شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ أن قسمت أمريكا العالم تقسيماً قسرياً وشوفينياً قل نظيره إلا في زمن محاكم التفتيش سيئة الصيت ، والذي يقوم أساساً على قاعدة ( إما أن تكون معي أو تكون ضدي ) ، ولا خيار، حتى لو اعلنت الدولة أو الجماعة أو الأحزاب أو الأفراد الحياد أمام هذه المعادلة غير المنصفة، التي ترغم كل هذه المكونات على التقسيم، سواء ارتضت أو لم ترض، لأن أمريكا ورئيسها ووزارة خارجيتها ودفاعها ومجلس أمنها القومي وكونغرسها ورجالاتها السياسيين والعسكريين ومحافظوها الجدد والقدامى، لن تعفهم من فكي الكماشة ( أنت معي أو ضدي ) أختر وانت حر في اختيارك.!!


بعضهم اندفع يعرض خدماته ، وبعضهم الآخر هرول مرعوباً يطبق مقولة ( الإنبطاح هو الأسلم ) ، والبعض الآخر عمل بإستحياء وبمنتهى السرية على مد يد العون والتنسيق الإستخباري والسياسي مع هذا الخط، اعتقاداً منه بأنه سيجنبه المسائلة ويبقيه أطول فترة ممكنة وهو يتربع على كرسي الحكم، فيما التزم الآخرون الصمت وانحنى لكي تمر العاصفة، ولكن الأبواب الموصدة والأبواب المخادعة المبنية من القش وغيرها من الصفيح لم تستطع أن تصمد أمام عاصفة الإختيار القسري الإمبريالية.


افرغت امريكا شحنتها بأغرب حروب الإمبريالية بشاعة .. ثم بدأ عليها الإنهاك والضعف وضمور القوة بفعل تبنيها حرب ضرورة وحرب اختيار معاً، وكلاهما استنزف قوة أمريكا وأفقدها وعيها السياسي والإستراتيجي والفكري والأخلاقي وانحدر بها من قمة التفرد في القوة إلى سفح التراجع والضمور والعزلة .. كل هذا جاء على مدار عقدين من السنين ( 1991- 2011 ) ، اتسمت بنزيف الدم ونزيف الثروات ونزيف الزمن.!!


وحتى لا يقال لأمريكا، أنك فاشلة سياسياً، عكفت على تغيير نهجها الإستراتيجي، من حرب جيوش وطائرات ودبابات وصواريخ وقواعد وتحريك اساطيل وغواصات، ذلك النهج الذي يطلق عليه القبضة الخشنة، إلى حروب تخلو من كل هذا، حروب الإستخبارات و ( المليشيات ) التي حلت محل الحروب النظامية وبأدوات هي ليست أدواتها ولا جنودها ولا أموالها، إنما بأدوات غيرها وخاصة أداة القاعدة التي أنشأتها في ( كابل ) ابان التدخل العسكري السوفياتي في افغانستان، والتي فرَختْ قاعدات، في إيران تحت اسم ( داعش ) وهي إمتداد لنهج الزرقاوي، دفعت بها الى سوريا لإنهاء الثورة هناك والعبث في العراق، وفي الشمال الآفريقي التي يقودها أمراء تتشابك علاقاتهم مع عناصر سجن ( غوانتانامو ) الذين جمعتهم المخابرات المركزية الأمريكية في معسكرات التدريب في هنغاريا أوبلغاريا وصدرتهم لقيادة تنظيمات تعلن أنها مجاهدة بأسم الدين وتطبق ما تنفر منه الشعوب، وما يخالف الشريعة الإسلامية السمحة ويتعارض مع النصوص القرآنية المقدسة .


لقد أستمرأت أمريكا إستراتيجياً سياسة ( الحرب على الإرهاب ) .. والإرهاب من صنع مطابخها الإستخبارية، وهي سياسة ستستمر طويلاً ما دامت تعفيها من نفقات الحرب وكلفها الباهظة ونزيف جنودها وغضب المجتمع الأمريكي والمجتمع الدولي .. فيما تجعل من أدواتها معولاً، لا تعمل به بصورة مباشرة، إنما من خلال الإنابة والقدرة على الإستجابة لمخططاتها، حيث يوجد التوافق الإستراتيجي والعمل المشترك، ويقع التوافق الإستراتيجي مع حكومة طهران والتوافق الإستراتيجي مع حكومة بغداد في مقدمة حروب امريكا المعلنة ( على الإرهاب ) ، وهي لعبة استراتيجية خطرة ربما لا احد يستطيع أن يضمن الحصانة منها، وهي مخطط أصلاً لصراع منطقة ( الشرق الأوسط ) ، بإعتباره مخزناً للعرقيات والمذهبيات والأصوليات، الذي يحتدم بين مكوناتها الصراع والتناقض، قد تمتد هذه الإستراتيجية إلى العمق الآسيوي، ولا يتوانى مخطط هذه الحروب أن يجد طريقه نحو مرتكزات الأمن القومي لكل من موسكو وبكين .. وملامح هذا الإستراتيجية، التي ستستمر طويلاً، حسب تصريحات القادة الأمريكيون، باتت واضحة على تخوم بحر قزوين .!!


ماذا يحصل في العراق .. ؟!


1- بأسم محاربة الأرهاب تعمل أمريكا وتعلن دعمها العسكري والسياسي والدبلوماسي لحكومة ( المالكي ) وهي صنيعتها من أجل المحافظ على مصالح أمريكا النفطية وضمان حماية الأمن الإسرائيلي، فضلاً عن تأمين مصالح إيران .


2- بأسم محاربة الإرهاب تضع امريكا كل من يحمل السلاح مقاوماً وطنياً أو مناهضاً للاحتلال ولنزعة القمع والظلم والفساد الاجتماعي في دائرة الارهاب .. فيما تضع حكومة ( المالكي ) ، وحسب سياسة خلط الأوراق، كل خصومها والمقاومين والمناهضين للاحتلال الأمريكي والإيراني في تلك الدائرة تحت مزاعم محاربة الارهاب .. في الوقت الذي تُخَرِجُ فيه أمريكا من معسكر ( غوانتانامو ) عناصر إسلامويه مجندة توزعها على معسكرات في طهران وقواعد التدريب لدى الأصدقاء في أوربا .. والنتيجة هي الحكم على الوطنيين بالموت وفقاً للمادة 4 إرهاب .


3- والهدف هو تصفية قوى المقاومة والثورة في العراق .. فيما يكون الهدف في سوريا تصفية قوى الثورة وفرض سياسات من شأنها أن تكون على حساب ملفات المنطقة الساخنة، وفي مقدمة هذه الملفات القضية الفلسطينية والقضية العراقية والسورية واللبنانية واليمنية وباقي الملفات العربية ، فضلاً عن خطورة الملف النووي الإيراني.


4- كل ساحة عربية لها في هذا المخطط الأمريكي الإسرائيلي الفارسي بصمة متميزة تبعاً لشروط الصراع الذاتية، وظروف الصراع الموضوعية ومدى نضجها وتناسقها في مجرى الصراع والتناقض .


5- سياسة الحرب على ( الإرهاب ) التي تعلنها أمريكا، تختفي خلفها الحاجة إلى ( الشراكة الإستراتيجية ) تحت قيادتها .. هذه الشراكة، التي انفرطت بعد سلسلة من حروبها العدوانية منذ عام 2001، على افغانستان والعراق وليبيا ، وهي تمثل الحشد وراء إستراتيجيتها القائمة على محاربة ( الإرهاب ) ، حتى لو بات الأمر يقتصر على الحشد لأدامة زخم الحركة المفرغة ( تشكيل خلايا الإرهاب ونشرها ومن ثم اعلان الحرب عليها ) .!!


6- " المالكي " يجسد صفحة السياسة الإيرانية، التي هي متطابقة مع أمريكا ونهجها العملي في محاربة ( الإرهاب ) ليكسب بعداً دولياً واقليمياً، ويظهر بثوب الخديعة الإيراني أنه يسعى من أجل احلال الأمن والإستقرار، فيما هو يعمل بمنهج تصفيات طائفية وعرقية قل نظيرها في هذا العصر، طالما تصاعدت معدلات القتل والتشريد والتهديد بالموت واشاعة اجواء الرعب بتصعيد معدلات التهجير الإعدامات .


7- ومن أساليب الحشد الدولي والإقليمي لأنعاش وتيرة الحرب على ( الإرهاب ) ، هي الإعلان عن تنامي اعداد مجندين أوربيين من كل الجنسيات الأوربية، الذين يقاتلون في سوريا والعراق، وعودتهم إلى بلدانهم لإثارة أعمال الإرهاب هناك وزعزعة الأمن والإستقرار وتهديد السلم الإجتماعي في بلدانهم، الأمر الذي يدفع صناع القرار الأوربيين إلى الحشد خلف أمريكا لهذه الغاية وهي في طريقها للإنتشار من ( الشرق الأوسط ) إلى العمق الأسيوي.!!


8- التناغم كامل بين واشنطن وطهران وبغداد ودمشق في إعلان الحرب على الإرهاب .. طهران ترعى ارهاب القاعدة وتعلن أنها تحاربه .. بغداد تمارس أبشعب أساليب الإرهاب وحشية وترتكب جرائم ضد الإنسانية، وتعلن أنها تحارب الإرهاب .. دمشق تمارس إرهاب الدولة وتستخدم أسلحة محظورة دولياً وترش السموم من طائراتها على مواطنيها، وتعلن أنها تحارب الإرهاب .. واشنطن خلقت القاعدة في كابل ورعتها ودعمتها بالمال والسلاح والتدريب وشجعت على استقطاب المقاتلين من كل حدب وصوب وبالأخص من شباب العرب حيث اطلقت عليهم العرب الأفغان ضد القوات السوفياتية التي احتلت افغانستان، على أساس كونهم مسلمين يحاربون الكفار السوفيات الشيوعيين، واستمرت تتبنى هذه الإستراتيحية منذ اكثر من عقدين وتعلن أن استراتيجية محاربة الإرهاب تستمر طويلاً، فيما تعلن أنها تحارب الإرهاب الدولي .. حيث يتبين من كل هذه السياسات الفاضحة أن اللعب على ذقون الشعوب لن يستمر طويلاً حيث أن قانون الإرتداد سيأخذ طريقه إلى داخل العمق الأمريكي، كما يحصل الآن داخل العمق الروسي.!!


9- إذن .. الخديعة مشتركة بين نظام طهران وهو يمارسها في اطارالتقيه، وبين نظام بغداد وهو يمارس الخديعة والتقيه في آن، وبين نظام دمشق وهو يمارسهما معاً وعلى المنوال نفسه، وبين نظام واشنطن الذي يُعَدُ عميد المخادعين والمجرمين في العالم .. أما الضحايا فهي الشعوب التي تسفك دماء أبناءها وتستنزف وتسرق ثرواتها الوطنية، وتدمر دولها وحضاراتها التي بنتها منذ مئات السنين، وفقدان فرصها التاريخية في النمو والتقدم والإزدهار والأمن والإستقرار .


سياسة محاربة الإرهاب المشتركة :


أولاً- تعمل إيران ( ومعها سوريا والعراق وحزب الله في الجنوب اللبناني ) على تحويل الأنظار عن مسألة ممارسة الإرهاب في سوريا والعراق لتقدم نفسها على أنها شريك للغرب في محاربة الإرهاب .. فهي بهذا السلوك الفاضح ، توهم العالم بأنها ضد الإرهاب، فيما تعرض خدماتها للغرب على أساس أنها حريصة مع الغرب على محاربة الإرهاب.. وهي بهذا تزعم بأنها تمثل نظاماً مسالماً يسعى من أجل الأمن والإستقرار، ولكن حقيقة الأمر تسعى عن طريق العنف والإرهاب الطائفي للوصول إلى أهدافها بطريقة التوسع الطائفي .!!


ثانياً- الأمر الذي يضع سياسات هذه الأنظمة الشمولية ( إيران وسوريا والعراق وحزب الله في الجنوب اللبناني ) في خانة الإزدواجية والتناقض في السلوك والتصرف أمام حقائق الواقع الدموي في كل من سوريا والعراق على وجه الخصوص، الذي بلغ حروب الإبادة الجماعية ضد الإنسانية .!!


ثالثاً- المسألة لم تعد مسألة إرهاب، إنما هي في حقيقتها جرائم حرب ضد الإنسانية يتعرض لها الشعب في العراق والشعب في سوريا، يرتكبها النظامان الطائفيان في العاصمتين بغداد ودمشق تحت يافطة الإرهاب.!!


رابعاً- الأمر الذي يستوجب فصل أعمال وتصرفات كل من النظام السوري ضد شعبه، وسلوك النظام العراقي الدموي الطائفي ضد شعبه، عن سياسات الدمج التضليلي بين ممارسات الإرهاب بدعوى محاربة الإرهاب بالضد من الشعب العراقي والسوري.!!


وعملية الفصل، تكمن في مطالبة المجتمع الدولي ومؤسساته القانونية والسياسية لمقاضاة النظامين الدمويين الطائفيين بجرائم الحرب .


الخلاصة :
إن ما تصدره عواصم ( إيران والعراق وسوريا ) ، من اعلانات سياسية لمحاربة الارهاب ، هي في حقيقتها خديعة كبرى فاضحة :


1- تحاول من خلالها هذه العواصم تقديم نفسها إلى أمريكا والغرب على انها تشاركها سياستها في محاربة الإرهاب، وهو الأمر الذي يتساوق مع الطرح السياسي الأمريكي الذي يستند إلى إستراتيجية محاربة الإرهاب التي اطلقها "بوش الأبن" عام 2001 .


2- ولكن هذا الإقتراب في سياسات هذه العواصم هو لغايات واهداف تصفية الخصوم وارتكاب مجازر ضد الانسانية تحت غطاء ( محاربة الارهاب ) ، حيث سياسة خلط الأوراق .. ففي العراق يشن النظام الطائفي حرباً طائفية ضد المكون "السني" من جهة ، وضد كل من يناهض النظام ويختلف معه من جهة ثانية.


3- والمغالطة في هذه المسالة تاتي وكان امريكا غافلة ومخدوعة من لدن من يقترب منها وهو يعلن مشاركته سياساتها في محاربة الارهاب.. انما امريكا تعلم وتدرك اهداف النظام الطائفي في العراق حتى وهو يرتكب المجازر ضد الانسانية، لأنها أولاً في توافق استراتيجي مع إيران، وثانياً لديها اتفاقية الاطار الاستراتيجي التي يتم في ضوئها تقديم الاسلحة والطائرات وكل مستلزمات الحرب بما فيها التنسيق الاستخباري عن طريق الاقمار الاصطناعية ، وذلك حفاظاً على مصالحها النفطية وابقاء العراق ضعيفا ومفككا لأغراض الأمن الإسرائيلي.


4- ولكن الأمر يختلف عن سوريا، لأن لا مصالح نفطية أمريكية في سوريا كما هي في العراق، عدا تأمين الأمن الإسرائيلي بنزع سلاح سوريا الكيميائي لضمان الأمن الإسرائيلي، على الرغم من أن النظام السوري لم يطلق رصاصة واحدة على ( إسرائيل ) طيلة أكثر من خمسة وثلاثين عاماً ولم يحاول تحرير أراضيه الوطنية في الجولان المحتلة .. فـ ( إسرائيل ) سعيدة بوجود هذا النظام إلى جوارها الذي دخل معها بمباحثات ثنائية بوساطة تركية استحياءاً من واقع المنطقة العربية السياسي والإعلامي وهو يدعي ( المقاومة والممانعة ) ، تلك الأكذوبة التي انهارت حين فتح النظام النار على شعبه.


لم تعد " داعش " وغيرها و " القاعدة الأمريكية " و " القاعدة الإيرانية " تدهش الناس لغرابتها ، لأن اللعبة المخابراتية على مستوى حروب المليشيات لم تعد هي الأخرى خافيه على أحد ، لأن قواعد اللعبة قد كشفتها قوى الشعب العربي الوطنية في كل الساحات .!!

 

 

 





الاحد ٢ ربيع الثاني ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / شبــاط / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة