شبكة ذي قار
عـاجـل










وكأن الرئيسين الأمريكي والفرنسي أوباما وأولاند اشتركا في كابوس مزعج واحد بعد ليلة صاخبة أمضاها كل واحد منهما منصرفا إلى ما تواجهه بلاده من اختناقات وأزمات على أكثر من محور داخليا وخارجيا، فلم يجدا غير نغمة الخطر الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية على الولايات المتحدة وفرنسا وأوربا بل والعالم أجمع، وقال أوباما إنه ذاهب إلى التحالف الأربعيني لأن الدولة الإسلامية تهدد المواطنين الأمريكيين، وتتجاوز ذلك إلى تهديد الأمن القومي الأمريكي برمته، ولهذا هرول أوباما إلى الكونغرس بغرفتيه ليستحصل موافقة عاجلة على تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لدعم ( المعارضة السورية المعتدلة ) ، كي تنهض بواجبها في شن حرب بالنيابة عن الأمن القومي الأمريكي على تنظيم الدولة الإسلامية، بالمقابل نصحت الإدارة الأمريكية حكومة حيدر العبادي بأن تذهب إلى خيار الصحوات المحسنة بعد إخفاق تجربة الصحوات السابقة، وتشكيل ما أصطلح على تسميته بالحرس الوطني، وهذا الاسم يرتبط بأول التشكيلات العسكرية التي أقامها المحتلون الأمريكيون بعد أن وجدوا أن الثمن الذي عليهم دفعه للحفاظ على مكتسبات الاحتلال سيكون باهظا جدا، وانطلاقا من تجربة قديمة طبقوها في فيتنام الجنوبية قبل الانتصار الفيتنامي الكامل على القوات الأمريكية والجنوبية، والتي تلخصت بما أطلق عليه ( فتنمة الحرب ) ، أي ترك الفيتناميين يقاتلون بعضهم ويبقى الأمريكي متفرجا ليحصد المكاسب السياسية والاستراتيجية من دون أن يخسر قطرة دم واحدة، أخرج القادة العسكريون ذلك الملف البغيض وبدأوا بتشكيل وحدات عسكرية من عراقيين ( معظمهم بالجنسية فقط ) ، من أجل تخفيف الضغط على القوات الأمريكية التي كانت خسائرها بارتفاع مستمر أعاد إلى الذاكرة الجمعية الأمريكية مرارة التجربة الفيتنامية ودروسها التي ظلت تؤرق القادة السياسيين والعسكريين على حد سواء.


إننا لم نشك يوما في أن الغرب يريد رأس بلادنا محمولا على صينية من نحاس، لأن الغرب نفسه هو الذي رسم للإسلام صورة نمطية تعبر عن أفكار المستشرقين، بأنه دين عنف وسيف، وأنه يمثل التهديد الأعظم للحضارة الغربية المسيحية، والغرب في هذه القراءة مغرض إلى أبعد الحدود، فحالة التململ العربي والإسلامي تجاه الغرب في العصر الحديث بدأت تأخذ أشكالها ( المتطرفة ) ، نتيجة السياسات العدوانية للغرب والتي بدأت مع انطلاقة الحروب الصليبية وسياسة التوسع الاستعمارية في الوطن العربي، ولم تتوقف إلا بإقامة الكيان الصهيوني فوق أرض فلسطين عام 1948 بعد ثلاثة عقود من وعد بلفور لليهود بمساعدتهم على إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، فكان هذا الحدث المفصلي هو الذي أقام القطيعة بين عالمين متناقضين في كل شيء وأقام حاجزا حضاريا شاهقا بين الغرب المسيحي والعالم الإسلامي، فكان لا بد للطرف الذي يشعر بوطأة الظلم والقهر من أن يتململ ويحاول التخلص من القهر والضيم، وتمثل ذلك في أحيان كثيرة بردات فعل رافضة للسياسة الغربية تجاه الوطن العربي، كان من بينها انتفاضات شعبية على الوجود الاستعماري البريطاني كما حصل في العراق وفلسطين وضد الاستعمار الفرنسي كما حصل في سوريا والجزائر، عندما كانت بريطانيا وفرنسا الدولتين العظميين في العالم، وبدلا من الاعتراف بحق العرب في الاستقلال عن الهيمنة الغربية، تحرك مقص سايكس بيكو ليمزق أوصال الوطن العربي إلى أشلاء مبعثرة بهدف الإبقاء على الأمة ضعيفة كي تسهل عملية نهب ثرواتها والتحكم بمقدراتها، فنمّا الغرب النزعة القطرية في الوطن العربي حد التناحر والنزاع على الأراضي والثروة وأخذت حدود سايكس بيكو مع الوقت مكانا مقدسا في رسم الهويات الفرعية على حساب الهوية العربية الجامعة، وتوسعت شقة الصراع العربي الإسلامي مع الغرب، وطور الغربيون من أساليب القمع المعتمدة في تعاملهم مع الانتفاضات التي شهدتها أكثر من ساحة عربية ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي، وكان من الطبيعي أن تطلق الأوساط الاستعمارية أوصاف الإرهاب والتطرف على حركات التحرر العربية التي ثارت على الظلم والقهر.


اليوم يعيد التاريخ نفسه ولكن بالقوة الدولية الأكبر في العالم أي الولايات المتحدة والتي تجر وراءها دولا تدور في فلكها وهي مغمضة العيون وتعتمد سياسة الكراهية التي جاءت بها الحروب الصليبية، وقد عبر عن ذلك الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن بصراحة في تبريره لغزو العراق وأفغانستان، فغزت بلاد العرب والمسلمين ومارست معهم أسوأ ما يمكن أن يخطر ببال مراقب من قتل وتعذيب وظلم وتمييز عنصري وديني، وذهبت واشنطن مرة أخرى إلى خيار الحرب البديلة بعد أن وصلت خياراتها الأخرى إلى طرق مسدودة تماما، فتم تشكيل الصحوات في العراق منتصف العقد الماضي بعد أن ضاق الشارع الأمريكي بحجم الخسائر البشرية والمادية التي كانت بتزايد مستمر، أي أن أمريكا أرادت عرقنة الحرب ولتترك العراقيين يتقاتلون فيما بينهم ثم تأتي لاحقا لتظهر بدور الناصح الأمين وكمنقذ للجميع، في حين أنها لم تأت إلى العراق غازية محتلة إلا لعاملين اثنين، أولهما ضمان إمدادات الطاقة والتي اختص الله سبحانه أرض العرب بها، وثانيهما أمن الكيان الصهيوني الذي تنظر إليه واشنطن على أنه جزء من الأمن القومي الأمريكي، وقد أدت هذه السياسات المطبقة بقوة الاحتلال الأمريكي وبتخطيه السياسي إلى عزلٍ وتهميشٍ واسعين لست محافظات عراقية عن صنع القرار السياسي العام وحتى عن صنع القرارات الخاصة بها، فقد سلبت السلطة الحاكمة في بغداد والمدعومة من واشنطن وطهران، كل الصلاحيات عن المحافظات، وحصرها رئيس الوزراء المخلوع نوري المالكي بنفسه متجاوزا أبسط حقوق المواطنة التي كان يتغنى بها على مدار ساعات اليوم، واستأجر لهذه المهمة زمرة من المطبلين له والمسبحين بحمده ليظهروا على الفضائيات وينكروا على سكان هذه المحافظات الذين انطلقوا في حراك شعبي يسعى لاسترداد الكرامة المسلوبة والحقوق الإنسانية المغتصبة أي حق بالاحتجاج، ولما تعامل المالكي مع ذلك الحراك بالغباء المعهود فيه والنزعة العدوانية الطائفية التي تحرك دواخله، واستخدم القوة الغاشمة لفض ساحات الاعتصام كما حصل في الفلوجة والحويجة والموصل وبعقوبة، بعد أن وصفها بأقذع الأوصاف، تحول الحراك الشعبي السلمي إلى حراك مسلح دفاعا عن النفس والكرامة طالما كانت النتيجة واحدة في تعامل حكومة المالكي في حال بقي الحراك سلميا أو تحول إلى عسكري، حينذاك ونتيجة لاستشراء الظلم كان طبيعيا أن يحتقن المشهد السياسي والأمني وإلى أعلى الدرجات وأن تطفو على السطح حركات متطرفة هي الانعكاس الطبيعي لإقصاء سكان المحافظات الست عن تأدية دورهم في اختيار ممثليهم الذين يعملون لمصلحة مناطقهم وليس لإرضاء المالكي طعما بمنصب أو مال سياسي كما كان يحصل طيلة السنوات العجاف الماضية.


وكعادة الطغاة في كل مرة، كانت التهمة جاهزة، وهي أن الإرهابيين والتكفيريين والبعثيين والنواصب والقاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية هم الذين يسيطرون على المشهد، ويفرضون خياراتهم على الشارع، ولم يحاول أحد أن يفسر الحالة على أنها انتفاضة ضد الظلم والظالمين، وضد ما كانت تقوم به أجهزة القمع الحكومية والمليشيات الطائفية التي تم إطلاق يدها على نحو غير مسبوق في تاريخ العراق أو تاريخ أي من دول العالم التي تطرح نفسها كدول متمدنة لتماس أبشع الجرائم وأكثرها همجية ووحشية، ولم يتحرك العالم لوضع حد لكل ما كان يعاني العراقيون الحقيقيون من ظلم وقتل وتهجير على الهوية، إلا أن المفاجئ أن العالم تحركت فيه الغيرة بصورة مفاجئة بعد أحداث التاسع من حزيران الماضي في الموصل، بعد أن بدأ تنظيم الدولة الإسلامية بالتمدد خارج مدينة الموصل وعلى أراض هي بالأصل ليست تابعة لخارطة كردستان العراق، وحصلت المسرحية غير المحبوكة التي نفذتها إحدى ( النائبات ) اليزيديات عما أسمته بحرب الإبادة التي تعرض لها اليزيديون، وتحرك الرئيس الفرنسي ليسفر عن عنصرية مقيتة عندما أمر بفتح أبواب فرنسا أمام مسيحيي العراق والهجرة إلى راعية المسيحية الكاثوليكية الجديدة، متجاهلا إحدى عشرة سنة من الظلم الذي تعرض له العراقيون على أيدي المليشيات الإيرانية المدعومة من حكومة المالكي والمنفذة لكثير من جرائم القتل والتهجير على الهوية التي خطط لها المالكي استجابة لأوامر قوة القدس الإيرانية.


إننا نعرف أن فرنسا تريد ركوب أية موجة إقليمية أو دولية لتطرح نفسها راعية للكثلكة في العالم ولزعامة الاتحاد الأوربي بوجه منافسة غير متكافئة مع ألمانيا، ولكن أن يتحرك العالم لأن الأمن القومي الأمريكي أو الفرنسي أصبحا في خطر ثم يعرضان استقرار العراق والمنطقة ووحدة أراضي دولها إلى خطر، فينبغي أن يفهم الغرب أنه يسبح ضد التيار وأنه لن ينجح في تركيع العرب والمسلمين أبدا، وأن هذه السياسات الحمقاء هي وحدها التي تجلب أكبر الأخطار على الولايات المتحدة وأوربا، وما على الدول الأوربية وكذلك الولايات المتحدة إلا إعادة قراءة التاريخ وخاصة تاريخ الاحتلالات التي تعرض لها العرب والمسلمون لاسيما احتلال العراق وأفغانستان وما جلبا من كوارث على الغرب، ليجدوا أن نتائج تلك الحروب هي التي أنزلت دولا كانت عظمى ذات يوم إلى دول من الدرجة الرابعة أو الخامسة وربما من درجات أسوأ من ذلك.

 





الاحد ٢٦ ذو القعــدة ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / أيلول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة