شبكة ذي قار
عـاجـل










كان العالم مقسماً بين شرق وغرب ، وكل يحاول ان يوسع من دائرة نفوذه، ولا بأس في وجود مناطق اطلق عليها الغرب والشرق معاً بإتفاق المفردات الإستراتيجية ( المناطق الرمادية ) .. والماكنة التي كانت تعمل على طول الخط لكلا الجانبين هي الأجهزة الأمنية الأمريكية ومنظماتها الأمامية كفرق السلام، والإغاثة، وخبراء المساعدات، وتقصي الحقائق ، فيما كانت تعمل احزاب الشرق في نسيج المجتمعات على اساس الطبقية وصراعاتها ضد الإستعمار وقمة مراحله الإمبريالية ونهب الشعوب واستنزاف ثرواتها القومية .. كل ذلك يحصل في اطار الحرب الباردة  وتحت خيمة الرعب النووي المتبادل المؤكد..

 

توزعت حلقات هذا التقسيم للعالم إلى درجة اتساع حركات التحرر وكثرة الانقلابات العسكرية ومؤامرات اسقاط النظم وتغيير الحكومات بوسائل مختلفة تبدأ من تزوير صناديق الإقتراع إلى القتل إلى الخطف العلني والمحاكمة بوضح النهار دون مراعاة لقيم العدالة وقيم الاخلاقية .

 

استمرت الصراعات والنزاعات على اشدها والتهديدات العلنية والمبطنة تأخذ طريقها للعلن كلما تطلب الامر ذلك ، والمؤامرات لم تتوقف طالما كانت الرغبات والنيات قائمة على الأحقية في التفرد وفرض سياسة الأمر الواقع سياسياً وأيديولوجياً .. ومؤامرة الغرب الرأسمالي اسقطت الإتحاد السوفياتي .. اسقطته في موضعين ، الأول سباق التسلح والثاني اختلال معادل القوة .. والسقوط ادى الى التفكك والتفكك ادى الى التدهور .. ولو عصف الإنهيار بالقوة لما بقيت قوة خارج حالة الإنهيارالكارثية تماماً .

 

والسقوط في المقابل وَلَدَ غرور القوة، التي اندفعت بشكل مفرط حتى افرغت شحنتها، فضعفت وترنحت ثم تراجعت، بيد أن غرور القوة ما يزال عالقاً في مخيلة صاحب القرار الذي وضع نفسه في دائرة مغلقة لا تكشف سوى عن العزلة، ولكن ، عزلة مشوبة بالغموض والمخادعة .. فيما كان المقابل يترقب الموقف ويحاول ان يرمم كيانه الضعيف المفكك ويبني عناصر القوة اعتقاداً منه بأنه سيعود كما كان .. ولكن العودة لم تكن صافية في مدخلين :

 

الأول: لم يعد العالم مقسماً بين معسكرين ،

 

والثاني : لم تعد الحالة تحمل سمة الإستقطاب بالمعنى الذي ظهر فيه الصراع والتنافس واقتسام مناطق النفوذ في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، إنما ظهر بصيغة تختلف تماماً ولا أحد يعول عليها في انتعاش الحرية وحماية حقوق الشعوب والتعايش السلمي بين الأمم .. الرأسمالية مكشوفة للجميع، ويعرف الجميع شكلها ومضمونها وغائيتها ومأزقها وأزمتها المستعصية على الحل، فهي امبريالية تعد قمة التطور الإستعماري، ولا قمة فوقها، بمعنى أنها غير قادرة على الإرتقاء إلى فوق هرم الإمبريالية، فهي تنازع حالة الإنحدار إلى السفح لتفتش عن حالة أخرى تضميد فيها الجراح وبناء أسوار العزلة إلى حين، لأنها امبريالية تقوم فلسفتها على النهب وتكديس الثروات وبناء القوة الغاشمة ضد الشعوب.. وعلى اساس الخوف من الإنهيار السريع تحاول أن تنعش تصنيع السلاح من أجل القوة ومن اجل التجارة ، ولأن الرأسمالية تعتمد على تجارة القوة فضلاً عن قوة التجارة التي تفرض مضامينها المعولمة على حدود السيادة وركائز الإستقلال الوطني لدول العالم .

 

أما المقابل، الخصم الذي انهار واصبح صديقاً وشريكا هنا وعدواً هناكً ، فَقَدَ أساسه وقاعدته وبات حبيس لتوازنات اقليمية مفقودة يختفي خلف اسوارها المهدمة التي تنذر بمخاطر الإنهيارات، التي قد تصل ارتداداتها خط ، ليس مجاله الحيوي فحسب، بل في عمق أمنه القومي، وهو يتوقع خلاف ذلك فيترك لقراره العنان للتدخل اعتقاداً منه بأن التوازنات المختلة ستعود إلى نصابها إذا ما وضع اصبعه بين طياتها الملتهبه ليكسب المليارات من العملة الصعبة، ولا يهمه النتائج بأي حال.

 

كليهما باتا على قاعدة واحدة ومقترب سياسي واحد .. القاعدة المشتركة الواحدة هي التجارة .. تجارة السلاح لكسب المال، أما المقترب السياسي الواحد المشترك فهو تقاسم صيغ الإعلان عن خديعة العصر الكبرى وهي محاربة الإرهاب .. وشعوب العالم تتسائل ، أي إرهاب هو الذي ينبغي محاربته ؟ ما هو شكله ، مضامينه وغاياته ، والأكثر من كل هذا وذاك، لماذا نشأ الإرهاب وما هي مسبباته الحقيقية ؟!

 

الصديقان الخصمان اللذان يشتركان في محاربة الإرهاب لن يستطيعا الإجابة على هذا السؤال أبداً .. الخصم الرأسمالي صنع هذه السياسة ذات الطبيعة الإستراتيجية الكونية منذ أكثر من عقد من السنين ، والخصم المقابل صدقها وسار على خطاها وهو يشترك في لعبتها الإقليمية الخطرة وبعدها الدولي المدمر، الذي سيجد طريقه عاجلاً أم آجلاً إلى عقر الدار التي رممها من زجاج .

 

الخصم الإمبريالي، وهو يلعب بشيء من الضعف وهوس الإعتداد بالقوة وغرورها، على هامش الأزمات الإقليمية يتوخى الحذر من الخوض في متاهاتها، بعد أن استطاع الإفلات من بعض مستنقعاتها ويحاول التملص من بعضها الآخر .. يغوص المقابل في احد اخطر المستنقعات فيمسي اسيراً لعناصر الصراع فيها أو أحد لآعبيها الرئيسيين .. وهذه الحالة تجد لدى الخصم الإمبريالي الإرتياح وهو يرى خصمه القديم يستدرج إلى مستنقع ثانٍ له تداعياته وارتدادات هزاته القوية التي تحطم جسور السياسة والتجارة معاً كما تخلق ردود افعال غير محسوبة في اجندات اللآعبين داخل اطر الصراعات وعلى هوامشها..عندها كيف يمكن الخروج من أسر المستنقعات التي هي فخ منصوب لكل من ينساح وراء غرور القوة وغرور المال وغرور التوسع على حساب الشعوب.؟







الاحد ٢٣ ربيع الثاني ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / شبــاط / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة