شبكة ذي قار
عـاجـل










في قراءة ما تم من فعل سواء مجسد بائن أو مصرح به مكتوب و موثق، و طيلة خمس و ثلاثين سنة من المشاركة في ادارة البلاد بشكل رسمي ثانوي أو رئيسي دون اعتبار مرحلة التحضير و الفعل النضالي التي سبقتها، أو الفترة الزمنية التي تلتها ادارة و تصورا و توجيها للفعل المقاوم، و حتى آخر المشاهد التي اختتم بها مسيرة حياة مادية يبقي الشهيد صدام حسين لغز العقل العربي باعتبار جمعه موروث من شخصيات أسطورة بلاد الرافدين المتعلقة بالخلق الي قيم الرسالة الخاتمة للديانات السماوية الي نظرة المعاصر للواقع الغير منفصل عن الاستشراف، ليصيغ عقل شخصية اذا ما حاولت دراستها تفرض عليك الانتقال من الدراسة بفهم كلاسيكي لتجد نفسك تخاطب ذاتك الداخلية بشكل حوار، محوره استحضار الرجل لتاريخ أمة منذ بداية التكون بمختلف تجليات المراحل التي عايشتها ما هو مضي و ما هو مظلم مؤكدا و مبرزا الاضاءات المتعددة، و منتقدا منبها بصيغة المقارن المتنبه للمناطق الداكنة و خطورة الوقوف عندها، ليجعل من المشروع القومي العربي حقيقة قائمة في الواقع العربي، لتقفز الأماني العامة أمامك متحولة من حلم الي جملة من الأهداف و الأدوات الميدانية قائمة و فاعلة بنتائجها، يري العربي نفسه من خلالها حقيقة غير منفصلة عن واقعه.و أنت تقرأ له أو تستعرض ما هو منجز يتحول التغني عندك بقيم العظماء من أجدادنا و معاصرينا ممن هم رموز نضالية، الي سلوك يومي بما يجعل التطابق مع روحها ضمن مسار العصر و بالصيغ التي تفسر به الأمم منطلقات تجددها و صعودها حضاريا بائنا. محولة الرجل في ذاته الي مشروع مثل منطلق نهضة الأمة العربية في تاريخها المعاصر لما مثله في فعله و خطابه ومواقفه من أهداف استراتيجية بمفهوم الرؤية المتقدمة والمستجيبة لمختلف التساؤلات في ضمير العربي بمختلف انتماءاته الأمر الذي جعل المفكرين الدارسين للرجل يصنفونه بالرجل العقل السابق لعصره فهو :


اولاً : رجل فكر يتابع الواقع في جزئياته وكلياته، في تحولاته و ما يطرحه من تداعيات، يجيب عليها من منطلق واحد مبدئي ومن رؤية واحدة شمولية.القطري فيها لا ينفصل عن القومي والقومي فيها يستجيب لما هو قطري في علاقة مع هو انساني قيمي بتفاعل ايجابي يجعل رؤيته تتجاوز الانتماء القومي الي ما هو انساني جامع.


ثانيا : رجل فكر و فعل في الاساس، ذا نظرة فلسفية الى الامور جعلت من الفعل عنده مشروعا دائم الحركة، مواقفه كانت مبدئية و استراتيجية ولم تكن مجرد مواقف تكتيكية.


ثالثا : رجل فكر أثث رسالة بمفهوم معنوي روحي تستهدف استعادة بعث أمة بصيغة الفعل المرتبط بضرورات العصر رؤية و أداة، فوحدة الأمة العربية فيها ليست هدفا في حد ذاته بقدر ما هي مكون من مكونات فعل الرسالة التي آمن بها، لذلك فـ«البعث» في نظره لم يكن مجرد بعث لحاضر من فراغ ولا مجرد إعادة لبعض ما مضى، على صعيد الذاكرة، بل انه إحياء ما مضى في الحاضر على صعيد الاستلهام والمعاناة من اجل صنع المستقبل الذي يتلاءم مع ذلك الماضي ويكون جديراً بأن يصبح امتداداً له.


رابعا : تجاوز الرجل التوجيه الي التقاط ما ينضح به الفعل الميداني في تفاعله مع ما هو سابق كرؤية و صياغة نظرية العمل التطبيقية و هذا هو الخيط الموجه لعقل و تفكير الأستاذ صدام حسين في معالجته قضيةَ نهضة و تقدم الأمة العربية، و اللغز الذي يقود تفكيره في جميع القضايا التي عالجها سواء و هو في موقع المسؤولية ، أو وهو يقود المقاومة قبل استشهاده اغتيالا علي يد أعداء الأمـــة العربية بكل أصنافهم محليا أو اقليميا او عالميا .


مواصفات عامة في شكل نقاط تمثل محاور لعقل وجد في عصر كل ملامحه السياسية ، و الأقتصادية ، والاجتماعية بكل ما تعنيه، هو متقدم عنها بفواصل بعيدة ان كان من حيث الرؤية أو من حيث الزمن . عقل ، حالة متقدمة في التصور، و الفعل رغم أنه وليد واقع هذه الملامح من حيث الولادة و الإنتماء ؛ جعلت ممن لا يتمثل المعرفة بمقياس العصرو مايفرضه لا يتردد في نقده سلبيا بحكم رؤية هذا الناقد للمعرفة من أنها حالة تقليد لما هو ثابت ، كما فرضت علي من يتمثلها بمفهوم المعرفة ــ الحلم لا يتردد في التغني الفاقد لروحية العطاء علي ذات النهج الذي يتقصده هذا العقل بما يحول المعرفة الي صيغة من صيغ التمني ،أما الحقيقة التي تؤكد من ان عقل الرجل هو عقل عصر المعرفة المتحركة الي الأمام في واقع متخلف في كل ما تطلبه الحياة الإنسانية من مضامين ،العقل ــ النموذج لا يستحضره ايجابا الا من يقرأ واقع الأمم من زاوية المعرفة الغير منعزلة علي أثر الإرادة الذاتية و أثر الأشخاص فيها بما يحولهم لا الي مرجع مثال بمفهوم البطل النصف إله ــ المقدس ــ كما هو في التاريخ القديم ، أو بمفهوم مثال القيم كما سجله التاريخ في العصر الوسيط ، أو مفهوم البطل المؤسس للدولة ــ الأمة بكل ما تعنيه من هياكل متجاوزة أو منسجمة أو متقابلة و واضعة لمضامين الحياة بما يتطلع اليه الإنسان من قيم محل نقاش بصيغة مصالح .


عقل ــ نموذج لعصر المعرفة المتحركة الي آمام متخطيا الواقع الذي عاصره بمفهوم التفاعل المتقصد نقل هذا الواقع الذي هو وليده من المراوحة بين العقل و اليقين و تلمس ظاهرة عقل الشك و الإحتمال الي عقل يستهدف اعادة صياغة المجتمع من مجتمع المراوحة بين الحالتين بما تمثلانه من عقل و يقين سمة القرن التاسع عشر وسمة الشك و الإحتمال التي تهيمن حقيقة و فعل علي مجتمع الأمة العربية ان كان رسميا أو في صيغتها الشعبية خلال القرن العشرين ، سمة ثنائية تتجاذبانه و تميزانه كمجتمع في مرحلة متخلفة عن واقع مجتمعات الأمم المتقدمة و تجعل منه مجتمع تابع أو مجتمع استهلاك لما ينتجه الآخر الي مجتمع المعرفة الذي يتميز بهياكل بائنة تلبي جملة الثوابت في صيغة الحاجات الأساسية لمكوناته ان كان في جانبها المعنوي بثوابته أو المادي بما يمكن ان يسجله من متغيرات طبقا للتطور الذي يسجل ، أي المجتمع الذي يعتمد على مقدار معرفة و تعلم موارده البشرية وتمكنها من بناء مهاراتها وقدراتها واستخدامها الإبداعي في جميع مجالات وحقول النشاط المجتمعي، أي في تحقيق التنمية الإنسانية الشاملة.


ان أي دراسة موضوعية لصــــدام حسين ــ رحمه الله ــ الإنسان ، أو المناضل المتحمس لمبادئه كفكرحد تحول الرجل الي المبدأ في حد ذاته ، أو رجل الدولة و ما تتطلبه الثوابت الفكرية التي آمن بها ، أو المفكر الذي جعل من الثوابت الفكرية تتحول من صيغة شعارأمنية مجرد الي حالة مادية ملموسة ، جاعلا من اللحظة مهما كانت قساوتها بمقياس الأثر علي الشخص عنوانا لحيـــــاة الوطن و الشعب ... متحولا من العقل ــ النموذج في خاصية ما الي العقل ــ النموذج لجملة الخصائص التي تجعل منه عقـــــــلا خالدا بصيغة المرجع المثال لا لأبناء أمته و إنما بصيغة إنسانية ... و مدرسة جامعة لمفهوم الثبات و التطلع الدائم للإنسان لما هو خيير فيه ،مدرسة تجد تأكيدا لها بصيغة التحليل في ما كتبه أستاذ علم الاجتماع في جامعة ولاية نيويورك *جيمس بيتراس* في دراسة منشورة له بالانكليزية تحت عنوان [" الحرب الأمريكية على العراق.. تدمير حضارة "] بتاريخ 21/08/2009 حيث كتب قائلا : {كان لدى العراق المستقل والعلماني ، النظام العلمي – الثقافي الأكثر تطوراً في العالم العربي ، كان هناك نظام للرعاية الصحية الوطنية ، وتعليم عام شامل ، وخدمات اجتماعية سخية ، إلى جانب مساواة بين الجنسين بمستويات غير مسبوقة ، هذا كله وسم الطبيعة المتقدمة للحضارة العراقية في أواخر القرن العشرين . ثم إن فصل الدين عن الدولة وحماية الأقليات الدينية بحزم يتناقض تناقضا حادا مع ما نجم عن الاحتلال الأمريكي وتهديمه البنى العراقية ، المدنية منها والحكومية وهكذا أرسي صدام حسين حضارة حديثة متطورة جدا كان العمل العلمي المتقدم فيها يسير يدا بيد مع هوية سامقة بقوميتها وضاربة بمعاداتها للامبريالية }.


عقل ــ نموذج عصر المعرفة ، جعل الآخر من غير أبناء الأمة العربية يقرأه في ما أفرزه من فعل بائن في المجتمع حد توسيمه بالطبيعة المتقدمة للحضارة العراقية في نهاية القرن العشرين ، فما الذي يجعل مفكري الأمة العربية و منظري المستقبليات منهم يقفون عند حدود العجز في استخدام ما ورثهم هذا العقل من ارث مكتوب بمفهوم النظرة ان كان في صيغها الفكرية أو التطبيقية ، او ما هو فاعل ميدانيا و علي ذات الطريق كما تعبر عنه المقاومة العرقية حتي بصيغ مناقشتها ، و استحضار حقوق الشعب الطبيعية في العراق حتي بصيغة القراءة ، أم أنهم لازالوا كمكون معرفي يراوح في انتمائه الي مرحلة ثنائية اللإنتماء المعرفي الذي تحكمه سمة العقل و اليقين في جانب ، و في جانبه الثاني سمة الشك و الإحتمال؟
 

medadokmansour@ hotmail.com
 

 





الاربعاء ٣٠ صفر ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / كانون الثاني / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوغـــــــرطة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة