شبكة ذي قار
عـاجـل










واستكمالا لما تحدثنا عنه في الجزء الثالث عن الاشتراكية والنظام الاشتراكي ، فقد يقول قائل ولماذا هذا الخلط بين الإسلام وبين اشتراكيــة البعث ؟ فنقول إن هذا التساؤل يقودنا إلى الحديث عن علاقة العروبة بالإسلام ، حتى نرى جوانب هذه العلاقة والمشتركات المبدئية والإنسانية بينهما ، لنخلص إلى ما قلناه من أن الاشتراكية ليست بحديثة العهد في تفكير الأمة العربية وطلائعها التي تبنت النظام الاشتراكي على مر مراحل التاريخ ، وإنما هي سبقت مفكري الغرب في إرساء أهم ما في جوهر الاشتراكية وهو العدل والمساواة والقضاء على الفقر والفاقة وتفجير طاقات الناس المستند إلى تفجير الروح للعمل والإبداع والثقة بالنفس من اجل الوصول إلى الهدف ، ومن الحقائق التي لابد من توكيدها إن العروبة سبقت الإسلام وكان لهذه الأمة وجود وحضارة تمثلت في دول وحضارات سادت ثم تعرضت إلى الانكفاء ولم يبقى إلا تاريخها وبناؤها وثقافتها التي تتداول بين الأجيال اللاحقة ، وكان للغة العربية الدور الأساس في وحدة الثقافة والتاريخ المشترك لهذه الأمة ، وقد تجلى ذلك في أشعارهم وتقاليدهم وقصصهم والفضائل التي كانوا يتحلون بها ،وقد دلل ذلك على نضج الأمة في حمل رسالة السماء الخاتمة ، فاختار الله محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم ليحمل هذه الرسالة إلى قومه وأبناء أمته ثم ينطلق بها إلى جميع أرجاء المعمورة مبشيرا ونذيرا ( هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقيـــن ( 138 ) ( آل عمران ) فكل أمة عظيمة عميقة الاتصال بمعاني الكون الأزلية ، تنزع في أصل تكوينها إلى القيم الخالدة الشاملة ، والإسلام خير مفصح عن نزوع الأمة العربية إلى الخلود والشمول ، فهو إذن في واقعه عربي وفي مراميه المثالية إنساني ، فرسالة الإسلام إنما هي خلق إنسانية عربية، ولا نريد هنا أن نكون منحازين إلى هذا القول فالله سبحانه وتعالى هو الذي خص الأمة بحمل الرسالة الإسلامية وقال عنها ( كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) وبالمقابل فان الأمة لم تكن طامعة في مال وملك احد أو تتطلع إلى بسط نفوذها على مقدرات أمم أخرى ، كما فعلت القوميات الأخرى عندما تهيأت لها الفرص وامتلكت عوامل القوة والنفوذ ( أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم واللـــــــه لا يهــــدي القوم الظالميـــــن ( 109 التوبة ) فلم يتوسعوا بغية التوسع ولا فتحوا البلاد وحكموا استناداً إلى حاجة اقتصادية مجردة، أو ذريعة عنصرية، أو شهوة للسيطرة والاستعباد .. بل ليؤدوا واجباً دينياً كله حق وهداية ورحمة وعدل وبذل، أراقوا من اجله دماءهم ، واقبلــــوا عليه خفافـــــاً متهللين لوجــــــه اللـــــه. ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ( 69 ) العنكبوت ). لان الإسلام بالنسبة إلى العرب ليس عقيدة أخروية فحسب ولا هو أخلاق مجردة بل هو أجلى مفصح عن شعورهم الكوني ونظرتهم إلى الحياة ، ولذلك، فإن من الطبيعي أن يحتل الإسلام، كثورة عربية فكرية أخلاقية اجتماعية ذات أبعاد إنسانية مركز المحور والروح في فكر البعث الذي يمثل المشروع الحضاري الجديد لأمة واحدة ذات تاريخ عريق ورسالة حضارية إنسانية .. يقول عفلق :

( بدافع من الحب للأمة العربية أحببنا الإسلام ) ثم يتابع أنني شخصيا، في بداية تكوين الحزب اكتشفت الإسلام. أقول اكتشفت، ولا أعني أنني لم أكن أعرف الإسلام .. فقد كانت هناك ألفة منذ الصغر .. اكتشفت الإسلام كثورة .. كتجربة ثورية هائلة، وقرأته قراءة جديدة من هذا المنظار .. في أنه : عقيدة، ونضال في سبيلها .. وقضية هي قضية الأمة، وقضية الإنسانية .. بل أنه قضية أمة بتصور إنساني أوسع )، هكذا ربط البعث ومؤسسه عفلق العروبة بالإسلام .. ثم فيقول : ( لا يفهنا إلا المؤمنون، المؤمنون بالله.. أننا نؤمن بالله، لأننا في حاجة ملحة وفقر إليه عصيب. فعبئنا ثقيل، وطريقنا وعر، وغايتنا بعيدة

 

فهل هناك أكثر من هذه المعاني والنصوص التي تدلل بالمطلق على عمق العلاقة بين البعث كحزب يمثل الأمة العربية وبين الإسلام الذي يمثل الأمة الإسلامية ، وان هذه العلاقة لابد أن تنعكس على أهداف البعث في المفهوم والفكرة ومنها الاشتراكية التي هي مخاض ونتاج تجربة طويلة في حياة الأمة العربية يقول عفلق ( إن اشتراكية الغرب جعلت من المادة فلسفة عامة للكون ونظرة للحياة ، أما نحن فليس هناك ما يوجب علينا أن نتبنى الفلسفة المادية حتى نكون اشتراكيين لان الروح بالنسبة إلينا هي الأمل الكبير والمحرك العميق لنهضتنا، وهي التي تتجاوب أعمق التجاوب مع أمانينا في الحرية والتجدد والعدل والمساواة ، إنها روح سليمة غير مشوبة بالظلم كما في الغرب ، والاشتراكية بالنسبة إلينا فرع ونتيجة لحالتنا القومية ولضرورات قوميتنا ) إنها فرع خاضع للأصل الذي هو الفكرة القومية. فضرورات النضال القومي توجب النظرة الاشتراكية، أي أن نؤمن إن العرب لا يمكن أن ينهضوا إلا إذا شعروا وآمنوا بان هذه القومية ستضمن العدالة والمساواة والعيش الكريم ويختم عفلق مقاله (ثروة الحياة) قائلاً: ( إذا سئلت عن تعريف للاشتراكية فلن أنشده في كتب ماركس ولينين وإنما أجيب: إنها دين الحياة، وظفر الحياة على الموت، فهي بفتحها باب العمل أمام الجميع، وسماحها لكل مواهب البشر وفضائلهم أن تتفتح وتنطلق وتستخدم، تحفظ ملك الحياة للحياة، ولا تبقي للموت إلا اللحم الجاف والعظام النخرة ) فاشتراكية البعث لم تكن اشتراكية هجينة أو مستوردة مادامها هي أساس ومستقبل أجيالنا ومن هذا نستدل على العلاقة الصميمة بين اشتراكية البعث والعدالة الإسلامية . يتبع ....






الجمعة ٢ ذو الحجــة ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / أيلول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ابو مجاهد السلمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة