شبكة ذي قار
عـاجـل










 

تحية طيبة وبعد ..

وكما نعتقد بأن الأشياء لا تقاس على أساس الظاهر منها إنما الباطن أيضا .. وإنكم أدرى بشعابها، طالما تبحرتم في مجرى الفكر وتوغلتم في منحاه وعرفتم أين هو المدخل لطبيعة السرد التاريخي للوقائع كما هي بدون رتوش، وتلك تسجل لكم ، ولكن السرد وحده لا يكفي كما تعلمون، لتثبيت الحقائق للتاريخ وتأصيل حقائقه، إنما أيضاً إخضاعه لواقع التحليل الذي يرد الأحداث إلى عناصرها الأولية، ليصار إلى وضع الأحكام مع سياقات المنهج، وإلا باتت الخلاصات لا تتطابق مع المقدمات .. ولست في معرض المحاضر أمام علامة عجنته الأحداث وأظهرته مفكراً يفتخر به، حاشى لله أن يكون ذلك هو المقصد.

 

من بين العديد من الكتاب العرب المفكرين الذين اطلعت على أطروحاتهم الفكرية وكتاباتهم، كان الأوفر حظاً الأستاذ منير شفيق ، وخاصة (الإسلام وتحديات الانحطاط المعاصر) و (في نظريات التغيير) و (النظام الدولي الجديد وخيار المواجهة) و (التجزئة والدولة القطرية) .. وحين اختاركم رفاقكم لمنصب المنسق الذي يجمع بين القومي والإسلامي، كان الاختيار موفقاً طالما بات أعداء العروبة والإسلام يسعون لوضع إسفين بين الجسد والروح من استعماريين وإمبرياليين وصهاينة وصفويين معروفون بمنهجياتهم وبمشاريعهم، التي تستهدف وجود الأمة العربية وإسلامها الحنيف وهويتها القومية .. والتساؤل هنا ، هل أن هذه المشاريع تخلوا من تكريس المصالح الأجنبية سواء كانت أمريكية أوربية أم إسرائيلية أم إيرانية أم تركية ؟ وهل تشتغل دولها لوجه الله ، أم أنها جمعيات خيرية ؟ طبعاً أستاذي الفاضل ، لديها جميعها أطماعاً بهذا الشكل أو ذاك.. فكيف نجنب أنفسنا نحن العرب، ونجنب أنفسنا نحن المسلمين من نتائج ذلك الاستهداف الذي يكرس تقسيم الأمة العربية حصراً وتفتيتها وإعادة تركيبها بما يتوافق والمشروعات الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية والتركية؟

 

وأتمنى عليكم أن لا تخرجوا إيران من بين هذه المشاريع، ولا يغرنكم إعلانات الظاهر التي تحدثنا عنه في المقدمة إنما ما يطمره الباطن وما يفضحه السلوك، لأن الجوهر يكشف عن نفسه كما قال المفكر الفيلسوف "سيبنوزا" ، والغاطس يظهر باعترافات تؤكد تعاون إيران مع أمريكا، عدو الشعوب الأول في إسقاط النظام الوطني في العراق، الذي كان يضع قضية فلسطين في مقدمة أهدافه .. وتؤكد تعاون إيران مع عدو الشعوب الأول على ضرب أفغانستان ، وحين جاء خميني على رأس السلطة قال أن تحرير فلسطين يتم عبر تحرير بغداد .. لماذا بغداد ؟! ألم تكن عربية وشعبها عربي مسلم ونظامها قاتل الإمبرياليين والصهاينة ؟

 

والآن أيها الأخ العزيز المبجل .. العراق محتل والأمريكان لم ينسحبوا إلا شكلياً لأن قواعدهم العسكرية باقية، وشركاتهم الأمنية باقية، واتفاقيتهم الأمنية الإستراتيجية باقية، ومشروعهم لتقسيم العراق باقٍ ونزعتهم في التسلط والهيمنة بالوكالة باقية ومنهجيتهم بنهب ثروات العراق الوطنية مستمرة ، والمتسلطون على مقدرات البلاد والعباد يعبثون في الأرض فساداً طيلة عشر سنوات ولحد هذه اللحظة .. يقتلون الأبرياء باسم الإرهاب ويملئون السجون الرسمية والسرية بالأبرياء ويعتقلون النساء والرجال، وفي السجون يعذبون ويغتصبون، وتحت سياط الجلادين تزهق أرواح المواطنين وترمى بجثثهم في مكبات القمامة وعلى الأرصفة .

 

تقول الإحصاءات التحليلية العالمية (( بعد مرور عشر سنوات على الاحتلال، بات تسلسل العراق بشكل إجمالي هو المرتبة (131) من بين (143) دولة ، من حيث انعدام الحريات، فتسلسله يقع في المرتبة (141) من بين (143) دولة .. ومن حيث انعدام الأمن الاجتماعي فتسلسله (135) من بين (142) دولة .. ومن حيث الحكم والسلطة واحتكارها عن طريق القوة، فتسلسله (137) من بين (142) دولة .. ومن حيث الجرائم ضد الإنسانية منها الإعدامات والاغتصاب فتسلسله (140) من بين (142) دولة .. ومن حيث الاقتصاد فتسلسل العراق (92) بالرغم من إيراداته التي تفوق (100) مليار دولار سنوياً )) .. ألم تكن هذه الأرقام تعبر عن الحالة الراهنة في العراق ؟ ألم تشكل خرقاً فاضحاً للعقد الاجتماعي القائم على الحرية والعدالة والمساواة ، كما تشير إليها دساتير معظم دول العالم ؟! ، هذا ما نجده في العراق منذ الاحتلال وحتى الوقت الحاضر؟! ثم ، أليس من حق الشعب أن يطالب الطغمة متسلطة الإقصائية الفاسدة والعاجزة عن تأدية مهامها، بحقوقه التي تكفلها قوانين السماء قبل الأرض ؟ فلماذا يصمت المؤتمر القومي- الإسلامي إزاء الوضع في العراق ولم يحرك ساكناً لنصرة الشعب الذي تنتهك كرامته وتنتهك أعراضه وتنتهب أمواله ويشرد ويهمش طائفياً وعرقياً .. ثم ألم يدرك المؤتمر طبيعة الأحزاب الإيرانية المتنفذة في العراق ويدرس تاريخها وأهدافها وارتباطاتها وعلاقاتها المزدوجة مع الأجنبية المحتل على حساب شعب عربي مسلم ؟!

 

أخي أعزه الله .. لما كان المؤتمر القومي الإسلامي يعي المغزى المهم لمؤتمره الأخير في هذا الظرف التاريخي من حياة الأمة، ( الذي استطاع فيه الإنسان العربي أن يكسر قيوده وأن ينطلق بحريته نحو آفاق العدالة والحرية والكرامة، يؤكد التصدي لكل محاولات إجهاض الحراك الشعبي العربي وأهمية النهوض بمسيرة هذه الانتفاضات (الثورات) ، باعتبارها رافعة للمشروع النهضوي العربي ) .. ألم تكن الإنتفاضة المليونية في العراق ضد الاحتلال ومخلفاته في خانة هذا النهوض أم في خارجه ، حسب توصيف المؤتمر ؟!

 

أخي في النضال رعاك الله ..

لا فصل بين السلطات في العراق، القضاء بيد السلطة التنفيذية وهي منصبة من قبل الاحتلال الأمريكي الغاشم ، وليس هنالك قانون بمعنى العدل والعدالة وعدم التمييز في الدين والمعتقد واللون والجنس .. مكونات المجتمع العراقي كلها تعاني من تسلط الطغمة الطائفية التي ترتبط بإيران وكيل المحتل الأمريكي، تتلقى التوجيهات والدعم الإستخباري والسياسي والعسكري من إيران، وإن اليافطة الكبيرة التي ترفعها السلطة القمعية هي الإرهاب، والإرهاب كما تعلمون مفردة تم تسويقها من مطابخ المخابرات الأمريكية وتم أعمامها على العالم وكذا القاعدة ، فكل من يطالب بحقوقه المشروعة يوصم بالإرهاب وتطبق عليه الفقرة (4) إرهاب، ويدفع إلى الإعدام ، حيث أن حصيلة الذين اعدموا في العراق منذ عام 2003 ولحد الآن (4470) ألف مواطن عراقي تحت هذه التهمة الجاهزة.. أما السجون فهي تغص بالمعتقلين الأبرياء من كل صوب ومن كل مذهب ومن كل قومية على أساس المعتقد .!!

إن التراكم الذي حصل طيلة السنوات العشر ولَدَ ضغطاً هائلاً لم يعد المواطن قادراً على تحمله فانفجر في انتفاضته التي عبرت بالملايين عن مطالبها المشروعة في تغيير الدستور الذي وصفه الجميع بأنه يحمل ألغاماً من الصعب على شعب العراق تقبله، وهو الدستور الذي زرع فيه المحتل الأمريكي بذور الطائفية والتقسيم .. يقسم المجتمع طائفياً وعرقياً لكي تقسم الدولة .. ولما كانت إيران متعاونة مع المحتل الأمريكي لحد الآن فهل يمكن وضعها في خانة الدولة التي تصارع الصهاينة .. بالله عليك وأنتم من أصحاب الموقف العقلاني الذي لا يفسر الأشياء كما في ظاهرها إنما الباطن الجوهر الذي يكشف عن نفسه سلوكاً إيرانياً عدوانياً هو الذي يفسر طبيعة الدجل الذي انطلى على البعض من الأخوة في المؤتمرات الثلاثة الذي تعرفون .

 

والتساؤل الآن أيها الفاضل المبجل .. إنكم تتربعون قمة التنسيق ما بين القومي والإسلامي وكليهما له معاييره وتكاد أن تكون المعايير واحدة في تقييم الموقف.. ألا تستحق الانتفاضة السلمية العارمة في العراق التفاتة صادقة وواضحة ودقيقة ومحددة لما هي عليه الأوضاع الشاذة في العراق، والتي جوبهت بالإهمال والقتل والاعتقال منذ انطلاقتها ولحد الآن .. إنها ثورة على الظلم والهيمنة ومحق الحقوق ، إنها سلمية لن تخرج عن سلميتها، فهي تتمسك بالمنطق والحجة والموقف الثابت الذي لن يتراجع مهما كانت التضحيات .

 

كم أتمنى من أخي المفكر العربي الكبير أن يكون لكم ولمؤتمركم الموقف العربي الإسلامي الأصيل، الذي يضع النقاط على الحروف ويقول كلمة الحق والحقيقة ويدعم المطالبين بحقوقهم المشروعة ومنهجهم السلمي الذي يغطي مطالب كل العراق وكل الشرائح وكل الأديان والقوميات، إنها ثورة الشعب البيضاء الخالصة التي تصر على أن يكون العراق عربياً إسلامياً أصيلاً بعيداً عن الطائفية والعنصرية اللعينة، وأن تكون حاضنته الأمة العربية الإسلامية .. كما أتمنى عليكم أخي الفاضل أن تكون هذه الرسالة مشمولة بعنايتكم وتناقش في اجتماعاتكم، وهو حق أراه واضحاً ما دام يصب في موقف ولا غير الحق والحقيقة .

 

تمنياتي لكم بالتوفيق في مهامكم ..

مع خالص تحياتي وأسمى اعتباري

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

 

الدكتور أبا الحكم

 ١٤ / أذار / ٢٠١٣

 

 





الخميس ٢ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة