شبكة ذي قار
عـاجـل










ما خلصنا اليه  في الحلقة  الاولى من تعريف موجز ومبسـط  للسـياسـة والدين  وإذا كانت السياسة هي أسـلوب قيادة الشـعب أو الإجراءات والطرق التي تؤدي إلى اتخاذ قرارات من أجل المجموعات البشـرية  فإن هذه الطرق والإجراءات لابد أن تكون مبنية على قواعد  سليمة و منظومة أخلاقية  تراعي حاجات المجتمعات البشرية من عدالة و مسـاواة  ورحمة بغير القادرين على كسـب قوة  يومهم لماهم  فيه من حاجات  خاصة ،  و كذلك إخلاص و أمانة وتفاني في العمل و مراعاة المصلحة العامة من طرف القادة و المسئولين في جميع المواقع  كل هذه القيم الأخلاقية يمكن أن نلخصها في كلمة  ديـــن  أو  تدين كما أسلفنا تعريفه كمنظومة أخلاقية -  الدين المعاملة  -  فمن كانت معاملته صالحة مثمرة تراعي المصلحة العامة فذلك إنسان متدين و متخلق بأخلاق القرآن و أخلاق نبيه صلى الله عليه وأله و سلم ( كان خلقه القرآن )  كما أجبن امهات المؤمنين رضي الله عنهن  حين سئلن عن أخلاق الرسول صلى الله عليه واله و سلم  وتعامله من بعض المسلمات ليتخلقن بخلقه  ويتمسكن بسنته ، إذن المنظومة الأخلاقية أو الدين و التدين مطلوبة جدا في السياسي و القائد والزعيم  ليس كممارسات أو طقوس و إنما كغايات فكل مبادرة أو وجهة نظر في الحكم تؤدي إلى تحقيق العدل و الإحسان بين الناس و تمكن المجموعة البشرية من اللحاق بموكب التطور و النمو فذلك هو الدين بعينه  ، 

 

و من يعمد الى ذلك بالقول و العمل فإنه إنسان مؤمن حقا بربه و خاضع لإرادته فالله سبحانه لا تنفعه طاعتنا و لا تضره معصيتنا و الطقوس التي نؤديها بين يديه قد تكون نفاقا و تظاهرا بالتعبد لذلك اقتضت عدالته أن يحاسب عبيده على أساس النيات وما تضمره صدورهم  ،  وجعل المحك الحقيقي لإخلاص عبده و إيمانه في مدى صلاحه و منفعته للناس ( خير الناس أنفعهم للناس ) و ( الكلمة الطيبة صدقة  ) والإنسان طبعا يكون عبدا صالحا بما يقدمه من أعمال يساهم بها في تسهيل حياة الناس و رفاهيتهم عن طريق العلم و العمل و الابتكار  والابداع و بما يساهم به أيضا في الرقي بمجتمعه  ،  لهذا كان الأجدر أن نديّن السياسة و نخلقها بأخلاق الدين التي سبق أن ذكرت كونه منظومة أخلاقية و غايات سامية -  أين أن تكون السياسة ليس الغاية  بل الوسيلة للوصول الى المجتمع الذي يرفل بالعدالة والتسمح  والمسواة  وسد حاجة الملهوف  وليس العكس  - فأينما توفرت غاياتها سواء على مستوى الشخصية أو النظام فعلينا أن نستفيد منها و نبادر إلى إختيار تلك الشخصية التي تعمل على إيجاد توافق بين كل فآت المجتمع دون الانحياز إلى بعضها دون البعض في ظل ممارسة سياسة تعتمد العدل و الإحسان  الرافضة للظلم والظالمين  ،  و كذلك النظام الذي نجده يوفر لنا غايات الدين و ممارسته السياسية تنتج لنا مجتمعا تسود في العدالة و يكرم فيه المواطن علينا أن نستفيد منه بلا تردد ،  

 

وهنا  يتسائل  الذين وعوا الامر  بحدوده  وبعده  (( هل ثمة  ضرورة للزج  بالإسلام في اسم منتج  ولو كان حزبا سياسيا  ؟  وهل للأحزاب الدينية أن تخاطب الجماهير في قضايا سياسية  ؟  ))  ربما تكتسب هذه التساؤلات ومثيلاتها مشروعية من أن موضوع - تسييس الدين -   بات مطروحا وزاد الحديث حوله مع ظهور هذه الموجة من الأحزاب والتيارات والحركات التي تتستر بالدين وتستغله أبشع استغلال في فرعيات ومصالح دنيوية  ، ووصل الأمر حد الابتذال حين يكون مجرد اختيار مرشح في انتخابات محلية طريقا إلى الجنة وعندما يكون مجرد الانتساب إلى حزب دون غيره هو السبيل إلى النار وبئس المصير ربما هذه الأمثلة وغيرها والمشاهدة على أرض  العراق الجريح كثيره  بل تتنوع يوم عن أخر منذ وقوع الغزو والاحتلال عام 2003  والى اليوم ، والشريعة الإسلامية  ترفض رفضا قاطعا استخدام الدين كستار لتحقيق مآرب وأهداف دنيوية  وسياسية  باسم الدين الاسلامي المحمدي ومنهج أل بيت النبوة عليهم السلام  لأن الإسلام يرفض التحزب الديني لأنه يؤدي إلى الفرقة  والتناحر والتشرذم بين المسلمين  ، هذا من جانب  والجانب الاخر أن الوسطية هي إحدى الخصائص المهمة للدين الإسلامي‏  وأحد المعالم الأساسية التي ميز الله تعالى بها أمتناعن غيرها من الأمم ،

 

وان وجدت فئة أو جماعة معينة تتشدد وتغلو في الدين وتتحزب بغرض الدفاع عن مصالحها  يرفضها الإسلام الذي يدعو دائما إلى وحدة الصف والابتعاد عن التناحر والتشدد بشتى صوره وأشكاله يقول الدكتور علي جمعه أحد كبار علماء الازهر  (( لإن الإسلام حرص على أن يبث في نفوس أتباعه الوسطية والبعد عن المغالاة في كل الأمور ودعاهم إلى الرفق والرحمة  والدعوة إلى سبيل الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأن الشريعة والهوية الإسلامية تقوم على اعتبار المواطنة المحدد الأساسي لعلاقة الشعب ببعضه  وضمان التعايش بين كل أطياف المجتمع دون تمييز أو تفرقة بسبب الدين أو اللون أو الطائفة  وأن هذا يقف حائلا ضد من يريدون استخدام الدين ستارا لتحقيق مآربهم وأهدافهم  مآرب خاصة  ، وأن الدين الإسلامي لا يعرف التحزب السياسي أو استخدام الدين كستار لتحقيق الأهداف والمآرب الخاصة ، لأن هذا يتنافى تماما مع الأحكام  والمبادئ التي جاءت بها الشريعة الإسلامية  ، أن الشريعة الإسلامية تدعو دائما إلى خدمة المسلمين لوجه الله تعالى  ، لا أن يكون ذلك لتحقيق مآرب وأهداف دنيوية كما يفعل بعض الذين لا يعرفون الإسلام جيدا وإن التفكير المعوج يجعل الناس تعيش في أوهام  )) ، وإذا شاع هذا التفكير اختلت الأمور، وكان ذلك أكبر عائق أمام تحقيق التنمية البشرية وتحقيق النهوض والرقي وأمام الإبداع الإنساني ، وأمام التقدم والأخذ بزمام الأمور ، وأمام العلم وتحصيل القوة وتحقيقها  وإذا كان الوضع كذلك وسعى البعض إلى التحزب واستخدام الدين كستار لتحقيق الأهداف والمآرب الخاصة فشلت كل محاولات الإصلاح وشاعت الغوغائية والعشوائية وانتشرت الفوضى في المجتمع الإسلامي وانزوى صوت العقل  ،

 

والدكتور أحمد عمر هاشم يؤكد ذلك موضحا"  ((  أن إطلاق لفظة الإسلام السياسي على من يمارسون السياسة منطلقين من ثوابت دينهم  إطلاق غير دقيق فإن المتفق عليه بين السلف والخلف ، أن الإسلام  سياسة وحكم  وتشريع وقضاء  ، وعبادة ومعاملة  ، وعقيدة وشريعة  ، وأخلاق وسلوك  ، لأن الإسلام لا يقرالتحزب  ، إذ لم يعرف الإسلام مسماه ولا يقر بمبدئه ،  وأن أوامر الشرع الإسلامي الشريف تقتضي وجوب الاعتصام بحبل الله تعالى  ، وعدم التنازع أو التفرق  ، ومن شأن التحزب العصف بكل ما أمر به الشارع الحكيم  ، وأن اختلاف الرؤى بين أفراد الأسرة الواحدة  ، فضلا عن أفراد المجتمع لا يقتضي التباغض والتناحر ، فقد كان سلف الأمة الإسلامية يختلفون فيما بينهم  ، ولم يؤثر ذلك على علاقاتهم وحبهم لوطنهم  ما سمعنا مطلقا أن كفر أو فسق بعضهم بعضا   أو كره بعضهم غيره لمجرد اختلاف الرؤى  ، وعلى المسلمين في العالم أن يستجيبوا لصوت العقل ، وأن يحتكموا إلى شرع الله تعالى ، الذي نص في كتابه الكريم بقوله تعالى *  يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا  *، وقوله تعالى *  ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم  * ))  ، وان  الزج بالمساجد وبيوت الله تعالى في الصراعات السياسية لدرجة انتهاك حرمة المساجد ومنع الصلاة بها  مخالف للشرع ومن يقوم به ليس آثما إثما عاديا كشف المستورإذا كان الإسلام لا يعرف التخريب والدين لا يقبل تسييسه 

 

يتبع بالحلقة الثالثة

 





الخميس ١٢ صفر ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / كانون الاول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة