شبكة ذي قار
عـاجـل










من حيث أراد حيدر العبادي أن يُسوق نفسه كحليف مخلص ووفي ومضمون للولايات المتحدة والدول التي انضمت للتحالف الدولي الذي ما تشكّل إلا من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخلفات الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، أي العملية السياسية التي صممتها أمريكا بنفسها للعراق تحت ستار كثيف من دخان التضليل السياسي والإعلامي بدعوى إقامة مجتمع ديمقراطي اتحادي تعددي في العراق، تلك التجربة التي اصطدمت بقوة بجدار الرفض الشعبي العراقي الذي أفرز أسرع وأشرف مقاومة عرفتها الإنسانية في تاريخها، لأنها تمثلت قول الشاعر وسوى الروم خلف ظهرك روم، بل إنها كانت مقاومة يتيمة بكل معنى الكلمة وتآمر عليها الأقربون بشراسة فاقت الشراسة التي قاتلها بها المحتلون متعددو الجنسية الذين جذبتهم رائحة النفط.


حيدر العبادي وهو في أعلى مراتب الشعور بأهمية الدور الذي يقوم به، ارتكب حماقة كبيرة في مستهل وجوده في منصبه، ما كان للولايات المتحدة أن تسكت عليها وكذلك الحال بالنسبة لفرنسا، ففي الوقت الذي ظن أنه يقدم هدية ثمينة للإدارة الأمريكية ردا لجمائلها عليه، فقال في لحظة انعدام الوزن أو التوازن، إن لديه معلومات مؤكدة وموثقة استقاها من لجان تحقيقية تواصل التحقيق مع عناصر من الارهابيين تؤكد أن هناك خطة معدة لضرب محطات مترو الأنفاق في الولايات المتحدة وفرنسا، فكان حديثه هذا كمطرقة نزلت على حالة الاطمئنان التي تحاول الولايات المتحدة بكل ما تمتلك من قوة ماكنة الإعلام وسطوة أجهزة الأمن التي لا عد لها ولا حصر، ولأن حديثا بهذا الحجم يمثل صدمة للمجتمعين الأمريكي والأوربي ويثير هلعا ورعبا في بيئة ما تزال تعيش مرارة أحداث 11 أيلول 2001 وهواجسها، أو ما شهدته محطات المترو في لندن ومدريد قبل عدة سنوات وتريد أن تطوي حالة القلق والترقب بل والانهيار الجمعي كل ذلك أدى إلى أن يعيش المجتمع الأمريكي أمراضا نفسية واجتماعية عجزت كل نتاجات التكنولوجيا الأمريكية عن انتشال أمريكا التي أرعبت معظم شعوب العالم بماكنتها الحربية المتطورة، ولكنها ظهرت على حقيقتها بعد أحداث أيلول 2001 مجتمعا مأزوما بلا حدود وخائفا بلا نهاية.


جاءت تصريحات العبادي عن خطةٍ مزعومةٍ لتهديد محطات المترو في أمريكا وفرنسا شرارةً أشعلت غابةً كاملةً من الرعب الجمعي، فسارع أكثر من مسؤول أمريكي سياسي وأمني إلى نفي مزاعم حيدر العبادي جملةً وتفصيلاً، وقد وصفها أكثر من مسؤول بأنها معلومات غير موثوقة كناية عن كذبها، لأنهم رأوا في مثل هذه التصريحات نزعاً لكل صمامات الأمان الاجتماعي وفتح أبواب الرعب على مصاريعها في مجتمع ما زال يتعامل مع مصطلح الإرهاب كسيف ذي حدين، يعطي حذراً محدوداً وينتج قلقاً هائلاً يعطل القدرة على التفكير السوي، بل ربما عطل حركة الزمن في العالم الجديد الذي ظل يحسب لكل شيء حسابه إلا ما يسمى بالإرهاب، ولهذا باسم مكافحته اعتدوا على الخصوصيات والسرية الشخصية واقتحموا الحياة الخاصة للأفراد من دون استثناء وأخضعوا حياتهم لرقابةٍ صارمةٍ في الأماكن العامة والمطارات وحتى في غرف النوم، ثم بعد أن يقطع المجتمع الأمريكي خطوةً قصيرةً جداً، يأتي حيدر العبادي وبتصريح لينسف في لحظة واحدة كل ما بنته الأجهزة الأمنية والمخابرات في سنوات طويلة، ولينزع عن أجهزة المخابرات الأمريكية والأوربية ما لديها من خبرة وكفاءة تفاخر بها دول العالم وترعبها بها، وليقول للجميع بصوت عالٍ، أمتلك أجهزة مخابرات نجحت فيما عجزت عنه أجهزتكم التي أصابتها الشيخوخة وربما الزهايمر.


ترى هل فكر العبادي بأنه سيثير كل ردود الفعل الغاضبة عليه؟ وهل ظن أنه سيجني كل اللعنات التي صبها عليه الأمريكيون المصابون بمرض 11 سبتمبر؟ وهل فكر بانعكاسات أقواله على الموقف الرسمي للإدارة الأمريكية فيه ومن التعامل معه كرئيس لحكومة بلد حليف؟


حيدر العبادي أفقد الأمريكيين والأوربيين الثقة التي منحوها له، ووجدوا فيه تسرعا معيبا سيؤدي إلى التأني في التعامل مع أية معلومة يطرحها في السوق المزدحم بمختلف السلع البائتة والبائرة والكاسدة، ولسان حالهم سيقول إذا كنت على هذه الدرجة العالية من الحصافة والدقة في التعامل مع الظواهر المستقبلية، وإذا كنت تمتلك جهاز مخابرات نشط بحيث وصل مرتبة من الرقي والتطور وعلو الخبرة بحيث تفوق على كل من CIA و FBI، فلماذا لم تتمكن الطبقة السياسية الحاكمة في العراق بمن فيهم العبادي ومن قبله نوري المالكي من حماية الأحياء السكنية بما فيها القريبة من المنطقة الخضراء منذ 2003 وحتى اليوم؟


يبدو أن العبادي أراد أن يحمل معه هدية نفيسة ليقدمها لكبار المسؤولين الأمريكيين في أول مهمة سياسية خارجية له أثناء حضوره دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ولكن الهدية وبدلا من أن تقبل منه مع قليل من الشكر انقلبت عليه نقمة وغضبا وعدم ثقة به وبما يقول، ولا بد أن تترك تلك التصريحات حذرا محسوبا من الأطراف التي سمعت بالتكذيبات التي أطلقها المسؤولون الأمريكيون عن تحذيرات العبادي، ولا بد أنهم سيلومون أنفسهم على التعجل بالمجيء به رئيسا للحكومة.






الثلاثاء ٦ ذو الحجــة ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / أيلول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة