شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

معظم دول العالم تقريباً لديها مشكلات، على هذا القدر والحجم والتأثير أو ذاك، سواء كانت هذه المشكلات داخلية أم خارجية تلامس مباشرة عدداً من السياسات الإقليمية، أو أنها تجتذب بالتالي سياسات دولية تزيد من وتيرة الصراع.

 

وعلى أساس أن مشكلات الداخل السياسية تتفاعل وتنعكس بتأثيرات مختلفة على الخارج قد تفضي في بعض أوجهها إلى تصفية حسابات سياسية أو عقد صفقات أو غيرها الكثير في عالم السياسة، فأن المدخلات السياسية وهي تتفاعل مع تلك المشكلات قد تكون بطريقة التوظيف لأغراض المصالح القومية أو الأمن الوطني .

 

هذا الأمر بات معروفاً في وجهه المباشر، أما الوجه الآخر فهو ما تراه الدول صاحبة المشكلات، التي تريد وتسعى ولأهداف متعددة أن تحل مشكلاتها وعلى طريقتها الخاصة، ولا تبالي، في ما إذا كانت الحلول التي تقترحها أو التي تصل إليها ، على حساب واقع آخر له أيضاً مصالحه وكيانه وهويته التاريخية.

 

بمعنى ، أن لتركيا مشكلاتها الداخلية تريد أن تقدم لها حلولاً، وهي عاجزة عن تلك الحلول منذ أكثر من ثلاثة عقود، نتيجة لطبيعة تركيبتها ومنهجيتها الفكرية والسياسية، التي تصطدم بأي حلول من شأنها أن تضع هذه المشاكل في دائرة الحل النهائي، وفي مقدمتها المسألة الكردية في الأنضول .

 

خلاصة الصفقة ..

هي صفقة سياسية بين الحكومة التركية و سجين تركيا الأول زعيم حزب العمال الكردي- التركي (PKK) ، تقوم على نزع السلاح وإطلاق صراح الموقوفين وانسحاب مسلحي الحزب من الأراضي التركية إلى ما وراء الحدود والاستيطان في جبل (قنديل)، الذي يقع داخل حدود السيادة العراقية.. مقابل اعتراف تركيا بكيان دولة كردية حدودها شمال العراق فقط ، شريطة عدم الحديث عن كردستان الكبرى .. ثم قبول الكيان الكردي بما يسمى بـ(الكونفيدرالية) بين منطقة الحكم الذاتي في شمال العراق وبين الدولة التركية .. والمعنى في ذلك هو اقتطاع شمال العراق لكي يتم وضعه تحت السيطرة العثمانية بمسمى الكونفيدرالية، وتقسيم العراق على أساس الفيدرالية .!!

 

أسئلة لا بد منها بشأن ما توصل إليه أروغان و أوجلان عبر الاستخبارات التركية:

فهل تُحَلُ المسألة الكردية- التركية بهذه الطريقة ؟ ما هو حقيقة الأمر؟ ولماذا لجأ "أردوغان" في هذا الوقت بالذات إلى (ابتكار) حلول للمسألة الكردية - التركية في الأنضول؟ ، ثم ما هي الدوافع التي حفزت استخبارات "أردوغان" حصراً على طرح هذه الصفقة ؟ وما هي الأهداف التي يسعى إليها "أردوغان" من ورائها ؟ وبالتالي، هل تنجح الصفقة فينجح "أردوغان" والياً عثمانياً جديداً على تركيا أم تسقط الصفقة ويسقط معها "أردوغان" شر سقطه ؟!

 

وقبل الإجابة تفصيلياً على هذه التساؤلات، لا بد من تناول الموضوع من الخاص إلى العام، المتمثل بالداخل التركي والمحيط الإقليمي ثم الإطار الدولي العام، لكي تكون الصورة كاملة وواضحة من كل زواياها، ومدى انعكاساتها وتأثيراتها على أمن العراق أولاً، وعلى أمن واستقرار المنطقة ثانياً ، وعلى الأمن والسلم الدوليين أخيراً ..

 

فمن هي تركيا، ومن هو حزب العمال الكردي- التركي (PKK) ؟

- يجب أن لا ننسى أن تركيا عضو في حلف شمالي الأطلسي، وعضو مؤسس في المجلس الأوربي، وعضو في منظمة الأمن والتعاون الأوربي، وعضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، وعضو في اتفاقية للتعاون الإستراتيجي مع مجلس التعاون الخليجي، التي أقرها مؤتمر أنقرة للناتو عام 2010.

 

- تركيا تعتقد في إدارة الحكم، بأنها القومية الوحيدة، وهي منغلقة وإقصائية على الرغم من انفتاحها جزئياً لأغراض الوصول إلى عضوية الإتحاد الأوربية، الذي يرى فيها "شوكة إسلامية" في خاصرته .

- تركيا تسعى إستراتيجياً لأن تلعب دوراً في منطقة "الشرق الأوسط" ، وبالأخص المنطقة العربية، بطريقة توكيل (الناتو) من جهة، وبطريقة مشروعها العثماني الجديد .

 

- يوصف حزب العمال الكردي- التركي (PKK) بأنه حزب قومي تأسس بمكون عرقي واحد ، عنيف في تركيبة قومية خالصة لها مسحة عنصرية مؤطرة بأيديولوجية يسارية "ماركسية" .

- بيئة عمل هذا الحزب هي منطقة الأنضول التركية الواسعة، التي يقطنها قرابة (25) مليون كردي تركي.

 

 

- أدرج هذا الحزب في قائمة القوى التي تمارس الإرهاب.

- قتل حزب العمال الكردي- التركي خلال العقود الثلاثة الماضية أكثر من (35) ألف من القوات الحكومية، ويجابه عادة بطريقة الانتقام والمطاردة، وحصيلة ذلك القتل بالآلاف من الأكراد- الأتراك.

 

 زعيم هذا الحزب سجين منذ أربع عشرة سنة في إحدى الجزر التركية.

 

أولاً- الوضع الداخلي التركي :

 يؤشر اضطراباً واضحاً بين نزعتين في الإطار العام، إحداهما تتطلع بطموح منقطع النظير صوب سياسة من شأنها إعادة تأسيس عثمانية جديدة بثوب معاصر ومدخلها في ذلك (Geo-Economic) ، مع المشاركة في مشروع أمريكي- صهيوني لتفكيك المنطقة وإعادة تشكيلها على وفق مصالح كافة الفرقاء المعنيون بالتغيير حتى لو كان عن طريق التدخل واستخدام القوة.. وفي مقدمة العناصر التي تقود هذه النزعة " اردوغان " و " احمد داوود أوغلو" المهووس بالعمق الإستراتيجي.. أما النزعة الأخرى فهي التي ترى في هذا النهج المغامر(استيقاظ العثمانية) ، كما هو حال (استيقاظ الكسروية- الصفوية) ، محاولة قد تفجر الداخل التركي الهش الذي يقوم على مذهبيات واثنيات من السهل إشعال فتيلها، وخاصة إذا ما تمردت تركيا على المشروع الأمريكي وأداته (الناتو).. فتركيا مهددة.!!

 

1-  انتخب "أردوغان" رئيساً للوزراء ثلاثة مرات متعاقبة ، وفي كل مرة يفوز فيها يلعب الورقة الكردية ومسألة حلها سلمياً.. فهو يسعى حالياً ليحقق طموحه بالرئاسة التركية .. ولما كانت لهذه الرئاسة دور (شرفي) أكثر منه عملي وتنفيذي كرئاسة الوزراء ، فقد دعا  "أردوغان" في محادثاته الداخلية مؤخراً حول (إعادة كتابة الدستور) إلى (خلق رئاسة لها قدرة تنفيذية يكون بإمكانه أن يتقدم بها ، ويضع خطة جديدة تطرح للاستفتاء) .. والهدف أن أردوغان يريد الرئاسة التركية لكي يكون سلطاناً .!!

 

2-  تعتبر المسألة الكردية- التركية نقطة الضعف الإستراتيجية التي تعاني منها تركيا وكذلك الشعب التركي بشكل عام، وإن أي طرح يلامس حلاً لهذه المسألة يجد أذناً صاغية لجهة ، وآذاناً تضع هذا الطرح في دائرة الشك، طالما يرتبط الطرح بمسألة الانتخابات، وأنه ليس حلاً جذرياً وواضحاً وجلياً ومطروحاً على الجميع، و يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر، بمشروعات تقسيمية مطروحة هي الأخرى على المنطقة التي تعاني من التدخل الأجنبي، وهو حل مؤقت ومشروط  بمرحلة سياسية  لتركيا دور مرسوم فيها ، لأن كسب الرأي العام التركي قد يكون أكثر صعوبة من إبرام صفقة مع الأكراد- الأتراك، والصعوبة الأكثر تكمن في طموحات "أردوغان" بالرئاسة التي أسماها (خلق سلطة رئاسية تنفيذية) يهيئها لكي يتولاها، وكأن فوزه بات مؤكداً.!!

 

3-  التوقيت المتعلق بالاستفتاء المزمع إجراؤه قبل الانتخابات عام 2014 ، استوجب طرح الصفقة، التي تتطلب هي الأخرى عقد صفقة دستورية ، فيما تكشف استطلاعات الرأي العام عن أن أكثر من نصف الأكراد يعارضون المحادثات مع (إرهابيين)، في الوقت الذي تكون للمعارضة التركية ممثلة بـ (القوى الحزبية، والكمالية، والعلمانية، والقومية، والتسلطية ، وغيرها) صولاتها في البرلمان وفي الشارع التركي .!!

 

4-  قد تعمد حكومة "أردوغان" على إصلاحات قضائية محدودة وتعمل على تمريرها بحيث يسمح، كما يقال، للمتهمين المدانين بالإرهاب من الأكراد- الأتراك بأن يستخدموا اللغة الكردية في المحكمة ، فيما تبقى السجون التركية تغص بالسجناء الأكراد- الأتراك على أساس (مكافحة الإرهاب) ، كما هي حال المادة (13) الفقرة (4) إرهاب في العراق، سيفاً مسلطاً على رقاب الجميع، وهو سيف من إبداعات أمريكا في الحادي عشر من سبتمبر- أيلول عام 2001 بامتياز.

 

ثانياً- الوضع الإقليمي المحتقن الذي يحيط جنوب وجنوب شرق تركيا :

ساعدت السياسة التركية أو بالأحرى ساهمت في خلق أوضاع متفجرة في المحيط الإقليمي العربي وفي سوريا على وجه التحديد ، وحركتها حيال غزة ومصر من جهة وحيال الخليج من جهة ثانية . حيث تورطت تركيا في سوريا وباتت شريكاً للناتو في مرتسمات المنطقة وخاصة مع دول الخليج العربي .. التورط التركي في سورياً فتح الباب لنشاطات القوى الكردية- التركية، والقوى الكردية- السورية، والعلويين القاطنين في تركيا .. وكل هذه القوى وقوى أخرى تركية تشكل قاعدة مناهضة للسياسة التركية ، منها سياسي ومنها عسكري مسلح بات يعرقل الحركة العسكرية التركية التي تعززت بالقرب من الحدود السورية وعلى تخوم شمال العراق، الأمر الذي عرض للخطر الأمن القومي التركي، ومن هنا جاءت ربما صفقة تهدئة الوضع في الأنضول، لأن خط الأنضول عبر العراق نحو دول الخليج العربي بات حيوياً يرتبط بإستراتيجية تسمى (Geo- Economic) .

 

أما تدخل تركيا في المنطقة العربية فقد جاء من بوابة القضية الفلسطينية، على أساس المناصرة بأسطول الحرية الذي ضربته (إسرائيل)، ثم اشتعلت حرب كلام شعواء بين أنقرة و تل أبيب، ولكن العلاقات الإستراتيجية ظلت قائمة عادت بعدها بوساطة أمريكية اعتذرت خلالها بعد حين (إسرائيل) عن فعلتها الشنعاء وأبدت استعداداتها لتقديم التعويضات .. كل ذلك كان سيناريو تركي للدخول إلى المنطقة أفشلته (إسرائيل)، ليس كرهاً بالأتراك بل كرهاً بالفلسطينيين .. الآن ، الموقف يختلف فقد أدت الحركة السياسية- العسكرية التركية ضد سوريا إلى إثارة (خلية الدبابير) في الوجه العثماني وأثخنته لسعاً وشلت حركته في منطقة الأنضول .!!

 

ثالثاً- خط الجنوب التركي إلى شمال العراق ..

- من الصعب الإقرار بحالة شمال العراق إلا على أساس الحكم الذاتي الوطني الخالص من أي تدخل خارجي يتعايش فيه الأكراد والعرب وغيرهم بأمن واستقرار منذ مئات السنين.. وإن بعض السياسات لا تمحي هذه الحقيقة، طالما يلتزم الجميع بالثوابت الوطنية وعدم الاتكاء على جهة أجنبية تحسباً لاحتقان موقف أو انتهاك استقرار أو لأغراض أخرى .. فالعراق يبقى موحداً  أرضاً وشعباً ، ولا حاجة لفيدراليات أو كونفيدراليات أو أقاليم تفضي في نهاية المطاف إلى فيدراليات، هي في حقيقتها نظام للتقسيم .. وحقائق التاريخ والجغرافياً تؤكد ذلك.

 

- يقول أحد المسئولين الأتراك بشأن مشروع الصفقة بين "اردوغان" و "أوجلان" ، إن هذا المشروع لم يكن وليد اليوم إنما هو مشروع سياسي قديم وضعته تركيا منذ عشر سنوات .. وهنا ينبغي الانتباه إلى أن هذا العقد يبدأ من 2003 ، وهو تاريخ احتلال العراق .. بمعنى أن السياسة- الإستراتيجية التركية قد أخذت مداها في التطبيق على أساس الفراغ الأمني وكيفية الاستفادة منه، ورأت تعزيز وجودها في شمال العراق عن طريق شركاتها، والتي تربو نسبتها 47% من مجموع الشركات العاملة المتخصصة بالبنية التحتية والطاقة وغيرها.. والأخطر من ذلك ما قيل حول ( وجود اتفاقات سرية بين حكومة الإقليم في أربيل وبين الشركات التركية لمد أنابيب النفط والغاز من منطقة الحكم الذاتي إلى الموانئ التركية) ، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل ، ما الهدف البعيد الذي ترمي إليه تركيا من ربط منطقة الحكم الذاتي في شمال العراق " شبكة كهرباء ، وأنابيب نفط وغاز ، وتعهدات بإدامة البنية التحتية لمنطقة الحكم الذاتي ؟!

 

 يتبع ..

 

 





الاحد ٢٤ جمادي الثانية ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / أيــار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة