شبكة ذي قار
عـاجـل










في المثالين اللذين تناولتهما في الحلقة الثانية اردت تبيان حالات التعصب القومي لدى الاعاجم والتي تنم عن التفكير الاستعلائي خلاف الامة العربية ، فأقول  ان حالات التعصب القومي العربي ضد الاتراك والفرس كانت نتيجة طبيعية ، وان كانت خاطئة كما يراها البعض ، لعمل مسبق وسابق ولم يصدر من مبادرة عربية ابدا" ، لذلك فان من يصف القومية بالجاهلية عليه ان يدرس تاريخ الاسلام  وما جرى فيه لانه سيكتشف ان العرب تمسكوا بقوميتهم ولكن مع التمسك التام بثقافة الاسلام المتجاوزة لثقافة الجاهلية  ، وان من خرق ثقافة الاسلام هي النخب الفارسية والتركية  ،  اما اتهام القومية العربية بانها متأثرة بالقوميات الاوربية  ، او انها نشات بعد بروز القوميات الاوربية  ، فهو اتهام يدل على الجهل بالتاريخ وهو جهل محزن تماما ، لان القومية العربية كما وضحنا نشات قبل الاف السنين في جزيرة العرب واليمن ومنهما توسعت مع الهجرات التي فرضتها ظاهرة التصحر التي اجتاحت الجزيرة العربية بعد انقضاء العصر الجليدي الاخير ، وفي فترة نشوء القومية العربية كظاهرة لغوية وثقافة صحراوية جمعت القبائل العربية  ، 

 

كان الاوربيون عبارة عن مخلوقات تعيش فوق اغصان الاشجار ، وتقتصر لغتها على كلمات قليلة وهمهمات كثيرة  ، مصحوبة باشارات يدوية وجسدية اكثر وفي ضوء ما تقدم فان القومية الوظيفية كما في اوربا اخذت تضمر وتضعف ثقافتها وتحل محلها ثقافة الضياع والعولمة وتبديل الهوية بسهولة  والسبب هو ان الوظيفة التي من اجلها نفخت القوميات الاوربية قد تراجعت بعد تحول الراسمالية الى ظاهرة كونية وتجاوزها لحدود الامة  ، خضوعا لقوانين النظام الراسمالي ايضا  فالذي انتج القوميات الاوربية هو نفسه الذي قرر سحبها من التداول في السوق واحل محلها العولمة ، بصفتها الغطاء الجديد لتوسع السوق وممارسة عبادة الدولار ، ولكن قوميات الهوية ذات الاعمار الالفية ما زالت ارسخ من اي نظام اقتصادي او ظاهرة اجتماعية   فالصين مثلا ورغم اعتناقها للشيوعية ذات الجوهر الاممي تغلبت فيها الرابطة القومية على الرابطة الاممية ، ولم تستطع كل قوانين الشيوعية والاممية وكل الحملات الثقافية ان تمحو الهوية القومية الصينية ، وهذا الحال نجده كذلك في الاجزاء المقتطعة من الصين (  تايوان مثلا )  ، فبالبرغم من مرور اكثر من مائة عام على فصل بعضها وخمسون عام على بعضها الاخر نجدها محافظة على هويتها القومية الصينية وتتطلع للعودة الى الوطن الام رغم وجود التناقض الجذري بين النظام الاقتصادي الاجتماعي الصيني والاخر الموجود في الاجزاء المقتطعة ، وهذا الحال ينطبق على ايران  ، فهي بالرغم من دخولها الاسلام فانها ما زالت متمسكة بهويتها القومية وعلى نحو متطرف جعلها تبتكر طرقا مموهة لفرض المصلحة القومية الفارسية على العرب المجاورين ،

 

من خلال اكبر فتنة صنعتها وهي التشيع الصفوي الذي حول الخلاف السياسي حول الخلافة في بلاد العرب الى مذهب جديد ثم دين جديد  كما ان الدستور الايراني لما يسمى (  جمهورية ايران الاسلامية  ) هو من حيث الجوهر دستور قومي دون ادنى شك لانه يؤكد مرارا وتكرار على مصالح ايران بصفتها هي المقرر للسياسات الايرانية ، اما الامة العربية فانها ورغم المؤامرت التي نفذت وتنفذ ضدها كسلب فلسطين ومحاولة تهويدها فانها لم تضعف ولم تتراجع ونجد الشعب العربي بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص يتمسك بقوة بحقوقه وهويته لدرجة ان المشروع الصهيوني وبعد نصف قرن على تاسيسه في فلسطين يواجه اكبر تحد الان  ، لان العرب متمسكون بهويتهم التي افشلت كل محاولات التهويد والصهينة  ولو ان هذا الذي يواجهه العرب من تحديات ونكبات تعرض له شعب اوربي لما صمد ولتمزقت هويته لانها هوية سطحية  ،  ان على من يتعاملون مع القومية العربية ان يدرسوا التاريخ اولا لا ان يسمعوا قصصا اسطورية نسجتها السن تمتهن حرفة ترديد ما يسمع من الاخرين دون التدقيق والتمحيص مباشرة  ، ولللامعان  بالاستهداف  للامة العربية  أسسوا أي البريطانيين للدولة القومية أو ما يسمى حكومة الدين  ( الكيان الصهيوني في فلسطين المحتله  )  باعلانهم  المشؤوم وعد بالفور لتحقيق اهدافهم اللاحقة  بتفتيت المجتمع العربي وتحويله الى كانتونات هزيله متناحره ومتقاتله فيما بينها كي ينتهي الدور الرسالي لامة العرب  ، وقد تجسد ذلك في العقد الاخير من القرن الماضي  ،

 

ومن خلال نظرية الشرق الاوسط الجديد التي افرزتها احداث القرن الحالي الواحد والعشرين لانه حان الوقت لتحقيق ما هم يؤمنون به ويرونه وسيلة من وسائل الحفاض على المصالح  والاستراتيجيات  التي تحكم هيمنتهم  وبقائهم القوة الاكثر تفردا"  ويمدوا جذورها في أعماق نفوس عملائهم  ، فبعد الغزو والاحتلال للعراق 2003  نجد  ان ما أراده  الانجليز  في القرن الماضي  يجد  المجال الرحب  في عقول المتظاهرين تباكيا" على طائفتهم ، او دينهم ، او قوميتهم  ، وفي الوقت الذي يشعر فيه اتباع اهل البيت أو الأكراد أو غيرهم من قوميات أو طوائف الشعب العراقي بالعداوة والبغض لهذه الادواة القومية  والتي تنظر إليهم على انهم ليسوا عراقيين أو ليس عرب والى آخره من الاتهامات ، وكان اتباع اهل البيت  اكثر من غيرهم يعانون من هذه الدولة ،  وابسط مثال على ذلك هو إطلاق مصطلح ( الطائفة )  الذي كان له الإثر البالغ على بناء الأغلبية من مكونات الشعب العراقي  حيث نعلم والكل يعلم أن مصطلح الطائفة يطلق على الأقلية فقط  ، وكان هذا المصطلح يطلق على لسان المسؤولين وساسة الصدفه  بقصد أو بغير قصد مع العلم أنهم يعلمون أن اتباع اهل البيت العرب يمثلون نسبة مهمة من الشعب العراقي مقابل نسبه اخرى لجميع مكونات الشعب العراقي والذين تجمعهم معاني المواطنه والانتماء للعراق ،   لقد تعلمنا في الماضي وفي الوقت الحاضر أن من يتكلم عن موضوع القومية أو الطائفية  يتهم بالقومية أو الطائفية  وكحد ادنى التخندق القومي او الطائفي ، ولكن ما افرزه الغزو والاحتلال والرده السلبيه في نفوس بعض من ارتد على قناعاته السابقة  جعلتهم  بمكان من التندر والاستهزاء  بمن حافظ على ولائه الوطني والقومي  ويطلقون العنان لالسنتهم بالقول  القومجيه ناعتين حاملي الفكر القومي والعاملين على انضاجه وتمكينه من الانتقال الى ما تطمح له الجماهير العربية  ،  والذين يرون الوسطيه  في العلاقات واحترام الرأي والرأي الاخر  ينعتونهم  بنعت التنكر الى اعتقادهم بل يتجاوزون بالنعت بانهم لابد من تفسيقهم  وهنا أشير الى ما تعرض اليه  الكثير من العلماء والفقهاء الاجلاء  ومنهم  الامين و المؤيد  والحسني الصرخي  وقبلهم المرحوم  مهدي الخالصي  ،

 

((  إيران الفارسية الدولة الطامعة منذ قرون بالعراق , تمارس غسيل الدماغ الطائفي كوسيلة حربية إستراتيجية من خلال شعارات  المطالبه بحق المستضعفين والمحرومين  , وترفع يافطات أسلامية لتصدير مشروع  الثورة الاسلامية وحقيقتها  مشروع الأمة الإيرانية  بفكرها الصفوي الجديد  ،  انطلاقا من العراق بعد أن فشلت لعقدين كاملين في لبنان , وكانت جريمة غزو العراق واحتلاله 2003  قد مكنها من التمدد جنوبا باتجاه الخليج العربي عبر العراق وتأسيس رأس جسر ثلاثي معكوس في الكويت ،  والبحرين ، واليمن ، الصومال والسودان  وجمهورية مصر العربيه غير بعيده  من شراهة  التمدد  الصفوي ضمن حرب المشاطئة التي تصل إلى الأحمر والمتوسط , وبذلك أصبح العراق رأس جسر لانطلاق مشروع الأمة الإيرانية ,  ويمكن وصف الدور الإيراني بمثابة الاحتلال الأخطر على العراق لأنها متاخمة للعراق وطامعة بأمواله وثرواته وتستخدمها لبناء قدراتها الغير نظامية وتلك اخطر التهديدات الحالية , ويلاحظ حجم الحرب الإعلامية الأيديولوجية التي تنفق عليها وتعدد وسائل الاتصال والتي بلغت أكثر 150 وسيلة اتصال فاعلة تهيكل العقول العربية وتحرض المجتمعات سلبا ضد دولهم وهذا جوهر الاستهداف في حروب الإزاحة للدول العربية )) ، ومن أجل انضاج  الموضوع وتبسيطه  امام البعض أقول ووفق ما يستفاد من المعاجم السياسية فأن

 

*  القومية تعرف أحيانا بـ الاعتقاد بارتقاء شعب خاص عن سائر الشعوب من حيث الخلقة والخلق والعقيدة واللسان وبتعبير أدق هي الاعتقاد بتفوق شعب خاص والنظر الى سائر الشعوب بالحقد والضغينة وبذلك يكون مدعي القومية ينظر الى الكون والحياة فيرى لنفسه وحسب خياله تفوقاً وعلواً  وبذلك يرتب على تلك النظرة ويقول : أذا كنت أنا وقومي متفوقين يجب أن نكون متصدرين في كل شيء ويكون الآخر خادماً ومتعبدا وتكون لنا السلطة عليه وعلى هذا الأساس فأن القومية لا تفترق عن العنصرية بشيء وهذا هو الاساس في  السلوك الفارسي الصفوي الذي يحكم الملالي اليوم وقبلهم الشاهنشاه  وهي ذات الرؤية التي حكمت العقل الهتلري في حينه  ، والقومية لغة هي من القوم أي الاتصاف بصفات ذلك القوم كاللسان والعادات والتقاليد السائدة كالعرب والفرس والاكراد وغيرهم  ، أما حزب البعث الخالد فقد مزج بين مفهوم القومية لغة" وألحب قبل كل شيء لان ذلك سيؤدي الى التضحية من أجل الحياة الحرة الكريمة وهذه هي القيمة الانسانية 

 

(( لقد اعلن البعث بولادته الرسمية في عام 1947 بانه حزب قومي لكن قوميته ليست عرقية بل ثقافية وتاريخية بمعنى انها ليست انتسابا عرقيا للعرب القدماء بل هي انتسابا اختياريا تقرره مقومات ثقافية واجتماعية وتاريخية ، وكان تعريف العربي هو افضل تعبير عن هذه النظرة القومية غير العرقية ، اذ ان دستور الحزب عرف العربي بان كل من تكلم العربية وقبل الانتماء الى الامة العربية واخلص لها فهو عربي بغض النظر عن اصله العرقي وهذا التعريف للعربي مستمد مباشرة من التعريف المحمدي النبوي للعربي  ، حيث قال النبي العربي الكريم  صلى الله عليه واله وسلم ( ليست العربية في احدكم بامه وابيه بل بلسانه فمن تحدث العربية فهو عربي) وبطبيعة الحال فان التحدث بالعربية ليس وحده ما يمنح العروبة بل هناك متطلبات اخرى وهي حب العرب والاخلاص لهم وتركز الولاء للعروبة ، والا فان المترجم اليهودي والانكليزي والروسي يتحدث العربية لكنه ليس عربيا لان ولاءه لاصله او لامته ، وبهذا التعريف حسم البعث مسالة من هوالعربي وسمح ذلك بتاكيد ان الامة العربية من موريتانيا الى عمان هي ليست مفهوما عرقيا بل مفهوما ثقافيا تاريخيا ، بمعنى ان العربي اكتسب عروبته بتثقفه بثقافة العرب واخلاقهم وسايكولوجيتهم وقطعه لصلة الولاء باصله واقتصاره على الامة العربية ، ولكن هذه العروبة لا تختمر او تتبلور عند الانسان الذي اختارها لانها تحتاج لزمن طويل تجري فيه عمليات تفاعل خلاق بين مكونات هذا الانسان السايكولوجية والثقافية والاقتصادية تكون نتيجتها صهره في بوتقة العروبة وقطعه لصلاته القديمة كليا ، او تعامله معها على اساس انها تاريخ انقضى واصبح مجرد ذكريات ، او اصول يعتز بها لانها اصله ان تفاعل التكون النفسي مع عملية الاندماج التاريخية ثقافيا ونفسيا واقتصاديا تستغرق زمنا ليس بالقصير، وهنا تظهر اهمية التاريخ في خلق الانسان العربي  ، فبدون التاريخ بصفته الرحم الذي تنمو فيه عروبة الانسان والقابلة التي تولده صحيحا وسليما لا يمكن تصور وجود عروبة سليمة ، ان ما يوجد في المجتمع العربي من مكونات ثقافية ونفسية واقتصادية وبيئة جغرافية وارث ديني يشكل المصدر الاساس لبناء الشخصية العربية ، من هنا نرى ان عربية الانسان تعني اول ما تعني انه تشرب بثقافة الامة بكافة مكوناتها خصوصا الاسلام بصفته الطاقة الروحية الجبارة التي تضع الانسان على الطريق الصحيح قيميا وانسانيا  )) 

 

* أما الطائفية فهي الاختلاف الفكري بين مكونات الدين الواحد والاعتقاد بصحة طائفة دون اخرى

 أذن القومية اوسع من الطائفة حيث يمكن ان تكون القومية الواحدة ذات طوائف عدة مثل القومية العربية تقسم الى عدة طوائف مثل المسلمين والمسيحيين والصابئة وغيرهم  ، وقد عالج القرآن الكريم نزعة الفخر عند العرب في صدر الإسلام فحذرهم في آيات عديدة من التوسع في هذه الفتنة وشرورها موضحاً أنه يخاطب الإنسان بما هو أنسان ولايعتني بخصائصه القومية وان الدور الأساس هو للفطرة الإنسانية المستقيمة التي لا تتفاوت عندها القوميات ولذلك فأن بعثة النبي في الجزيرة العربية ونزول القرأن باللغة العربية لا يعني أنحصار مصلحة الرسالة فبها الى الابد ومن الممكن أن تتجه الرسالة الى بيئة أو مكان أخر ، ولذلك روي أنه لما نزلت ســـــــورة الجمعة ومنها قوله تعالى ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (الجمعة:3) ، ُسئل النبي صلى الله عليه واله وسلم عن هؤلاء فلم يجبهم حتى سئل ثلاثاً ، وكان سلمان المحمدي (رض) حاضراً فوضع يده على منكب سلمان وقال ( لو كان الأيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء ) وعن الأمام الباقر عليه السلام  قال في تفســـــــير قوله تعالى (  وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ  ) ( محمد : من الآية 38 ) قال أن تتولوا ( يامعشر العرب ) يستبدل قوماً غيركم يعني الموالي وروي عن الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم  قال في قوم قد هجوا سلمان وصهيب وبلال ( رض ) فقال غاضباً ( أيها الناس أن الرب واحد ، وأن الدين واحد ، وليست العربية بأحدكم من أم ولا أب وأنما هي اللسان فمن تكلم العربية  فهو عربي ) ، وكذلك ينسب إلى أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام  قوله  
لعمرك ما الإنسان إلا بدينــــــه  فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارسي وقد هجن الشرك الشريف أبا لهـب  


وبذلك نفهم أن الاسلام حارب القومية  والعنصرية بكافة أشكالها دون تمييز وأعتبر الركن الاساس في تقييم الانسان هو اسلامه وأيمانه ودرجة تقواه بغض النظر عن الجنس واللون والدم والقوم ، وهناك التفاته بسيطة أود الاشارة اليها وهي الفرق بين الانتماء الطائفي والقومي والتمييزالطائفي والقومي حيث الاول هو الارتباط العقائدي مع طائفته أو قوميته ويعتز بها ويفتخر ضمن حدود المعقول ، أما الثاني فهو خلق الفوارق الاجتماعية والثقافية والسياسية بين طائفة وأخرى أو قومية وأخرى ونتيجة لهذا التمييز تظهر بوادر الاستبداد والقهر والظلم

 

يتبع بالحلقة الرابعة






الاثنين ١٢ ذو الحجــة ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / تشرين الاول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة