شبكة ذي قار
عـاجـل










 1- ليس في اجندة السياسة الخارجية الأمريكية ما يشير إلى رغبتها في حسم ملفات القضايا والمشكلات الأقليمية كما يؤكد تاريخها وخاصة منذ الحرب العالمية الثانية .. وغالباً ما تترك هذه الملفات مفتوحة تحمل من الإحتقانات ما يجعلها ومحيطها القريب في دائرة التوتر لكي تسهل لها عملية التدخل وصياغة مدخلات تشرف عليها وزارة الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي ووكالة المخابرات الأمريكية على اساس مراكز صنع القرار الأمريكي .

 

فملف فلسطين الذي احتكرته أمريكا وأبعدت عنه أوربا وحشرت نفسها فيه طرفاً منحازاً يعلن انحيازه بصراحة فاضحة للكيان الصهيوني على جميع الصعد، وقرارات الأمم المتحدة تفصح عن ذلك منذ عام 1948 وحتى هذه اللحظة .. وملف الصحراء المغربية الذي ما يزال عالقاً يشرف عليه "جيمس بيكر" على الرغم من أنه يكتسب الحالة التمثيلية للأمين العام للأمم المتحدة، ولكن بصمة السياسة الأمريكية في ابقاء ملف الصحراء المغربية مفتوحاً، هي سياسة – ستراتيجية قائمة لأعتبارات تتحكم بها طبيعة تعامل امريكا الخارجي ورغبتها الجامحة في خلق بؤر التوتر ومناطق الإحتقان والدفع بأطراف الصراع إلى التصعيد والإنهاك لتأتي أمريكا في نهاية المطاف بصفة القادر على الحل والذي بيده مفاتيح المشكلة أو القضية .. ولكن النتيجة النهائية أن لا ملف اقليمي يغلق أو يحسم.

 

2- فيما تخلو الأجندة الأمريكية من سمة العدالة ومعايير الحق والأنصاف حيال الكثير من القضايا والمشكلات التي تتطلب موقفاً وضعياً وإعتبارياً وأخلاقياً ..لأن السياسة الأمريكية براغماتية نفعية خالصة وإمبريالية تتعامل على أساس المصلحة الأمريكية العليا الخاصة، وهي في حقيقتها مصالح النخب الحاكمة ممثلة للشركات عابرة القارات، وليس هنالك مصلحة أو مصالح لأصدقائها وشركاؤها وحلفاؤها حتى الذين تجمعهم وإياها طاولة الحلف الأطلسي.

 

3- فمنذ أن أشعلت أمريكا فتيل الصراع في المنطقة على أساس نظريتها المسماة ( الفوضى الخلاقة ) ، والتي هي في حقيقتها فتح مجازر ومسالخ دموية في المنطقة العربية على وجه الخصوص ، بدأتها بسلسلة من الحروب القذرة كانت في مقدمتها احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني، وهي تعلم أن سقوط حجر الزاوية في بناء المنطقة سيؤدي، حسب نظرية الدومينو ( Domino theory ) ، إلى اسقاط بقية الوحدات السياسية التي تشكل نظام الأمن القومي العربي، وذلك بخلق فراغات أمن في كل ساحة عربية أدت إلى كل هذا التطرف والعنف الذي تحشد له الآن أمريكا العالم من أجل ايقافه وكبحه ثم القضاء عليه ، والزمن يطول ويمتد ربما لعقد من السنين تحت يافطة محاربة ( الإرهاب ) .

 

مصلحة أمريكا كما تراها فوق كل اعتبار، حتى حيال أصدقائها وتابعوها وحلفاؤها ايضاً، وإن ستراتيجيتها هي التي تريد فرضها على هذا الحشد العالمي غير المتجانس وغير المنسجم ومصيره التفكك، طالما يصطدم بمصالح الآخرين في الحشد ويتعارض مع أمنهم القومي .. وكما نرى، على الرغم من توزيع الأدوار بين عدد من اعضاء ( الناتو ) ، إلا أن الرؤية المشتركة مشوشة .. وتتجلى في ملف مدينة عين العرب السورية ( كوباني ) ، التي تقطنها اكثرية كردية- سورية .. هذا الملف خلق مأزقاً سياسياً وعسكرياً، له بعْدٌ ستراتيجي تشترك فيه اطراف عديدة أو فرقاء لهم مصلحة مباشرة وغير مباشرة في الذي يحدث في المنطقة وما يعكسه من مخاطر على أمنهم القومي .

 

- تركيا .. وكما نراها :

أولاً- تصر على المحافظة على أمنها القومي، الذي تضعه فوق كل اعتبار .

 

ثانياً- تتمسك بمعطيات القانون الدولي وبميثاق الأمم المتحدة وتتجنب التدخل العسكري من دون تخويلات رسمية أممية بطلبها منطقة عازلة ( Buffer Zone ) ذات بعد انساني منزوعة السلاح تُكَوَنُ ملاذاً آمناً للنازحين، وتحظى بالحماية الدولية .

 

ثالثاً- وتنطوي سياستها- الإستراتيجية على جملة من المعطيات تقع في مقدمتها :

 

1- استمرار مساعيها في إنهاء نظام دمشق لكونه قاتلاً لشعبه ومدمراً لكيان الدولة وحضارتها ويشكل خطراً بتحالفاته على المنطقة واستقرارها.

 

2- تحفظها على مسألة الدخول في لعبة الشراكة الدولية لمحاربة ( الإرهاب ) وخاصة في ما يتعلق بمدينة عين العرب ( كوباني ) تحاشياً من تقوية أكرادها الذين يقاتلون إلى جانب قوات نظام دمشق ، التي تسعى تركيا لإسقاطه كنظام ارتكب جرائم حرب يحاسب عليها القانون الدولي الإنساني.

 

3- تحفظها على مسألة الإنسياق وراء الضغط الأمريكي، تحت حجة احتياج ستراتيجة التحالف الدولي لـ ( جيش ) على الأرض لمحاربة الإرهاب، وإن الطيران الحربي لا يكفي لتنفيذ الإستراتيجية التي تقوم على ثلاث مراحل ( منع تمدد الإرهاب- إضعاف الإرهاب- القضاء على الإرهاب ) .. والتساؤل هنا ، ألم تدرك القيادة الإستراتيجية الأمريكية وقيادة الناتو، قبل أن تعلن استخدام ستراتيجيتها، أن سلاح الجو الحربي لا يكفي ولا يحسم أمراً على الأرض، بل على العكس بات الأمر وخيماً، إذ أن سلاح الجو الأمريكي والأوربي أخذ يحصد أرواح المواطنين المدنيين نساءً وأطفال وشيوخ ويدمر مساكنهم وممتلكاتهم ويشردهم داخل بلادهم وفي خارجها، فيما تؤكد هذه الإستراتيجية بأن الحرب على ( الإرهاب ) ستطول زمناً قد يمتد لأكثر من عقد من السنين.؟!

 

4- تتحاشى ردود الفعل، التي قد تأتي من عواصم محور طهران موسكو دمشق إذا ما كان لتركيا موقف عسكري على الأرض في المنطقة الحدودية السورية- التركية وعلى تخوم مدينة عين العرب ( كوباني ) .. وردود الأفعال المتوقعة من إيران ودمشق قد تأخذ شكل إثارة الداخل التركي بتحريك العلويين والأكراد، حيث ت طلع تركيا إلى تسويات سياسية وتهدءات لصالح استقرارها وازدهارها الأقتصادي الذي حقق نتائج غير مسبوقة خلال العقدين الماضيين .. ولكن مع ذلك ، لا يغيب عن رأي تركيا طبيعة عناصر المعادلة الإقليمية التي من المحتمل أن تشكل خطراً على أمنها القومي ، وكما يلي :

 

أولاً- لن تقدم تركيا على أي عمل عسكري في سوريا إلا إذا كان الأمر يمس أمنها القومي أولاً أو أن تفاهمات إقليمية من شأنها أن تسند هذا التحرك ثانياً مما يؤمن لها غطاءً دولياً يأخذ شكلين: غطاء الأمم المتحدة وغطاء حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) ثالثاً .

 

ثانياً- إن العمل العسكري التركي المحتمل يستند إلى موقف سياسي يقوم هو الآخر على قضايا ثلاث مترابطة ستراتيجياً:

 

1- تغيير نظام الأسد الذي لم يعد مقبولاً على المستويين الإقليمي والدولي ومدان بجرائم حرب .

 

2- المحافظة على وحدة التراب الوطني السوري .

 

3- عودة الآجئين السوريين في تركيا إلى سوريا وعددهم بات يقترب من مليوني لآجئ .

 

ثالثاً- التحذير الإيراني لتركيا، هو تحذير اجوف لا يقف أمام صرامة الموقف التركي الذي يحظى بموافقة الناتو وبعض دول أوربا وبعض الدول العربية فضلاً عن موافقة أمريكا في اجتماعات قمة ( ويلز ) .!!

 

رابعاً- إن تركيا تدرك تمام الإدراك أن تكريس النفوذ الإيراني في العراق وسوريا والجنوب اللبناني هو تهديد جدي لخاصرتها الجنوبية ويشكل طوقاً يعبث بأمنها القومي .. وهذا لن يكون مسموحاً به أبداً .. ومن هنا تأتي صلابة الموقف التركي حيال الأزمة الراهنة .. كما أن تركيا تدرك ان لسوريا وايران اكثر من حصان ( طروادة ) في الداخل التركي.. وهو الأمر الذي لن تسمح فيه تركيا أن تتأثر بالمعادلة التي تريد إيران فرضها من خلال بقاء نظام دمشق.!!

 

خامساً- إن نقطة الهدف المركزية والخطرة الراهنة في ما يسمى تحول ( الإرهاب ) إلى مدينة عين العرب ( كوباني ) وهي انعطافة تجلب الأنتباه إلى نقلة ستراتيجية قادمة يتم التمهيد لها ( تعبوياً ) ، عسكرياً وسياسياً وإعلامياً .. حيث أخذت مراكز الأبحاث في فرنسا والمانيا على وجه التحديد تهتم بهذه المدينة من خلال إنشائها طاولة حوار تضم حشداً أكاديمياً وسياسياً متخصصاً استعرضوا اوضاع المدينة وسكانها واصولهم وارتباطاتهم.. فيما استعرضوا خارطة للوجود الديمغرافي الكردي، التي تمتد على وفق الخارطة من ( شمال العراق وتركيا إلى مدينة ( عين العرب ) في سوريا حتى البحر الأبيض المتوسط ) .. فيما يتم على الأرض الإسناد العسكري مباشرة من لدن الدول الأوربية لمجرد اقتراب ( الإرهاب ) من الحدود الإدارية لمحافظة اربيل .. الأمر الذي يدفع إلى الإعتقاد بأن في الأفق ملامح تكريس معادلة اقليمية جديدة لا تسمح تركيا بتشكيلها على الأرض طالما تهدد أمنها القومي .. ومثل هذه المعادلة تعمل ( إسرائيل ) وامريكا وبعض دول أوربا الغربية وبالتعاون مع إيران على تكريسها .!!

 

- إيران .. وكما نراها :

أولاً- تحاول أن تعكس للدول الإقليمية وغيرها على انها مسئولة عن الأمن السوري.. وإن أمن سوريا هو جزء من أمنها .. وإذا ما تدخلت تركيا عسكريا حتى لحماية أكراد مدينة سورية مهددة من لدن ( الإرهاب ) ، فأن طهران لا تسمح بذلك .. وقد حذرت الناطقة باسم الخارجية الإيرانية بذلك وبأسلوب متعجرف لا يستقيم والعلاقات الطبيعية بين الدول.

 

ثانياً- تعلم إيران بأن رهانها على حصان دمشق بات خاسراً .. وإن نفوذها على أرض سوريا قد أمسى واهناً .. وإن إتكائها على موسكو لم يعد مضموناً بعد أحداث أوكرانيا.

 

ثالثاُ- كما تعلم أن وضعها في العراق قد تزعزع بالكامل ولم تعد احزابها قادرة على الثبات سياسياً وعسكرياً وإجتماعياً.. وإن الأوضاع العامة وخاصة منذ أن اندلعت ثورة الشعب العراقي بزخمها الكبير والواسع باتت خارج السيطرة .. وليس بوسع إيران أن تقاتل في خنادق متداخلة ، على الرغم من تسمياتها لأحزابها واستعراضات مليشياتها، فضلاً عن عجرفة قادتها العسكريين على وجه الخصوص .. حيث افتضحت كل اوراقها طيلة العقد المنصرم ولم يعد ما يخفي أو يتستر به ساسة إيران ودعاتها الطائفيون في داخلها وخارجها ايضاً .

 

رابعاً- لم تعد إيران قادرة على إخفاء علاقاتها مع أمريكا في مسائل التنسيق السياسي والعسكري في العراق .. فضلاً عن إعتماد أمريكا في ستراتيجيتها على ( جيش المليشيات الطائفية ) لتنفيذ ستراتيجتها الفاشلة التي تعلن الحرب على ( الإرهاب ) .. كما أن أمريكا ما عادت قادرة على أن تخفي ثورة الشعب العراقي وزخمها الكاسح بأساليب تتجاهل فيها النتائج المتحصلة على الأرض، على الرغم من إدعائاتها بنتائج استخداماتها لسلاح القصف المرتد عليها قانونياً وإنسانياً بقتلها المواطنين العراقيين المدنيين العزل - نساء وأطفال وشباب وشيوخ - .

 

خامساً- كما أن إسراع طهران بفرض مؤثراتها الطائفية في اليمن من خلال الحوثيين نتيجة لإنحسار أو ضمور نفوذها في سوريا والعراق، اعتقاداً منها بأن الأمر سيستقر على حاله لحساباتها التي انطلقت من الجزر الأرتيريا الثلاث وتدريبات مجنديها وتسليحهم والزحف بهم من صعدة إلى عمران ثم الوصول إلى تخوم العاصمة صنعاد ثم دخولها بطريقة غريبة .. هذا الحال لن يدوم طويلاً .. لأن الشعب العربي في اليمن شعباً عروبياً أصيلاً ليس في مخيلته ولا يعير للطائفية انتباها لكونه شعب يعتز بهويته القومية العربية وبدينه الإسلامي الحنيف أما المذهبية أو الطائفية، فهو يدرك قبل غيره بأنها لن تكون على حساب دينه الإسلامي ولن تكون على حساب هويته القومي وانتمائه الوطني بأي حال .. وسوف يضع حداً للتدخل الإيران الذي استغل الثغرات التي يعاني منها الشعب اليمني ومنها ( الفقر والمرض والفساد المالي والإداري المستفحل منذ عقود وعقود .. إلخ ) .

 

الخلاصة .. المعادلة التي تجري ترتيباتها من خلال ستراتيجية الحرب على ( الإرهاب ) لفرض سياسة تشكيل الواقع الراهن تأخذ مراحلها في التنفيذ .. الأمر الذي يستوجب الإنتباه وإستدراك المخاطر الناجمة أو التي ستتمخض عنها من نتائج ينبغي الإستباق لمعرفتها والتصدي لها والتهيؤ الكامل لإفشالها .. فهي لعبة كبيرة وواسعة يتداخل فيها لآعبون إقليميون ودوليون بسياساتهم وستراتيجياتهم التي تتوافق هنا لتتقاطع هناك وتتعارض في مكان آخر .. هذا هو شأن السياسة .!!






السبت ١٧ ذو الحجــة ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / تشرين الاول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة