شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد أن تعرضت أمريكا إلى هزيمة ماحقة في العراق .. أخذت تفكر في إستراتيجية جديدة ذات خطين يعملان على احتواء إعتراضات الداخل الأمريكي :

 

أولاً-  الذي لا يريد التورط  في حرب خارجية .

ثانياً-  ولا يبدي إستعداداً لإنفاقات عسكرية، وخسائر في صفوف القوات الأمريكية.

ثالثاً-  وليس مستعداً لتقبل ( الإرهاب ) على الأراضي الأمريكية.!!

رابعاً- ويريد أن تبقى أمريكا متفردة في مكانتها الدولية دون غيرها.!!

 

هذه هي الخطوط العامة، التي بنيت عليها الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، فماذا يتضح منها وهي تنطوي على تناقضات في ما يريده الداخل الأمريكي، الأمر الذي جعل دوائر صنع القرار في أمريكا تعمل على صياغة إستراتيجية تجمع كل هذه التناقضات في إطار إستراتيجي جامع ، لا يخلو، هو الآخر، من تناقضات تبعث على التشويش والإرتباك في آن واحد .. وهي تجمع، كما يقال، بين الليونة في المواقف وبين إستخدام القوة بـ ( الإنابة ) ، وممارسة اسلوب التفوق العسكري عن طريق التدخل في عمليات سرية تعتمد على وكالة الإستخبارات العسكرية وجهات أمنية معنية بالأمن القومي ، وأجهزة البيت الأبيض والخزانة الأمريكية .. فيما تقوم وزارة الخارجية والبنتاغون بصياغة سياسة تعلن رفضها التدخل الخارجي المباشر وتمسكها بدبلوماسية المفاوضات ، حيث تجمع هذه الإستراتيجية بين الظهور بمظهر القوة ومظهر المفاوض .. ولكن خطورة هذه الإستراتيجية المضللة تبرز عند التطبيق .

 

فما هي عناصر هذه الإستراتيجية ، وكيف نفسرها ؟ :

1-  إن الجيش الأمريكي لن يخوض حروباً مكلفة ولن يشن حروباً مباشرة .. وهذا يعني أن الجيش الأمريكي سيخوض حروباً غير مكلفة مثل : القيام بعمليات سرية خاصة يستخدم فيها برنامج ( drone ) ، طائرة بدون طيار ( جاري العمل بهذا البرنامج على نطاق واسع في اليمن، وافغانستان، وباكستان، والعراق، وفي مناطق التوتر في القارة الأفريقية ..إلخ ) .. وإذا أرادت أمريكا أن تقود فأنها ستقود الحروب السرية من ( وراء الستار ) ، مثل قيادتها لتدخل ( الناتو ) في ليبيا .. كما أنها تعتمد الحرب على ( القاعدة ) في هذه الإستراتيجية، بصرف النظر عن الرئيس الذي سيصل إلى البيت الأبيض .

 

 2-  تفتقرامريكا لمخطط احياء ما يسمى عملية السلام في الشرق الاوسط .. وتعتمد سياسة احتواء  إيران بتشديد الحصار الاقتصادي .. وتمتنع عن التدخل في الأزمة السورية .

 

هذه الإستراتيجية تضليلية، تعكس أوهام القوة واوهام المفاوضات في واقع التهديد والإبتزاز.. وقد تقود هذه الإستراتيجية إلى ( إطلاق يد إيران في المنطقة وتحويلها إلى قوة إقليمية نووية تحت مزاعم الإحتواء ) .!!  

 

3-  ما أعلنه "أوباما" في خطابه في البيت الأبيض، وهو على عتبة فترة رئاسته الثانية (( .. إن عقداً من الحرب قد انتهى، وإن الحوار هو الطريق الوحيد للسلام، وإن التركيز هو كيفية إخراج أمريكا من أزمتها الإقتصادية الطاحنة.. )) .. أمريكا، في ضوء ذلك، قد  انكمشت عالمياً وانكفأت داخلياً ، ليس لأن أمريكا تريد ذلك إنما أرغمت على ذلك .. وهو الأمر الذي يدعو إلى التساؤل .. ماذا فعل مبدأ "أوباما" الإستراتيجي هذا بالإستراتيجية الأمريكية لعام 2002 والإستراتيجية المعدلة لعام 2006 ؟ :

 

أولاً- أسقط مبدأ "أوباما" إستراتيجية البنتاغون المركزية المعتمدة منذ عقود الحرب الباردة، والتي يعتمد فيها الجيش الأمريكي على استعداداته  لخوض حربين إقليميتين في آن معاً.

 

ثانياً- تخفيض ميزانية الدفاع، التي شهدت تضخماً كبيراً في عهد "بوش الأبن" .

ثالثاً- تقليص القوات البرية التقليدية .. وتقليص كثافة القوات في القواعد العسكرية.

 

رابعاً- استثمار الإستخبارات والرصد والإستطلاع في مجال ما يسمى مناهضة ( الإرهاب ) ومجابهة اسلحة الدمار الشامل، والنظم التي تقف خلف هذين العنصرين.

 

4-  يستند مبدأ "أوباما" في بعض أوجهه على رأي " ريتشارد بيرل" الذي أعلن ( أن الحرب على الإرهاب حرب مفتوحة ، وإن مجلس الأمن الدولي هو هيئة خلقت لإدارة النزاعات الكلاسيكية، وهي مؤسسة عاجزة عن التعامل مع المشكلات الأصعب في هذا العصر، مثل : الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل ) .. ويفسر بيرل ذلك ( أن الحرب الباردة كانت بمثابة حرب ثالثة ، أما حرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب فأنها الحرب العالمية الرابعة .. هي طويلة الأمد وقد تستغرق مائة عام، وتنبسط على مستويات إقليمية وقارية، وإن أشكال القتال فيها لا يقتصر على العمل العسكري، بل تنطوي على مختلف أنماط التدخل بما في ذلك الإنقلابات العسكرية والإغتيالات الفردية، والعدو هو الإسلام السياسي ) .!!

 

ويرجع مبدأ "أوباما" أساساً إلى عقيدة "جيمس وولزي" مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق، التي نوقشت في اجتماع حضره ( بول ولفوفيتز و أليوت كوهين ) ، وكشفت عنه دورية ( Executive Intelligence Review ) ، وهم من المحافظين الجدد.

 

وملخص هذه العقيدة التي تحولت إلى مبدأ "أوباما" :

( ..إن الحرب الباردة كانت حرباً عالمية ثالثة ، وأما حرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب فأنها الحرب العالمية الرابعة، وهي طويلة الأمد، وقد تستغرق مائة عام وتنبسط على مستويات إقليمية وقارية، كما أن أشكال القتال فيها لا تقتصر على العمل العسكري بل على مختلف أنماط التدخل بما في ذلك الإنقلابات العسكرية والإغتيالات الفردية، وأما العدو فيها فهو الإسلام السياسي.. ) .

 

وكان "ريتشارد بيرل" قد أعلن ( .. أن تلك الحرب المفتوحة سوف لن تقتصر على العراق، ولن تتوقف هناك، ولن يكون هناك أي دور لمجلس الأمن الدولي فيها، لأن هذه الهيئة خلقت لإدارة نزاعات كلاسيكية، وهي مؤسسة عاجزة عن التعامل مع مشكلات العصر الصعبة، مثل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل . ) .

 

ويتضح من ذلك كله : أن مبدأ "أوباما" ، الذي يستند إلى عقيدة " جيمس وولزي" مدير وكالة المخابرات المركزية، وما طرحه "ريتشارد بيرل" من أفكار ، يعمل على تهميش المنظمة الدولية وتعطيل مجلس الأمن وتسخير منظماتها المتخصصة لأغراض السياسة الأمريكية، ووضع هذا المبدأ بديلاً عن القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والنظام الدولي بأكمله ، حين تبنى المبدأ سياسة ( مافيوية )  تتبنى سياسة ارهاب الدولة العظمى لخلق الإرهاب في اطار استراتيجية كبرى تمتد إلى عقود من السنين .

 

هذه الأفكار قد أثارت المؤرخ البريطاني " مايكل هوارد" ، حين سَخَرَ من تسميات الحروب، التي وردت في هذا المبدأ .. حيث أن الحروب تعني هناك فريقين يتحملان مسؤولية الحرب، وتقع عليهما شروط التعامل العسكري، ومنها الأسرى وغيرهم ، وهذا يستوجب تطبيق القوانين والحقوق والإلتزامات من قبل الطرفين ، فهل أن من يشن الحرب على الإرهاب يعترف بذلك ؟ ، وهذه بحد ذاتها تعد إشكالية .

 

ويبدو أن أحد أهم أهداف استمرار الحرب على ( الإرهاب ) التي تسعى إليها أمريكا ، هو   إرتباطها بالأسواق العالمية وقدرتها التأثيرية في الإستقرار الإقليمي والدولي، وإن انهيار هذه الأسواق وزعزعتها يقوض الكثير من المعادلات السياسية والاقتصادية والأمنية والإثنية والثقافية . ويدخل توصيف العوامل الـ ( كلاسيكية ) للدول المحورية المتهمة بالإرهاب هذا المدخل.

 

فالسيطرة على الأسواق العالمية والتلاعب بها يتم من خلال خلق ( فراغ أمن ) هنا، لتتأثر منطقة بكاملها اقتصادياً هناك .. مثلاً ، المساس بأمن ليبيا والجزائر ، يعرض أمن حوض البحر الأبيض المتوسط وأسواق النفط والغاز، ويهدد الإستثمارات المتعلقة بدول أخرى مثل اسبانيا وفرنسا وغيرها في هذه المنطقة .. اضافة إلى تكوين ( قاعدة ) في اجواء فراغ الأمن .. وما حصل في العراق وفراغ الأمن فيه  قد  زعزعة الإستقرار في المنطقة وجعل من هذا الفراغ مدخلاً للتأثير على اسواق النفط والغاز والإستثمارات وطريقاً للنهب المنظم .. وهذا ايضاً ينسحب على دول حوض بحر قزوين ومصادر النفط والغاز وخطوط التسويق والإستثمارات فيه ، وهو الأمر الذي يعد أحد أهم عوامل أزمة أوكرانيا وشبه جزيرة القرم والصراعات القائمة على تخومها .!!

 

هذه الأفكار اعتمدتها إستراتيجية إدارة "بوش الأبن" تحت عنوان ( استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة - خريف عام 2002 ، والتي جرى عليها تعديل عام 2006 ،  وما تزال عناصرها الرئيسة الفاعلة في مبدأ "أوباما" للسياسة الخارجية.!!






الخميس ١ رجــب ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / أيــار / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة