شبكة ذي قار
عـاجـل










نصيحة أوجهها لك، وأنت تحاول أن تتسلل بجلدك الأملس كالأفعى بين مفردات الكلمات، لتضفي إيهامات سَطَرْتَها في مقالتك ونشرتها في الشرق الأوسط يوم 4/11/2013، بعد عودتك من مركز دبي الثقافي الأخير حيث ألقيت كلمتك عن العلاقة الثقافية بين ( إيران والعرب ) ولم تقل بين الإيرانيين والعرب، نصيحتي هي أن تعود بفكرك إلى ما تقوله الثقافة الإيرانية الفارسية، التي ما انفكت ترى العرب جميعهم مجرد ( رعيان أكلي الجراد ولا يستحقون الحياة، وإن بالإمكان إرجاعهم إلى ما كانوا عليه قبل 1450 سنة ) ، ما يزال حبر هذا الكلام لم يجفْ، سَطَرَهُ أحد كبار المسئولين الإيرانيين الصفويين في طهران.. أنصحك، أن توجه كلامك الأملس، الذي يخفي الكراهية بقمقم التقية، إلى الحكام الصفويين القابعين في بلادك والذين يحملون من عقد التاريخ وظلامه ما تعجز هذه السطور القليلة عن كشفها أو التعبير عنها، ويحلمون بعودة طاق كسرى لإمبراطوريتهم الاستعمارية البائدة.

 

ارجع إلى نصوص الثقافة الفارسية، التي هي جذور المجوسية وامتداد لها في كرهها للأقوام الأخرى ومنها العرب الذين احتضنوا راية الإسلام ونشروها بالعدل قبل السيف، وتقبلتها شعوب العالم المظلومة من حكامها برحابة صدر، حتى أنها لم تعتبر الوجود العربي- الإسلامي غزواً ولا استعماراً، ودام هذا الوجود في أسبانيا أربعة قرون وفي البرتغال ستين سنه أواخر هذه القرون، ولولا التحلل والبذخ وضعف الترابط بين المؤخرة والمقدمة لكان العرب المسلمون ما زالوا هناك ينشرون مبادئ الإسلام مبادئ العدل والإنصاف والمساواة والحرية.

 

لا تحاول أن تفصل بين الثقافة والسياسة، وتلقي باللوم على السياسة وكأنها لا  تهتدي بكنه الثقافة، التي هي القاعدة والحاضنة لكل السياسات مهما كان نوعها وشكلها، سواء كانت اجتماعية أم اقتصادية أم فلسفية أو لآهوتية فقهية حتى الأسطورة، وهي ترسم المخيلة الشعبية وتصوراتها عبر حقب غارقة في القدم، كالزرادشتية، التي ( هي دين فارسي قديم له تأثيره على عقائد دينية واجتماعية .. وكتاب الزرادشتيين كما هو معروف " الأفيستا ".. وإن تعميد الناس في بيت النار الزرادشتي في مدينة يزد الإيرانية ما يزال جارياً على الرغم من أنه كفر ويتعارض مع مبادئ الإسلام، إلا أن المؤسسة الدينية الإيرانية لم تعترض عليه ولم تتعرض له .. وهذا شيء غريب حقاً.!!

 

 فالكاهن "زرادشت" لم ينسلخ عن التراث الثقافي الإيراني، فقد رأى في طقوس النار القديمة رموزاً للنور وقانوناً للإله الكوني .. وما تزال طقوس النار جارية حتى الآن في أول يوم أربعاء من كل عام فارسي .. ولم يقل رجال الدين الحوزويون أن هذه الطقوس هي طقوس كفر ويجب تحريمها، فضلاً عن أن الزرادشتية كتبت باللغة ( البارثية ) الوسيطة و ( البهلويه ) ، وهي في إطارها العام لم تخرج عن "الأفيستا" الديانة الزرادشتية الأم.!! هذه الديانة قد تنبأت بظهور نجم في السماء يقود المجوس إلى مكان مولد المخلص .. ألم يعتقد بها الإيرانيون حتى الوقت الحاضر.. ألم تنطلق هذه الفكرة من العبادة ( الميترائية ) ونبوءتها من إيران باتجاه الغرب بلاد السواد العراق

 

إن السياسة هي وليدة الجغرافيا وبيئتها الاجتماعية وثقافتها، وهي تعبير عن الحاجات المادية والروحية للمجتمعات.. وكلام من هذا القبيل يكشف عن طبيعة السلوك السياسي والاجتماعي الإيراني، كما أن الأسطورة والديانات القديمة تشكل رؤية مركبة ومعقدة للكون والطبيعة والمجتمع في صياغة المعتقد الذي تتوارثه الأجيال المتعاقبة.. فنبوءة " ميتراس " الفارسية تجد طريقها عبر التاريخ إلى الفكر السياسي- الديني وتتجلى بظهور سلوك سياسي عرقي متعال يتطلع إلى التوسع عن طريق إيقاظ الماضي السحيق بثوب جديد.. وإلا لماذا كل الأنظمة السياسية الإيرانية ذات طابع توسعي في الماضي البعيد والراهن؟ ولماذا اقتصرت هذه السياسات في نهجها التوسعي على العرب.؟ فحكومة الشاه العلمانية توسعية، وحكومة خميني وخامنئي وخاتمي ونجاد وروحاني الطائفية توسعية هي الأخرى .. وأي حكومة فارسية تأتي بعد هذه الحكومات تكون توسعية ولا تستطيع أن تأمن بمبادئ حسن الجوار أبداً .. لماذا ؟! أللهم اجعل بيننا وبينهم جبلاً من نار.. لماذا ؟!

 

أن الديانات الإيرانية القديمة ( الزرادشتية والزروانية والميترائية والمندائية والمانوية ) وديانة الأفيستا ومعابد النار ومعابد أبراج الصمت، قد أثرت في الثقافة الفارسية الراهنة.. ولا غرابة في أن يكون لهذه الديانات تأثير كبير على الموروث الثقافي- المذهبي الإيراني، إذ أدت إيران دوراً مهماً في الديانة الإسلامية، ليس في جانب نصرتها، بل في جانب زعزعتها من الداخل وتكريس ما يمنع الربط العضوي والموضوعي بين العروبة والإسلام .. ولم يتوقف هذا التأثير ( الميترائي ) حيث يتم توظيفه أيديولوجياً كأداة في خدمة السياسة الخارجية للدولة الفارسية من جهة، وأداة تعبوية طائفية من جهة ثانية.

 

ألم تشكل أفكار هذه الديانة الوثنية قاعدة ثقافية وفكرية أنتجت سياسات اعتمدتها مؤسسات إيرانية

يقول عطا الله مهاجراني ( الحقيقة أن السياسة في الوقت الراهن طغت على الثقافة.. والثقافة تشكل الجسر بين الأفراد في الوقت الذي تهدمها السياسات والتطرف في كل الأشكال ) .. ولكن السياسة لا تعمل لوحدها من دون ثقافة، والثقافة لها عمقها الاجتماعي والتاريخي والفلسفي وجذورها تبلور معتقداتها وللأسطورة حيز في تلك الجذور.. فالطغمة الشاهنشاهية التي كانت تحكم إيران بالحديد والنار، والتي كانت لها أطماعها في خارج حدودها الغربية ترسم حدود إمبراطوريتها البائدة، قد ورثت عنها الطغمة ( الخمينية- الخامنئية ) الراهنة تطلعها وأحلامها في السيطرة بأسلوب التشيع الفارسي المصحوب باستخدام القوة .. ألم تسترشد السياسة الإيرانية الصفوية بالثقافة الفارسية ذات النزعة التوسعية على حساب جاراتها العربيات ؟ فلماذا لا تقول يا "مهاجراني"  بشكل واضح وصريح للقيادة الإيرانية في طهران وقم بأن تخرج من العراق وتكف عن أساليب تهديداتها للدول العربية  وتمتنع عن استخدام أدوات تمزيقها للمجتمعات العربية المسلمة بالتشيع الفارسي الذي لا يخدم الإسلام ولا يخدم العلاقات الإيرانية العربية؟

 

ثم يبدي اعترافه بأن 50% من مفردات اللغة الفارسية هي عربية، وإن عدداً من رجال الدين الإيرانيين قد ألفوا كتبهم باللغة العربية، وإن محاولات تشذيب هذه المفردات بمفردات فارسية قد باتت في وضع مضحك .. وعبر عن اعتقاده بـ ( ثراء اللغة الفارسية باللغة العربية .. وإن إثراء الفكر الديني بالأفكار الإسلامية كان تحولاً كبيراً في التاريخ الثقافي الإيراني ) .. وهنا نتساءل ، لو كانت الأفكار الإسلامية قد أثرت فعلاً وحقيقة في الثقافة الإيرانية التي تصنع السياسة، لكان الأمر قد اختلف تماماً من حيث كبح جماح القيادات الإيرانية المتعاقبة ( الشاه الأب والابن وخميني وخامنئي ) من التوسع وتهديد الدول العربية المسلمة .. لكان الأمر قد اختلف في التمسك بعناصر حسن الجوار مع الدول العربية التي لها فضل كبير على إيران بإخراجها من الظلام الفكري إلى النور، بإعتراف مهاجراني حين قال ( قبل الإسلام لم يكن لدى إيران فلاسفة وشعراء ومفكرون مثل سقراط وافلاطون وافلوطين وهوميروس وغيرهم.. وإن عصر الإسلام كان إيذاناً بمولد العلم والأدب في إيران ) .. ولكن هل أثر الإسلام فعلاً في العنصر الفارسي الذي جُبِلَ ثقافياً وتاريخياً على التسلط وتصفية الآخر وليس فتح حوار معه، كما يضرب مهاجراني مثالاً بما قاله الفيلسوف الفرنسي "جون بول سارتر" حول تقبل الآخر ؟

 

ويختتم " مهاجراني" مقاله ( ومما يؤسف له إننا نواجه برنامجاً منظماً يهدف إلى خلق جو من العداء والكراهية والعنصرية بين الإيرانيين والعرب .. وإنني هنا لا أريد التركيز على دور السياسة وتأثيراتها السلبية في الثقافة والذي يمكن أن نراه في حالات مثل صدام حسين، والدور الرئيس الذي لعبه في تشويه صورة إيران والإيرانيين كمجوس في الحرب. وأطلق على الحرب بين العراق وإيران، الحرب بين العراق والمجوس ) .

 

وهنا نسأل "مهاجراني" الذي يحاول أن يكون حمامة سلام بين الشعوب، من الذي خلق ويخلق جو العداء والكراهية والعنصرية، عبر التاريخ الضارب في القدم حتى الوقت الحاضر، بين الإيرانيين والعرب؟ من احتل بلاد العرب؟ من احتل مدن العرب ؟ من نصب طاق كسرى في المدائن؟ من احتل الجزر العربية في الخليج العربي؟ من احتل قصر شيرين وزين القوس وزرباطية وتحكم بمياه شط العرب؟ ثم من احتل عربستان، الضفة الشرقية للخليج العربي؟ .

 

العرب يا سيد "مهاجراني" وأنت مثقف فارسي كنت وزيراً ، ألم تعلم بأن العرب عبر التاريخ لم يكن لديهم أطماع حتى بشبر واحد في أرض فارس؟ ولم يحتل العرب عبر تاريخهم أراضي إيرانية، ولم يعتدوا على إيران؟ ألم تدرك ما يحصل من احتلال إيراني للعراق بالتوافق مع أمريكا الشيطان الأكبر؟ ألم تعلم بعد، بالتدخل الإيراني في البحرين والكويت والإمارات والسعودية واليمن ولبنان وسوريا ودول المغرب العربي؟

 

لماذا لا تَحتَجُ الثقافة الإيرانية على السياسة الإيرانية في نهجها المدمر، الذي يسعى عبر التاريخ إلى السيطرة على الدول العربية وتمزيق المسلمين بالطائفية وهي غطاء نعرفه جيداً للعرقية التي يرفضها الإسلام جملة وتفصيلاً ( وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .. ألم تقرأ هذه الثقافة الرصينة الحكيمة .. هي ثقافة العرب المسلمين الذين لا يعتدون على أحد، ولكنهم لا يصبرون على ضيم ولا يقبلون العدوان أبداً .!!

 

لماذا لا تقول للذين يكتبون بالعربية من مفكريكم الفرس أن يقولوا كلمة حق بشأن حقوق المسلمين في علاقاتهم وحقوق الجار على جاره حسبما جاء بالإسلام الحنيف؟ ولماذا يصمت رجل الدين الإيراني عن طغيان حاكميه في داخل البلاد وخارجها.؟ ألم تدرك بعد، وأنت وزير الثقافة أن إيران ومنذ مجيء "خميني" على رأس السلطة عام  1979 والنظام في إيران، وحتى هذه اللحظة، يثير المشاكل والإشكاليات في خارج حدوده الإقليمية ولا أحد يهدده إطلاقاً .. لماذا ؟ الضجة المفتعلة حول الملف النووي جاءت بعد الخميني، وإن المفاعلات كانت موجودة في زمن الشاه وتحت علم الأمريكيين، ومنذ بداية الأحداث في إيران ومجيء خميني لم يظهر على ألمانيا أنها كانت بعيدة عن مسرح الأحداث من خلال بعض رجال الدين الذين يقف في مقدمتهم "بهشتي"، كما ظهر أن ألمانيا لم تتوقف عن تعاونها مع إيران بعد رحيل الشاه وإن سيل الأسلحة ظل يتدفق على القوات الإيرانية دون انقطاع وغالبا ما صرحت الشركات الألمانية باستعداداتها لإكمال بناء المفاعلات الإيرانية لحساب نظام خميني.. أما بريطانيا فهي الدولة التي لا ينازعها احد في حكم إيران ولسنوات طويلة قبل سقوط مصدق وتحرك الولايات المتحدة بشكل قوي نحو إيران.. وبعد سقوط الشاه ظل الرأسمال البريطاني والشركات البريطانية تحتل مواقعها المعروفة داخل إيران مع وجود الرأسمال الأمريكي والشركات الأمريكية.. ومن هذا يتضح الدور الذي أوكل لبريطانيا أن تلعبه في ما يسمى بشفرة البيبي سي ( BBC ) ورسائلها إلى بعض رجال الدين من أعوان "خميني" داخل إيران والى "خميني" ذاته والى بعض جنرالات الشاه لتعزيز حكم المؤسسة الدينية الإيرانية بدلا من صعود التيار الوطني أو اليسار الإيراني إلى الحكم.. والمفاعلات موجودة في زمن الشاه وخميني وخامنئي، والأمريكيون والبريطانيون على علم بتفاصيلها، فما الذي تغير وإيران ما زالت محط اهتمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة مجالاً يرصد المتغيرات، التي تحصل في المجالين الحيويين الروسي والصيني .. لأن أمريكا لن تتخلى عن إيران أبداً.. فالثقافة بمعناها الحضاري الواسع تصنع السياسة، فإذا زاغت السياسة عن محورها الوطني والإنساني، وغالت وتجبرت وطغت، فأين موقعها من الثقافة وهي في حضنها، وكما نرى أن لا فاصلة نلمسها بين الثقافة الإيرانية وسياسة الطغمة الفارسية الحاكمة.!!







الخميس ١١ محرم ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / تشرين الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة