شبكة ذي قار
عـاجـل










تجمع الدراسات المختصة بالسياسة كعلم من العلوم الانسانية عند تعريفه علي أنه طريقة تصريف الرؤية الاستراتيجية ــ الفكرية ــ ميدانيا طبقا لما يمليه الواقع من نضح يومي لمتغيرات مادية أو معنوية اجابية مضافة لما يتوخاها الفاعل أو سلبية معرقلة له تستوجب التعديل أو الاعتراض أو تجنبها ، بما يجعل من الفعل الميداني " التكتيك " بصيغته السياسية ثابت من ثوابت تطور الفكر ــ الرؤية ــ حتي في طبيعتها الاستراتيجية " السوقية " ، لا أن يبتلع ما هو استراتيجي ما هو ميداني سياسي ، و لا أن يخنق ما هو سياسي ميداني ما هو استراتيجي ، علي النمط الذي نعيشه سياسيا كأمة عامة و كشعب في أقطارنا خاصة.


لو نظرنا بمنظار الباحث المتأني بصيغة المستهدف الوصول الي أفق الفعل المحصن للأمة العربية في صيغتها العامة أرضا و شعبا لوجدنا من أن كلا الساحتين القطرية و القومية تختزن حراكا بائنا و مؤشر في بعض أقطار الأمة ، أو في طور التكوين بصيغة التحفز للفعل في أقطار أخري ، حراك تؤشره تيارات أربعة ( ليبرالي وطني ، القومي التقدمي ، و الأممي الماركسي ، و الأممي العابر للحدود القومية الاسلامي ) ، تيارات لا تختلف علي الثوابت الوطنية و القومية ، و لا علي ثوابت الأمة العربية المصيرية ، و نعني بالثوابت هنا ما هو جغراسياسيا و جغراستراتيجيا ، و إذا ما أخذنا برامجها كتيارات فإن لا أحد منها ينكرها أو يتجاوزها أو يصطدم بها مهما كانت النظرة اليها و من أي زاوية تناولها هذا التيار أو ذاك .. و ان كان هذا التبني و الاقتناع حديث عهد و حاصل جملة تحولات لدي بعض من هذه التيارات أساسها الحرب العدوانية علي العراق منذ بداية التسعينات و احتلاله في قمة هرمها و في جانب منها سقوط الاستقطاب الثنائي بتفكك المنظومة الاشتراكية و في الجانب الآخر افرازات الحراك الشعبي العربي الذي انطلق منذ بداية العشرية الثانية من القرن الواحد و العشرين و أساسي عند البعض الآخر مرتبطا بنشأته و بنيته الفكرية في ما تختزنه الأهداف الذي تلخص رؤيته الاستراتيجية للأمة سواء في تحررها الوطني أو في بنائها الحضاري . ثوابت لم تعد محل تفسيرات نظرية باعتبار أن ما هو ثابت قطري أصبح ثابت قومي بصيغة متلازمة يصعب بل يستحيل الفصل بينها و هو متأكد و بائن موضوعيا الآن و في أكثر من ميدان بما يجعل أصحاب النظرة القاصرة و جماعات النظريات التي لا تستهويها الا المسارب الضيقة في فهم طبيعة السياسات ــ الإستراتيجية التي تتوخاها القوي الدولية وروافدها الإقليمية في الشكل الذي تبينه الوحدات المعتمدة لديها سواء بصيغة التابع أو بصيغة الشريك المصلحي في ما مضي من التاريخ أو ما هو قائم حاليا و ما تستهدفه مستقبليا ، روافد اقليمية لا يترددون في أن يكونوا بخطابهم و فعلهم حالة متممة لما تعانيه الأمة العربية و الوطن العربي من تحديات ، تحديات يؤكدها واقع الأمة الآن ، واقع يؤشر من أن القوي الدولية و توابعها الاقليمية بصيغتيهما تجاوزوا التخمين النظري و التخطيط الي المباشرة بالتنفيذ و بكل الأدوات بما في ذلك تلك ــ المداسات ــ سواء أشخاص أو تنظيمات التي وصلوا اليها داخل النسيج الاجتماعي العربي و في أكثر من قطر ، أي دخول مرحلة تفكيك الوطن و تشضية الشعب بتحريك تناقضات هذا الواقع في صيغة نشرمتسارع لكل الصفحات دفعة واحدة ، و باستغلال عالي حرفيا بالتوافق و تنامي ظاهرة تحول العقل العربي الي عقل اخباري متابع و تراجع بائن للعقل العربي التحليلي البنائي ، و لعل أبرز الشواهد الدالة علي ذلك البيان الختامي للدورة أربعة و عشرين للمؤتمر القومي العربي رغم أهمية العقول العربية بأسمائها التي صاغته . بما يفرض اعادة التذكير بالتحديات من حيث التبويب و المفاضلة في المواجهة .


جملة تحديات تستوجب التفكيك و التبويب و المفاضلة في المواجهة لا التوقف عندها ، كما تفرض تسمية الأشياء بمسمياتها ، التيارات الأربعة تؤشر في خطابها التحديات التي تواجه الأمة العربية عامة و لا تستثني من ذلك قطر من أقطارها ، تحديات تأتي في شكل مشاريع إستعمارية يراد فرضها على العرب والمسلمين يمكن لكل متابع تحديدها في أربع مشاريع بائنة شاملة و بعضها يكمل البعض كما يتباين تقييمها و الموقف منها :


** مشاريع متفق عليها :
أ ـ غربي ـ امبريالي : قديم طبقا لما هو موروث من تقابل حضاري ، متجدد تمليه المصالح في جانب رئيسي و يرتكز علي تباين عوامل التقدم و مظاهرها .. يتجلي في ما يسمي بمشروع ـ الشرق الأوسط الكبير ـ .


ب ـ مشروع صهيوني : وليد الطفرة الاستعمارية في بداية تكوينه و ناتج الحسم في العلاقة بين المؤسسة و أكد مسألة المؤسسة الدينية المسيحية و اليهودية من علاقة عداء الي علاقة صداقة و تكامل ليصبح في مرحلته الحالية من أصحاب الحق في تكوين مجال له يمتد بين النيل و الفرات.


** مشاريع قائمة و حقيقية في ذهن و رؤية البعض من التيارات و غائبة بصيغة انتهازية في ذهنية البعض الآخر :


أ ـ المشروع الامبراطوري ـ ولاية الفقيه ـ الايراني .


ب ـ المشروع الامبراطوري ـ حلم استعادة الخلافة معنويا ـ التركي .


تحديات ــ مشاريع ــ تستهدف الأمــــة العربية و الوطن العربي ككل بما في ذلك أقطار الحراك الشعبي العربي التي استوفت المرحلة الأولي منه أو تلك التي لازالت لم تستوفيها ، النتيجة نحن أمام وضعية سياسية تجعل المرء يتعامل فيها مع نوعان من الأعداء ، عدو مؤكد و عدو محتمل ، ولكون العلاقات بين الأطراف السياسية الأربعة كتيارات قائمة علي أساس أن كل تيار يمثل حالة مستقلة بما لها من امتداداتها الخارجية ، و بمفهوم الزعامة لها امتداداتها الداخلية ـ ، تيارات لم ترتقي الي تسبيق ما هو موضوعي ــ سوقي علي ما هو ذاتي ــ ميداني ، و البعض منها لازال حتي غارقا في ما مضي من أحداث بمفهوم القصاص ، فواقعنا أصبح خاضعا في المواجهة الي أعداء مؤكدون و آخرون محتملون ، مما يجعل من ظاهرة الكيد و الانتقال من خندق الي آخر غير مستبعدة و في كل المنعطفات . و لكونها هكذا فإنها كحالة تؤكد من أننا في وضعية صراع مفتوح بين إتجاهين، اتجاه التحرر القومي والاجتماعي والاستقلال السياسي، واتجاه الاستلاب والالتحاق والتبعية ، بين المشروع القومي التحرري بكل قواه الوطنية و القومية التقدمية بما تمتلكه من ركائز معنوية و مادية و آليات داعمة بصيغها الشعبية عامة ، وقوى التحالف الصهيو- أميركي المتحالف والمتقاطع مع روافد اقليمية ذات الطموح الامبراطوري وما امتلكته من روافد مستوطنة الداخل العربي، روافد سواء كانت أو ارتقت مواقع السلطة أو تعمل علي أطرافها أوخارجها. صراع يفرض ايجاد تحالفات تمتد متسعة أو تضيق كلما حسم النقاش في مشروع من المشاريع المعلنة من ناحية و من ناحية أخري غير منفصل عن صياغة برامج بائنة تحتل فيه قضية الحرية مكانة أساسية باعتبارها " قضية حياة أو موت" ، حرية لا تستقيم إلا في إطار حماية المكون الوطني في ارتباط مصيري بحرية الأمــــة و الوطن العربي كل الأمة و كل الوطن .


صراع مفتوح تستخدم فيه ركائز المشاريع المذكورة و روافدها الاقليمية و مداساتها المحلية كل ما بيدها من وسائل بما فيها شيطنة كل ما هو عربي انساني جامع و مشع سواء كفكر أو كرموز تاريخية دون أن تتقيد بمرحلة من مراحل التاريخ ، بما يخلق الانقسام و فوضي التفكير لتحقق تغييب الوعي بالهوية الجامعة لفائدة هويات مستحدثة تصيغها طبقا لما وضعته كرؤية استراتيجية تخدم مصالحها المادية أو تلك المصالح الامبراطورية .. و في هذا الاطار تتنزل حملة شيطنة البعث منذ بداياتها في 23 شباط 1966 التي ازدادت حدة مع العدوان الثلاثيني علي العراق 1990 و اتخذت بعدا عمليا بعد الاحتلال سواء بما مارسته قوي العدوان الصهيو ـ أمريكي ـ الايراني و روافدها من ــ أحذية بالية ــ من اغتيالات للرموز الوطنية و القومية بأبرز هامات الفعل القومي في التاريخ المعاصر الشهيد صدام حسين و لم يسلم من حملتها حتي قبر الأستاذ أحمد ميشال عفلق رحمه الله الذي تم تجريفه و لا حتي الشواهد التاريخية في ساحات بغداد و غيرها من مدن العراق ، حملة توجها الحاكم الأمريكي بقانون " اجتثاث البعث " القانون الذي لعقته أمريكا و كل الميليشيات و العصابات التي استقدمتها بصيغة " قيادات العراق الجديد ــ الديمقراطي ــ " مع ما ولغته هي كقوة دولية و رافدها الاقليمي بكل عصاباته من دماء شهداء و ضحايا هذا المكون التاريخي في حياة الأمة العربية ، معلنة افلاسها السياسي مقررة الانسحاب تاركة العراق تحت وقع هزيمتها الشاملة علي يد المقاومة العراقية الباسلة بمختلف فصائلها والتي يلعب فيها البعث دور العمود الفقري ، انسحاب بعد أن أسست أرضية الفعل السانح لسيف العصابات المستقدمة بمواجهة المشروع الوطني القومي بكل أبعاده المادية و المعنوية و بكل آفاقه الانسانية . في ظل هذا الصراع تتنزل موجة الشيطنة المتوجة بما يسمي "قانون تجريم البعث" الذي تعمل الروافد الاقليمية و أدواتها المحلية تجاوز مأزقها الذي يؤشره الحراك الشعبي في العراق و هو يمتد في شهره السادس ليشمل جناح العراق الثاني ، لمعرفتها من أن التقاء الجناحين يعني اقلاع جديد للعراق و ألق جديد للنهضة العربية عامة باستعادة درعها التاريخي و كنز رجالها الميامين .

 


d.smiri@hotmail.fr
 

 





الاثنين ١٥ شعبــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / حـزيران / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوغرطة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة