شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

من الأمور التي قد تبدو للبعض غريبة، وآخرون لا تبدو أنها مبهمة، إنما تأتي هذه الأمور على وفق سياق، ربما صحوة ضمير أو رغبة في كشف المستور أو دفعاً لمزيد من الأذى وبدوافع إنسانية .. فأين هو موقع الحقيقة الموضوعية من كل هذا .. هل هو في صحوة الضمير أم في أهداف سياسية مرحلية تنتهي بخط التحول من حالة موضوعية إلى أخرى عابرة ؟!

 

الملفت .. والكل يعلم أن نشر وثائق " ويكليكس" على الملأ وبكثافة منقطعة النظير، كمن يسقط حجراً كبيراً في بركة راكدة، والتي أخذت حيزاً شاسعاً من مساحات الإعلام السياسي في العالم، قبل أشهر قليلة من اندلاع ثورات ما يسمى بـ(الربيع العربي) في بداية عام 2011، ثم خف تدفق نشر هذه الوثائق السرية لينتظر من جديد لما سيحدث.!!

 

موقع "ويكيليكس" قدم مدخلاً للحصول على المعلومات تمس مصالح الدول والشعوب والشخصيات البارزة، وهي في كل الأحوال معلومات سرية ودقيقة حطمت مبدأ السرية الخاصة في التعامل السياسي بين الدول، وباتت مدخلاً حديثاً للإثارة وحصد ردود الأفعال في بعض أوجهها الرسمية كبالونات اختبار، وعلى كل المستويات بشكل عام ، وتأثيراتها الشعبية  بوجه خاص .. وهنا يكمن الهدف الجوهري من التسريب.!!

 

الأخوان المسلمون وأمريكا ..

تعود ذاكرة "ويكيليكس" من جديد لتسرب الوثيقة الأمريكية، التي تحمل رقم(CAIRO 21221_86)  وتاريخ أيلول- سبتمبر 1986 عن اتصالات مبكرة للإخوان المسلمين بالسفارة الأمريكية في القاهرة، إذ تشير إلى أن الأخوان يرغبون في توثيق اتصالاتهم بالسفارة الأمريكية لتعزيز شرعيتهم السياسية ، وحضر عن الأخوان المرشد ونائبه وعن الجانب الأمريكي " بولوف و بول فسن " .. ثم لحقتها وثيقة أخرى تحمل رقم (CAIRO1968_A88) وتاريخ آب- أغسطس 1988، وتنطوي على مراسلات متبادلة بين أحد قادة الأخوان والسفارة الأمريكية في القاهرة، ثم لقاء سري بين المتحدث الرسمي باسم الأخوان تم في داخل السفارة الأمريكية .. أما الوثيقة (CAIRO6474_A6) لعام 2006، فقد انصبت على الرغبة الأمريكية في معرفة القوانين الداخلية للإخوان المسلمين .. هذا ما ترجمته الشروق المصرية ونشرته شبكة البصرة المناضلة بتاريخ الأثنين 15/نيسان/2013 .. فيما كشفت زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر" والوفد المرافق لمقر الإخوان المسلمين في القاهرة ، عن التوقيع على اتفاقية خلال اجتماع سري مغلق ، قبيل الانتخابات التي خاضها الإخوان المسلمون .!!

 

ماذا نستنتج من هذه الجرعة التي تدفقت إلى الإعلام  بطريقة التسريب ؟ وما هو الهدف من نشرها في هذا الوقت، الذي تمر به  مصر بأخطر مراحلها، يُستفَزُ فيه جيشها الوطني القومي لكي يُجَرُ إلى أوضاع  الصراع، وبالتالي شرذمته في الشارع المصري المحتقن ؟! .. لأن الهدف المركزي هو تدمير عناصر القوة لدى الأنظمة العربية وفي مقدمتها الجيوش العربية .. فقد حلَ الأمريكيون جيش العراق بعد الاحتلال، وفككوا جيش تونس، ودمروا جيش ليبيا، وبعثروا جيش اليمن، ومزقوا جيش سوريا، وقسموا جيش السودان، ويحاولون الآن شرذمة الجيش المصري، والبقية على طريق التسخين . . لقد صعدوا الأخوان المسلمين، وهم الآن يعملون بكل خبث على خلق الفجوات للاصطدام بالجيش المصري الذي ظل محافظاً على نهجه الوطني القومي من أي انحراف.

 

صحيح أن مجمل وثائق "ويكيليكس" السرية التي وجدت طريقها إلى التسريب تخص الكثير من الأنظمة والشخصيات النافذة في العالم، إلا أن ما تم التركيز عليه يخص المنطقة العربية حصراً، سبق ما يسمى بالربيع العربي ... الآن .. تضع الوثائق التي تسربت وبالطريقة ذاتها معلومات في خدمة (العلاقة بين الأخوان وأمريكا قبل الربيع) وما نتج بعد صعود الأخوان المسلمين إلى سدة الحكم، ليس في مصر فحسب، إنما في تونس والمغرب وليبيا، والإبقاء على ما هو قائم في الجزائر، فيما يتم التحضير والغربلة في سوريا .

 

الولايات المتحدة على دراية تامة بطبيعة ما يحدث، فهي مطلعة على الفساد وتعرف المفسدين في الأنظمة العربية وفي مقدمتها العراق.. وهي على اطلاع حول الشخصيات التي تلعب (القيادة والكمباس) على المسرح السياسي في أي ساحة وخاصة العراق.. وهي تعلم علم اليقين بعدد السجون العلنية والسرية وطرائق انتزاع اعترافات لا إنسانية من موقوفين على ذمة التحقيق، وسجناء أبرياء .. بشاعة التعذيب تجبرهم على اعترافات تدفع بهم إلى الإعدام على وفق الفقرة (14) إرهاب .. وأمريكا أيضاً على علم بما يجري من انتهاكات واغتصابات واستهتار بكل قيم السماء والأرض يقوم بها الذين جاءت بهم من أجل الديمقراطية .. أمريكا على اطلاع كامل، لأنها مشرفة على الوضع تفصيلياً بحكم مؤسساتها السياسية والأمنية وجواسيسها في كل وزارة وفي كل مرفق حيوي له أهميته .. واشنطن وطهران متفقتان على هذا الوضع، نهب ثروات العراق وسفك المزيد من الدماء وتركيع الشعب والإذلال .. ولكن في المقابل لا تحسب حساب الضغط الذي يولدَ الانفجار، الذي لا أحد يستطيع منعه أو تحجيمه بأي وسيلة مهما طال الزمن.

 

على مستوى المنطقة وربيعها الزاهر بلون الدم العربي القاني، ومنذ بداية عام 2011 وهي تعيش كارثة سببها (الخارج) ، ولكن (الداخل) كان سبباً مهماً وخطيراً سهل على الخارج تنفيذ أجندته الإمبريالية والصهيونية والصفوية والعثمانية .. هذا الواقع وضع المنطقة العربية في حالة تجاذب، وخاصة ما يتعلق بالأبواب المختلفة للعلاقات، باب العلاقات الاقتصادية، وباب التعاون التسليحي، وباب التعاون ضد الإرهاب، والباب الأخير هو الارتهان الأكبر -  أمريكا تخلق الإرهاب وتطلب في الوقت ذاته محاربته دولياً كقانون -  وكلما خفتت حملة الحرب على الإرهاب، كلما جددت أمريكا أو أوقدت نيرانها في عدد من الأماكن لكي يستمر مبدأ محاربة الإرهاب الإستراتيجي القائم على مديات لعقود قادمة .!!

 

فمن الصعب فهم الأحداث العالمية بوجه عام والعربية على وجه الخصوص، دون استحضار سياق المصالح الدولية. والمصالح الأمريكية تحددها مبادئ مثل مبدأ كارتر ومبدأ ريغان وبوش الأب والابن حتى أوباما .. ومن أهم أركان الإستراتيجية الأمريكية خلق الأدوات، وتقع أدوات نظرية الضرب في أسفل الجدار التي ابتكرها "زبيغنيو بريجنسكي" مستشار كارتر لشؤون الأمن القومي، والذي له مكانته المرموقة في مجموعة الأزمات الدولية الصهيونية، في مقدمة العقل الذي يأخذ بأداة الطائفية والعرقية لتفكيك الشعوب وتفتيت الكتل الكبيرة، وإعادة تركيبها عرقياً وطائفياً .. وهو مبدأ صهيوني بامتياز.. فالأداة الإستراتيجية هي التي تعطي المؤشر القوي على طبيعة الإستراتيجية ومدياتها وقدراتها وإمكانات التحكم في مساراتها .

 

الأخوان المسلمون وصلوا إلى السلطة في مصر، وحزب (النهضة) في تونس و(حزب العدالة والتنمية) في المغرب، والتحضير لمثل هذا التشكيل يجري حالياً قي سوريا .. وصلوا على رأس السلطة بدعم أمريكي خالص، ليس من أجل التغيير الجذري نحو الأفضل والأحسن، إنما نحو التخريب والاحتراب ..لماذا ؟ ، لأن هذه الأحزاب لا تملك الخبرة ولا البرامج الخاصة بإدارة شؤون الدولة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهي كما يصفها البعض ( في مرحلة استكشاف واقع الأشياء ومن الصعب أن تصل إلى نتيجة تتساوق مع ما يريده الشعب وتتماشى مع روح العصر بحكم منطلقاتها في تفسير الظاهرات والعلاقات المخالفة لها ) .. فهي أحزاب تعيش مأزقاً حقيقياً بين تصوراتها النظرية وبين شعاراتها اليومية ( سياسية واجتماعية وإعلامية واقتصادية وأمنية وعسكرية وعلاقات إقليمية ودولية )، من حيث ضرورة وجود برامج لكل هذه المجالات .. فكيف يكون عليه الحال حين تنعدم هذه البرامج.؟!

 

الأمريكيون يعلمون بذلك .. ولا تعنيهم مصالح الشعب العربي في وحدته ومستقبله، إنما المهم لديهم هو تعطيل الثورات العربية وفي مقدمتها الثورة المصرية من أن تأخذ مداها الحقيقي في التغيير والتحرر الكامل والشامل .. والمهم  مصالحهم، ولا مانع لديهم من تغيير الحكام والشخصيات وتهديم الأنظمة السياسية عن طريق القوة الغاشمة أو التآمر الإستخباري، والتاريخ الأمريكي حافل بمثل هذه الأفعال .. فقد غيرت أمريكا  "زين العابدين بن علي" ، وجاءت بالإخوان المسلمين وتركت البلاد في فوضى .. وغيرت "القذافي" عن طريق القتل وتركت البلاد في فوضى .. وغيرت "حسني مبارك" ونصبت الإخوان المسلمين وتركت البلاد في فوضى .. وهكذا يجري الأمر في اليمن وسوريا.. أمريكا تدرك تماماً أن الإخوان لا يستطيعون تسيير دفة الحكم في البلاد العربية التي يتربعون على سلطاتها .. ومثلما غيرت القريبين منها بشخصيات تعتقد بأنهم وجوه المرحلة، فهي تستطيع تغيرهم إذا ما اقتضت مصالحها ذلك، لأن الهدف المركزي في إستراتيجيتها هو تدمير عناصر القوة في الأقطار العربية والمتمثلة بالدرجة الأساس بالجيوش العربية لصالح الأمن الإسرائيلي .. فهل جاء دور تفتيت الجيش العربي المصري في صراعات الداخل على هامش إنهاء دور الإخوان المسلمين الفاشل في قيادة مصر.؟!







الجمعة ٨ جمادي الثانية ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / نيســان / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة