شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد دعوته لعقد مؤتمر دولي للإشراف وإدارة المراقد الدينية في العراق، أعلن رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، بأنه لولا الدور الذي تلعبه إيران في العراق، لكان القتال يدور الآن في داخل إيران.

هذا الإعلان الصادر عن لاريجاني تزامن مع مواقف صادرة عن مسؤولين سياسيين وعسكريين وأمنيين إيرانيين أكدت جميعها على المشاركة وبتعبير أدق الاشتراك في العمليات العسكرية. وهذا الاشتراك بعضه يتخذ طابع التدخل المباشر عبر تشكيلات عسكرية إيرانية، وبعض آخر يأخذ طابع التدخل عبر الإشراف والتدريب والتسليح لميلشيات عراقية كان وضعها ملتبساً في حكومة المالكي وأصبح اليوم مشرعاً في حكومة العبادي.

إن أقصى ما كان النظام الإيراني يمن النفس به هو الخروج من "فوبيا" العراق التي كان مسكوناً بها طيلة فترة الحكم الوطني الذي كان يقوده حزب البعث. وأن يرى هذا النظام وزير الدفاع العراقي يتسكع على عتبة المرجعيات الإيرانية مستجدياً المدد والعون العسكري، وأن يصطحب رئيس الحكومة حيدر العبادي قائد ما يسمى بفيلق بدر لزيارة المواقع القتالية بدل اصطحاب قادة عسكريين، فهذا يؤشر على حجم الحضور الإيراني في توجيه دفه الأمور بعدما بات قاسم سليماني هو المرشد السياسي والقائد العسكري للتشكيلات الأمنية والعسكرية العاملة في العراق.

هذا الانخراط الإيراني في الشؤون العراقية لضبط الإيقاع السياسي والأمني على ضوء مقتضيات الاستراتيجية الإيرانية في العراق يراد له أن يوفر أرضية ميدانية يتم التأسيس عليها في صياغة أوضاع العراق السياسية التي تحاكي من جهة، الأهداف الأميركية لإنجاز "مشروع بايدن" الرامي إلى تقسيم العراق إلى ثلاث مكونات عرقية ومذهبية، وتبقى حالة العراق في وضع المضطرب دائماً من جهة أخرى، وكي تُبقي إيران لنفسها مبررات التدخل، وبالتالي إدارة أزمات العراق بما يخدم أجندة أهدافها الخاصة.

من هنا، فإن النظام الإيراني الذي يعيش تحت وطأة وضع مأزوم يعمل على احتواء أزمته الداخلية ليس من خلال البحث عن حلول جدية لها للحؤول دون انفجارها، بل يعمد إلى تصدير أزماته إلى الخارج والانخراط في صراعات لعب ويلعب دوراً في تأجيج أوارها، كي تبقى الانشداد الإيراني إلى الخارج وإلا فإن الأزمة ستفجر في الداخل الإيراني. وهذا ما يدركه النظام وعليه جاء إعلان لاريجاني ليفصح عنه دون مواربة.

على هذا الأساس، يريد النظام الإيراني إعطاء أولوية لدوره في الخارج، وهو في الوقت الذي يشتري الوقت في مفاوضات ملفه النووي يندفع بقوة إلى الداخل العربي عبر البوابة العراقية وبالاستناد إلى أدوار قوى ترتبط بمرجعيته الفقهية والسياسية، ويعمل جاهداً لفرض واقع يستطيع من خلاله تصوير مكونات مجتمعية عربية وكأنها جاليات سياسية إيرانية. ولهذا فإن هذا النظام يعمل ضمن دائرة العراق ودائرة العمق القومي والأولوية عنده هي الدائرة الأولى، وخطته الأصلية تهدف إلى إبقاء العراق تحت سقف القرار الرسمي الإيراني وخاصة لجهة تحديد الخيارات السياسية للنظام الحاكم في العراق مع الخارج وبشكل خاص مع إيران. واستدراكاً لاحتمال حصول تغيير سياسي في العراق يعيد الأمور إلى المربع الأول في العلاقات العراقية الإيرانية التي كانت قائمة قبيل وقوع العراق تحت الاحتلال، يركز النظام الإيراني جهوده ويستغل معطى اللحظة الراهنة لتكبيل العراق بقيود تعيق حركته وتجعل من الصعوبة تجاوزها إذا ما تغيرت الظروف والمعطيات السياسية.

هذه الاستراتيجية الإيرانية بدأت معالم تنفيذ مراحلها من خلال التأثير الإيراني في التركيب السلطوي العراقي الذي أعقب الانسحاب الأميركي والذي بات مكشوفاً بعدما كان مموهاً وينفذ عبر القنوات الأميركية.

أما ما يتعلق بالدور الإيراني المباشر لتنفيذ الخطة الإيرانية فهي تتجلى الآن بالخطوات التالية:

1- التنفيذ والإشراف على عمليات تهجير جماعي من المناطق الحدودية مع إيران وخاصة في محافظتي ديالا والبصرة ومن أضطر لمغادرة منطقته نحو مناطق أكثر أماناً منعه من العودة. وهذا التهجير يتم على أساس الفرز المذهبي.

2- تحويل المناطق التي يهجر منها سكانها أو الذين يمنعون من العودة إليها إلى شريط حدودي عازل يقول مسؤولو النظام الإيراني أنه يجب أن يكون بعمق 40 كلم.

3- هذه المنطقة العازلة التي تفرغ من سكانها سيوطن فيها إيرانيون بعد منحهم الجنسية العراقية والتقارير تقول أن عددهم فاق المليونيين حتى الآن.

هذا الاستيطان الإيراني للمنطقة العازلة سيحقق جملة أهداف دفعة واحدة:

- أولها أن الإيرانيين سيصبحون على تخوم بغداد إذا ما تمكنوا من تفريغ ديالى من سكانها.
- ثانيها، ان النظام الإيراني سيضع يده على كل حقول النفط الموجودة ضمن هذا الشريط وهي الأغنى باحتياطها النفطي.
- ثالثها، أنه سيضع شط العرب ضمن مدى "السيادة الإيرانية" وبالتالي تصبح منافذ العراق المائية تحت السيطرة المباشرة لإيران.

هذه الأهداف التي يريد النظام الإيراني تحقيقها في هذا الوقت بالذات، يردفها بجملة إجراءات تنطوي على مخاطر جمة على هوية العراق الوطنية وذلك من خلال فرسنة الحياة المجتمعية سواء عبر وضع اليد على المراقد أو عبر إغراق العراق بالرموز الإيرانية ذات الدلالات الفارسية.

استناداً إلى كل هذا، فإن المخطط الإيراني، حيال العراق يتجاوز حدود الاحتواء السياسي، ليصل إلى القضم الجغرافي وتغيير التركيب الديموغرافي، وبالتالي إبقاء العراق ضعيفاً. وعندما يكون العراق ضعيفاً، تشعر إيران بأنها قوية، ليس بالاستناد إلى ما تحسبه عناصر قوة ذاتية لديها، بل إلى ضعف المحيط وبالدرجة الأولى العراق.

إن عراقاً ضعيفاً، يبقى أبوابه مشرعة أمام النظام الإيراني ومنه يتم العبور إلى العمق القومي العربي، وهذا ما يجب أن يكون واضحاً عند كل من تلتبس عليه الأمور عن أهداف النظام الإيراني وخاصة حيال العراق.

انطلاقاً من تشخيص ما يرمي إليه النظام الإيراني، يفترض وضع خطط المشروع الاعتراضي، وأولى خطوات المواجهة لهذا المشروع الشديد الخطورة على العراق أولاً وعلى سائر أقطار الوطن العربي ثانياً، هو الوضوح في الموقف. وهذا الوضوح في الموقف يجب أن يكون مقروناً بالانخراط في آليات المواجهة لهذا المشروع المحمول اليوم على الرافعة الأميركية. ومن يبدي حرصاً على وحدة العراق وعروبته، عليه أن يضع المشروع الإيراني في سياق المخاطر المهددة للأمن القومي العربي، وأن وأد على هذا المشروع الذي يسعى لأن يكون العراق قاعدته الأمامية، هو من العراق ذاته، وأقصر الطرق هو الالتفاف حول المشروع السياسي الوطني الذي طرحته القوى الوطنية ومدخله الوقوف بحزم ضد حظر البعث وضد قرار حل جيش العراق الوطني وعليه يتم التأسيس لإطلاق عملية سياسية تشرك الجميع في إنتاج نظام سياسي على قاعدة المساواة في المواطنة والديموقراطية في الحياة السياسية والوطنية الجامعة بعيداً عن الارتهان والتبعية لأميركا وإيران.






السبت ١٩ ربيع الاول ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / كانون الثاني / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة