شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

أمريكا نجحت في التخطيط الإستراتيجي على الورق .. أمريكا فشلت في التطبيق على الأرض . أمريكا تتشبث بقوالب سياسية جاهزة في الكتب والدراسات وأفكار كبار أكاديمي مراكز أبحاثها على تغيير حقائق الواقع السياسي - الديمغرافي - الجغرافي ، لتجد نفسها بعد حين أنها قد حصدت نتائج فاشلة بالجملة، لأن محصلة الواقع هي غير محصلة سيناريوهاتها، ولأن ما يكتب على الورق ليس حتمياً يجد له صداً مقبولاً على أرض الواقع .!!

 

http://www.albasrah.net/ar_articles_2011/0211/abahakm_070211.htm

 

لو كان هنالك رادع نظمي- قانوني- دولي، حيال مختلف الإنتهاكات التي تحصل في العالم .. لو كان هنالك تطبيق دقيق وحقيقي لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى .. لو كان هنالك تطبيق حقيقي وبدون تدخل خارجي لمبدأ حل المشاكل العالقة بالطرق السلمية ,, أقول لو كان ذلك حقاً ما تتضمنه أنظمة الردع في النظام الدولي، لما ظهرت هواجس الخوف من الفراغ، ولما ظهرت هواجس من يملأ الفراغ في حسابات السياسة وتداعياتها .

 

وحين تترك المشكلات بدون حلول .. وتتفاقم إلى درجة الانفجار، تظهر هواجس المخاطر المتوقعة من انتشار العنف في حلقات أوسع لتؤثر بالتالي على المحيط القريب والبعيد لوحدات سياسية أخرى، ربما تحد من أو تؤثر على مصالح حيوية أمنية أو إستراتيجية .. هكذا يبررون .!!

 

من المسئول عن الانتهاكات التي تحدث؟ هل هي انتهاكات تحدث من تلقاء نفسها نتيجة الاحتكاك أو التماس؟ أم أن هنالك تقاطع مصالح وفوارق وانعدام عدالة وفقدان حرية وتسلط على الرقاب وإقصاء للآخر؟ .. وهذا ما يمكن أن يحدث في أي دولة .

 

انسحبت بريطانيا من الخليج العربي، فقالوا .. هنالك فراغ للأمن من يملؤه ؟! وسرعان ما ملأته أمريكا ، وتلك كانت إزاحة إستراتيجية مخطط لها، ليس في منطقة الخليج العربي فحسب، إنما في مناطق أخرى حيث القواعد العسكرية البريطانية، والسبب هو أفول نجم الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس، إلا أنها غابت رغم أنف صاحب القرار البريطاني المستعمر .. هكذا هو شأن معايير القوة في السياسة الدولية.

 

فراغ الأمن يأتي بداهة بعد احتلال أو غزو أو تمرد أو اضطرابات حادة أو حرب أهلية طاحنة .. ففي منطقتنا العربية، ما حدث في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا ولبنان والسودان، كان نتيجة لفشل النظام الرسمي العربي وسلطاته القمعية وعجزها عن إيجاد الحلول للمشكلات المحلية والعربية والإقليمية .. فلو كانت القوى الوطنية والقومية والإسلامية الوطنية قد أجمعت على منهج سياسي ميداني واحد، وأنشأت لنفسها قيادة سياسية وإعلامية وتعبوية واحدة، وخلصت إلى موقف واحد، عندئذٍ ، لوجدت أن لا أحد يقول بانعدام البديل الذي يملأ الفراغ.. لأن البديل موجود .. ولكن عندما كل هذا لم يكن موجوداً، لا قيادة موحدة ولا موقف واحد، إنما مجرد حركة بدون ضوابط وبدون قيادة قد تنحرف الحركة أو تعبث أو يعبث بها أحد الدخلاء، وقد تركبها موجة السياسيين المخضرمين الذين لهم أجنداتهم السياسية المشبوهة، كما هو حال الذي يحصل في معظم ساحات الأمة، حيث تستهلك قوى الشعب قواها في دائرة تعتقد بأنها ( ثورة ) سرعان ما تجد نفسها في أتون صراعات  قد تفضي في بعضها إلى حرب أهلية .!!

 

لو كانت هذه القوى الوطنية قد تمسكت بالثوابت الوطنية وتخلت عن بعض أطروحاتها المسبقة غير الأساسية أو أجلتها وتعاملت على أساس واقع ومتطلبات المرحلة .. لو كانت هذه القوى قد تعاملت وعزمت على التوازن حتى عبور مرحلة تكريس واقع الحال وتطبيق المنهج وسد الثغرات على الأجنبي وعلى كل مخرب وعميل وجاسوس، لكانت قد حققت نتائج باهرة وحقنت الدماء.

 

قالت أمريكا .. إذا سقط " مبارك " سيكون هنالك فراغ أمن، والبديل هو الحرب الأهلية؟، وحين أزيح "مبارك" الطاغية كان ضغط أمريكا هائلاً وخيارها كان منصباً على الأخوان المسلمين الذين لم يأتوا إلى سدة الحكم من غير غموض وشراء عقول البسطاء في الريف المصري خاصة، وبفارق بسيط وبمعونة (50) مليون دولار أمريكي .. نجح " مرسي " في صناديق الاقتراع، فهل هذه هي الديمقراطية الأمريكية..ديمقراطية شراء الذمم والتوريط وركوب موجة الاضطرابات؟!

 

ومع كل ذلك .. وكما كانت المخاوف التي أظهرها الشارع المصري من نهج الأخوان القسري والإقصائي، وخاصة حين ظهر الأخوان في معظم الساحات العربية في تونس وليبيا والمغرب والجزائر والسودان واليمن وسوريا ..إلخ ، كانت المخاوف من سقوطهم السريع تحت دعاوى أيضاً ( فراغ الأمن )، الذي يخلف هذا السقوط والتوقع بأن يكون دموياً لحد الحرب الأهلية. ؟!

 

حتى أن أحد كبار الكتاب العرب، الذي ملءَ العالم العربي ضجيجاً وترويجاً لقدرات إيران على ملءْ فراغ الأمن في المنطقة، بات يتحدث، بعد تصحيح مسار الثورة المصرية الرائدة، عن انقلاب عسكري بوجه مدني .. ثم استرسل في حديثه عن ( الشرعية الدستورية ) الإخوانية ومخاوفه في أن تفضي إلى حرب أهلية.!!، بيد أن سقوط ( الشرعية الدستورية ) الزائفة في مصر يمكن أن تنسحب على ( الشرعية الدستورية ) لحزب ولي الفقيه في إيران، وكذلك تنسحب على (الشرعية الدستورية) الأمريكية لحزب الدعوة الحاكم في العراق، ويمكن أن تنسحب على ( شرعية ) الماسوني القابع في الجنوب اللبناني "حسن نصر الله" -- الذي تمر الطائرات الإسرائيلية وتحوم فوق داره في ضاحية بيروت ولم تقصفها، إنما تقصف القادة الفلسطينيين حتى وهم في الشوارع – وكأن الشرعية الدستورية بديلاً عن ( شرعية الشعب ) صاحب الشرعية الأول والأخير في كل ثورة وفي كل تحول تاريخي.

 

ولم يكن في بال البعض من الذين يشطحون في كتاباتهم عكس مسار التاريخ وحقائقه الدامغة، بأن سياسة المرشد قد سقطت.. سقطت في القاهرة، وستسقط في الخرطوم، وستسقط في تونس وليبيا، وسيصل السقوط إلى طهران وإلى أي ساحة يتحدث فيها الأخوان عن الحكم أو حكم الخلافة - على الرغم من تبجيلي لحكم الخلفاء في زمانهم - أمام عملاق أسمه الأمة العربية وروحها الإسلام الحنيف.

 

المنهج الأممي والمنهج القومي .. هل من إشكالية ؟

 

للتنويه ابتداءً ، ليست هناك من إشكالية بين العروبة والإسلام ، ولا بين القومية العربية وروح الإسلام الحنيف .. وتلك مسألة محسومة عقيدة ومنهجاً، فكراً وسلوكاً .. بيد أن القصد يكمن في منهج تسييس الدين أممياً ، وهو الأمر الذي يختلف كلياً عن روح الإسلام القادرة على اقتحام بيوت العالم كله بمنهج العدل والتسامح والرحمة، وليس بسفك الدماء والتمثيل بجثث الأموات .!!

 

الإسلامويون ( الإسلاميون الذين يسيسون الدين )، يريدون أن يجعلوا من الدولة البناء الأول لحكم يحقق الخلافة الإسلامية، تكون فيها الدولة مجرد ولآية ضمن الولايات الإسلامية.. بينما يرى الشعب العربي أن حدود الدولة ككيان سياسي وجغرافي ومحيط عربي، هي حدود الأمن القومي، وإن الدولة ككيان سياسي وتاريخي لها أولويات تتعارض مع ( الولايات الإسلامية في دولة الخلافة ) المتصورة .. وإن أولويات الدولة تتعارض مع التنظيمات الإسلاموية، وكما هو معروف عنها، أنها أممية الاتجاه والمنهج، لها ارتباطات إقليمية ودولية تتحكم بقراراتها .. وقد تصبح باكستان ولاية، واندونيسيا ولاية، وتركيا ولاية، وإيران ولاية، وكل الدول العربية ولايات في ( دولة الخلافة ) .. فأين العرب والوطن العربي، وأين العروبة وأين القومية العربية .. ثم أين ستصبح القوميات في الولايات الأخرى، الباكستانية والاندونيسية والإيرانية والتركية ..إلخ ؟!

 

ليس ذلك من باب الخيال، وليس إيهاماً أو تحليلاً لنيات تقبع في قعر ذاكرة من يحلم، إنما هو منهج أخذ طريقه نحو التنفيذ على أكثر من ساحة .. في العراق ظهرت ( دولة العراق الإسلامية ) لها حكومة  ومنهج ولها راية سوداء .. وظهرت ( دولة الشام الإسلامية ) برايتها السوداء وشعاراتها ورجالها المدججون بالسلاح . ونماذج أخرى لسنا بصدد تعدادها .

 

اختلطت الأوراق ولم تختلط في آن واحد .. بعضهم قال، أنهم ( القاعدة )، أي قاعدة يقصد هذا البعض بالتحديد؟ .. القاعدة قد فرخت قاعدات، إذا جاز التعبير، قاعدة تابعة للظواهري، وهي معروفة الاتجاه والتسخير، وقاعدة تابعة لـ " نيكروبونتي" ، وهي الأمريكية الماركة بامتياز، وقاعدة تابعة لإيران ولي الفقيه تسليحاً وتمويلاً وتدريباً وتوجيهاً وإيواءً تعمل في العراق وسوريا على وجه التحديد، ونائمة في دول الخليج العربي تحت أغطية مختلفة خيوطها ترتبط بحزب الله في جنوب لبنان، وبحزب الله في العراق، وبالجنرال " سليماني" في طهران.. وكل من هذه القاعدات يرتبط بمصدرها ويعمل بموجب قراراته قطعاً .!!

 

هل ترون أن الأوراق لم تختلط ؟!

 

 

 





الجمعة ٢٦ شعبــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / تمــوز / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة