شبكة ذي قار
عـاجـل










 

الفخ معد مسبقاً لنزع سلاح سوريا .

الفخ سياسة تعاون روسي- أمريكي مشترك.

الفخ تغازل فيه موسكو ( إسرائيل ) .

الفخ صفقة لنزع سلاح المنطقة .!!

 

المقدمة :

قلناها من قبل، وسنعيد تكرارها كلما دعت الضرورة، بأن السياسة- الإستراتيجية الغربية المعدة للمنطقة العربية حصراً، هي لتدمير عناصر قوة الأمة، بغض النظر عن طبيعة النظم السياسية العربية السائدة، والتدمير هذا يجري على وفق مراحل وحسب مستلزمات واقع الصراع .. ومن أجل تحويل هذه السياسة إلى واقع تم إشراك قوى إقليمية في التنفيذ ، إيران وتركيا ودول عربية معروفة إضافة إلى الكيان الصهيوني دعامة الغرب وسندها في المنطقة .. ولم يعد الأمر يقف عند هذا الحد، إنما كانت  هذه السياسة تأخذ بنظر الاعتبار في التنفيذ والتطبيق الحسابات الدولية وحدودها ومداها القاري والإقليمي، وتوازنات القوى، وتوازنات المصالح، فضلاً عن حدود حسابات المجازفة ، ومنها على وجه التحديد المسألة السورية، التي تحولت من حالة محلية إلى حالة إقليمية إلى حالة ذات بعد دولي حين تفاقمت الأوضاع فيها ، وباتت مستعصية على الحلول المحلية والإقليمية وكادت أن تخرج عن إطارها، باستخدام نظام دمشق أسلحة كيميائية ضد شعبه، وهو الأمر الذي يعد خروجاً على نظام معاهدة حظر استخدام الأسلحة الكيميائية لعام 1993، وخروجاً على القانون الدولي.

 

والتساؤل في هذا المنحى .. هل أن مبادرة وضع السلاح الكيميائي السوري ومخزونه الكبير، الذي يقدره الخبراء بألف طن من الـ ( سارين ) و ( الخردل ) والـ ( VX ) ، موزعة مختبراتها ومخازنها بمختلف المواقع وأهمها ( تدمر ) في الصحراء السورية ، جاءت صدفة أملتها حالة استخدام السلاح ونتائجه الكارثية بسقوط أكثر من ( 1400 ) مواطن مدني سوري؟ وهل أن روسيا شعرت بمخاطر الضربة الأمريكية الجدية والوشيكة، الأمر الذي دفعها لإنقاذ النظام من حتمية الانهيار و ( تصحيح اختلال توازن القوى في الداخل السوري الذي يشغل أمريكا أيضاً ) ؟ أم أن المبادرة لم تكن مفاجئة، ولم تكن نتيجة أملتها استخدامات نظام دمشق للأسلحة الكيميائية ؟!

 

إذن .. كيف ظهرت المبادرة على سطح الأحداث الساخنة، التي عكست تردد " باراك أوباما " وتورطه في تحديد سياسته الشرق أوسطية تحت ضغط حسابات عدم الدخول في حرب لا حاجة لأمريكا في تكرار أخطاءها في العراق، وهو اعتراف رسمي بجريمة العدوان على العراق واحتلاله وتدميره ونهبه وتمزيق نسيج شعبه الواحد الموحد عبر التاريخ ؟

 

دعونا نبدأ في تحليل الموقف في ضوء معطياته :

 

أولاً- قال " لآفروف " ، ( إن المبادرة ليست روسية خالصة، فقد كان الأمريكان حاضرين فيها، وقد جرى التنسيق معهم بشأنها ) .!!

 

ثانياً- أوضح " باراك أوباما " لشبكة ( CBS ) الأمريكية ( أنه ناقش خطة تقوم على تسليم سوريا ما لديها من أسلحة كيميائية، مع الرئيس الروسي "فلادمير بوتين" خلال قمة الـعشرين ) .!!  

 

ثالثاً- فيما قال " جون كيري " وزير الخارجية الأمريكي ( إن العامل الوحيد الذي خلق المبادرة، هو التهديد الجدي باستخدام القوة ) .. وهذا عامل واحد على خط تصعيد الموقف، ولكن التخطيط، قد بدأ منذ فترة ليست قصيرة، وخاصة منذ الحديث عن احتمالات سقوط الأسلحة الكيميائية بيد المتطرفين، وهي ذريعة معروفة سياسياً ومبرمجة في ضوء واقع التخطيط لنزع سلاح المنطقة وخاصة الخط الأول والثاني الذي يحيط بالكيان الصهيوني ولحساب أمنه.

 

رابعاً- شنت ( إسرائيل ) في كانون الثاني- يناير 2013 غارة جوية على قافلة بالقرب من مركز أبحاث خارج دمشق، ودمرت مخزن للذخيرة .. وكانت قد شنت من قبل غارتين وأخرى سبقتها على مفاعل للأبحاث السورية في عمل مدان قانونيا،ً إذ ليس من حق أي دولة أن تقوم بعمل عسكري على أساس ( استباقي ) ، اعتقاداً منها بوجود مخاطر مستقبلية، الأمر الذي يتوجب على المهتمين بالقانون الدولي وضع محددات لمفهوم "الضربة الاستباقية" والعمل على تحريمها دولياً بشكل صريح وواضح ومباشر.

 

خامساً- أنشأت ( إسرائيل ) سوراً عازلاً في سيناء .. وحلت مشكلاتها مع تركيا .. وتوجهت نحو متابعة تدفق الأسلحة من غزة وليبيا وإيران إلى سيناء .!!

 

سادساً- المشكلة السورية تحولت في هذه المرحلة من تصعيد التصادم العسكري إلى الكيميائي .. وفتح ملف، ليس جريمة النظام الذي استخدم السلاح بكل أنواعه، إنما فتح ملف اسمه ( نزع السلاح الكيميائي السوري ) وتحت الرقابة الدولية .. هذا الملف هو صفحة واحدة من المشكلة، تليها صفحة تدميره في سوريا أو إخراجه منها ، ثم تأتي صفحة مَنْ استخدم الكيميائي من أجل الإدانة الدولية الرسمية .

 

سابعاً- المبادرة ( اللعبة الكبرى ) ، تمنح النظام السوري الوقت والبقاء أطول فترة ممكنة، يسهل في ظلها تدفق عناصر الحرس وفيلق القدس الإيراني على سوريا عبر العراق بالتواطؤ مع الحكومة الطائفية في بغداد بعد أن وضع الجنرال "سليماني" مخطط التعبئة والتدريب والتسليح وتسويق العناصر الإيرانية المدربة إلى سوريا لدعم النظام وإسناده ... فماذا تقول الأمم المتحدة ، وماذا تقول أمريكا ، وماذا يقول الإتحاد والأوربي حيال التدخل العسكري العلني الفاضح في سوريا. ؟!

 

ثامناً- لعبة المبادرة المتفق عليها بين موسكو وواشنطن ، قد أخرجت الرئيس الأمريكي " باراك أوباما " من ورطته في الخط الأحمر الذي حدده، وتهديده باستخدام القوة ، وتردده بشأنها وتوزيع مسئولية قرار الحرب على أركان إدارته، ومنها على وجه التحديد الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكي .

 

تاسعاً- المبادرة ( اللعبة ) ستمنهج تدمير عناصر القوة الإستراتيجية العسكرية السورية ، ولكن لا أحد يضمن ترحيل هذه الأسلحة إلى خارج سوريا وخاصة إلى العراق وبتوجيهات إيرانية ، وقبل وصول فرق التفتيش الدولية للقيام بمهامها .!!

 

عاشراً-من ضمن أهداف منهج نزع السلاح السوري، تغيير توازن القوى العسكري على الأرض السورية ، ولكن كيف ستعالج أمريكا التدخل العسكري الإيراني المليشي المكثف إضافة إلى تدفق عناصر حزب الله من الجنوب اللبناني، وعناصر مليشية من الأحزاب الطائفية الحاكمة في العراق ؟!

 

احد عشر-إن إسراع طلب النظام السوري الرسمي، عند آخر أيام التهديد باستخدام القوة، الانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1993 وليس قبلها بأشهر وسنوات، حيث كانت دمشق تنكر وجود مثل هذه الأسلحة، يُعَدُ استباقاً دفاعياً فات أوانه أو في أحسن الأحوال أحد أسس لعبة المبادرة، التي من دون هذا الطلب سيزيد من تعقيد العمل أمام فرق التفتيش الدولية، ويضع سلطات النظام أمام مسؤولياتها والتزاماتها في تطبيق نظرية ( ريتر ) ، التي تقضي بـ ( الشك والتفتيش والتحقيق ) في حلقة مفرغة لها بداية ونهايتها وضع النظام في قفص بعد خلع أنيابه التي ( تهدد ) الكيان الصهيوني، على الرغم من أن النظام يعترف بوجود هذا الكيان ودخل معه بمباحثات عن طريق طرف ثالث استمرت لعقود ( تركيا ) ، فضلاً عن الرسائل والإشارات التي تصدر عنه والتي تطمئن ( إسرائيل ) بأن خيارها الإستراتيجي هو السلام ، كما هو حال نظام طهران مع بعض الفارق.!!

 

اثنا عشر- الملفت في الأمر .. إن المبادرة اللعبة قد وافقت عليها، بزمن قياسي، كل من دمشق وطهران، ورحبت بها ( إسرائيل ) ، وأبدت أمريكا ارتياحها مع التأكيد بأن خيار استخدام القوة ما زال قائما إذا نكثت دمشق بالتزاماتها أمام المجتمع الدولي.!!

 

ثلاث عشرة- الأمم المتحدة شككت في نيات دمشق تفكيك أسلحتها الكيميائية .. فيما أعلنت المعارضة الوطنية السورية وحسب مصادرها الإستخبارية، بأن نظام دمشق بدأ بنقلها إلى خارج أراضيه .!!

 

أربع عشرة- شاطر الأمين العام للأمم المتحدة شكوكه المجتمع الدولي، حسب قوله، من احتمال تسويف نظام دمشق وعدم التزامه، وحث على ضرورة تقديم لائحة تفصيلية بمخزون الأسلحة الكيميائية ومواقعها وقبول وصول المفتشين .

 

خمس عشرة- مع قبول النظام السوري للمبادرة الروسية وقبولها من لدن النظام الإيراني ، وضع النظام السوري شروطاً   ( Would not turn over Ch- Weapons ) .. بأنه لن يخلي أسلحته الكيميائية ما لم تتوقف أمريكا عن تهديد النظام بالهجوم عليه، ووقف إمداد المعارضة بالسلاح .. إذ سرعان ما تحفظت عليها واشنطن بقوة .. وهذا الموقف صياغة إيرانية بحتةـ لأن لدي القيادة الإيرانية الموقف ذاته حيال فتح باب التفاوض مع أمريكا .!!

 

والتساؤل هنا ..

- هل تدمير الأسلحة الكيميائية السورية قابلاً للتنفيذ في ظل أوضاع الصراع المسلح ؟ هذا ما يعلمه النظام السوري وحليفه الروس والنظام الإيراني، الذي دفع بمليشياته للقتال جنباً إلى جنب، بل ومن المؤسف قيادة بعض وحدات الجيش العربي السوري المنهك في الأماكن ذات السمة الصعبة .. إن تكثيف تدفق الحرس الإيراني على سوريا لإضفاء جو من شأنه أن يعرقل مهمات فرق التفتيش، وهي محاولة لإجهاض الفعل المقابل وكسب الوقت لتسريب الأسلحة إلى العراق المرشح لهذا الغرض.!!

 

- إذا ثبت رسمياً انتهاك النظام السوري للقوانين الدولية باستخدامه السلاح الكيميائي .. ماذا سيكون عليه موقف الأمم المتحدة وأمريكا ؟ ، هل يبدأ التحضير السريع للضربة المحدودة ؟ أم يصار إلى استمرار عمليات نزع السلاح الكيميائي على مراحل قد تطول كخيار إستراتيجي يسبق أو يلغي الضربة من أساسها، وهو الأمر الذي سيكسب فيه النظام السوري الوقت والمزيد من جرائم تصفية الحسابات بدعم إيراني عراقي روسي ؟!

 

- وهل سيساق مرتكبو جرائم استخدام السلاح الكيميائي إلى محكمة الجنايات الدولية دون تحميل النظام السوري صاحب القرار في هذا النوع الخاص من الأسلحة، مسئولية النتائج ؟!

 

- وهل أن طاولة مفاوضات ( جنيف 2 ) والعودة إليها ستكون الوصفة النهائية لأزمة لن تنتهي بالسهولة، لأن أمريكا لا ترغب بإنهائها ، وروسياً تريد أن يكون لها موضع قدم إستراتيجي في إيران ذاتها وعلى حافات البحر الأبيض المتوسط ، وإيران تعمل على موضع القدم الفارسية في بلاد الشام ( سوريا ولبنان وغزة – بعد أن عززتها في العراق منطلقها الإستراتيجي نحو المنطقة ) .؟ّ!

 

 العلاقات الأمريكية- الروسية الراهنة لا يعتريها الصراع من نوع التهديد الجدي الذي كانت عليه العلاقات الأمريكية- السوفياتية على طول مراحلها التي سميت بالحرب الباردة .. إنما هي من نوع يمكن أن يطلق عليه ( التعاون ) المشترك لحل المشكلات الإقليمية، والتنافس في تكريس النفوذ والمحافظة على المصالح .. بيد أن تقاطع هذه العلاقات قد وضعت، على ما يبدو، لها حدود أكثر اتساعاً من حدود المجازفات في ظل الحرب الباردة .. فهي علاقات تتحاشى المواجهات، رغم تحرك السفن الحربية والطائرات الإستراتيجية ، وتحرص على أن تظهر صراعاتهما بالإنابة .. فهناك مناطق حيوية تجري فيها نزاعات تدفع باتجاه التدخل صوب المصالح والنفوذ، قد تأخذ بسياسة اقتسام مناطق النفوذ والمشاركة في المصالح، والصراع- المنافسة في إطارهما لا غير.!!

 

والأخطر من كل هذا وذاك .. ما جاء في التقرير السنوي لمعهد الدراسات الإستراتيجية في لندن لعام 2014 ( The Annual Revise of World Affairs – 2014 ) ، من أنه من المقرر أن يتخذ الغرب قراراً حاسماً عام 2014 يحسم فيه قبول تسليح إيران النووي أو توجيه ضربات عسكرية لشل منشأتها النووية، لأن الوقت المتاح للوصول إلى حل دبلوماسي بدأ ينفد .. فيما ترى واشنطن أن توجيه ضربة عسكرية للمنشئات  النووية الإيرانية سابقة لأوانها، وإن سياستها تجمع بين الحل الدبلوماسي إلى جانب العقوبات، فيما تبقى إيران تكسب الوقت بمختلف الوسائل، ومنها توسيع تدخلها السياسي والعسكري من جهة، وتصدير أزماتها الداخلية من جهة أخرى .. وأمريكا فقدت بوصلتها حيال الملفات الإقليمية والدولية، ومنها على وجه التحديد، ملفات، النووي الكوري، والنووي الباكستاني، والنووي الإيراني، ولكن المهم في نظرها النووي الإسرائيلي الذي يتربع أمن الكيان الصهيوني قمة اهتماماتها الإستراتيجية في المنطقة .. فكيف تحل ملفات العالم الشائكة  والمحتقنة  والمأزومة في ظل شلل مجلس الأمن، وبقاء الثور الأمريكي المثخن بالجراح يصرخ بالتهديد المقيد، فيما الدب الروسي يتحين الفرص من خلال منهج التعاون المشترك مع الخصم، أما التنين الصيني فهو يراقب الموقف من بعيد دون اكتراث .!!

 

 





الاحد١٠ ذو القعــدة ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / أيلول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة