شبكة ذي قار
عـاجـل










" أكثر الطرق المؤكدة للنجاح هي أن لا يستسلم المرء لكبوته ، و إنما في النهوض مهما تعددت المحاولات "

 

عند دراسة التاريخ المعاصر و في كل فروعه ، ان كان  اجتماعيا ،أو اقتصاديا ، أوسياسيا لا مفر للدارس برؤية أكاديمية من اخضاع المجال المدروس الي المحطات التي صاغت هذا التاريخ بصيغة مقاييس عالمية متداولة حد اعتبارها ثوابت رؤية الحرب الباردة ، الوفاق الدولي ، نهاية ثنائية الإستقطاب الدولي و العولمة / القطب الواحد  ؛ و هي مقاييس تنطلق من فعل القوي المتحكمة في مساراته عالميا بما فيها من انعكاسات سلبية أو ايجابية علي باقي الشعوب و الأمم ، و تعمل علي بحثها انطلاقا و ما فرضه المركز من لافتات قيمية لكل محطة من المحطات الثلاث ، ولكون التاريخ مهما اعتلاه من مظاهر لا يصاغ من خلال مقاييس مشتركة بين الأمم و الشعوب بقدر ما تصيغه حركة الشعوب و الأمم مهما ضعف تاثيرها باعتبارها العامل الحاسم في احداث التحول ان كان داخليا أو في علاقة مؤثرة في محيطها ؛  فحركة الشعوب و الأمم المضطهدة لا و لن تقررها  الأبعاد الظاهرية بما تمثله من اثر للآخر المتنفذ في جانب و في جانب ثاني من وظفه هذا المتنفذ من مكوناتها  بصيغة حاثة علي إستمرارية نفوذه سواء سياسة أو مصالح  ، بقدر ما يقررها البعد الغير بائن و المغيب سواء دراسة أو تداولا  من فعلها كشعوب و امم تعوزها الإمكانات المادية و الإعلامية ، لذلك يشعر المرء نتيجة غياب المعلومة أو تحت الضخ الإعلامي أنه يفتقد الأداة المادية و المعنوية لإثبات هذا البعد  الأساس و الغائب في ذات الوقت و لا يستشعره الا بعد أن يكون ما هو ظاهري قد تمدد طولا و عرضا في المجتمع  و شكل بتمدده أزمة مركبة تخطيها لا يكون الا بالإنفجار في صيغ انتفاضات تنتهي الي ثورة تحقق التحول الذي تستهدفه حركة الشعوب و الأمم المضطهدة في أساسه ؛ هذا الظاهر ببعديه المحلي المرتبط  و المتنفذ الموجه ، و هما الجانب المرئي بما يمثله من شخوص متصدرين المسؤولية ، و من اعلام سواء كان تاثيرها بصيغة افعال أو اجراءات أو بصيغة خطاب يستهديف تطويع و استبدال  ثقافة المجتمع ، و عادة ما يكون ذلك بشكل خبر أو فعل شخصي أو جمعي ، خبر لا يمكن استخدامه و لا حتي الوثوق فيه لما تتميز به المحطات الفاصلة في تحول الشعوب و المجتمعات من ظواهر "التصعيد المستمر"  المستخدمة قديما في صيغها المباشرة ، والموظفة  أخيرا و بالتوافق و تقدم الحراك الشعبي العربي  بشكل منحرف عما تعنيه من مضامين في الشريعة باسم  " التدافع الإجتماعي " كما ورد علي لسان السلفي راشد الغنوشي و من خلال أفعال السلطة التي تعود له بالنظر ــ و التقطها امثاله في طول الساحة العربية و عرضها سواء سياسين كانوا أو اعلاميين أوكتاب أو  منخرطين في ذات التوجه الذي يمثله ــ تمريرا للقبول بها مستهدفا تحريك القاعدة الدينية التي يستند اليها المجتمع لجعله يقبل بما يتوخاه من اعادة بناء سلطة شمولية علي أنقاض السلطة المسقطة و بأدوات و خطاب مغايرمع مزيدا من التفويت في استقلال الأمة و اعتراض نهوضها و تحررها  حد التحالف مع اعدائها الذي أشره حراكها طيلة الفترة التي أعقبت احتلال فلسطين كمحطة اولي ، و بخاصة بعد احتلال العراق و ما اقترن به من "صدمة و تويع " كمحطة ثانية ،  بما يجعل  استيعاب فسادها و ظلاميتها و تخلفها يتطلب زمنا يحتسب بالعقود .. أي ممارسة التجهيل المتعمد للشعب العربي ، و التعتيم الفعلي عن الحقائق المؤلمة و الكارثية التي تترصده كمجتمع أمة جذوره بمفهوم القيم و الفعل ضاربة في التاريخ  بصفة غير مباشرة ان لم يكن قد دخل دائرتها فعليا في أقطار كالعراق والسودان و سوريا و ليبيا و مصر و تونس و اليمن و جربتها الجزائر طيلة عشرية كاملة و تطل بصيغة خطاب علي من بقي من اقطار الوطن الكبير.

 

فهل صحيح أن الوضع كارثي و يتجه بنا الي الثقب الأسود بما يعنيه من اندثار أم أنه يختزن في البعد الثالث المغيب اعلاما و تداولا حتي بصيغة القراءة لحركة الشعب العربي  الحلول و ألق النهضة و التحرر و استعادة الهوية الحقة للأمة العربية في أنها أمة القيم و الفعل الحضاري ؟

 

الكل يعرف من أننا كأمة عربية و خلال الست عقود الماضية عشنا نكستين تخلل الفاصل الزمني بينهما حالات صعود و انتصار حد ولادة المرجعية الجامعة للأمـــــة رغم المناكفة التي أثارها و لازال يثيرها أعدؤها حولها  في جانب و كبوات حد الهزيمة في جانب ثاني ؛ و حتي لا يكون الكلام عاما فالنفصل ذلك .

 

النكسة الأولي :  احتلال فلسطين و ان حصل في فترة كانت جل القطار العربية تحت الإحتلال ألم تحرك البعد الثالث في حركة الشعب العربي و تدفع بها للسطح بصيغة الحل؟ الحل  الذي أتي من جهتين يمثلان جناح الأمة التي بدونهما لا يمكنها الإقلاع و الواقع و التاريخ يؤكد ذلك ...

 

 الأولي : مثلتها ثورة جويلية 1952 في مصر و كشفها و اسقاطها النفوذ الفرنسي و الأنقليزي في الوطن العربي اسقاط كان له الأثر الكبير علي حركة الشعب في أقطار المغرب العربي عامة و الجزائر خاصة سواء باتجاه التحرر أو المواجهة المسلحة باعتبار ما مثلته ثورة جويلة من سند معنوي و مادي لهذه الحركة .

 

  الثانية :  ثورة العراق جويلية 1958 و اسقاطها و كشفها طبيعة ما تتقصده أمريكا من المنطقة بالغائها للحلف المركزي ...

 

حلول مثلت أرضية لتوسع الفعل الوطني بنظرة مستقلة بغض النظر عن التطورات التي عرفتها الأوضاع القطرية من تقاطعات أو تقابل بين أطراف الفعل الوطني و القومي انتهي الي هزيمة جوان لا بمفهوم النكسة التي نراها في الخطاب و القراءات المتعددة و لكن بمفهوم الكبوة باعتبار أن ما أصبح للعرب كمرجعية جامعة لم يغادر الثوابت لا من حيث الرؤية و لا من حيث الفعل ، فكان الرد  في صيغتين و من خلال العراق و مصر اذ كانت ثورة 17 ــ 30 جويلة سنة 1968 في العراق ووحدة فصائل العمل الوطني الفلسطيني في صيغة شعبية و حرب الإستنزاف التي قادتها مصر في صيغة رسمية ؛ بما يعني اعادة البناء المنسجم و تطلعات الشعب و بما يختزنه بعده الثالث ، الفعل الذي أرهب الأعداء فبدأ الإعتراض الفعلي علي ما يمكن أن يؤول اليه الوضع من تحول ليس للقوي الخارجية من تأثير عليه ؛ لتتحرك ايران الشاه مستهدفة العراق لعزله عبر أكثر من أداة ، و تحرك الأدوات  المرتبطة بها داخليا ان كانوا في صيغة مواطنين أو جهات رسمية  لتفجير الصراع بين الفلسطينيين و الأردنيين و تنتهي  بتغييب جمال عبد الناصر ، و تفتح أبواب التأهيل لقبر أحلام حركة الشعب العربي في التحرر باخراج مصر الرسمية من دائرة الفعل العربي ؛ صحيح خروج مصر جعل مرجعية الفعل تنتقل الي العراق الذي حملها بكل طاقاته و أدارها بحنكة لا تستقرئ فقط الحاضر و انما تأخذ بحسابات المستقبل محققا انتصارا مادي و معنوي يعد الأول للأمة العربية بعد عهودها الذهبية في العصر العباسي الأول ، و جعله قلب الأمة و رئتها التي تستند اليها حركة الشعب عامة ، فكان التحضير المعنوي الذي لحقه الفعل المادي ليتعرض العراق للإحتلال سنة 2003 و بذلك تحل بالعرب النكسة الثانية في تاريخهم المعاصر.

 

النكسة الثانية :  احتلال العراق يوازي النكسة الأولي في ظاهرها و يتجاوزها أثرا و نتائج  ، النكسة التي يعيش العرب  تفاعلاتها اليوم و هي تشارف عقدها الثالث بالرغم من أن الحلول بائنة و تجدها تتردد مقترنة بالحسرة علي احتلال العراق ، و تدمير ما بنته تجربته من عز و مكانة للعرب سواء كان في الجانب السياسي ، أو العلمي و المعرفي ، أو بني تحتية ؛  في كلام المواطن البسيط و لا ينكرها حتي المختلف معها كتجربة ، و تغيب عند المنبت و العميل ، و المستعرب الوافد الينا اما بصيغة الرؤية أو بصيغة الذات التي انفصلت عن الواقع فكرا و معيشة.

 

و عندما أقول تتجاوزها أثرا و نتائج فانني لا أحصرالكلام فيما يمثله البعد الأول و الثاني أي الجوانب الظاهرية و المرئية بصيغة خطاب أو أفعال سواء كانت من القوي المتنفذة  دولية أو اقليمية  او الشخوص الذين يمثلونهم و الذين توالدوا تقليدا لذات المثال المخلق في العراق المحتل بفعل الحراك الشعبي منذ اندلاعته بصيغته العفوية من تونس ليعم المنطقة عامة و بكل الأفعال الناضحة عنه و بما تشكله من كارثة قائمة فعلا ، و انما في البعد الثالث المغيب الذي علي العرب استحضاره بصيغة الحل لا فقط بصيغة القراءة لا غير. هذا البعد الذي عبر عن نفسه رسميا في الإنتكاسة الأولي و تأخر شعبيا عقدا كاملا بمفهوم الحركة المتحملة لمسؤولية الدفاع عن الأمة و الوطن ان كان قطريا أو قوميا، كان سباقا لما هو رسمي الغائب حتي يومنا هذا و بالتوازي مع بداية إحتلال العراق متسلحا لا فقط بسلاح المقاومة التقليدي و انما برؤية استراتيجية تجمع بين ما هو قطري و قومي معتمدا الذات واقعا و امكانات و هو ما عبرت عنه المقاومة العراقية الباسلة طيلة السنوات العشر من عمر الإحتلال ، و كانت الرافعة الأساسية التي أسقطت  حلم الإستفراد الأمريكي بادارة العالم و جعل أممه و شعوبه حدائق خلفية لها ، كما كانت المثال الذي شكل الرجة النفسية ليغادر العرب حالة الإستسلام و اليأس و الخوف و تجعلهم لا يترددون في ممارسة الإحتجاج و الرفض لواقعهم المزري ان كان قطريا أو قوميا ، و لازالت تمثل بوصلة الفعل الصحيح في ادارة الصراع  دون أن تغادر الميدان المسلح بصيغة شعبية كما يعبر عنها الحراك الشعبي في محافظات العراق عامة رغم ما يتقصده الإعلام من حصرها في بعضها فقط لغايات أصبحت مكشوفة و مؤشرة علي من يقف وراءها .

 

 مقاومة حققت الفرز المطلوب بما يجعل الأهداف التي تتقصد العرب مكشوفة ، الأهداف التي غابت أوبالأحري  غييبت في ساحات الحراك الأخري من الوطن الكبير تحت طائلة العمالة مزدوجة المنشأ " نظم و مجموعات قتال وافدة " . انكشاف الأهداف و الأدوات التي تتقصدنا كـــــــأمة عربية في ذاتها و كوطن من حيث المجال يفرض علي حركة الشعب في بعدها الثالث التقاط الفرصة و تحويلها من خطاب الي فعل ميداني و شعبي رادع بما يجعل الأمة تستطيع ممارسة الدفاع أولا و الإنتقال الي الهجوم ثانيا .

 

ان الفرصة القائمة اليوم بكل كارثيتها في جانب و بما توفر من عوامل الرد المتقدمة سواء من حيث التخطيط أو الممارسة تجعل المرء لا يتردد في القول من أن فرصة للعمل الثوري القائم على الفكر، قد أتيحت للشعب العربي من جديد..  فرصة تاريخية، كالتي أتيحت قبل ستة عقود علي خلفية احتلال فلسطين  تتاح اليوم أمام أبناء الأمة العربية  لكي تبنى حركة الشعب للنهوض  من جديد على أرض صلبة ونظيفة ؛  فالغد يحمل لنا مفاجآت وثورات تصحح المنحرف و المركوب القائم بصيغة الكارثة و هذا مرهون بالتالي :

 

تقديم تحرير العراق كاولوية الأولويات بما يتضمنه هذا التقديم من اعلام و حضور العراق كمقاومة و حراك شعبي خطابا و تاشيرا علي المستوي الإعلامي ،و لا يعني ذلك انتقاصا من مركزية القضية الفلسطينية و انما الأولوية لمن يقاتل لا لمن يفاوض في جانب و في جانب ثاني وضوح المحتل لفلسطين و عجزه عن اختراق المجتمع حتي و انكان قد  اخترق بعض الشرائح السياسية مقابل عدم وضوح المحتل في العراق رغم انه أكثر تعاسة و نهم في الأرض العربية في ذهن و رؤية العديد من العرب و تمدده الإجتماعي في النسيج الإجتماعي للأمة لما للقاعدة الدينية المشتركة من أثرو التي يستخدمها غطاءا للهيمنة و النفوذ .

 

مغادرة الخطاب الحاث علي بناء الجبهة الشعبية العربية التي رفعت كشعار عمل منذ الستينات من القرن الماضي الي التأسيس لها و تفعيلها خطابا و ممارسة ميدانية .

 

d.smiri@hotmail.fr

 

 





الاحد ٣٠ ذو الحجــة ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / تشرين الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوغــــرطة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة