شبكة ذي قار
عـاجـل










العلة ليست في الممارسات الجارية في العراق بين شارع منتفض وفلول متشرذمة متعلقة بوهم البقاء في السلطة. منهم من يتمنطق بالإحتكام إلى "ديمقراطية"، تقف فوق مؤسساتها مجموعات من العصابات والفلول ... كل العملية السياسية الجارية متفسخة الى حد التفكك وتنظر رصاصة الرحمة لإسقاطها . كل ما يجري على المسرح السياسي في العراق اليوم يفوح بكل روائح الجريمة السياسية والأخلاقية والجنائية. كثير من فرسان المشهد السياسي الجاري في العراق دمويون وطلاب ثأرات ودعاة انتقام لبعضهم البعض ولخصومهم،على المستوى السياسي والطائفي وحتى الفردي.


كل الممارسات تلك يحلو للبعض التحدث عنها انها "ممارسات ديمقراطية" و"دستورية" وانها تجري في ظل القانون... الخ. وهناك جهات قضائية تفترس بعضها بعضا بالتناوب من خلال الاسقاط والاجتثاث الكلبي المسعور.


من تلك الترهات برلمان همه الوحيد التوقيع على الميزانية الاخيرة في عمر تركة بريمر وكل المداولات ولجميع الكيانات السياسية تسعى الى اجهاض الانتفاضة بالمال والرشوات والوعود بالمناصب لأبناء العشائر وبعض من الشيوخ الراضعة من ضرع الانابيب النفطية.


كل الديكورات والتجمعات والتظاهرات الحكومية "لدولة القانون" باتت مفضوحة للقاصي والداني وجرائمها تزكم الأنوف. يتسارعون الى حملة انتخابية مبكرة وسط استغراب الشعب لكل هذه السذاجات التي تتحدث عن هذه "الديمقراطية العراقية" وقد باتت تكشف كل مفاتنها كونها وهما وتضليلا ودجلا سياسيا ممارسا سواء باستغفال الناس او تهديدهم بالحرب الأهلية أو بقوة العنف الانتخابي لتكريس الجريمة الجنائية والقانونية التي وصلت الى حد التصفيات الجسدية للخصوم والحلفاء على مستوى واحد في العراق، والتصفيات تجري على قدم وساق حتى على مستوى أجنحة الحكم وتحالفاته، وكذلك في صفوف الكيانات السياسية الحاكمة والمتعارضة داخل العراق .


والمؤمن بكل ما يجري في العراق من انه يجرب الديمقراطية لا يمكن ان يكون إلا بليدا أو مُغفلا ولا نقول واهما؛ إن لم يكن في قرارة نفسه دجالا سياسياً، أو مقتنصا للفرص المتاحة له لحظة بدت فيها الفلول تجمع وتحزم أمتعتها الى حيث الجهة التي جاءت منها.


تسود انتهازية مُقرفة تتم على حساب خراب العراق ومستقبل أجياله وتتهالك الصفقات بشكل لم يبق في الوجه قطرة حياء . وهنا لا بد من الاحتراس من انتقال هذه الظواهر الى ساحات العزة والكرامة وميادين الانتفاضة من خلال تكتيكات البعض ممن لم ينزلوا بعد عن صهوة المصالح مع السلطة.


هناك من يجري وراء السحاب في عز ظهيرة تموزية قائضة في الصحارى القاحلة، الكثير نراه يلهث ويمني النفس ان يصطف الى جهة علها تزكيه أمام حساب الشعب، ومنهم يستمني بنفسه بغية الوصول الى بحيرات من ذلك السراب الديمقراطي المتلاشي في العراق، والتي كلما اقتربت منه زدت قناعة ان لا جدوى من الركض نحو العطش والظمأ المجهول ؛ أو املا في الرواء او حتى الاستحمام في بركة ما لغسل بقية من أدران الذنوب السياسية المقترفة في العراق باسم "الديمقراطية".


إنها ساعة الحقيقة التي لابد على كل العراقيين مراجعتها ومعالجتها جذريا بدءا بإلغاء ما يسمى بـ " الدستور العراقي" الذي وضعه واشرف على إعداده وباشر في تطبيقه "بول بريمر"، ومرورا بكل العملية السياسية المشوهة بكل هيئاتها ومؤسساتها ، بما فيها الهيئات المسماة بنعوت شتى، منها الهيئات القضائية ومحاكمها القراقوشية تضاف إليها هيئات أُخرى عدة كثرت عنها الأقاويل في مسمياتها الكارتونية، كـ "النزاهة" و"الإشراف على الانتخابات" و" لجان حقوق الإنسان" ومجالس القضاء والمحكمة الدستورية والرئاسات الثلاث من برلمان وحكومة ورئاسة جمهورية مريضة ومنحلة ... الخ من تلك المصطلحات الخالية من اي مضمون سياسي واجتماعي حقيقي.


لا بد من المرور مرة أخرى بالخيار الصعب والحكيم أولا الا وهو إجراء العملية الجراحية المنتظرة التي يخشاها البعض خوفا من المجهول، ولأن الآخر لا زال ينجح بالتهويل بامكانياته ودعم حلفائه من الخارج معه، ولازال البعض يهدد بسلطة او امكانيات دولة قائمة رغم ان الكل يدرك انها باتت متهالكة وأعمدتها الامنية خاصة اضحت تتهاوى وتحتاج الى ضربة معلم وتوقيت ذكي تتمثل في تجنيد الجماهير على خلق المبادرة ثورية لاقتحام المنطقة الخضراء وكنس فلولها من بغداد.


والمنتظر أيضا بلورة جهد المجموع في جبهة سياسية متحالفة وواسعة منذ الآن تطرح برنامج وطني سياسي بديل، وله أجندة قابلة للتنفيذ، من خلال المرور بمرحلة انتقالية لسنتين أو أكثر يتم الاتفاق عليها من خلال مسودة دستور مؤقت يتم تبنيه من خلال استفتاء وطني تقرره أغلبية العراقيين، ومن دون وصاية عليهم من أية جهة داخلية او خارجية كانت، وخلالها يتم تكوين مجلس انتقالي وطني عراقي، بعيدا عن كل المحاصصات الطائفية والإثنية والقومية والتدخلات الإقليمية والخارجية، ليضع العراقيون بأنفسهم دستورا وطنيا دائما لهم يلبي متطلبات بقائهم كشعب وأمة تستحق الاحترام، وتكفل لأبنائهم المستقبل والعيش في بلد لا بد له أن يتشافى ويتعافى من كل جراحاته ونكباته السياسية والاجتماعية.


وشأنهم شأن كل بلدان وشعوب العالم الحر والمتحضر سيكون العراقيون قادرين على حل مشاكلهم بعد كل هذه العبر الجسيمة التي مروا بها خلال قرن من المآسي السياسية والإجتماعية.


الدستور الجديد، لا بد ان يؤسس لمعايير تشكيل قضاء عراقي محايد غير مُسيس وغير مُرتشي وغير تابع لجهة ما، مهما كانت نسبتها السكانية، وغالبيتها القومية او المذهبية . المواطنة الحقيقية هي معيار الانتساب لوطن اسمه العراق، بعدها تجري انتخابات برلمانية ورئاسية لا تعتمد القوائم والتكتلات والكيانات السياسية المفروضة بالقوى القمعية والمليشيات المسلحة والقوات المسلحة المشبوهة في ولائها الوطني وحتى المهني، ولا تكون مرتبطة بالطائفيات السياسية والمعتمدة على المرجعيات التي اختبرها شعب العراق وأدرك حقيقتها وتبعيتها، مهما كان ألوانها وأيديولوجياتها؛ بل لا بد من منح الفرصة الحقيقية التي يستحقها شعب العراق، لكي يختار العراقيون قادتهم وإدارات دولتهم بالاقتراع السري المباشر من خلال حرية الاختيار الواعي وعبر الصندوق الشفاف النزيه لتصل الى دواليب الدولة وبناء العراق الكفاءات الوطنية والسياسية والاجتماعية والعلمية ذات الاستحقاق الى المواقع التي تستحقها من، دون تزكيات مسبقة واجتثاثات سياسية واجتماعية مفروضة وموضوعة سلفا، بحكم ممارسات الإقصاء السياسي المسبق للخصوم، ذلك الاختيار يفتح الطريق أمام فرص العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والتسامح الوطني لمسح تلك الصفحات السوداء من الممارسات السياسية التي أضرت بالعراق شعبا ووطنا، وليُحاسب من يُحاسب، ويُعفى من يُعفى، ويُعزل من يُعزل على ضوء ممارسات الفرد وأخطائه وجرائمه وفساده السياسي أو المالي السابق وفق معايير العدالة الانتقالية والإنسانية التي سيقبل بها الجميع.


إن ما يطالب به البعض في العراق فيما يسمى الإصلاح السياسي للعملية السياسية الإحتلالية الجارية الآن من داخل مجموعاتها وكياناتها التي جربها العراقيون هي محاولة كسب الوقت وإشغال الانتفاضة بحالات الأمل على الهامش وتكسير إراداتها بتسييد حالة من اليأس وفقدان الرجاء في الانتظار. وكل حساب يتصور الإصلاح ممكنا لهذه الفلول إنما هو وهم وترقيع يأتي بعد خراب شامل يشهده العراق على كل المستويات، ولا يمكن تمريره مطلقاَ عبر خطابات وتوجهات المجموعات السياسية التي استأثرت بالسلطة بعد الغزو الأمريكي للعراق وتم تنصيبها بدعم أمريكي، وبعده إيراني والتي عكست ممارساتها الجارية أمامنا إنها عاثت بالعراق فساداً وتدميراً وتمسكاً حديدياً دموياً للتمسك بالسلطة وأجهزتها وامتيازاتها.


ان ما يجري أمامنا ما هي إلا محاولات للتضليل والتهريج السياسي لتكريس السلطة بيد الحزب الواحد، والطائفة الواحدة، والدكتاتور الواحد، والمقدس الواحد. والكل يدرك ان العراق ذاهب الى الهاوية والمجهول، ولا نقول إلى الاضمحلال بالتقسيم والتشرذم والضياع ؛ إن لم تتدارك الإرادات الوطنية الأوضاع لإنقاذ ما تبقى من العراق شعبا وأرضا بتركيز الجهد الاستثنائي الى الثورة الشاملة المنتظرة شعبيا وجماهيريا.


حقيقة هامة لا بد من تأكيدها والإشارة إليها هنا في هذا السياق هي أن أي تجاهل لقوى المقاومة العراقية وجماهيرها التي ناهضت قوات الاحتلال وأجبرت القوات الأمريكية على الانسحاب الجزئي من العراق، وهي لازالت تواجه تركة الاتفاقيات الأمنية والتنسيق المخابراتي مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة سيكون تجاهلها من أفدح الأخطاء السياسية لقوى الانتفاضة، التي لازال البعض من الأطراف العراقية يصر على ممارستها في الادعاء انه يتبرأ منها وبذلك فهو يمارس المنافقة التي لم تعد إلا حالة انتهازية طالما أن جماهير المقاومة قد نزلت الى الشارع عارية اليدين من سلاحها لتأكيد سلمية الانتفاضة وعلى الآخرين نبذ العزل والاجتثاث السياسي ورفض اقتراحات السلطة الحاكمة من خلال التلويح بتقسيم المطالب وانتقاء المطلوب منها حسب توجهات حزب الدعوة وحلفائه وإيران خلفهما.


لابد من الاعتراف الرسمي بحق قوى معسكر المقاومة العراقية وفصائلها السياسية والمسلحة بالتمثيل والحضور العلني والمشاركة في اية حلول سياسية . فقوى المقاومة العراقية بكل فصائلها السياسية والمسلحة كانت ولا زالت تقف بقوة في مناهضة فلول العملية السياسية التي كرسها الاحتلال، وظلت في خط الصدام الأول في مواجهة الحكومات الإحتلالية المتعاقبة التي تم تنصيبها برعاية ومباركة وحماية القوات الأمريكية، كما ان قوى المقاومة العراقية ستبقى الرقم الصعب والضامن في اي حل حقيقي للقضية العراقية وآفاقها المستقبلية في المشهد العراقي المنتفض اليوم سلميا. ورغم هذه الحقائق، فلا زال الكثير من الأطراف يراوح مكانه ولا يتقدم وقد حانت لحظة القطاف الثوري، التي لا تقبل فعل كوابح الاندفاع وهناك في الصفوف من يحاول السير بعكس تيار الحياة والاستحقاقات التي تطالب بها الجماهير، الا وهي عملية إسقاط العملية السياسية ودستورها.


ان شهرين من عمر الانتفاضة كافية للكشف عن مدى قدرة واستعداد الجماهير لانجاز الخطوة الحاسمة وكذلك كشف من يعمل جاهدا على تأجيل وصول العراقيين إلى ضفة الأمان المنشود، باختزال الوقت والجهد وإنقاص المعاناة المرة من الانتظار، والجماهير أدركت أنها مستعدة للعطاء الثوري لشعب له حضارته وتاريخه وكفاحه الوطني، وهو شعب يستحق الوجود والمستقبل المنشود للإنسان في عصرنا.


الخطوة التالية هي خطوة العبور نحو بغداد المنتظرة قبل فوات الأوان. فكل ثورة لها قانونها وغالبا ما قالت الثورات لأهلها حين تنضج ظروفها ..الآن نعم.. غدا لا ... بالأمس كنا نسير وها نحن وصلنا على مشارف النصر المنشود.


وان غدا لناظره قريب

 

 





الخميس ١٧ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / شبــاط / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ا.د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة