شبكة ذي قار
عـاجـل










8 مارس لكل السنوات

أطال الله بعمر الوالدة الحاجة ام كاظم ، والدتي الغالية: فقد كانت تخاف الاحتفالات بعيد المرأة عندما كنت أورطها في حضور الاحتفالات السرية بهذا اليوم عندما كانت رفيقاتنا من عضوات رابطة المرأة العراقية تنظمها كل عام في صرائف وبيوت المنكوبين الطينية، في محلة الوشاش على ضفاف شطيط..


امي الفلاحة الريفية الامية كانت شاعرة بامتياز وكم من مرة صححت للشاعر مظفر النواب بعض قصائدة باعتراضها على دلالات المعاني في كلمات لهجة عشيرتنا من البو محمد التي وظفها بابداع شاعرنا الراحل مظفر النواب. يقيني ان امي ستكون أكثر حزنا الليلة لانها لم تعلم برحيل الشاعر مظفر النواب البارحة ، اكيد انها لازالت تختزن بعضا من دمعها في عيونها للنوائب القادمة.


كانت امي مناضلة عربية واممية ترجمت مبادراتها بطريقتها الخاصة، فقد اعدت الطعام وارسلته الى المساجين الذين لا يزوروهم اهلهم خشية السلطة. وهي بذكائها أوصلت اكثر من وجبة وخيطت اكثر من رقعة لقميص لمناضل متشرد ومختفي ببيتنا.


أمي هي ام الحركة الوطنية أطعمت اصدقائي وخصومي في الفكر والممارسة السياسية كانت تعرف البعثيين والشيوعيين وحتى الاكراد وتميز مواقفهم وتعاتبهم على اسباب الخلاف الذي كان يحتدم بيننا.
أمي لازالت تحفظ الاسماء من المناضلين والمجاهدين وحتى الشهداء والسجناء الذين زاروا بيتي في مناسبات عديدة.


أمي انتمت الى العراق كله وان لم تنتم الى حزب او تنظيم معين، كانت تبارك بنات قريتنا من الرابطيات في صرايف المنكوبين وتشجع على اقامة احتفالاتهن المتواضعة بصريفتنا وكوخنا الطيني وتحرس الشارع خشية السلطة ومداهماتها المفاجئة في مثل تلك المناسبات وخاصة بمناسبة عيد المرأة العالمي.


و كانت امي تحضر معنا لحضور عرض فلم عن رواية مكسيم غوركي بعنوان " الام" وبذلك كانت تتعلم وتعلم بقية الفتيات كيف يمكن ان يكن مناضلات وامهات ومجاهدات حتى من دون انضمام لحزب معين. انها انتمت الى المدرسة الوطنية وتعلمت تهجي بعض الحروف وكانت اسعد لحظاتها عندما كتبت اسمي واسمها.


. كانت تشارك الامهات حزنهن باعتقال ومطاردة اولادهن المناضلين من كل الاحزاب الناشطة في محلتنا في المنكوبين وبعدها في الشعلة ، وكانت اول من تزغرد بفرح وتنشر الحلوى للاطفال في الشارع تسديدا للنذور و " الواهلية" باستقبال العائدين من السجون او عند اطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات بمن فيهم من اعتقلني يوما بنفسه فدارت عليه الايام.


امي فاطمة الفواطم لها الشرف انها اعتقلت يوما ببغداد عندما كانت تحمل راية الثورة الجزائرية وتشارك في مظاهرة لتأييد ثورة الأوراس دون ان تعلم ان الجزائر تقع في إفريقيا أو أنها مجاورة لمحافظة ميسان أو مدينة العمارة، تابعت أخبار الجزائر وخيطت لها علما من بقايا أقمشة ملابسنا، تابعت أخبار ثورة الجزائر وأحبت جميلة بوحيرد وجميلة بوباشا وجميلة بوعزة والعربي بن مهيدي وأحمد بن بلة والهواري بومدين، سمعت أخبار الجزائر ولم يكن لديها راديو أو تلفزيون أو صحافة.


امي أحبت الجزائر، وردت على تحقيق ضابط الشرطة يوماً، انها تحب الجزائر لان ولدها كاظم ورفاقه يحبون الجزائر ويفتخرون ببطولة ثوار القصبة.


اني أحتفي هذا العام بأمي، استثناء بكتابة هذه المقالة، وهي التي شارفت 85 عاما وينسلخ من تعداد سنين عمر الوالدة أكثر من نصف قرن، منها، و عاشت هي قلقة علي وأنا أغامر في النشاط السياسي مبكراً، وبعدها اضطرتني الظروف الى مغادرة الوطن في الهجرة والمنافي البعيدة، أمي لم أراها قرابة أربعين سنة، ظلت تعيش مع ذكرياتها وأنا أعيش فيها منفيا ومتنقلاً خارج الوطن من بلد الآ آخر.


لك كل الحب والدتي الغالية الحاجة ام كاظم. أمي بكت وحدها ومن دوني خلال كل الأوقات الصعبة وقد فارقت المرحوم والدي، ودفنت بصمت وشجاعة نادرتين مودعة من بيتنا أكثر من شهيد من عائلتي واخوتي في سوح النضال وفي الأحداث العراقية العاصفة.


اسمحوا لي باسمكن وبإسمكم ان احي السيدة الوالدة المجاهدة الكادحة، الفقيرة لله وللوطن الغالي هي أم أخي الشهيد جمعة والفقيد البار لها صباح ، هي فاطمة رحيمة محسر العلياوي / العبودي، المولودة في الأول من تموز من العام 1928 بقرية الميمونة " ام عين" بقضاء المجر الكبير والساكنة ببغداد منذ العام 1956.


التوقيع ولدك كاظم :
يكتب لك ولرفاقه في سوح العراق المقاوم، وفي حنين ذكريات الى 8 مارس/ آذار بكل الشوق ولذكرى الخمسين سنة التي خلت، كنت ولا زلت محتفلا بك أما عراقية رائعة أعتز بها وبكل معاني الوفاء لها ولوطن اسمه العراق.

 

 





الجمعة ٢٥ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة