيث عرفت العلمانية بأنها فصل الدين عن الدنيا أو عن الدولة والسياسة ، الأمر الذي يعني أن للخالق مجالاً خاصاً به وهناك مجالات أخرى لا علاقة للخالق بها ، وهذا في نظر بعض التيارات الدينية يتناقض مع مفهوم الخالق المطلق اللامتناهي - رب السماوات والأرض الذي على كل شــــيء قدير والذي لا يحدث أمر من دون علمه وإذنه - كما يتناقض مع تصورهم عن الإسلام باعتباره دينا ودنيا ، عبادات ومعاملات ، قد يوحي تعريف العلمانية بأنها فصل الديني عن الدنيوي ، أن دول الغرب العلمانية تخلت عن قيمها المسيحية ، ولم يعد للدين وجود في علاقتها الداخلية والخارجية هذا أمر غير صحيح ، فالحضارة الغربية لا زالت تسمى حضارة غربية مسيحية والمؤسسات والرموز الدينية لا زالت فاعلة كالفاتكان والبابا ، والمراكز التبشيرية التي يزرعها الغرب في مناطق العالم لا تخفى على أحد ، بل إن نظرة الإنسان الأوروبي العادي إلى أصحاب الديانات الأخرى محكومة ببعد ديني لا يخفى بالإضافة إلى النظرة العدائية التي ينظر من خلالها الغرب المسيحي إلى العالم الإسلامي ، إن الفهم الحقيقي للعلمانية التي أخذ بها الغرب يعني أن أمور الدين ليست حكرا على جماعة تدعي أنها واسطة بين الإنسان وربه فالعلمانية ترفض التسليم بأن أمور الدنيا لا تستقيم إلا إذا نظمت وسارت على أساس تطبيق نص أو تعاليم دينية واضحة ومحددة والعلمانية لا تنفي وجود الخالق ولا تحاربه بل تقبل التعايش والاستحضار ،

لكن ليس كنصوص قاطعة باتة أو تعاليم صارمة ، بل كروح وقيم ومبادئ تُسْتَلهم وتتكيف مع خصوصيات كل مجتمع ، ومع كل مستجدات تطرأ فالعلمانية بهذا الشكل تعني توظيف الدين عقلانياً بما فيه خدمة المجتمع والإنسان ، وبما لا يتناقض مع روح الدين إذ أن الدين وجد لخدمة الإنسان ولما فيه صالح المجتمع ، إن الجذور التاريخية للعلمانية في أوروبا ، والتي تصاحبت مع حركة النهضة ، لم تقم على أساس تغييب الخالق أو قطع الصلة مع الدين ، لكنها سحبت احتكاره من قبل فئة محددة ، ووسعت أفقه ليستوعب العلم الحديث وتطورات العقل البشري ، وهي مجالات معرفية كانت محجوراً عليها من طرف رجال الدين وهي بذلك حررت الحاكمين من سلطة رجال الدين وتفسيراتهم وتأويلاتهم الانتقائية التي ليست بالضرورة تطبيقا لنص إلهي أو موحى بها إليهم ، وفصلت الكنيسة عن السياسة بحيث أصبح رجال الدولة يستمدون شرعيتهم من الشعب ، وأصبح رجال الدين والمؤسسات الدينية جزءاً من حركة المجتمع وتطوره ومؤسساته وعليهما إثبات جدارتهما في خدمة المجتمع والتفاعل معه وليس في اعتمادهما على شرعية متوهمة مستمدة من مصدر إلهي مشكوك في تمثيلهما إياه ، لقد أضفت العلمانية طابعاً اجتماعياً واقتصادياً على المقدس موازيا" لمجريات الحياة اليومية ومتكيفاً وفق متطلباتها أي أنها عملت على تبيئة المقدس وتبسيطه وتحويله إلى أخلاقيات وقيم دنيوية ، ومن خلال ذلك اصبحت التيارات أو الاحزاب الدينية في المجتمعات العربية والاسلامية قوة تجسد صراع الارادات مع الستراتيجية الامريكية تحت يافطت اشاعة الديمقراطية وحقوق الانسان

يتبع بالحلقة الحادية عشر






السبت ٢٥ ربيع الثاني ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / شبــاط / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة