شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

يعرف المتخصصون في علوم السياسة، إن استراتيجية الدولة، وهي تجمع بين الوسائل والأهداف، ليس من السهل تغييرها كلياً، لأن متغيرها نسبي، لسبب جوهري هو أنها انعكاس لواقع الجغرافية – السياسية للدولة بكل ما يحمله الواقع من حاجات مادية وروحية ومعطيات هذا الواقع تتفاعل مع بعضها وغيرها في محيطها القريب والبعيد .. والترابط هذا بين واقع الدولة ومحيطها الخارجي يشكل أهم العناصر التي تصاغ على أساسها الأبعاد الإستراتيجية للدولة، فيما تشكل معطيات الواقع في كل ابعاده الجغرافية والبشرية اهميتها الفائقة، بما تضمه من عناصر القوة والضعف في آن واحد .. فالمساحة وشكلها وحجمها وعمقها التعبوي وما تضمه من ثروات وموقعها واطلالاتها على الخلجان والمحيطات والأنهر الدولية، فضلاً عن حجم السكان وتنوعه وتجانسه وقلة أو كثرة فئاته العمرية الشابة، وتوزيع منشأته المدنية والعسكرية على رقعة الدولة توزيعاً جيوبوليتيكياً، فضلاً عن الكثير من معطيات هذا العلم الواسع العميق الذي يصعب احاطته في مقال كهذا .. ولكن كمدخل مهم الهدف منه القول ان الإستراتيجية، بغض النظر عن النظم السياسية الحاكمة، تعبر عن واقع الدولة وليس النظم الحاكمة .. وهذا المعطى يقدم دليلاً على ان الإستراتيجية تبقى ولا تتغير كلياً إنما نسبياً في ضوء متغيرات كلية قد تحدث في العالم .

 

ومن هذا نقول، إن استراتيجية الدولة الإيرانية في زمن الشاه هي ذاتها في زمن خميني، ولكن الجديد في ذلك اضافة زخم ايديولوجي- طائفي كأداة من ادوات هذه الإستراتيجية.

 

إذن .. الآن ، في ظل نظام الملالي، هناك عنصران اساسيان يتحكمان بالسياسة الخارجية الإيرانية ، هما .. الإستراتيجية القومية الفارسية ذات الطابع التوسعي، وعنصر الأيديولوجية- الطائفية ذات التشيع الفارسي .. وكلتاهما تشكلان متلازمة خطيرة قل نظيرها في مناهج السياسات الخارجية للدول .. الأمر الذي يتوجب في كل تحليل للسلوك السياسي الخارجي العودة إلى تاريخ تلك السياسة والبحث في طبيعتها ودوافعها وافعالها وارتباطاتها وتحالفاتها، بغية الوقوف القوي على ارضية التشخيص الدقيق للتوجهات التي ترمي إليها تلك السياسة في الحاضر والمستقبل .

 

ايران الشاه واستراتيجيتها القومية توسعية ,, وإيران الخميني واستراتيجيتها القومية وايديولوجيتها الطائفية توسعية .. وكليهما، الشاه وخميني عمدا إلى تصفية الإتجاه الوطني الإيراني تصفية تكاد أن تكون كاملة .. وعلى وفق هذا التشخيص، لا بد من العودة إلى تاريخ علاقات إيران الخارجية في عهدي نظام الشاه ونظام خميني :

 

1-  كانت ( اسرائيل ) تدعم " شهبور بختيار" وهو معارض للشاه ، كما هو معارض للمؤسسة الدينية الإيرانية، وحين طلب منها بعد رحيل الشاه إنهاء دور ( خميني ) ، قام الموساد بتصفيته في باريس .. وكان ذلك لحساب التوجه الجديد، الذي تقوده مؤسسة خميني الطائفية ولدوافع بعيدة المدى .

 

2-  كان " الشاه " قد بعث بعدد من الدبابات الأمريكية التي بحوزته إلى ( اسرائيل ) لغرض تحديثها .. على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين طهران وتل ابيب، إلا أن طهران وافقت على العرض الاسرائيلي باعادة هذه الدبابات الى طهران بعد تحديثها.

 

3-  زار "احمد كاشاني" نجل آية الله العظمى :أبو القاسم كاشاني" عام 1980 ( اسرائيل ) ، وهو الوزير الذي لعب دوراً رئيسياً في تأميم النفط الإيراني عام 1951، وكانت مهمته مناقشة مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري، فضلاً عن ترتيب عمل بالضد من مركز الأبحاث النووي العراقي، وهو الأمر الذي وافق عليه "بيغن"، وتم شحن اسلحة وإطارات خاصة بطائرات فانتوم المقاتلة الإيرانية، في الوقت الذي كانت هنالك أزمة الرهائن بين أمريكا وإيران في زمن ولآية ( جيمي كارتر ) .

 

4-  سمح " خميني " لعدد كبير يعدون بالآلاف من اليهود بمغادرة إيران إلى باكستان ومنها إلى استراليا والولايات المتحدة ثم ( اسرائيل ) ، وذلك لإدامة خطوط التواصل بين النظام الإيراني الجديد و ( اسرائيل ) .. وكان ترحيل اليهود الإيرانيون قد تم تحت اشراف "يوري" العقيد في الجيش الإسرائيلي، الذي أجرى مفاوضات الهجرة ، حيث زار طهران في بداية عام 1980 .. وقد سمح العقيد الإسرائيلي استعداد إيران للتعامل مع ( اسرائيل ) ، استناداً إلى "محمد رضا حسين زاده" ، وهو مسؤول إيراني معارض معروف استطاع الهروب إلى خارج إيران .

 

5-  إن الخطاب السياسي الإيراني المعادي لإسرائيل لا يعبر عن حقيقة العلاقات بين طهران وتل أبيب .. ففي الوقت الذي كانت فيه إيران تتعامل سراً مع ( اسرائيل ) كان خطابها السياسي والإعلامي يهاجم ويدين ( اسرائيل ) ، وكانت الأخيرة تدرك تماماً أن هذا الخطاب لا يعني شيئاً .. حيث لعبت المعارضة الأيديولوجية لإسرائيل دوراً لصالح نظام خميني.. بمعنى   ( خطاب سياسي ايراني معارض لإسرائيل، وتعاون عملي سري مع الدولة الصهيونية ) .. وكان هذا الخط يعد احد اهم الركائز الأساسية للسياسة الخارجية الإيرانية.

 

6-  كانت ( اسرائيل ) بحاجة  - حسب تفكير قادتها الصهاينة -  إلى ثقل اقليمي موازن للعرب، وهو إيران التي باتت تعمل عليه في اطار ما تسميه بخط الدفاع الثاني ، وهو كسب وتحييد دول الفناء الخلفي ( تركيا، إيران، باكستان، الهند ) ، وقد تم دفعهم للعمل بالضد من العرب.!! ، وقد وافق عليه "خميني" حين شن الحرب على العراق واصر على استمرارها ثمان سنوات على الرغم من قبول العراق ومنذ الأسبوع الاول على وقف اطلاق النار بناء على قرار مجلس الأمن الدولي.!!

 

7-  قال الخبير الأمريكي " غاري سيك" عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي آنذاك ( إن إسرائيل ترى أنه من الضروري إبقاء الأبواب مفتوحة للفوز بإيران مجدداً ) ويضيف ( كانت تلك خطة استراتيجية بعيدة المدى .. حيث وجدت طهران نفسها تعتمد على قدرات اسرائيل للحصول على الأسلحة الامريكية، وكان يتعين الإبقاء على كافة الإتصالات الإيرانية الإسرائيلية سرية، لأن القنوات المفتوحة ستقوض مصداقية إيران الأيديولوجية ) .!!

 

8-  إيران تعيش مأزقاً مزدوجاً، استراتيجي و أيديولوجي :

 

أولاً- فبدلاً من تقربها الى العرب وايجاد خطوط تعامل حقيقية معهم، وتكريس حسن النية تجاههم والإعتراف بمبادئ حسن الجوار، وتشكيل ثقل بالضد من الكيان الصهيوني..

 

ثانياً- عمدت إيران على التحالف مع ( اسرائيل ) ، عدو العرب، الأمر الذي كرس واقع التضاد العربي- الإيراني ، وفضح سياستها المخادعة .

 

ثالثاً- حاولت إيران أن تمسك العصى من وسطها وتعلن عن رغبتها في اقامة علاقات متوازنة مع العرب، لكنها في الوقت ذاته استمرت تمد خطوط  تواصلها مع ( إسرائيل ) .

 

وتنطوي هذه الإستراتيجية - الأيديولوجية المركبة على ازدواجية متعارضة تشكل مأزقاً خطيراً بات مكشوفاً فضح اهدافها الإستراتيجية، كما فضح منهجها الأيديولوجي المعادي للمقدسات والمحرمات العربية الإسلامية .

 

9-  السياسة الخارجية الإيرانية ( إستراتيجياً وأيديولوجياً ) ، سواء كانت في عهد الشاه أو عهد خميني أو خامنئي، مأخوذة بعاملين اثنين لا يفهمهما الغرب :

 

الأول – العداء الفارسي التاريخي للعرب والرغبة بالإنتقام منذ 1300 عام ، ومنذ القادسية الأولى.

 

الثاني – النخب الإيرانية الحاكمة، سواء كانت في زمن الشاه أو خميني أو خامنئي متمسكة بعنصر استراتيجي خطير سبق وجربه ( هتلر ) ، وهو المجال الحيوي ( الجيوبوليتيكي ) صوب المنطقة العربية تحديداً .

 

10-  إن الخطاب السياسي- الإعلامي الإيراني المعادي لإسرائيل علناً يتعارض مع جسور التعامل والتعاون الإيراني مع ( إسرائيل ) سراً ، ولا مجال للتغطية على هذا المأزق بأي وسيلة تبريرية .

 

11-  تعتقد إيران في منهجها السياسي الخارجي، وهي دولة اجنبية اقحمت نفسها بالشأن العربي عنوة ، بأنها تستطيع أن تفرض رؤيتها على دول المنطقة العربية، في ظل واقع ( فراغ الأمن القومي العربي ) ، وبمسلمات وهمية تحاول إبرازها ( السنة – الشيعة ) وإيجاد صراعات طائفية، على حساب الدين الإسلامي الحنيف، لكي تستبقي فراغ الأمن يهدد سلامة الأقطار العربية وأمنها الإجتماعي، ولكن مأزقها الفاضح في سياستها الخارجية، قد كشف الخديعة في التعامل السري والعلني مع الكيان الصهيوني العنصري الغاصب لأرض فلسطين ولإراضي عربية، فيما تعلن إيران نفسها مدافعاً عن فلسطين والشعب الفلسطيني.

 

فإذا كانت إيران في سياستها بالضد من ( إسرائيل ) ، فلماذا لا تعمل مع نظام دمشق على تحرير الجولان، وهي أرض عربية يتوجب تحريرها بأي ثمن ؟ ، ولماذا لا تعلن إيران وتجيش مليشياتها بالضد من الكيان الصهيوني، الذي ما يزال يستوطن الأرض العربية ويشرد سكانها ؟!

 

12-  إن إيران تستخدم الأيديولوجيا كوسيلة لتسهيل بلوغ أهدافها ( الحيوية ) في المنطقة، فهي تعمل على توسيع الفجوة بين الشعب العربي من جهة وبين النظم العربية القمعية الفاسدة، واستثمار حالات الإحباط الذي بلغه الشعب العربي وحالات اليأس حيال العجز الذي ينخر في هيكل النظام العربي الرسمي من جهة ثانية .

 

يتبــــع ..

 

 





الجمعة ٦ جمادي الاولى ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / أذار / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة