شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما ولد البعث وأعلن مؤتمره التأسيسي الأول في السابع من نيسان / 1947 كان يحمل سر قوته وديمومة وجوده ، لأسباب كثيرة ومتعددة أولها انه ولد من رحم الأمة ولم يكن فكرا مستوردا أو هجينا ، ففكرة البعث الأولى في حد ذاتها قوة تاريخية وقوة ثورية لا تقدر ، لان البعث وضع القضية العربية في صيغة فكرة شاملة وهي مساهمة جادة في إرساء حركة الثورة العربية على أسس صلبة فثالوث الوحدة والحرية والاشتراكية جاء معبرا عن حاجة الأمة إلى عوامل النهوض والتقدم وإزاحة ركام الماضي وآلامه وآهاته ، ثم الانطلاق إلى عالم تندمج فيه الأمة مع ذاتها وتكتمل صيرورتها في إرادة قوية تحقق أسمى الغايات وأنبل الأمنيات ، فترى في نفسها امة موحدة متماسكة ذات شان إقليمي ودولي وحضاري كبير، والمتتبع للتطور الفكري للبعث يجد انه كان يؤكد دوما على الترابط الجدلي لأهدافه ، وقد أعطى للوحدة ارجحية على المبدأين الأخريين الحرية والاشتراكية ،

 

بسبب أن الوحدة تشكل الضمانة الأكيدة لنجاح أي عمل على طريق حرية واشتراكية الأمة وبناء نظامها التحرري الاشتراكي ، القادر على تامين الحياة الحرة الكريمة لجميع أبنائها ، فالوحدة في منظور البعث هي ليست تجميعا لأقطار الأمة ، وإنما هي انبعاث و خلق جديد لأنها حقيقة جوهرية تعيش في ذات كل أبنائها ، ويتحفز لها المرء لأنه يشعر ويحس انه ينتمي إلى امة رسمت له هويته القومية التي تظهر على لسانه ، عندما يسال من أين أنت فيجيب انأ عربي من العراق أو عربي من المغرب أو مصر مثلما يجيب آخر انه آري من ألمانيا أو فارسي من إيران أو سكسوني من بريطانيا ، ولقد مرت الوحدة في مراحل وظروف تاريخية منذ أن بدا الزمن يسكن حياة الإنسان فقد نضجت عواملها قبل ظهور الإسلام ، عندما توحدت لغة العرب وكتبوا أدبا وثقافة وعلما بلغتهم ، وكان لظهور الإسلام عاملا كبيرا في جمع شمل الأمة ، فأصبحت جسدا لهذا الدين الحنيف ، الذي بعث فيها عوامل القوة والمنعة فكانت الأمة تمثل كادر الإسلام وأداته في الانتشار والدخول في الدين الجديد ، واستطاعت من خلاله أن تعبر عن إنسانيتها وبعدها القومي ، وكيف أنها قومية إنسانية مؤمنة تحمل معاني الحب والعدل والمساواة وعدم غمط حقوق الآخرين والنظرة الدونية للأقوام والأمم الأخرى ، فكان لها دولتان كبيرتان هما الدولة العربية الأموية في الشام والدولة العربية العباسية في بغداد ،

 

فالعروبة هوية وهي كالاسم للشخص وكالوجه للجسد ولا يمكن ان تتحقق إلا بوحدة أقطارها ، وطريقها إما وحدة اتحادية أو وحدة اندماجية ، وان الإيمان والفهم اللذان يترسخان في عقلية الفرد العربي وبالأخص الطلائع الواعية لدورها إضافة لفهم واستيعاب طبيعة الظروف التي تحيط بالأمة ودرجة التحدي لمشروعها القومي ، كلها ستكون العامل الأساس في اختيار أيا من الطريقين لبناء دولة الوحدة ، مع الأخذ بالاعتبار إن طريق الوحدة ليس بالأمر الهين والسهل وإنما تقف في طريقه معرقلات وتحديات من أطراف عديدة أهما القطرية ودعاتها والتمسك المطلق بجغرافيتها والعمل على تعزيزها ، من خلال مناهج وأساليب وقواعد وقوانين تجعل الفرد يدور في فضائها ويحرم عليه الخروج منها ، إما الطرف الآخر فهي التحديات الأجنبية التي لا تريد للعرب أن يتوحدوا على قاعدة الوطن العربي الكبير، فالاستعمار القديم حاول ونجح في تقسيم الأمة إلى أقطار عدة أصبح عددها اثنان وعشرون قطرا ولكل قطر نظام يهتدي بموجبه حكام ذلك القطر الذي يرتبط البعض منهم بالجهات التي قررت التقسيم ، وكانت سايكس بيكو في العام 1916 هي مسمار الفرقة وسورها الذي جعل لكل قطر حدوده وجغرافيته ، وبدل من أن العربي كان يتنقل من مدينة وبلد إلى مدن وبلدان في أرجاء الأمة من شمالها إلى الجنوب ومن شرقها إلى غربها دون أن يسال عن ورقة أو وثيقة مرور أصبح سياج بيكو يحرم الدخول ويمنعه إلا بوثيقة السفر التي تمنحها له دولته القطرية ،

 

وإمام هذا الحال كان لابد من ظهور الفكر والأسلوب والطريقة التي تقف بوجه هذا التحدي الخطير سيما وان الأمة في جميع أقطارها تمتلك تراثا حضاريا وفكرا خلاقا يمكنها من أن تنهض من جديد وان تواجه التحديات المفروضة عليها من قبل الأجنبي ، لأنها امة حية قادرة على النهوض والبناء ، فظهرت فعاليات التصدي للاحتلال البريطاني والفرنسي والايطالي في العراق وفي الشام وفي مصر وفي ليبيا وفي الجزائر وفي السودان وفي الأقطار العربية الأخرى ، وكانت هذه الفعاليات ترمي إلى طرد المستعمر وإقامة النظام الوطني الكامل السيادة والاستقلال والقادر على تصريف شؤون البلاد بعقلية وأيادي أبنائه ، وفعلا استطاعت تلك الأقطار من تحرير نفسها وقيام الأنظمة الوطنية فيها ، لكن الاستعمار المطرود لم يهدا له بال ولم يستقر له شان لأنه فقد مصالحه ووجوده التي لا يمكن أن يقوى ويمتلك الثروات ويبسط النفوذ بدونها ، فعاد بقوة من جديد بعد أن زرع كيانه المسخ في فلسطين ليجعل ذلك الكيان عينه في المنطقة وأداته في التخريب والتآمر والعدوان ، ولقد افلح الطامعون عندما استمالوا أنظمة عربية بعينها لتكون قواعدهم في إجهاض المشروع القومي ، الذي بدا نوره في ميلاد البعث في العام / 1947 ، وفي قيام وحدة 23 شباط / 1958 بين سوريا والعراق ،

 

وفي قيام ثورة الجيش والشعب في العراق في الرابع عشر من تموز 1958 وثورة البعث القومية في الثامن من شباط / 1963، والتي جاءت لتصحيح مسار ثورة 14 تموز التي سبقتها ، وفي انتصار مقاومة وثورة شعب الجزائر في العام 1961، وثورة أيلول 1969 في ليبيا ، ومن هنا بدا التآمر الشرس على الأمة لان الأقطار التي تحررت من نير العبودية والاستغلال لابد أن تنحو نحو وحدتها ، سيما وان شعارات التحرير كانت ترفع لواء العروبة والتغني بأمجادها وبطولاتها ، وكان لقيام ثورة 17 – 30 تموز القومية الاشتراكية بقيادة حزب الأمة حزب البعث العربي الاشتراكي الدور الكبير والمساهمة الفاعلة في إرساء المشروع القومي العربي وخاصة بعد نجاح تأميم النفط في الأول من حزيران / 1972 وانبثاق الجبهة الوطنية والقومية التقدمية في آب 1973 ، وتطهير ارض العراق من جواسيس الصهيونية والغرب الاستعماري ، ورفع شعار نفط العرب للعرب والرد السريع على الغزو الإسرائيلي للأراضي السورية والمصرية في حرب تشرين 1973، وحل المسالة الكردية حلا سلميا ديمقراطيا بموجب بيان آذار / 1970 ، وقيادة خطة تنموية انفجارية لبناء العراق فأصبح البلد بالقول والفعل الأرض المحررة للثورة العربية وهو قاعدة الانطلاق لتحقيق أماني الأمة في مشروعها القومي الكبير .

 





الاحد ١٩ ذو القعــدة ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / أيلول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ابو مجاهد السلمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة