شبكة ذي قار
عـاجـل










لست هنا في وارد التحليل النظري المجرد ولا حتى في وارد الاحتكام إلى استنتاجات وأحكام منطقية، بل انقل ملموسات و مرئيات واقعية مشكلة بعض العرب انه يحاول أن يضعها خارج إطارها الميداني الحاصل فعلا ويحاول تأطيرها في سياقات الخيال أو المؤامرة. فإيران تحتل العراق احتلالا استيطانيا واذرعها ضاربة في أقطار المشرق العربي والخليج وتمنحها قدرات نفوذ حول الهلال الذي توقعه ويخشاه بعض العرب بعد احتلال العراق عام 2003 إلى قمر مكتمل. نعم فالقمر الفارسي الطائفي قد اخذ كامل صيغته البيضاوية أو الدائرية لا فرق.


أول مرتكزات الإستراتيجية الفارسية في احتلال ارض العرب هي التخفي تحت أجنحة أميركا وحلفها الذي غزا العراق واحتله وفتح الأبواب مشرعة لوهن وضعف وانهيار شامل لكل أقطار الأمة العربية، وتصدر الطائفية السياسية الممزقة لوحدة الصف الوطني والقومي وما أنتجته من صراعات دموية وانهيار شامل في البني المدنية للأقطار العربية. فبعد هزيمتها في حرب الثمان سنوات وعجزها عن تصدير الثورة الخمينية بفضل صمود العراق وشجاعة شعبه وقواته المسلحة وتضحياته الجسيمة لجأت إيران إلى أسلوب آخر وظفت فيه أطرافا أخرى لتحقق أهدافها وأولها إسقاط النظام العراقي لتنفتح مسارات النفوذ أمامها بكامل مدياتها وأحداث الكويت والحرب العدوانية التي ترتبت عليها ومن ثم الحصار الإجرامي وصولا إلى الغزو عام 2003 كلها أحداث كانت إيران متواجدة في مركزها وتحرك مفاصلها وأطرافها بطريقة أو بأخرى. في هذا المرتكز تقف إيران جنبا إلى جنب مع الكيان الصهيوني يعضد احدهما الآخر وكل بطريقته وأساليبه وبأهداف بعضها يلتقي متجانسا متطابقا وأخرى ذاتية محضة تخص كل منهما على حدة.


المرتكز الثاني الذي تشكل فيه الفارسية ومنهجها خطرا على العرب وبلدانهم يفوق بمديات كبيرة الخطر الصهيوني والخطر الامبريالي المصالحي المحروس أو المحمي بأنواع متعددة ومختلفة من نزعات وقوائم النفوذ والقوة الغاشمة. المنهج الفارسي القومي الاحتلالي يعتمد عربا من أقطارنا وظفهم عبر أحزاب وميليشيات طائفية يقومون بمهمة الاحتلال نيابة عن إيران. إنهم يتحركون سياسيا واجتماعيا وعسكريا بهوية وطنية تخفي ولاءهم المطلق للمشروع الفارسي وتحت غطاء مذهبي زائف. إيران في هذا المرتكز تتصرف من داخل الجسد العربي لتكرس احتلالها الاستيطاني المناظر للاستيطان الصهيوني في الأرض العربية الفلسطينية. إن اعتماد التسييس الطائفي الموالي لإيران واعتبارها مركزا لدولة أممية طائفية يخضع عرب إيران إخضاعا خانعا لإرادة وتوجهات المشروع التمددي الإيراني مع منح جرع مظهرية فارغة لعرب إيران تظهر اعتدادا بالنفس وخيلاء أجوفا على أساس أنهم يعبرون عن عقيدة دينية أو مذهبية. إن التجنيد الفارسي للعرب المقتنعين بسلطة إيران الدينية يستفيد من عوامل الجهل والتخلف وضعف الدراية السياسية والاستغفال للعامة من جهة مع تدريب عال واستثمار للاحترام الفطري الذي يكنه العرب للهواشم ولعمامة السيد لقادة الحراك الطائفي مسنود بدعم مادي وتسليح للمليشيات التي أسستها كل أحزاب عرب إيران الطائفية من جهة أخرى وفي مختلف أقطار الأمة وخاصة مشرقها.


المرتكز الثالث هو إتباع سياسة الإيهام والمسرحيات المفبركة لخداع العرب بعداء مستحكم بين إيران من جهة والولايات المتحدة والكيان الصهيوني من جهة أخرى. هذا الإيهام يخدم المشروع الفارسي بأكثر من طريقة منها خداع العرب بان إيران تقف معهم ضد عدوهم التقليدي وتشاركهم أهداف تحرير أرضهم فتجد من اليائسين نتيجة خوار حكام العرب وتخالجهم فكرة الثورة والتحرير فيسوقه اللهف للتعلق بالوهم الإيراني مصدقا إن إيران الدعية ستقاتل الصهيونية. إيران ظلت على المدى تشتغل بروية وأناة ومنهجية ثابتة على بقاء التخلف والجهل وترسيخ الكراهية الطائفية والبغضاء في الجسد العربي بدءا من الأقرب ووصولا إلى كل جزء من ارض العرب وخططت لاستثمار هذا الوضع البائس في تكريس اليأس والقنوط واضمحلال الحياة وبما يجعل الصلة بين العرب وحكامهم وإدارة حياتهم في روافدها المختلفة قابلة للخرق والتوظيفات السلبية المختلفة.


أنجزت إيران بعض مشوارها الاحتلالي في مشرق الأمة العربية لكنها تتجاهل حقائق جدلية لا مناص منها: منها انها لم تنجزه بقدراتها الذاتية، بل ركبت على أكتاف أميركا واللوبيات الصهيونية وكيانها المسخ وهذا الركوب له مدى زمني ينتهي بنهايته وإنها وظفت المد الطائفي الذي تصاعد هو الآخر تحت تأثيرات غزو العراق وتداعياته ولكن اليقين إن روح الأمة وقيمها العليا ستنتصر وتخسر إيران إن عاجلا أو آجلا هذا الغطاء الذي هو سلاحها الأخطر. ونحن أيضا نرى إن عوامل التخلف والجهل والخرافة واللاهوتيات الفارسية في طريقها إلى الانحسار ولن تظل ذاك الخرق الاجتماعي الذي نفذت منه إلى واقع بعض شرائحنا الاجتماعية والمذهبية. وستنبعج كرة القمر الطائفي الذي اندفعت إيران إلى تأسيسه بعوامل خارجية وأخرى ذاتية وستنقلب بعض معطيات السحر على السحرة وتنتصر إرادة العراق والأمة لأنها إرادة الله سبحانه والشعب المؤمن الطيب العريق.






الجمعة ٢ ذو الحجــة ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / أيلول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة