شبكة ذي قار
عـاجـل










في مسلسل ( فرقة ناجي عطا الله ) الذي يجسد فيه الفنان العربي القدير عادل إمام والفنان العراقي الكبير بهجت الجبوري أدوار البطولة – يسأل الفنان عادل إمام موجهاً سؤاله إلى بهجت الجبوري : أي النظامين أفضل للعراقيين ، النظام السابق أم النظام الحالي ، وهل عراق ماقبل الأحتلال كان أفضل أم العراق ما بعد الأحتلال ..


يجيب بهجت الجبوري : إن العراق في زمن النظام السابق كان دولة وطنية تتوفر فيها كل مقومات الدولة ، هناك قانون يطبق بنظام ، هناك مؤسسات تدير شؤون المواطن ، هناك أمن ونظام وأمان وأستقرار ، هناك أستقرار سياسي واقتصادي وأمني واجتماعي ( بس الحرية مفقودة ) ، لا تستطيع أن تنتقد النظام ، لا تستطيع أن تبدي رأياً في السياسة .. بينما في عراق ما بعد الأحتلال ( هناك حرية ) لكن الدولة فقدت هيبتها ، لا أمن ، لا أمان ، لا أستقرار ، فساد تنهش كل مفاصل الدولة المدنية والعسكرية ، هناك فوضى أمني وأجتماعي وسياسي لكن ( الحرية موجودة ) ..


توقفت عند هذا الحوار ملياً ، وسألت نفسي ( ماهي الحرية التي يبغيها الشعب ) ، ماذا يريد الشعب من النظام الذي يحكمه وأي حرية يريدها ..


أن تجوب شوارع الوطن ، مليشيات شتى وتنظيمات مسلحة تأتي من كل حدب وصوب وتقتل وتسرق وتغتال وتختطف كل من سار في الشارع .. أن يتحول شوارع الوطن الى ملعب يتبارى فيه القتلى والعلاسةّ واللصوص ، يسرقون في وضع النهار ، يقتلون بدم بارد ، يختطفون بدم بارد ويأخذون فدية ثم يقتلون دون أن يخضعوا لأية مسائلة قانونية أو عشائرية ..


إن لا تتمكن صبية عمرها 12 عاماً من السير في الشارع خوفاً من مليشية أسلامية أو من علاسةّ ، إن لا تتمكن امرأة أكل منها الدهر وشرب من السير في الشارع .. إن تتقيد المرأة في مشيتها ولابسها ودراستها ..


إن لا يتمكن الشاب من الذهاب الى جامعته خوفاً من الأختطاف ولأنه أسمه أصبح لايروق للبعض ، أو أن شعر رأسه صار يثير دهشة البعض ..


إن يفقد الشعب ثقته بكل كوادر الدولة وموظفيه .. إن لايحترم الشعب جندياً ولا وزيراً ولا تدريسيا في الجامعة ولا طبيباً .. لأن الجميع في أعين الجميع أصبح متهماً بالفساد ، بالعمالة ..


أية حرية يتحدثون عنها والتي نمتلكها اليوم ..؟
حياتنا مهددة ، صباحتنا تبدأ بالخوف ، وليلنا يبدأ بالرعب .. لا ندري متى تأتي سيارة ملغومة أو صاروخ عشوائي أو عبوة ناسفة وتهدم البيت على رؤوسنا ورؤوس أطفالنا ..


الوزير يسرق ، والوزير يزورّ شهادته ..
والنائب في البرلمان حصد الكرسي بالرشوة وأغراء الناس ..
أدوية تباع في الشوارع من قبل باعة متجولين ..


صحف بالألأف تصدر يومياً ، وفضائيات بالمئات تدسّ السمّ في حياتك ، وتحرضكّ على الكراهية والتعصب ّ ، تكذب عليك ( عين عين ) ..


إن لا تميز بين ( الجندي النظامي ) وبين مرتزق ومليشياوي أستورد من الخارج ينفذ بك قصاص الموت دون أن تعرف جريمتك ..


إن يقدم الفاسد والناهب والمجرم نفسه بصفة الوطني والديمقراطي .. ويظهر نبياً أمامك وهو شيطان رجيم ..


إن يتحول بائع الخضار الى سياسي يقودك الى الهاوية .. إن تتحول ( دلالالة ) في السوق الى نائبة في البرلمان وتملي عليك مفاهيم ما أنزل الله بها من سلطان ..


هذه بعض مظاهر الحرية التي أصبح العراقيون يمتلكونها بعد الأحتلال ..
هدموا وطناً ليقدموا لنا ( حرية معجونة بدمائنا ) ..
نفقد حياتنا وحياة أبنائنا لنتنسم حرية نتنة ، تفوح منها رائحة الدم ..


مصيرنا مجهول ، لا ندري أين نحن ذاهبون ؟ وأين سائرون ؟ وأذا كنا نملك فتات من الخبز اليوم هل نملكها غداً ..
نعم أصبحنا نملك الموبايلات ، ونملك الستالايت في بيوتنا لكن لا نملك ( ساعة من الراحة ) ..ساعة من رأحة البال ..
فتح أمامنا أبواب السفر لكن أين نسافر وكل بلدان الأرض أصبحت تضيق بنا ..
لا شهادتنا تحترم ، لا جوازتنا تحترم ، لا مفاهيمنا أصبحت تحترم ..


تحول رجال الدين عندنا الى سياسيين وعسكريين وأصبحنا ننقاد مثل ( قطيع من الغنم ) .. السياسي يزجّ نفسه في شؤون الدين وأصبح الدين بلا حرمة ، كل من جاء يفتي بفتواه ..


هذه هي الحرية التي منحونا أياها ويمتصون دمائنا من أجلها كل دقيقة من حياتنا ..
فقدنا كل ثروات الوطن ومازلنا ندفع ثمن هذه الحرية ..
أضعنا مدننا ، وبيوتنا ، وأصبحنا مهجرين ، غرباء في أوطاننا ، في مدننا ..


أحدنا لا يجاهر بمذهبه ولا بدينه ولا بقوميته ولا حتى بمشاعره فكل شيء أصبح ( محرماً في هذا الوطن ) ..
نخاف الشرطي ، ونرتعب من رجل الأمن ومن السياسي ومن عابر سبيل يمر من شارعنا ..


فهل هذه هي الحرية التي يريدها شعب متحضر مثل شعبنا ..
لم تعد لنا حضارة ولا تراث ولا فكر ( كلها راحت فدوة للحرية ) ..
في دولتنا الوطنية ، كنا نملك مؤسسات مدنية وعسكرية يحترمها حتى أعدائنا .. جامعاتنا من أرقى الجامعات ، وشهادات تخرجنا تعترف بها أرقى الجامعات .. مؤسساتنا الصحية تحصد أرفع الجوائز ، ودوائرنا الأمنية ( نرفع بها الرأس ) ..
لرئيس الدولة هيبة ، وللوزير هيبة ، وللموظف هيبة الوزير ..


وللجندي أحترام ولموظف البلدية والأكاديمي الأحترام نفسه..
كنا نلبس ما نشاء ، ونمشي كيفما نشاء ، ونسرحّ شعرنا كيف نشاء ..
لكل منا دينه وربه ..
ولكل منا أسمه وقوميته وهويته ..


الحرية الوحيدة التي كنا لا نملكها ، أننا لم نكن نملك حق القتل في الشارع ، ولا حق السرقة ولا حق الأختطاف ولا حق أختلاس أموال الدولة ..


وكنا لا نملك حق زجّ أنفسنا في السياسة لأن للسياسة رجالها وللدين رجاله وللفن ناسه ..


الشاعر شاعر ، والنجار نجار ، والراقص راقص ..والرئيس رئيس ..


لحد اليوم ، لست ادري من قال أن الحرية تعني سيادة الفوضى في المجتمع .. وتعني أن يغيب العدل والقانون والمثل والأخلاق من الشارع ..






السبت ٣ ذو الحجــة ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / أيلول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كلشان البياتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة