شبكة ذي قار
عـاجـل










هكذا كانت بيادق عربية تتمسك بذريعة واهية من هذا النوع، وهي تقف أمام حالة الصراع والكفاح المطروحة على الساحة القومية العربية .. اعتقاداً منها بأنها تستطيع ان تبني فوق هذه الذريعة مواقفها في أكثر من ساحة عربية، وخاصة حيال العراق وقضية فلسطين، فيما تغطي على احتلال ايران للجزر العربية في الخليج العربي، وقبلها اقليم المحمرة العربي والاحواز والاراضي العراقية التي نصت عليها اتفاقبة الجزائر واستحواذها على شط العرب ومراكز الحدود وآبار النفط العراقية، الأمر الذي اضرعلى نحو ما بالكفاح العربي المسلح وبالتالي بالقضية الفلسطينية .

 

والخديعة الأستراتيجية الفاضحة، هي ( العمل على ان لا نفقد حليفاً ستراتيجياً في صراعنا مع الصهاينة ) ، تصاحبها أخرى تشدد على السذج بأن ( صراع الأمة قد تحول بالضد من دولة حليفة ) .!!

 

صحيح ، أن ليس من مصلحة الأمة العربية الدخول في صراعات مع جيرانها، وان روابط الدين والتاريخ والجغرافيا يتوجب مراعاتها، كما انه ليس من المصلحة تبديد طاقات الأمة العربية وتشتيت جهودها وهي تكافح من اجل وجودها ضد الوجود الصهيوني ومن اجل قضيتها المركزية فلسطين .. كل هذا صحيح .. ولكن هنالك مشاريع اجنبية اقليمية على درجة عالية من الخطورة والأهمية كـ :

 

أولاً- المشروع الفارسي الصفوي، وهو يتقدم حالياً على الأرض، كما هو حال المشروع الصهيوني، الذي أخذ شوطه المؤثر على الأرض، يهدد ليس الأرض العربية فحسب بل يهدد تفريس الهوية العربية وفرض الاستعمار الفارسي من خلالها على الأرض والبشر .. الأمر الذي قلب معادلة صراع الأمة مع اعدائها، ليس بجعل الرئيسي ثانوياً، حسب المنطق العلمي التحليلي، إنما استبقى على الرئيسي رئيسياً وحول التهديد المحتمل إلى تهديد داهم يقتضي توظيف كل الأمكانات لصده ومنعه من تحقيق اهدافه .. ومن هنا نرى أن الخطر الإيراني، ليس وشيكاً بل داهماً.!!

 

ثانياً- المشروع الفارسي الصفوي، وهو يتقدم على الأرض بإصطفاف ستراتيجي كامل وشامل مع المشروع الأمريكي، الذي دخل حيز التنفيذ المتعثر نحو اعادة تشكيل الخرائط السياسية للمنطقة، لتكون منسجمة مع ستراتيجية البلقنة، التي يجري تنفيذها تحت يافطة الأقرار بحقوق الاقليات الأثنية والطائفية.. وان اجندة المشروع الامريكي قد ابرزت خرائط جديدة نشكل بدورها صياغات للخارطة الجيو- سياسية للمشرق العربي، وان هدف هذه الأجندة هو تغيير النظام القومي العربي بنظام اقليمي يتسع للدول الاقليمية وفي مقدمتها ايران، حيث يطلق عليه اسم ( الشرق الأوسط الكبير ) ، وهو عبارة عن فيدراليات تقوم على التقسيم الطائفي والإثني.. ويقود هذا النظام امريكا، اعتقاداً منها بأن هذا النظام سيوفر الأمن الأقليمي للكيان الصهيوني، ويسهل النهب الأستعماري في آن واحد.!!

 

المشروع الأمريكي هذا قد دخل حيز التطبيق بأداة إيرانية فارسية حين بدأت الادارة الامريكية استخدام القوة المسلحة الغاشمة ضد العراق انتهت باحتلاله ووضعت ارضه وامكاناته وثرواته في خدمة المشروع لكي ينطلق التغيير والتقسيم والتفتيت منه صوب الأقطار العربية وبأداة ( الطائفية الأيرانية المسلحة ) ، لأن من دون هذه الأداة يصعب على أمريكا ولا حتى الكيان الصهيوني من تنفيذ مشروعيهما في المنطقة .. وهذه من أهم واخطر التحولات التي تجري الآن وعلى أرض الواقع، بالتوازي مع ما تنتجه أروقة مراكز الأبحاث ومطابخ المخابرات.. وكما نرى فقد شملت تطبيقات المشروع الأمريكي- وهو مشروع تشترك في تنفيذه قوى اقليمية هي ( إيران واسرائيل وتركيا ) - بالضد من عدداً من الدول العربية التي تشكل حجر الزاوية الأستراتيجية في المشرق العربي وعلى رأسها العراق وسوريا واليمن ، فيما تظل مصر، التي تحمل ميزان تعادل القوى دائماً محط اهتمامات التخطيط لأجهاضها .!!

 

لقد وجهت المقاومة الوطنية العراقية الرائدة ضربة قاتلة لهذا المشروع وطعنته بالصميم وفوتت عليه الفرصة في الوثوب وارغمته على انسحاب قوات المشروع الامريكي من العراق، إلا ان امريكا قد اوكلت ايران بادارة العراق وفتحت لطهران الأبواب معتقدة بأن الوكيل سينجز ما عجز عنه الأصيل .. فيما ظلت المقاومة الفلسطينية على خطها المقاوم ، اعتقاداً من الكيان الصهيوني بأن ( أوسلو ) ستكون القاعدة الأساسية لأنهاء القضية الفلسطينية، سواء عن طريق ما يسمى بالوطن البديل أو بالتوطين في سيناء أو اعادة صياغة سياسة الـ ( ترانسفير ) سيئة الصيت من جديد.!!

 

لا يغيب أبداً جدل الصراع ووحدته وترابط وسائله ومعطياته عن منهج حزب البعث العربي الأشتراكي، الذي شخص طبيعة صراع الأمة مع اعدائها، ووضع أولويات هذا الصراع واكد ان صراع الامة العربية مع الصهيونية ( صراع وجود وليس نزاع حدود ) ، فيما كان صراعها مع الاستعمار بكل اشكاله صراعاً رئيسياً لأرتباطه بوحدة الأمة العربية وحريتها وتقدمها.. وان محصلة الفكر القومي للحزب، أن لا وحدة بدون فلسطين ولا حرية للوطن العربي بدون تحرير فلسطين، وان تقدم الامة ونهضتها يكونان قاصرين بدون فلسطين.

 

كما ان منهج الحزب يرى في ان المشاريع الاستعمارية، تستهدف الامة العربية بأسرها .. فالمشروع الصهيوني- الذي يجري تطبيقه على مراحل- يبدأ بفلسطين وينتهي بالسيطرة على المنطقة، وهو بالتالي يهدد الأمن القومي العربي، ويرمي إلى اخضاع الأمة العربية برمتها .. فأذا ما تصدع أي جزء من أجزاء الوطن العربي بالاحتلال أو التهديد، تصدع بالضرورة العمق الأستراتيجي للأمة .. وان الدفاع عن أي الأجزاء الضعيفة أو المعرضة للمخاطر او التدخل او التقسيم هو في حقيقته دفاع عن الوطن العربي في وحدته الأستراتيجية .. وبهذا المنهج يرى الحزب أن صمود المقاومة العراقية ونجاحها هو صمود ونجاح للقضية الفلسطينية ولحركة التحرر العربي، الأمر الذي يستوجب ان تتبنى القوى الوطنية والقومية والاسلامية المتفتحة ( استراتيجية قومية ) عامة للوطن العربي من اقصى شرقه الى اقصى غربه، تتولى تأشير التحديات وتحديد المخاطر الأجنبية وترسم لها خططاً دفاعية شاملة تجمع عناصر قوة الأمة، وتحدد وسائلها واهدافها في النهوض والتطور.

 

وفي اطار جدل الصراع ووحدته الموضوعية، التي تقوم على مسلمات الترابط بين الجزء والكل في وحدة واحدة لا تتجزء، فأن المنطق يشير إلى ان العمق الأستراتيجي للوطن العربي في كلية وحداته الجيو- سياسية وارتباطها بالشعب العربي وبقوى التحرر في العالم التي تقارع الاستعمار بكل اشكاله كما تقارع الصهيونية بكل الوسائل الممكنة والمتاحة يشكل القاعدة الأساسية .. فالشعب العربي هو الأول والأخير في الأستراتيجية القومية العربية باعتباره عمقاً استراتيحياً حقيقياً ومؤكداً، وهو الـ ( الحاضنة ) الكفيلة بنهضة الامة العربية ودحر اعدائها .. وعلى اساس هذه الحقائق فأن رهط الثلاثي ( أمريكا وايران واسرائيل ) يسعى بصورة محمومة ويسهل مشروع تفكيك هذه الحاضنة وتمزيق نسيجها الديني والقومي .. تحت ذريعة ( الخشية من أن نفقد تأييد حليف ستراتيجي للأمة العربية ) .. وعلى هذا هنالك جملة من التساؤلات حيال هذا المنطق الخبيث والمخاتل :

 

أولاً- ماهي المعايير التي تجعل من الحليف يشكل عمقاً ستراتيجياً للأمة العربية؟!

 

ثانياً- هل ان معايير ستراتيجية العمق المزعومة هذه تسمح بتهديد البحرين والأدعاء بأنها جزء لا يتجزء من هذا الحليف الأجنبي؟!

 

ثالثاً- وهل ان هذا الحليف ( الذي يشكل عمقاً ستراتيجياً للأمة ) مسموح له باحتلال عربستان العربية في ضوء حقائق التاريخ وحقائق الجغرافيا؟!

 

رابعاً- وهل مسموح لهذا الاجنبي ايضاً باستمرار احتلاله الجزر العربية الثلاث في الخليج العربي منذ الستينيات وحتى الآن؟!

 

خامساً- وهل مسموح لهذا الحليف الاجنبي بالهيمنة على شط العرب وعلى آبار نفط العراق واغتصاب اراضي ومدن عراقية مدونة في معاهدة الجزائر لعام 1975 ؟!

 

سادساً- وهل ان هذا الحليف المزعوم مسموح له بالتدخل في الشؤون الداخلية للعراق ومسموح له بتمزيق نسيج مجتمعه بالتوافق مع منهج الاحتلال الامريكي للعراق؟!

 

سابعاً- وهل ان هذا الحليف مسموح له بتفتيت المنطقة الى ما بعد اتفاقية ( سايكس- بيكو ) سيئة الصيت، كما يسعى اليها الكيان الصهيوني وعدو شعوب العالم أمريكا.؟!

 

ثامناً- وهل ان هذا الحليف ( الظهير للأمة العربية ) كما يزعم السفهاء الأقزام، مسموح له بارسال ( دعاة المد الطائفي ) الى اوساط اسلامية من اجل شق وحدة المسلمين وشرذمتهم الى طوائف متصارعة ومتطاحنة في اكثر من مكان في الوطن العربي وفي خارجه.. في الوقت الذي يتطلب فيه حشد القوى من اجل مجابهة المشروع الصهيوني الأمريكي المشترك بالضد من العرب والمسلمين؟!

 

تاسعاً- وهل ينسجم وصف ( العمق الاستراتيجي الاسلامي ) أو ( الحليف الاستراتيجي ) او ( الظهير للأمةالعربية ) مع الصراعات الدموية الطائفية التي تسببها الاحتلال الامريكي الغاشم بالتعاون مع النظام الفارسي في إيران؟!

 

عاشراً- فكيف يُكَونُ ( عمقاً ستراتيجياً ) للأمة العربية مَنْ يتعاون مع المحتل الامريكي للعراق ويمناصر الصهاينة في فلسطين المحتلة ويتعامل معهم.؟!

 

احد عشر- وهل الحليف الاستراتيجي للامة العربية يتمدد ويتوسع على حساب الامة في العراق وسوريا وجنوب لبنان واليمن ويثير اجواء الاضطرابات السياسية والمذهبية بالتوافق مع منهج الاستعمار الامريكي ومشروع الصهاينة في المنطقة؟!

 

إن مفهوم العمق الاستراتيجي او الحليف، يعد أحد أهم اركان الأمن القومي العربي، الذي تحدده الجغرافيا - السياسية للأقطار العربية جميعها حصراً وبدون استثناء.. ويصعب ارتهان مثل هذا المفهوم بتصورات او تخيلات مراوغة مشدودة بدعايات اعلامية إيهامية تتساوق من المنهجين الامريكي والصهيوني في العمل وترويج لمثل هذه المقولات في الخطاب السياسي المسموم.

 

وأمام المرامي الخبيثة للمشاريع الاستعمارية الدولية والاقليمية التي تستهدف الامن القومي العربي من خلال تدمير ركائزه المؤثرة كالعراق، فأن المسؤولية القومية والتاريخية الملقاة على عاتق كل القوى المناهضة للامبريالية والصهيونية والفارسية الصفوية، والرافضين للتدخل في الشؤون الداهلية للاقطار العربية، تتطلب منهم تبني خطة عمل على الحشد القوى من اجل التحرير- تحرير العراق وتحرير كل شبر من ارض العرب من النفوذ الايراني وتحرير فلسطين- والاعلان الصريح بالتمسك بالثوابت الوطنية والقومية.

 

إن من المصلحة القومية شرح وتحديد طبيعة مفهوم ( المنافسة ) بين القوى الدولية والاقليمية في المنطقة على وجه التحديد، وشرح طبيعة مفهوم ( الصراع ) مع هذه القوى .. فالمنافسة تعني السعي من اجل اقتسام الغنائم او اقتسام مناطق النفوذ او المطالبة بدور اقليمي من اجل الابتزاز والهيمنة.. وكل ذلك لا يعني ( صراعاً ) بين هذه القوى .. والفرق كبير بين المنافسة والصراع، لأن المنافسة لا تضم الصراع بين ظهرانيها، إنما المنافسة قائمة حالياً بين امريكا وايران تحت خيمة التوافق الاستراتيجي وليس تحت قبة الصراع.. فالمنافسة قد تصل شراستها لحد فتح التار.. ولكن تحت خط احمر لا يسمح بتجاوزه.!!

 

يتبـــــــــــــع ...






الاثنين ٢٣ صفر ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / كانون الاول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة