شبكة ذي قار
عـاجـل










أوجزنا في الجزء الأول بيئة العداء الداخلي والخارجي الذي واجهته ثورة 17 -30 تموز 1968 وشعب العراقي المتفاعل والملتف حولها وحول قيادتها الوطنية القومية الملتزمة بسياسة مؤمنة بحق الشعب بثرواته وبامتلاك فرص التقدم ونواصي العلم في كل مجالات الحياة لتحقيق انتقاله حقيقية للعراق من خانة البلدان المتخلفة إلى صف الدول المتقدمة وبناء نموذج عربي متفرد يمثل قاعدة الأمة العربية المحررة. وعلينا أن نضيف لاستكمال صورة الموضوعية والواقعية التي نطرح بها إن تعدد المؤامرات والاستهداف بأعلى درجاته وصولا إلى شن الحروب والجر إليها جرا ستولد حتما قرارات وإجراءات إن لم تكن خاطئة من قبل النظام فإنها غير مقنعة أو غير مرضية للبعض من أبناء الشعب وخاصة الشرائح التي عانت أكثر من سواها من البيئة التي وصفناها وخاصة في زمن الحصار. إن الإشارة إلى الأخطاء والممارسات الاضطرارية هي جزء لا يتجزأ عن الصورة الإجمالية التي نريد الوصول إليها، ألا وهي إن الغزو عندما حصل فانه قد حصل على بلد منهك وشعب عانى الأمرين ومن الطبيعي جدا أن ينعكس هذا الواقع على مجمل الحياة السياسية رفضا أو استجابات بهذه الدرجة أو تلك لواقع ما بعد الغزو والاحتلال ونحن نضع هذه الجزئية هنا ليس إقرارا بواقع لا مناص منه في أن كل من يسعى ويعمل لا بد أن يخطئ ويتعثر وان من يجتهد ويتوق للعلياء التي لها أعداءها وعتلاتها المعرقلة لا بد أن يتعرض لظروف معرقله قد تجبره على اتخاذ مواقف وقرارات ملجئة وليست في الأصل خيارا ولا منهجا له ولكي لا يقال بأننا نتحدث عن نظامنا الوطني وكأننا نتحدث عن ملائكة.


توزع العراقيون إلى جهتين غير متناظرتين لا عددا ولا إمكانات:


الأولى الجهة التي جاء بها الاحتلال من خارج الوطن وبدأت تحرث في المجتمع العراقي لتؤسس لقواعد ولوجود لها كان معدوم كليا وتتعكز على إسناد المحتل مالا وتجهيزات.


والجهة الثانية وهي غالبية الشعب الرافضة للغزو وللاحتلال وكل ما جاء به. وقد توزعت هذه الجهة إن صح التعبير والقوى المعبرة عنها من أحزاب وأبناء القوات المسلحة العراقية الوطنية والتصنيع العسكري في فصائل جهاد مختلفة منها ما ظل يحمل اسم الحزب والدولة العراقية وهؤلاء هم أبناء العراق الذين لم يسقطوا السلاح قط لا بوجه الغزو ولا الاحتلال الناتج عن الغزو ولا عملهم المدني بوجه العملية السياسية المخابراتية التي أنتجها الاحتلال وهم يمثلون شرعية الوطن الذي لم يستسلم ولم يذعن للغزاة وأعوانهم وإضافات أخرى جاءت كنتيجة طبيعية للغزو ولتعدد المواقف ودرجات تناقضها مع الاحتلال وممارساته الإجرامية بحق شعبنا الصابر المحتسب. نحن نتحدث ببساطة عن بيئة تشابكت وتعقدت وتداخلت فيها الرؤى والطرائق ودرجات الاختراق الخارجي لمخابرات العالم التي دخلت مع الغزو وصار لكل منها شرعته في النفوذ بحثا عن المصالح والحصص في الجسد العراقي المنهوب وتعددت بالتالي وسائل العراقيين في الرد عليها.


إن صورة تعدد الفصائل وجيوش المقاومة قد تكون مرضية ومقبولة للشعب الرافض للاحتلال في مرحلة الحرب غير النظامية التي تبنتها فصائل المقاومة والتي ينفذ فيها كل فصيل عملياته ضد القوات الغازية في أي مكان من أرض العراق وتصب كلها في جسد المحتل المجرم أيا كانت جنسيته أو في حاوية الخونة القابعين في المنطقة المحمية وتحقق كامل الأغراض المرجوة منها في سد منافذ الحياة على الغزاة وعلى قردتهم الخاسئين وتضييق الخناق عليهم ليضلوا يتعايشون مع بيئة موحية وصريحة في استحالة بقاءهم يدنسون أرض العراق الطاهرة لأنهم غير شرعيين وغير قانونيين ولا يليق بالعراق أن يحملهم ولا أن يحملوه بل هم شذاذ آفاق ومرتزقة و سراق وفاسدين لا يصلحون لقيادة قطيع مواشي. غير إن أهداف الثورة الشعبية مختلفة نوعيا وتتراوح بين أهداف سياسية تخاطب الشعب وقواه الخيرة وتطرح البديل لنظام الحكم والدستور والديمقراطية والانتخابات والتعددية وغيرها من مواصفات الدولة القادمة التي تسعى إلى إنتاجها الثورة كبديل للمنظومة الاحتلالية المجرمة الخائنة الفاسدة. وهذا الهدف يتطلب الالتقاء على قواسم مشتركة توضح أهداف الثورة في هذا القطاع للشعب وللعالم.


وعليه فان وحدة فصائل الثورة هنا ضرورة وليست خيار لأن من غير المعقول أن نتحدث عن دولة للأمن والتنمية واحترام المؤسسات والقانون وتنفذ إرادة الشعب بالحرية والديمقراطية وتساوي فرص الحياة ما لم يكن نسيج الثورة الذي سيقود الدولة متفقا على برنامج عمل سياسي موحد يقدم البديل العراقي المعرف للجميع عن سلطة الاحتلال المجرمة.


إما انجاز عملية التحرير التي تقتضي الدخول في معارك تحرير لا بد منها مع الاحتلال وعمليته السياسية المخابراتية فهو الآخر هدف لا يشبه تماما أهداف المقاومة التي اشرنا إلى إنها يمكن أن تضرب آلة وأفراد العدو ولو من قبل فصائل لا يربطها رابط . فالثورة المسلحة عندما يكون قدرها أن تتشكل من قوى قومية ووطنية وإسلامية وثوار عشائر وضباط القوات المسلحة وفقا لاستجابة منطقية وموضوعية لبيئة ما قبل الاحتلال التي شرحناها في الجزء الأول فان هذه القوى تتجه لمقاتلة النظام الذي أنتجه الاحتلال ومنحه شرعية مزورة وحماية بجيش مسلح بترسانة أسلحة هي الأكثر تطورا في العالم والثورة هنا:


أولا: تمسك أرض
ثانيا: تتقدم لإضافة ارض جديدة
ثالثا: تعلن عن تغيير مادي موضوعي على الأرض له صله ليس بشعب العراق فقط، بل بكل دول العالم القريبة والبعيدة وكل المصالح المتشابكة.


وهذه العوامل تتطلب وحدة الثوار وتجانس خطوط سيرهم وتفاهمهم الكامل على القتال ضد العدو من جهة وحماية بعضهم البعض من جهة أخرى وضرورة أن تؤمن عوامل أمن الثوار ليس من العدو المقابل فقط، بل من بين ظهرانيهم.


إن وحدة الثوار تعني قوة معنوية روحية متجددة لان مصادر التمويل الشعبي والحواضن التي لها تأثير حاسم في وقائع القتال ونتائجه الميدانية ستكون هي الأخرى متفقة على إسناد كل الثوار وليس فصيلا دون آخر كما إن الجهد الإعلامي, وهو أحد أذرع الثورة الضاربة سيتفق على منهجية وفكر وافق واضاءات مشتركة تحمي مصداقيته ومواثيق شرف ثقافة الحركة الثورية المباركة.


بقي أن نشير بشكل سريع إلى حقيقة قد تعيننا جميعا في مواجهة الإعلام الرذيل لأعداء الثورة والذي يحاول أن يشوه سمعتها وصورتها المباركة المقدسة الناصعة المؤمنة باتهامها وإطلاق تسميات الإرهاب عليها:


إن هدف الإعلام المعادي الأول هو تمزيق وحدة الثوار وأغراضه أن يخترق جسدهم ليجعلهم يقتتلون بينيا مع بعضهم البعض ليضعفهم ويسهل لقواته الانتصار عليهم وانهاء الثورة ومن بين وسائله الخبيثة أن يجمع كل الفصائل تحت مسمى إرهابي يثير قلق ومخاوف العالم وبهذا لا يلغي الكيانات الثائرة الأخرى فقط بما يثير حفيظة هذه التشكيلات كاحتمال رد فعل بشري محتمل منها لهكذا إلغاء خبيث يقود إلى خلافات غير محمودة ليس من الفصائل وتشكيلاتها فقط بل ومن الجماهير المؤيدة لتلك الفصائل . من جهة , ومن جهة أخرى , فان الشراكة في مرحلة تنفيذ ثورة تحرير الوطن لا تعني بأي حال من الأحوال اتفاقات إيديولوجية ومبدئية ولا إلغاء للخلافات العقائدية، بل إن تغليب غاية إنجاح الثورة هي التي تجعل كل التفاصيل توضع جانبا لان التحرير من الاحتلال لوطن وشعب ينزف أهم حتى من الكينونة الذاتية للإفراد والفصائل كل على حدة، فحرية الوطن واستقلاله أغلى من الأرواح واهم من كل العناوين .






الاربعاء ٣ شــوال ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / تمــوز / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة