شبكة ذي قار
عـاجـل










جوهر الاستعمار الامريكي الحديث
لقد شهد عقد الثمانينات واواخر السبعينيات أحداث.. بالغة الاهمية..لانها شهدت بداية تغيرات مهمة ليس فقط على الصعيد الاقليمي .. وانما على الصعيد العالمي .. في هذه الفترة بالذات .. اتجهت الحرب الباردة نحو النهاية. وبدأت اوربا الشرقية بالتحول الى نظام جديد .. كما شهدت اوروبا بدايات جادة نحو (( الوحدة الاوربية )) .. وظهور تكتلات اقليمية اقتصادية وسياسية في مختلف أنحاء العالم . كما ظهر مصطلح العولمة والثورة المعلوماتية. كان توقيع اتفاقية (( كامب ديفيد عاو 1977 )) الحدث الابرز على المستوى الاقليمي... حيث اسهمت بشكل مباشر في –اخراج – مصر بكل ثقلها القومي .. ووضعها الاقليمي القيادي من دائرة الصراع العربي – الصهيوني. لقد شكلت اتفاقيات كامب ديفيد ضربة قوية لكل الاقطار العربية .. حيث عقدوا مؤتمرهم عام 1978 في بغداد الذي دعا الى مقاطعة مصر .. واصبحت مصر بذلك معزولة عن محيطها العربي. وباحداث درامتيكية تم استبدال شاه ايران القوي بنظام -- ايات الله – عام 1979 بعد ان شعرت قوى الهيمنة العالمية والامبريالية الامريكية . بالدور المتعاظم الذي .. يلعبة العراق.. لقيادة الدول العربية بعد غياب مصر من الصراع . ومنذ ايامه الاولى كشف النظام الجديد في الطهران عدائه للعراق . وازدادت الخلافات بين العراق و النظام الايراني الجديد مما دفع القيادة الايرانية الى شن عدوان عسكري واسع على العراق في الرابع من ايلول 1980 ، اضطرت القيادة العراقية الرد عليه في 22/ ايلول /1980 .. هذه الحرب التي رعتها الامبريالية الامريكية الساندة للنظام الايراني الجديد جعلت الدول العربية في حالة انقسام بين مؤيد للعراق .. وافض له . ومن خلال قبول العراق بقرارات مجلس الامن . ورفض ايران لها . تاكد باليقين الثابت ان هذه الحرب كانت بالنيابة عن الامبريالية الامريكية من اجل :


أ-تحجيم العراق واعاقة دوره في الصراع العربي الصهيوني.


ب- اشغال العراق والعرب بصراع جانبي . مما يمكن اسرائيل بالانفراد بالدول العربية بغية توقيع لا اتفاقيات مشابهة ل ( لكامب ديفيد)).


ج- اعاقة التقدم العلمي والتكنلوجي للعراق والامة العربية .


د- زرع الفتن والتشرذم بين اقطار الوطن العربي والشعب الواحد .


فعلا بدا النظام الجديد في ايران بتطبيق ما رسم له من قبل المخابرات البريطانية والامريكية . في التاثيرات على القوى التقدمية التي تقود الامة العربية ، وان يكون نظام اسلامي معادي للنفوذ الشيوعي السوفيتي.. والدليل على ذلك هو تصريح جيمي كارتر الذي قال (( أن الثورة بيد اصدقاؤنا)). ومن خلال الحرب الايرانية على العراق نفذت -- اسرائيل – عملية عسكرية بقصف مفاعل ( تموز ) العراقي عام 1981.. بعد اقل من عام على بداية العدوان الايراني على العراق ، وهذا يعطي الدليل على ان النظام الجديد في ايران وحربه على العراق غايته ايقاف تطوير القدرات العلمية والتكنلولوجية التي تسعى القيادة العرقية اقامتها في العراق ليكون قلعه علمية متقدمة للامة العربية. وفي عام 1982 حين قررت القيادة العراقية الانسحاب من الاراضي الايراني امحاوله (( لـ (حسن النيه) بغية اعطاء الجهود الدولية والاقليمية فرصة للايقاف القتال . الا ان القيادة الايرانية توهمت وعدت ذلك انتصارا على العراق ،وبذلك رفضت كل الدوات السلمية الرامية لوقف القتال بين الطرفين.


وعلى اثر انشغال العراق والعرب بالحرب الايرانية العراقية اعلنت اسرائيل --- ضم – الجولان السورية عام 1981. وقامت القوات الاسرائيلية بقصف مقر منظمة التحرير الفلسطينية وفي عام 1982 اجتاحت القوات الاسرائيلية لبنان ، وتعرض لبنان فيما بعد الى مزيد من الحرب الطائفية ،، وبدأت بوادر نزاع بين سوريا والقيادة الفلسطينية على الحدود الاردنية . كل ذلك تعكس حالة التشرذم التي اصابة الجسد العربي بعد ان نفذ نظام ايات الله في ايران سياسة (( تصدير الثورة)) والحرب على العراق... القوى العالمية جاهدت من اجل الاستفادة من الاوضاع الشاذة وحالة التشرذم في الوطن العربي. فقد حاول الاتحاد السوفيتي تقوية علاقته مع بعض الاطراف العربية وخصوصا سوريا وبالفعل وقع في تشرين اول عام 1980 اتفاقية بين البلدين وتحالفت سوريا مع ايران ضد العراق وتحالفت ليبيا التي كانت تعاني من عزله اقليمية بسبب مقاطعة مصر لها وتوتر علاقاتها مع دول عربية اخرى.


لذلك تعرضت الى اعتداءات امريكية عام 1981 و1986 وصلت لحد الهجوم العسكري على المدن الليبية . وفي اقصى الغرب في الوطن العربي اشتعل نزاع على الصحراء الغربية .. مما ادى الى الاضرار بالعلاقات المغربية الجزائرية .. وفي السودان تجددت الحرب الاهلية بين الجنوب السوداني عام 1983 وبين الموالين لحكومة الخرطوم وبين المسيحيين الافارقة في الجنوب . وتبع ذلك انقلاب على السلطة .. ولم تكن الصومال افضل حالاً فقدت شهدت هي الاخرى موجات من الاقتتال والعنف . وتجدد التنافس في اليمن الديمقراطية على السلطة عاو 1986 . واشتد النزاع الليبي التشادي حول شريط ( اوزو الحدودي) . وهكذا يعد عقد الثمانينات من القرن الماضي ، مرحلة خطيرة من النزاعات والتمزق العربي وانهيار كامل في كل السياسية الجامعة للجهود العربية الوحدوية. ومن خلال دراسة احداث هذا العقد يذكرنا كاتب (( المقالات )) بمواقف الامبريالية الامريكية حيث يقول ( ان الامبريالية الامريكية . لايمكن .. ان تقف مكتوفة الايدي اما الاتجاهات القومية التحررية والتقدمية . الموصلة .. بالنتيجة ، الى تصفية مصالحها . وتحرير اقطار المنطقة من براثمها ، واقامت وحدة متماسكة على اساس تحرري تقدمي بين الاقطار العربية ..) واذا كانت الامبريالية الامريكية تهتم بالدرجة الاساس في تامين السيطرة الكاملة على البلدان التي تكمن فيها مصالحها الاساسية – اي مصادر الطاقة – فانها تهتم في الوقت نفسه ،اهتماما يالغا بالاوضاع الداخلية في كل قطر غربي حتى ولو لم يكن فيه مصالح ذات شأن . لان اي قطر عربي لابد ان يؤثر سلبا او ايجابا في أوضاع المنطقة. في العدد 14 شباط 1982، أطلق «عوديد عينون Oded Yinon»، الموظف السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية في عقد الثمانينيات من القرن العشرين، نبوءته من خلال مقال مثير نشر في مجلة Kivunim، وهي مجلة تابعة للمنظمة الصهيونية العالمية: «Word Zioniste، Organisation»، مما جاء فيه:


«تفتح، أمامنا إمكانيات كبيرة من أجل قلب الأوضاع رأسا على عقب، هذا ما يتوجب علينا إنجازه في العشرية القادمة، لتصبح إسرائيل قوة عظمى إمبريالية وتبقى في الوجود، وإلا فإن مصير إسرائيل إلى زوال: يجب أن تعمل إسرائيل على انفجار وتفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة عاجزة وغير قادرة على مواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية. وفي مطلع تشرين اول 2013، كشف «عاموس يادلين»، رئيس الاستخبارات الحربية الإسرائيلية (أمان) السابق بمعهد دراسات أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب الذى يرأسه حاليا، معالم استراتيجية إسرائيلية في محاضرة ألقاها، ومما جاء فيها: «لقد تطورت النشاطات الاستخباراتية في القاهرة حسب البرامج الموضوعة منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد بين القاهرة وتل أبيب عام 1979. لقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي، لخلق بيئة متحاربة ومتوترة على الدوام ومنشطرة إلى أكثر من جزء، وذلك بهدف تجذير وتعميق حالة الانهيار داخل المجتمع في مصر، ولكي يفشل أي نظام حكم في فترة ما بعد مبارك في التعامل مع الانقسام والتخلف والضعف المستشري في البلاد. وبالنظر اليوم إلى مجريات الأمور ومآلات الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في العراق وسوريا ومصر والسودان وتونس وليبيا واليمن والبحرين ولبنان والأردن وفلسطين، يتضح أننا لسنا أمام نبوءةٍ أطلقت اعتباطا أو حلمٍ هو اليوم بصدد التحقق، بل نحن إزاء استراتيجية قارة اشتغلت عليها إسرائيل لعقود من الزمن من أجل الوصول إلى أهدافها، وتتلخص في تشجيع كل عوامل التفتيت والتجزيء للدول العربية وبلقنة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بما يخدم الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي، أي تحويل هذه الدولة اللقيطة إلى قوة إقليمية تتحكم في المنطقة وتكون بمثابة حاملة طائرات راسية على خطوط تماس مصالح الاستعمار الجديد حيث تنام شعوب تعاني البؤس والحرمان ومصادرة القرار وتحت نير الاستبداد على أكبر احتياطي للنفط والغاز في العالم.


إن إسرائيل، التي تعرف جيدا استحالة الوصول إلى تحقيق أهدافها بدون توريط الولايات المتحدة الأمريكية في مخططاتها ، قد بذلت وتبذل منذ عقود كل الجهود لإقناع الولايات المتحدة باستراتيجية التفكيك التي تؤمن بها وتشتغل عليها. ولقد استطاعت إسرائيل ليس فقط في إقناع القوة العظمى في العالم بتبني رؤيتها واستراتيجيتها، بل نجحت، أيضا، في جعل أمريكا تخوض حروبا بالنيابة عنها من أجل إعادة تقسيم دول الشرق وشمال إفريقيا. وللتاريخ، يجب التنويه بأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد ظلت تتحفظ على بلقنة هذه المنطقة لأسباب تتعلق بالحرب الباردة التي دارت رحاها بين المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة أمريكا والمعسكر الشرقي الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي، بالرغم من محاولات هنري كيسنجر، وزير خارجية أمريكا في السبعينيات، (والذي يعد بحق المهندس الأساسي للسياسات الخارجية الأمريكية منذ السبعينيات، وصاحب الفكرة القائلة بوجوب تدخل أمريكا في كل النزاعات العالمية ومسك كل خيوط اللعبة فيها بدون أن تقوم بحل أي منها). و بعد سقوط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي وبقية دول أوروبا الشرقية تحوَّل النظام الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى نظام أوحد، وتحوّل العالم إلى نظام القطب الواحد. كان ذلك انتصاراً هائلاً للرأسمالية العالمية، ومع كل العفن الداخلي في النظام الاشتراكي البيروقراطي, فقد كان هذا الانهيار خسارة كبرى للشعوب، وغياباً لقطب سياسي عالمي وقف في وجه الإمبريالية الأمريكية. الولايات المتحدة بدأت تسعى مع هذا التغيير إلى إعادة رسم خارطة العالم بما يتفق مع المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة، وللغرب عموماً. وكما حدث عندما كانت أوروبا، في القرن التاسع عشر, مهيمنة بشكل مطلق, فقد صاغت أيديولوجية المركزية الأوروبية، فإن الولايات المتحدة تصوغ الآن "المركزية الأمريكية" الولايات المتحدة ليست الأقوى عسكرياً واقتصادياً، فقط، الآن، بل هي تسعى إلى رسم الأيديولوجية المهيمنة في العالم. وتقوم الولايات المتحدة بالإقناع أن أيديولوجيتها هي الأيديولوجية الأكثر رقياً وحضارة، بينما الأيديولوجيات المعارضة للرأسمالية المتوحشة، المعارضة للأيدولوجيا الأمريكية عموماً، هي معادية للحضارة، بل وخارج الحضارة، أيضاً. ان جوهر الاستعمار الأمريكي المعاصر.إنه نوع جديد من الاستعمار، استعمار تقليدي "عسكري" في جوهره، لكنه في عمامة جديدة تجعل من هذا الاستعمار لا يقتصر على احتلال الأرض ولا على حشد العساكر والجيوش ولا على التحكم المباشر، ولكنه يتعداها إلى "صناعة العقول" وإعادة تشكيل الثقافة الإنسانية بكل مكوناتها لدرجة أصبح فيها الاحتلال الأمريكي مرحب به من قبل بعض فئات الشعوب المسكينة.

لقد صاغت الولايات المتحدة الأمريكية مفهوما جديدا لتنفيذ استراتيجيتها الحربية يتمثل في "الحرب الوقائية" بحيث يبرر هذا المفهوم عمليا تجاوزها لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بدعوى توفر مظاهر مهددة للأمن القومي الأمريكي.


ملاحظة :: انتهى القسم الاول من القراءة وقريبا نتابع القسم الثاني .. يتبــــــــــــع .







الجمعة ٤ جمادي الثانية ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / نيســان / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب داود الجنابي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة