شبكة ذي قار
عـاجـل










في عودة لحظية إلى نتائج التقابل البارد بين الامبريالية وبين الاشتراكية والتي أفضت إلى سقوط النموذج الاشتراكي ولو جزئيا عبر الانهيار المدوي للاتحاد السوفيتي, وبهدف إعادة تقييم الحدث من زاوية واحدة لا أكثر، ألا وهي زاوية مقارنة عوامل القوة في إنتاج الفوز الذي حسب للامبريالية بشكل مطلق بنفس حسابات أهل المصلحة ( الفائز يستحوذ على كل شئ WINER TAKES THEM ALL ) نقول :


لم يسقط الاتحاد السوفيتي بقوة أميركا، بل سقط لأنه لم يحمي نفسه كما فعلت الامبريالية. والحماية هنا لم تكن مقترنة بعوز في السلاح والعتاد ولا بمقومات التوازن التكنولوجي الذي كان يؤشر تفوقا جزئيا للامبريالية لكنه ليس تفوقا مطلقا، بل نسبي، فالسوفييت والمنظومة الاشتراكية كان بوسعها أن تقاتل أميركا سنوات طويلة ولا تخسر الحرب.


من جهة أخرى فان الغرب الامبريالي لم ينتصر على الشيوعية والاشتراكية لاعتبارات روحية اعتبارية ولا أخلاقية أيضا لأنه هو الآخر مكبل بانعدام الأخلاق وسقوط القيم والخنوع لاعتبارات المادة ورأس المال وأرباح النخبة على حساب عامة الناس. فإذا كانت الماركسية قد سحقت الفرد ضمن دعوى و بتسويغ تغليب مصلحة المجموع فان الامبريالية قد سحقت الإنسان لأنه إنسان ولأن بوسعه أن يصير عتبة في سلم ارتقاء رأس المال باستغلال بشع لإنسانيته ولطاقاته والفارق في احترام إنسانية الإنسان بين الاثنين نسبي غير مطلق مع حضور أخلاقي أوسع وأشمل في النظام الاشتراكي.


إذن لماذا انتصرت الامبريالية وممثلتها الأقبح أميركا في الصراع الناعم؟


الجواب صار واضحا لمرور الزمن الكافي لانكشاف الحقائق. لقد سقط الاتحاد السوفيتي ليس لأن أميركا أسقطته بالقوة, لا المادية ولا الروحية, بل لأنه كان يحمل عوامل وهن ذاتية مختلفة وأسبابها متنوعة. وعليه فان من الأخطاء التي سقط فيه العالم ونحن منه، انه طبّل لقوة أمريكية خارقة وضخمها مع الإقرار أنها موجودة ولكنها لم تكن حاسمة مقارنة بقوة الاتحاد السوفيتي العسكرية والتكنولوجية وخاصة عوامل الحسم الاستراتيجي كالقوة النووية.


لقد تصرفت أميركا بحماقة وعنجهية مشهودة بغياب الفيتو الصيني والروسي، بل إن تهورها وجشع شراهتها قد جعلها تجعل من نفسها قوة كهنوتية تقرر الشرير والمارق من دول العالم فتعاقبه بطرق ظالمة منها شن الحرب والاحتلال الاستعماري المباشر وقهر دول العالم بالتحكم باقتصادياتها ومناهج تعليمها وخدماتها وخططها التنموية المختلفة، بل وصل بها السقوط الأخلاقي إلى حد تبنّي خطط تمزيق دول بعينها عن طريق بث النزاعات والمشاكل الدينية والطائفية والعشائرية والعرقية. وامتدت أذرع الهيمنة الامبريالية إلى بقاع مختلفة من العالم فطالتها الحروب الأهلية والانقسامات والشرذمة مع إخضاع منظور وغير منظور للغول الامبريالي الأمريكي. ومعروف إن أوربا الامبريالية ذاتها قد سقطت هي الأخرى رغم شراكتها المعروفة لأمريكا بين أنياب الوحش الأمريكي الطالع من أحلك ظلمات التأريخ ومن أكثر غابات الظلام ظلامية. فصارت أوربا مجرد تابع تسحبه الإرادة الأمريكية تماما كما يجر الكلب صاحبه الأعمى إلى حيث يشاء مع ارجحية أن الكلب لا يهلك المستسلم لقدرية حبله كما فعلت أميركا بجرها لأوربا إبان يلغي سطوتها وانفرادها الظالم الأحمق المتهور.


حرب العراق بعد غزوه واحتلاله لدخلت تغييرا هائلا على الجوهر الأمريكي رغم محاولاتها المستميتة الإبقاء على هيكل ظاهري يحاول جاهدا أن يديم صورة العظمة والعنجهية دون جدوى. ثم انبثقت الحقيقة الناصعة بعودة روسيا والصين من مقابر الموتى إلى حواضن الحياة كنتيجة منطقية لما أصاب أميركا من هزيمة عسكرية شنيعة أطاحت بسطوة الاقتصاد أيضا فقفز النمران ليمسكا الفرصة التي خلقتها البندقية العراقية الباسلة وحققتها المقاومة الأسطورية لشعبنا العظيم.


هذا هو أحد الأسباب الأساسية لمواقف الولايات المتحدة في ليبيا حيث ظلت تتفرج منتظرة فعل أوربا التي تطلعت لدور استعماري يستولي على حصة من نفط العرب المعروض للهيمنة بفعل انهيار الأمن القومي العربي بعد احتلال العراق. أميركا في ليبيا كانت تتعكز على ذات العجوز المتهالكة ( أوربا ) أيام وبعد غزو العراق حيث كان الغول الأمريكي يترنح كالسكران العابث ظانا انه امتلك العالم. لم تكن سلبية أميركا في حرب أوربا على ليبيا تعقلا ولا اتزانا ولا حكمة، بل هي اضطرار الفيل المخضب بالدماء والثور المزروع في جسده رماح رياضي ماهر اسمه العراق.


وكذا هو حال الموقف الأمريكي من ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد والتذبذب الطافح للعيان بين أن تكون طرفا لصالح الثوار وبين حالة المأزوم الذي صار يتحدث عن توازنات إقليمية بعد أن تنمر الروس والصينيون على الثور المترنح المطعون بألف رمح ليس في مجلس الأمن والأمم المتحدة بفيتو وأكثر فحسب، بل وفي ساحات وميادين معروفة منها جورجيا. إن الانصياع الأمريكي للمنهج الإيراني الفارسي الطائفي ليس خيارا ممنهج ضمن ملفات ما قبل غزو العراق، بل هو ناتج من منتجات الهزيمة الأمريكية في العراق. وإذا كانت الإدارة الأمريكية المدنية والعسكرية تحاول الإيحاء بأن العزف على أيقونة التوازنات الإقليمية والى غير ذلك من مصطلحات التزويق الذي تقبع خلفه أزمة أمريكية، بل محنة وفجيعة ستظل تهرش في حديد المواقف الأمريكية وتنشر فيه عوامل التآكل إلى زمن طويل يأتي. وقد يكون أمام الإدارة الأمريكية أحد أمرين ينتج عنهما أحد موقفين :


الأول : الاعتراف بالهزيمة في العراق والاعتذار للشعب الأمريكي ولشعب العراق وبدء حقبة جديدة من نوع مختلف من العلاقة مع العراق والعرب يضمن مصالح أميركا ويحترم خيارات العرب ومصالحهم وحقوقهم كلها.


الثاني : المضي قدما في قضم الذات والسقوط المخزي في أحضان المشروع الفارسي الذي لن يكون حملا وديعا في قبضة أميركا كما يبدوا للوهلة الأولى، فالفرس يتمسكنون حتى يتمكنون وسيكون هلال إيران, أن تحقق, في مشرق الوطن العربي عظما في بلعوم الولايات المتحدة لأنه سينافسها على النفوذ السياسي ومنه يبدأ التنافس المدمر على الثروات وسيكون أمام العمامة الصفوية الفارسية التي مكنتها أميركا خيارات ابتزاز كبيرة تلعب بمقدرات المنطقة كلها وبمصالح أميركا على حد سواء. نزعم هذا لأننا نعرف يقينا وعلى نحو دقيق وتفصيلي أن إيران بمشروعها التمددي القومي الفارسي المتستر بالدين والمذهب لن تشارك احد في ثروات المنطقة ولن تتقاسم النفوذ مع احد، بل ستكون وحشا كاسرا يمزق أجساد الجميع طبقا لقاعدة: WINER TAKES THEM ALL. لقد برهنت الدولة الوطنية العراقية التي نزعت لباسها الرسمي وقاتلت أميركا في حرب غير نظامية، أثبتت إن أميركا ليست القوة التي لا يقدر احد على مواجهتها وألحقت بها خسائر جسيمة أدت إلى عرقلة مشروعها الاحتلالي وإدخال ربكة واضطراب عنيف في الهيكل الأمريكي برمته وان ما تظهره الإدارة الأمريكية من خنوع للمشروع الفارسي لا يقرأ بالكامل على انه توافق مع المشروع الصفوي الإمبراطوري الذي تسعى إليه إيران وتستثمر الهزيمة الأمريكية تماما كما استثمرت الصين وروسيا التهور غير محسوب العواقب الذي استهوى أميركا بعدما غاب التوازن الدولي بغياب الاعتراض الروسي والصيني.


ستدفع أميركا ثمنا باهضا لموقفها المتوافق مع المشروع الصفوي الإيراني أيا كانت المسوغات وسيكون الثمن أفدح مما دفعته أميركا في أفغانستان وفي العراق لأن التوافق هذا لا يصدر إلا عن وهن إرادة الفعل التي خارت بعد أن تمرغت في أوحال العراق وشبع صدرها المجرم برصاص المقاومة العراقية الباسلة. وهذا هو الحاصل المتوقع للممارسة المبنية على منطق القوة الغاشمة المستهينة بإرادة وحقوق الشعوب.






الثلاثاء ٢٧ رجــب ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / أيــار / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة