شبكة ذي قار
عـاجـل










لم يَرْثِ بغداد في عهدها الحالي شاعر مثل الشاعر العربي الكبير عبد الرزاق عبد الواحد ..
صور عبد الرزاق عبد الواحد في قصائده الأخيرة الحنين إلى بغداد والغربة عنها ومآسيها التي تعيشها في ظل الاحتلال وعذابات ناسها وغربتهم فيها وبكاها وابكى عليها.


دَمعٌ لبغداد .. دَمعٌ بالمَلايينِ مَن لي ببغداد أبكيها وتبكيني ؟
مَن لي ببغداد ؟ روحي بَعدَها يَبسَتْ وَصَوَّحتْ بَعدَها أبهى سناديني
عدْ بي إليها .. فقيرٌ بَعدَها وَجعي فقيرَةٌ أحرُفي … خرْسٌ دَواويني
قد عَرَّشَ الصَّمتُ في بابي وَنافِذَتي وَعششَ الحُزنُ حتى في رَوازيني
والشعرُ بغداد، والأوجاعُ أجمَعها فانظرْ بأيِّ سهامِ المَوتِ ترميني ؟!
وبغداد تمور بالأسى ويقرح الحزن فؤادها ويملأ الحزن قلبها على أبنائها الذين يقتلون كل يوم أو يطاردون ويعتقلون أو يهجرون أو تنتهك كراماتهم ..
بغداد التي كانت أمناً للخائفين أضحت اليوم خوفاً للآمنين ..


رثاها شاعر بغدادي مجهول في أحد سقوطاتها يقول :
بكيت على بغداد لما فقدتُ غضارة العيش الأنيقِ
تبدلنا هموماً من سرورٍ ومن سعةٍ تبدلنا بضيقِ
أصابتنا من الحساد عينٌ فأفنت أهلها بالمنجنيقِ


وللمنجنيق أهون من الصواريخ والقنابل الفسفورية والمواد الكيمياوية والقذائف التي سقطت على بغداد من يوم احتلالها إلى اليوم، وإذا راجعتم التاريخ وقرأتموه ستجدون أن بغداد من دون بلاد الله الأخرى إذا دخلها غاز أو محتل فأنه يسعى إلى محوها من الجذور : حضارة وشعباً ومعالم ، وأي غاز أو محتل قوي يضعف على أرضها ويخرج مدحورا ، وهي في كل مرة تنهض نهوضاً غير متوقع وتأخذ زمام أمرها بيدها .
يقول العلامة العراقي الراحل شيخ بغداد الدكتور حسين علي محفوظ: أُسّست بغداد، في سنة 145هـ ( 762 م ) . وتمّت في سنة 149 هـ ( 766 م ) .


ويتابع : بغداد ، وهي تعانق اثني عشر قرناً ونصف قرن تقريباً ، مِن عمرها الطويل المديد، هي شيخة شابة ، ما زالت في غضاضة الغصن وعنفوان السن ، تختال في ثياب الجمال والشبيبة ، وحُلل الفَتاء والحسن .. هذا في الإسلام.

 

أما في تاريخ العراق القديم ، فإن بغداد ترجع إلى الألف الثاني قبل الميلاد. وقد ورد اسم بغداد ( بكدادا ) في لوح في ( سپار ) يعود إلى زمان حمورابي ، في القرن الثامن عشر قبل الميلاد. أي أن عمر بغداد يزيد على أربعة آلاف عام. وهي سيدة المدن الباقية ، وست البلاد قديماً وحديثاً ، مِن قبل ومِن بعد.


وتوحي حروف العراق الأربعة لمحفوظ مِن الأعماق والآفاق ما لا يحصيه ، إذ تشير العين إلى العِزة ، والراء إلى الرِفعة ، والألف إلى الأصالة ، والقاف إلى القِدم .. أما بغداد فتوحي إليه حروفها الخمسة مِن الأعماق والآفاق ما لا يعدّده ، إذ تشير الباء إلى البراعة ، والغين إلى الغِنى ، والدال إلى الدَعَة، والألف إلى الإباء، والدال الأخيرة إلى الدراية.


ولم أجد مدينة في الدنيا يحبها أبناؤها مثل بغداد ، فهم حفظوا مخطوطاتها وخططها وكتبها وما كتب عنها ومناسباتها وسير رجالها وهندستها وهندسة محلاتها ومقاهيها ومبانيها ومساجدها ومتاحفها وتاريخها ومجالسها والقصائد التي قيلت فيها، ويهفو قلب من يبتعد عنها إليها.


وقالوا في بغداد أنها ( عين العراق ) و ( جنة الدنيا ) و ( جنة الأرض ) و ( حاضرة الدنيا ) و ( مصر العرب ) و ( المدينة العظمى ) . وقالوا ( البلدة الحسناء ) و ( مدينة العِلم وينبوع الآداب ) . وألوف من الكلمات والأقوال، ومِن أوصافها وصفاتها لديهم ( مدينة السلام ) أي مدينة الله ، والسلام مِن أسماء الله ، و ( أم الدنيا ) لقبوها بـ ( سيّدة البلاد ) .. وعن بغداد حدث ولا حرج.


قال الإمام الشافعي ( رضي الله عنه ) ليونس بن عبد الأعلى : يا يونس ، دخلت بغداد ؟ قال : لا. قال : يا يونس ، ما رأيت الدنيا ، ولا رأيت الناس.


وقال الصاحب بن عبّاد لأستاذه ابن العميد، وقد سأله عن بغداد، عند منصرفِهِ عنها : بغداد في البلاد كالأستاذ في العِباد.


على البعد احيي بغداد وأهتف من هنا : صبراً صبراً بغداد إن موعدك النصر، ونصرك وشيك .. ومثلما انتحرت جيوش العالم التي جاءت لغزوك بقيادة أمريكا على أسوارك ، فما هو إلا وقت قريب ويكمل المستعرقون المعتدون على عفتك وطهارتك انتحارهم المريع على أسوار المنطقة الخضراء ليلحقوا بأسيادهم .


صبراً فأنت على أبواب الحرية ..

 

 





الاربعاء ١٦ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / شبــاط / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة