شبكة ذي قار
عـاجـل










لخص الرئيس الأمريكي " باراك أوباما" سياسة بلاده تجاه إيران وملفها النووي في خطابه الأخير بشأن حالة الإتحاد، بقوله ( We must give diplomacy a chance to succeed while keeping all options on the table ) ، نحن يجب أن نعطي الدبلوماسية الفرصة للنجاح، في الوقت الذي نحتفظ بكل الخيارات.

 

إذن .. نحن أمام مفردات جاءت في هذا النص تتمثل في وجوب إعطاء الفرصة للنجاح .. مع عدم نسيان الخيارات التي يقع ضمنها استخدام القوة .. وإن محاولة استخدام خيار العقوبات التي جاءت بديلاً عن استخدام القوة برعاية دبلوماسية كانت على وشك أن تحقق أهدافها تماماً، بيد أن الإدارة الأمريكية قد استدركت أن الأمر لم يعد يفيد سياستها حيال النظام الصفوي، الذي أوشك على الإنهيار من الداخل، وهي سياسة سبق لمستشار الادارة الأمريكية "جوشوا" أن تقدم بها حين طرح موضوع التعامل مع طهران لتغيير سلوكها السياسي الخارجي ووضعها بين خيارين : إما الضربة العسكرية المحدودة في شكل عملية جراحية، وإما العقوبات الاقتصادية بتشديد الخناق على إيران اقتصادياً .. وكان الرأي أنذاك، تجربة العقوبات الاقتصادية وتثوير الداخل الإيراني بهدف تغيير سلوك إيران الخارجي .. والمعنى في تغيير السلوك السياسي الخارجي هو الإطاحة بالنظام الصفوي في طهران. !!

 

وبعد أن تم اختيار العقوبات الاقتصادية، وبعد أن أوشك النظام السياسي الصفوي على الإنهيار، بادر الكونغرس الأمريكي إلى النظر بشأن الخيارات، ولوح بالعقوبات التي هدد الرئيس "أوباما" باستخدام الفيتو الرئاسي بشأنها إذا ما شرعها الكونغرس .. وبهذا فقد عطل "أوباما" العقوبات وباشر في انعاش النظام المفترس للمنطقة على اساس خيار دبلوماسي آخر يسمى ( خيار الفرصة الأخيرة ) ، التي تريد ادارة "اوباما"  تجربتة في الوقت الذي تدرك فيه واعضاء الكونغرس طبيعة النظام الايراني وحقيقته السياسية القائمة على المخادعة .. وهو نظام لا يؤتمن باي حال .

 

المنطق السياسي الامريكي حيال هذا الخيار مفرط بالإفتضاح امام عناصر اللعبة الايرانية التي تتشكل من متلازمة إستراتيجية مفادها ( تقديم تتنازلات ثانوية - وممارسة  مراوغة –  ومخادعة -  لإكتساب الزمن ) .. وبعبارة أخرى ( الإنحناء للضغوط والقبول ببعض الشروط من اجل تفريغها من محتواها واكتساب الوقت لانجاز الاهداف, التي رسمها النظام الصفوي، متمثلة بالسلاح النووي ) .

 

 ربما لم يفهم الامريكيين، ولا الأوربيين طبيعة تفكير القيادة الايرانية، وخاصة القيادة التي تؤمن بولاية الفقيه، وهي ولاية إقصائية وتدميرية تسلك طريق التقيه المشبعة بالخداع والمراوغة والتضليل تتجاوز فيها كل معايير القيم الإنسانية لمجرد الوصول إلى الهدف الفارسي حتى لو تم ذلك بارتكاب مجازر ضد الانسانية .. وفي ذلك أمثلة واقعية :

 

-  القيادة الإيرانية تنفي مشاركتها في الحرب القذرة على الأراضي السورية، ولكن جنودها وضباطها ومستشاروها ومليشياتها باسلحتهم يقاتلون جنباً إلى جنب مع قوات النظام الدموي في دمشق .

 

-  القيادة الإيرانية تعلن في خطة استراتيجية بأنها ضد الارهاب .. ولكنها تدرب عناصر الإرهاب على اراضيها وتسلحهم وتقدم لهم دعماً لوجستياً مهماً وتدفع بهم إلى سوريا والعراق وهي تستقطبهم من الشيشان وافغانستان وبلوجستان وعرب مصريين ولبنانيين واردنيين وعراقيين وخليجيين ومن المغرب العربي، لتشكل منهم منظمات مثل " داعش " التي تقتل الشعب السوري وتنتهك مقدساته ومحرماته وتضرب الجيش الحر الذي يقاتل النظام الفاشي في دمشق .

 

-  القيادة الإيرانية توجه القيادة العراقية بأن تعلن محاربتها للإرهاب .. فيما تزج بعناصر فيلق القدس وفيلق بدر وعصائب أهل الحق وغيرهم من المليشيات الموالية إلى إيران، في مذابح الحويجة و طوزخرماتو وكركوك وديالى والموصل والفلوجة والرمادي ، فيما تقمع ابناء الجنوب الشرفاء قمعاً وحشياً وتصف من يعارضها أو يناهضها بأنه مرتد وارهابي يستحق الموت والتشريد.

 

  -ينفي القادة الإيرانيون، السياسيون والعسكريون أي نفوذ لإيران في العراق، كما ينفون وجود عناصر عسكرية أو مليشيات إيرانية مسلحة على أرض العراق، كما يصرح بذلك سفير إيران الصفوي " .... فر " .. فيما يصرح "ناصر شعباني" الجنرال في الحرس الايراني لصحيفة اخبار روز الايرانية مؤخراً ( إن الحرس الثوري الايراني نفذ في الاسبوع الماضي اول عملية امنية له في العراق بالاشتراك مع الجيش العراقي ) واضاف ( إن هذه العملية التي حررت احدى مدن كركوك من سيطرة المتمردين، لن تكون الاخيرة، بل انها قد تكون بداية لتعاون امني عسكري ايراني عراقي ) .!!

 

-  يصر "نوري المالكي" على انه يتخذ موقفاً صارماً ضد كل المليشيات .. ويؤكد "علي الموسوي" مستشاره الاعلامي ( على عدم وجود مكان لمقاتلي عصائب اهل الحق داخل القوات الامنية او القوات المسلحة، وان كل رواية تقول ان رجال المليشيات مرتبطون بالقوات الامنية ليست سوى افتراءات ) .. فيما يعترف "ابو سجاد" احد قادة عصائب اهل الحق المدعومة من ايران ( إن عصائب اهل الحق يخفون دورهم في العمل مع القوات الامنية، حيث ترتدي عناصر العصائب زي الجيش في العمليات التي يقومون بها خارج العاصمة بما في ذلك الانبار، لآن الجيش العراقي الحالي غير متمرس على قتال الشوارع، ولذا نتدخل لنساعدهم في تطهير المدن ) .!!

فهل الامريكيون مغفلون سياسياً واستراتيجياً ؟ ، دعونا نأخذ بعض الأمثلة الأخرى على ذلك :

 

1-  " محمد جواد ظريف" وزير الخارجية الايراني قال على هامش مؤتمر ميونخ للأمن يوم 1/2/2014 ( إن إيران عازمة على توسيع علاقات متبادلة بناءه مع السعودية تقوم على المصلحة المشتركة بين البلدين ) وأقر ( بضرورة شعور جميع دول منطقة ( الشرق الاوسط ) بالأمان ، ومن أجل أن نصل إلى الأمان المرغوب، فلا بد من أن ننطلق من قواسمنا المشتركة ) وأضاف ( ليس هنالك من داع للتنافس بين السعودية وايران ) .!!

 

2- ما يقوله "ظريف" هو مجرد كلام لا تجد له صدى على الأرض .. واذا سألته عن طبيعة هذه المشتركات، سيقول حتماً أنها ( محاربة الإرهاب ) .. ولكن لماذا تؤسس إيران منتجعات لمليشياتها قريبة من الحدود السعودية ( عناصر الحرس الايراني وقوات القدس الايرانية وعناصر مليشيات عراقية تابعة إلى إيران ) ؟ .. ولماذا تشجع ايران وتدعم عناصرها النائمة باسم التشيع الفارسي في السعودية والبحرين والكويت والامارات  وتسلح الحوثيين في اليمن وتقاتل مليشياتها الطائفية الشعب السوري وتحرض على تقسيم الشعب الفلسطيني طائفيا وتمارس اساليب القتل والتهجير الطائفي في العراق ؟! .. ألم يكن ذلك ارهابا ؟!

 

3-  اين هي المشتركات ايها السخيف ؟ ، طبعا لم يعترف القادة السياسيون والعسكريون الايرانيون بهذا، وان عملية نفيه مسألة سهلة .. ألم يقل الايرانيون ان السعودية هي منبع الارهاب .. فلماذا يريد الايرانيون البحث في المشتركات ..ألم تكن تلك المفردات التي يستخدمها ظريف هي مفردات للبيع فقط ، أما على ارض الواقع فلن تجد لها غير التخطيط المخابراتي الإيراني الذي يقوده " قاسم سليماني" من لبنان إلى العراق إلى سوريا إلى منطقة الخليج العربي.!!

 

4-  التخطيط الإيراني في التوسع الإقليمي ليس في صيغة جيوش نظامية واسلحة نظامية .. انما في صيغة مليشيات منظمة أنتجتها  مطابخ المخابرات الإيرانية ، مثل ( داعش ) على سبيل المثال، تنفذ هذا التخطيط على رقعة أرض تحددها الخارطة الإستراتيجية الإيرانية، مثل تسليح ( الحوثيين ) .. حيث يبعث الإيرانيون مستشارين وضباط وعناصر مليشيات واسلحة وأموال ، ويؤسسون قواعد تدريب في جزر البحر الأحمر ومخازن سلاح في ( صعدة ) وغيرها، تمثل خيارات استراتيجية للتدخل في الوقت المناسب..وإذا قيل لإيران، إن هذا تدخل في الشأن الداخلي.. فجوابها جاهز ( هؤلاء أفراد تطوعوا وليس لدينا سلطان عليهم لمنعهم، فنحن لم نتدخل ) .!!

 

5-  وعلى هذا المنوال في العراق وسوريا ، الشواهد لا تعد ولا تحصى .. والصلف الإيراني مستمراً بغطرسة لا مثيل لها ، وتدخلهم في لبنان والكويت والبحرين واليمن والأمارات ومصر والسعودية والسودان ودول المغرب العربي .. حتى بات المراقب على يقين بأن أمريكا تتخذ من إيران أداة أساسية لتغيير خرائط المنطقة وإعادة تشكيلها من جديد على أسس طائفية وعرقية، لا وجود لقومية عربية ولا وجود لدين اسلامي حنيف ، إنما طوائف وأعراق وعشائر وقبائل ومكونات مجهرية تتصارع إلى يوم الدين ..!!

 

المأزق الإيراني .. تعيش إيران وجهين في مأزق واحد :

 

الأول-  إن استراتيجيتها ومنذ مجيء خميني عام 1979 ترتكز على كراهية أمريكا من جهة، واللعب على القضية الفلسطينية من جهة ثانية .. لماذا ؟ والإجابة، هي لتحقيق استقطاب عربي لهذه السياسة .. وهذه سياسة فاضحة، لأن لا كراهية ولا عداء بين إيران وأمريكا على الرغم من سقوط الشاه .

 

والتساؤل ، هل تستطيع إيران أن تتخلى عن سياسة كراهية أمريكا، التي مراستها منذ أكثر من أربعة وثلاثين عاماً ، وبنت عليها وتقدمت بشأنها في لبنان والعراق وسوريا وكافة دول المنطقة العربية، رافعة يافطة القضية الفلسطينية لأهداف فارسية محضة كذباً وبهتاناً ؟ وهل تستطيع أن تتخلى عن استقطاباتها التي باتت في وضع المنفرط طالما تكشفت لدى الكثير من الناس الإختلافات بين القول والفعل ، بين التصريحات وما يجري على أرض الواقع ؟

 

الثاني- إن محاولة الدمج بين ايديولوجيا – دينية طائفية تقوم على التشيع الفارسي وبين سياسة كراهية أمريكا ( الشيطان الأكبر ) ، هي محاولة لا تصمد طويلاً أمام التوافق الإستراتيجي مع أمريكا في العراق وفي أفغانستان فضلاً عن التوافق الإستراتيجي في العمق الآسيوي الذي تعير له أمريكا إهتماماً كبيراً ومهماً .!!

 

يقولون أن إيران قد عادت إلى أحضان أمريكا ، وأقول أن إيران لم تخرج من احضانها، بعد مجيء خميني، لتعود إلي تلك الأحضان .. إنها إستراتيجية الحرب على ( الإرهاب ) .. والحقيقة إستراتيجية الحرب على العرب والعروبة ، على الإسلام والمسلمين .!!







الخميس ١٣ ربيع الثاني ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / شبــاط / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة