شبكة ذي قار
عـاجـل










للزمان والمكان تأثير كبيرا في حياة الأفراد والشعوب والأمم ونتاجاتها على مستوى الفكر والسياسة والعلوم والابتكارات ، التي تتطور بتطور الزمان وانجازاته ، فما يطرحه الفكر في مرحلة ما قد لا يتحقق بالصورة المرسومة له في زمان طرحه والتداول فيه كما هو في الزمن الحاضر او في المستقبل ، مع الحفاظ على جوهر الفكرة لأسباب ذاتية أو موضوعية ، فالوحدة العربية طرحت كمفهوم في أبان وعقب الفترة المظلمة عندما وجد أبناء الأمة إنهم مستهدفون بوحدتهم وان الأجنبي يريد أن يسيطر عليهم وعلى مقدراتهم ، فيسلب منهم حريتهم في التنقل بين أهلهم وشعبهم ، في ارض الأمة التي تحددت بضوء سكنهم هذه الأرض منذ فجر التاريخ ، كما يسلب منهم قوتهم بتقسيم هذه الأرض إلى دويلات تحدها حدود مصطنعة ، وفوق هذا يسيطر على ثرواتهم ويجعل بلدانهم أسواقا نهمة في شراء مصنوعاته التي رأس مالها من هذه الثروة المسروقة ، وفوق كل هذا وذاك يسلب إرادتهم الوطنية وقرارهم الوطني المستقل ، وقد تحقق للأجنبي كل هذه الميزات التي عمل عليها منذ وقت طويل ، عندما فرض سيطرته على كامل تراب الأمة، في حقب طالت كثيرا ، فدفع شعبها تضحيات كبيرة من اجل الاستقلال لكنه لم يفلح في قيام وحدته التي منحها الله اليه عندما كان امة واحدة فعندما ولد البعث جعل أول أهدافه الوحدة العربية ، وأعطاها ارجحية وقال إنها الضمانة للهدفين الأخريين ( الحرية والاشتراكية ) لقد قلنا في ج 5 من مقالنا المسلسل البعث باق والطريق طويلة ، إن الطور الأول لرسالة البعث هو بتحقيق ثلاثيته في الوحدة والحرية والاشتراكية ، وقلنا هناك من يسال عن عمر هذا الطور وهل يكون بقرن أو قرنين أو ثلاث ؟

 

وقلنا أيضا إن هذا متروك لزمن تحقيق تلك الثلاثية وما يرافقه من معطيات على مستوى العرب والعالم ، لقد أراد البعث أن تتحقق الوحدة العربية بأسلوبين أو بنظامين هما الوحدة الاندماجية والوحدة الاتحادية ، ولكل منهما نظامها الدستور ي والسياسي وبإطار وأحكام النضال الشعبي الممنهج والذي يحس بحلاوة التضحية من اجل الوحدة ، لا وحدة كيانات لارابط بينها إلا أسماء أقطار الأمة ، وقد كانت هناك فرصة لتحقيق أول نواة للوحدة بين مصر عبد الناصر وسوريا البعث ، التي عقد لواؤها في الثالث والعشرين من شباط 1958، إلا أن الانفصال اغتال تلك الوحدة الوليدة في الثامن والعشرين من أيلول / 1961 ، ولأسباب كانت كامنة في جسد حكام الوحدة أنفسهم ، وعندما جاء البعث ليحكم في العراق في الثامن من شباط / 1963 وفي سوريا في 8 آذار من نفس العام ، عادت فكرة الوحدة من جديد مع طرفها الثالث مصر، وكان ميثاق 17 نيسان 1963، ولم تلد الوحدة واغتيلت ثورة العراق في الردة التشرينية من نفس العام ، وعندما عاد البعث ثانية ليحكم العراق عندما فجر ثورة 17 – 30 تموز القومية الاشتراكية كانت هناك فرصة أخرى لتحقيق نواة الوحدة المرتقبة ، وكان مشروع العمل القومي المشترك مع سوريا ولم تتحقق الوحدة ،

 

واليوم وبعد أن احتلت أمريكا العراق في التاسع من نيسان 2003، كيف ننظر إلى هذه الأهداف ومدة تحقيقها ؟ وكيف تتحقق والبعث في العراق مجتثا ؟ كيف تتحقق وقد اظهر الأعداء وحدتهم وتآزرهم على البعث والعراق ؟ فاصطفت أمريكا والغرب وإيران مع عدو الأمة الأول اللوبي الصهيوني ووقفوا جميعا لتحقيق مشــــــــــروعهم تحت شعار ( عراق الطوائف والأحزاب الطائفية لا عروبة ولا بعث يرفع لواء القومية ) وقد يتسرب إلى ذهن القارئ إن هذا القول يثبط الهمم ويضعف النفوس ويقتل الأمل ، لكن أقول إن علينا أن نتعامل وننظر إلى الأحداث كما هي ، ونبحث عن الوسائل والمستلزمات والممكنات الواجب حضورها في النفوس والعقول أولا وفي الميدان ثانيا وفي الوسط الشعبي الكبير والواسع لشعب العراق وللأمة ثالثا ، من اجل أن نعمل على إيقاف هذا المشروع ومن ثم الإجهاز عليه وإنقاذ الأمة من شروره ، يقول القائد الشهيـــــــد الرئيس صدام حسين رحمـــــــه الله ( الظروف الصعبة تبحث عن فرسانها ويرتادونها فرسانها ولا يتجنبوها ) ثم يقول اثر هزيمة الخامس من حزيران ( إن الخامس من حزيران انكسار ، وطالما لا يحافظ المنكسر على تماسكه فان العملية سوف تأخذ منحدرا خطيرا ) فاحتلال العراق مر وصعب ، لكن الوقوف بوجهه ومقاومته هو الشهد وهو البطولة، لأنه صفة المؤمنين بالله وبالوطن وبالمبادئ البعثية التي ترضي الله ، فعندما يحضر الإيمان يهزم الشر والعدوان ، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بأمر الله ، فالبعث لم يقف مكتوف الأيدي أمام هذا المشروع الملعون ، وإنما كانت له مقاومة وتصدى رجاله ببسالة وهم يذودون عن تراب العراق وعن مقدساته وشعبه ، وكان له أنصار وحلفاء من جميع أبناء الشعب ، جيوش وفصائل قاوموا وضحوا وهانت عليهم الحياة الدنيا من اجل طرد المحتل ، وتحقق ذلك بفعلهم المجيد في الحادي والثلاثين من كانون الأول / 2011،

 

واليوم تحاول أمريكا وحلفاؤها من العودة للعراق تحت ستار الحرب على الإرهاب ، والبعث والفصائل الوطنية ترفض هذه العودة التي جاءت لتحقيق الأهداف التي عجزوا عنها بفعل المقاومة الوطنية العراقية ، ولابد أن تتضافر الجهود لكل القوى الوطنية العراقية لطرد هذا الوجود الجديد وصولا إلى الهدف الكبير والسامي وهو ( عراق خالي من الاحتلال والتدخل الأجنبي والإرهاب والميليشيات الطائفية وأحزابها ويمتلك كامل استقلاله وسيادته الوطنية على أرضه وشعبه وقراره المستقل بظل دولة القانون والديمقراطية والتعددية الحزبية ) وعندها ستكون الوحدة العربية حاضرة في عقول أبناء العراق وقد وعى أبناؤه أحزابا وقوى سياسية الدرس البليغ لأهمية الوحدة الوطنية والقضاء على الطائفية والمليشيات المسلحة وإلغاء الدستور الذي وضعه الأجنبي ، ليجعله أداة ووسيلة لتفريق الشعب وزرع الضغائن والأحقاد بين صفوفه، فعندما يتوحد الشعب ويضمد جراحاته العميقة يتهيأ لمرحلة جديدة هي مرحلة الانفتاح على أقطار الأمة التي ابتعد العراق عنها كثيراعلى مدى سنوات الاحتلال وعمليته السياسية ، لكن السؤال هو كيف تكون صورة الوحدة المرتقبة ؟

 

وما هي نظامها السياسي ونظامها الدستوري اندماجية أم اتحادية عادية أو مركبة ؟ ما هي المراحل والسبل التي تقطعها لتكتمل صورة الوحدة على الأرض ؟ كيف يتم التعامل مع معرقلاتها الإقليمية والدولية ؟ كيف تكون العلاقة بين الأحزاب والحركات والقوى السياسية القومية والأحزاب الأخرى في العراق ؟ وكيف تتكلل الجهود في بناء وتشكيل الجبهة الوطنية الجامعة لكل من ساهم في التحرير ورفض الاحتلال والتبعية ؟ وكيف تكون العلاقة بين الأحزاب الوطنية والقومية والإسلامية على مستوى الأمة ؟ التي أدركت إن الأمة العربية والإسلامية مستهدفتان في وحدتهما وعليهم جميعا وضع المصلحة القومية فوق أي اعتبار، لغرض إسقاط المشروع ألاحتلالي الأمريكي الصهيوني في إطار الجبهة الشعبية القومية لتكون المحطة الأولى على طريق الوحدة العربية الشاملة ،

 

إن هذا يحتاج إلى جهد فكري وسياسي خلاق يأخذ بالاعتبار كل التطورات التي حدثت على ساحة العراق وعلى ساحات أقطار الأمة العربية ، وكيف تعرضت هذه الأقطار إلى ربيع اسود احرق الأخضر واليابس ؟ وما هي المدد التي تتعافى بها كافة الأقطار وتولد حكوماتها ولادة صحيحة ؟ تكون عاملا مساعدا في إيجاد التقارب العربي أولا وخلق مقدمات التضامن البناء ، الذي يتطور بدوره إلى قرارات وإجراءات جديدة تكون قاسما مشتركا لتلك الحكومات في إرساء خطوات جدية على طريق وحدتها المنشودة ولو بصيغة الحد الأدنى ، التي تستطيع الحفاظ على حالة التوافق وعدم الانكسار أمام المشروع الأمريكي الصهيوني الإيراني ، ذي الإبعاد التوسعية والاستيطانية والهادفة إلى تفكيك نسيج الأمة ومسخ هويتها القومية وقيمها وتقاليدها التي نمت وترعرعت بفعل مكونات التاريخ والجغرافية والنضح العقلي الكبير لأبنائها ، لقد طرح البعث الوحدة ليس من باب الترف الفكري وإنما أرادها حقيقة حية على الأرض وفي النفوس التي إذا ما آمنت بهذه الوحدة فستغير وجه الأرض والتاريخ العربي بل والإسلامي بعيدا عن الركض اللاهث على الزعامة وعلى السلطة ، لان الزعامة والسلطة هي التي تقتل الوحدة ، فعندما يؤمن الحاكم بأنه يمثل الأمة ويؤمن بمصلحتها القومية عليه أن لا يقف بطريق وحدتها ، وعليه أن يرى في هذه الوحدة قوة له ولشعبه في القطر الذي يحكمه ، فيرى المواطن العراقي إن الحاكم في السودان هو صنيعة الأمة وممثل وحدتها مثلما يرى المصري إن الحاكم في الحجاز هو صنيعة الأمة أيضا وممثل وحدتها ،

 

ومن هنا وانطلاقا من مبدأ إن أي مشروع يراد له النجاح وبعد أن تتوفر مستلزماته لابد من خطوة أولى على طريق هذا المشروع ، وبما أن الأمة الآن تعيش حالة التراجع والانكماش والتمزق ومحاولة المشروع الأمريكي الصهيوني من تقسيمها ومصادرة ثرواتها ، فعلى أحزابها الوطنية والقومية والإسلامية أن تبدأ بالخطوة الأولى ، سيما وان جميع الحكومات الآن في أقطار الأمة تعيش صيرورتها من جديد ، فعليهم أن يرسو إستراتيجية وقف تدهور الأمة من خلال الجبهة الشعبية القومية لجميع القوى المؤمنة بحتمية انتصارها والقضاء على عوامل التخلف والتمزق فيها وردع المشروع الاستيطاني الصهيوني والتوسع الإيراني على حساب حق الأمة في أرضها ومياهها وثرواتها واستقلالها بعيدا عن التبعية والذيلية ، فعندما تتوضح خطوات المشروع القومي في ذهن قادة الأحزاب والتجمعات والقوى الوطنية والقومية والإسلامية في كل أقطار الأمة بعد أن أدركوا حجم الأخطار والتهديدات التي يقودها الأعداء في التعرض على كياناتهم وهذا ما حصل بالفعل والحقيقة والذي بدا في احتلال العراق وما تلاه من تداعيات كبيرة في كل الأقطار، نكون قد وضعنا اليد على الخطوة الأولى لمشروع وحدتها ، وعندما نقول وحدتها لانعني القفز من فوق كل الظروف التي تقف في طريق تلك الوحدة حتى تعلن أمام الملا ، وإنما مطلوب التعامل مع تلك الظروف والمعرقلات والموانع بكل عقلانية وموضوعية مع نكران عالي للذات ،

 

بما يفوت الفرصة على المتربصين لهذه الوحدة المنشودة ، اخذين بنظر الاعتبار المصلحة العليا للأمة كونها تمثل ثقلا أساسيا في الجوانب السياسية والاقتصادية في العالم ، وإنها قادرة على أن تلعب دورا كبيرا في عالم السياسة الدولية ، بعد أن تبني نفسها وتعبئ قدراتها وتنتزع احترام دول العالم لها بعيدا عن التبعية والدوران في فلك الدول الأخرى دول النفوذ والمصالح والاستحواذ على مقدرات الغير، وبهذا سيقطف الشعب العربي ثمار تقاربه وثمار وحدته . سنكمل في ج 7 .






السبت ٢٨ صفر ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / كانون الاول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو مجاهد السلمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة