شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة : لا أحد يشك في أن احتلال العراق جاء من أجل ثلاثة أهداف :

 

أولها- إجهاض نموذج قومي تحرري قوي يحمل لواء وحدة العرب وتحررهم وتكاملهم وتطورهم ونهوضهم إلى مصاف الدول المتقدمة، ويقف بوجه أطماع الاستعمار ومخططاته ومشروعاته الصهيونية، التي تستهدف الهيمنة على مقدرات الأمة ونهب ثرواتها .

 

وثانيها- حماية الكيان الصهيوني بإعادة ميزان القوة الذي غيره العراق وأخلَ بإستراتيجية التوازن العسكري ، الذي كانت تصر أمريكا الغازية على أن تكون كفته لصالح الكيان الصهيوني على حساب الدول العربية جميعها .

 

وثالثها- الاستحواذ على النفط العراقي ومخزونه الهائل، الذي يُعَدُ ثاني احتياطي إستراتيجي بعد احتياطيات المملكة العربية السعودية .

 

الكل يعلم أن الخطوة الرائدة التي أقدم عليها الحكم الوطني في عام 1972، والتي تعتبر مدخلاً للتحرر الاقتصادي المرادف للتحرر السياسي، هو تأميم النفط وتوظيف عائداته لبناء الدولة والمجتمع ، حيث حصلت تنمية انفجارية في كل المجالات الصناعية والتجارية والتكنولوجية والزراعية والثقافية والاجتماعية، وتعززت قاعدة العلم والعلماء، فيما ارتقت القوات المسلحة العراقية إلى مصاف الدول ذات الشأن في مواقع الجيوش الدفاعية النظامية في العالم.

 

خلال فترة الحكم الوطني استخدمت الثروة النفطية في المجالات الآتية :

تشييد ميناء البصرة وبناء غاز الجنوب وغاز الشمال، ومضاعفة طاقة توليد الكهرباء مرات عديدة، وتشييد مصانع الحديد والصلب والألمنيوم والبتروكيميائيات والأسمدة والسمنت وعدد لا يحصى من المشاريع الاستهلاكية معاً مع القطاع الخاص، وتشييد المستشفيات والمستوصفات والطرق السريعة والجسور، وتشييد السدود وبناء المدارس والجامعات وتحسين شبكات مياه الشرب وشبكات الصرف الصحي، وإنشاء المشاريع الزراعية والثروة الحيوانية، وإنشاء قاعدة للتصنيع العلمي المدني والعسكري ، والنهوض بالواقع الصحي والتعليمي في عموم العراق ، والاهتمام بقاعدة واسعة من العلماء في مختلف التخصصات العلمية والإنسانية ، والاهتمام بالبعثات العلمية في الخارج ، وبناء علاقات دبلوماسية وقنصلية واسعة النطاق .

 

إستراتيجية نهب نفط العراق :

كانت الشركات البريطانية والأمريكية قد حددت في إستراتيجيتها الاستحواذ على نفط العراق منذ السبعينيات من القرن الماضي، والوثائق السرية التي تم الكشف عنها خلال السنوات الست الماضية تؤكد عقد ما لا يقل عن خمسة اجتماعات بين شركة(B.B) و (Shell) في أواخر عام 2002 مع وزراء بريطانيين حول حصة بريطانيا من المخزون الإستراتيجي النفطي العراقي الهائل ما بعد إسقاط النظام الوطني في العراق.. فيما كانت وزارة الخارجية البريطانية قد دعت شركاتها النفطية إلى اجتماع لتحديد الفرص المتاحة لمرحلة ما بعد تغيير النظام الوطني في العراق، وذلك في آذار- مارس/2001.

 

والواضح ، كما كشفت عنه صحيفة (الإندبندنت) البريطانية، أن عقوداً أبرمت في أعقاب غزو العراق لمدة عشرين عاماً.. وتغطي هذه العقود نصف احتياطات العراق النفطية، والبالغ حجمها أكثر من (60) مليار برميل من النفط، تحت تصرف الشركات البريطانية والأمريكية وغيرها، فيما يؤشر الاستثمار المشترك البريطاني الصيني نحو (403) ملايين جنيه إسترليني أي بما يعادل (658) مليون دولار في حقل (الرميله) فقط .

 

لقد بلغت إيرادات النفط : منذ الاحتلال عام 2003 ولغاية آذار 2011- وهي ثمان سنوات- نحو (289) مليار دولار.. بينما بلغت إيرادات النفط منذ عام 1970 لغاية عام 2003 – وهي فترة تقرب من أربعين عاماً- نحو (262) مليار دولار!! ، كما بلغت أرقام الإيرادات منذ عام 1920 ولغاية 2003 بحدود (270) مليار دولار، فيما بلغت هذه الإيرادات خلال فترة الاحتلال (289) مليار دولار!!

وتمثل هذه الأرقام حجم النهب المنظم للثروة النفطية في العراق المحتل دون أن يصاحبها تنفيذ أي مشاريع، إنتاجية أو خدمية منذ الاحتلال حتى الوقت الحاضر..

 

إذن ... أين ذهبت ثروة العراق النفطية ؟

هنالك تساؤلات مشروعة.. أين ذهبت أموال النفط العراقي؟! هل تم خلال فترة تسع سنوات إنشاء 1% من ما تم إنشاؤه في ظل الحكم الوطني منذ عام 1968 حتى تاريخ الاحتلال عام 2003 ؟ .. وصَدَقَ من أشار بكل وضوح وصراحة إلى أن حكومة الاحتلال الغاشم قد أهدرت وسرقت أموال خلال (8) سنوات ما حصل عليه العراق لحوالي (80) سنة !!

 

وفوق كل هذا .. أين ذهبت أرصدة العراق في الخارج والداخل ؟

بتاريخ 28/5/2003 أصدرت الإدارة الأمريكي قراراً يحمل رقم (3303) وضعت يدها بموجبه على أموال العراق المودعة لدى البنوك الأجنبية، والتي قدرت بـ(13) مليار دولار، فيما قام بنك (U. B.S) السويسري بتحويل أرصدة العراق إلى الحكومة الأمريكية بدون موافقة السلطات السويسرية حسب الناطق الرسمي باسم البنك (أكسل لانف).. وهذا ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز في تشرين أول 2003، بأن الإدارة الأمريكية تمكنت من مصادرة (مليار وسبعمائة مليون) دولار مودعة لدى سويسرا من الأرصدة العراقية. أما عائدات برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء، والتي كانت لغاية آذار 2003 تبلغ (21) مليار دولار مودعة في البنك الوطني الفرنسي (فرع نيويورك) تحت حساب تم فتحه منذ عام 1996، فقد صادرتها الإدارة الأمريكية أيضا.

 

كما صادرت الإدارة الأمريكية (6) مليارات دولار من القصور الرئاسية و (4) مليارات دولار مودعة لدى البنك المركزي العراقي.. وقد بلغت ثروات العراق النفطية التي تم الاستحواذ عليها (46) مليار دولار!!

 

ورغم كل العائدات النفطية الهائلة للعراق يصرح الشهرستاني (إن العراق بحاجة إلى استثمارات أجنبية قدرها ( 12 إلى 20 ) مليار دولار لتساعده في زيادة إنتاجه من النفط ) .!!

 

تأميم النفط أرعب الغرب وزعزع مؤسساته وأزعج مصادر القرار في واشنطن وتل أبيب بوجه خاص وعواصم الغرب بوجه عام ، ومنذ تاريخ تأميم النفط عام 1972 لم يهدأ العراق من مختلف وسائل الضغط والتآمر الداخلي والخارجي، لأن الغرب قد اعتاد على اللصوصية وحين ينتزع أحد حقه المشروع من بين براثنه لا يسكت، وإذا سكت، فإلى حين .!!

 

بعد الاحتلال، تم إلغاء قانون النفط بعد فترة قصيرة من الاحتلال الأنكلو- أمريكي للعراق عام 2003، وحال سيطرة القوات الأمريكية والبريطانية على مقدرات الوضع تم إسناد موضوع النفط للحاكم العسكري (بريمر) الذي شَرْعَنَ المحاصصة ليس على مستوى الديمغرافيا الطائفية والعرقية، إنما على مستوى تقسيم ثروات النفط ليكرس أساس التقسيم والنزاعات المناطقية، فخلق إشكاليات مركبة سميت بحصة الشمال وحصص أخرى، والاستيلاء على المخزون الاستراتيجي والاحتياطات المؤممة .

 

فقد كان معدل أنتاج النفط العراقي، في ضوء التخطيط الذي وضعه البريطانيون لكي يصل إلى معدل (17) مليون برميل يومياً ولعقد كامل من السنين، إنتاج النفط الفعلي لا يتجاوز (2،1) مليون برميل ارتفع إلى نحو (2،4) مليون برميل يومياً، لأن بنية الإنتاج لا تسمح وتحتاج إلى صيانة مكلفة ، فيما يبلغ إنتاج السعودية (10) مليون برميل يومياً .. وإن زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط العراقي إلى (17) مليون برميل وهو تخطيط بريطاني أمريكي مركب يستهدف نهب الاحتياطات النفطية العراقية الهائلة من جهة، وفسح المجال من خلال الفوضى، للصوص الحكومة الصفوية في بغداد لنهب العائدات النفطية، دون أي ذكر لأي مشاريع يحتاجها الشعب العراقي وأجياله القادمة .

 

والغريب في الأمر، وكما تعلنه الحكومة العميلة عن كون البرلمان هو المعني بتشريع القوانين، إلا أن واقع الحال المؤكد يشير إلى ( أن من يضع مشاريع القوانين ليس البرلمان، إنما كبار المسئولين والموظفين والخبراء في مجال النفط في الإدارة الأمريكية والبريطانية - هذا ما قالته صحيفة " هيدوكا كاربورس " البوليفية المتخصصة بشؤون النفط ).

 

ومن أجل تنفيذ التخطيط، الذي أعدته الشركات البريطانية جاءت بريطانيا بـ( حسين الشهرستاني) على رأس وزارة النفط، حيث أخذت حكومة العملاء تمضي في تمشية التراخيص النفطية المشبوهة لصالح الشركات النفطية العملاقة البريطانية والأمريكية والفرنسية على أساس تطوير حقول الإنتاج الكبيرة عن طريق (شركة شل وبريتش بتروليوم البريطانيتين، وأكسون موبايل الأمريكية، وتوتال الفرنسية) .

 

لصوص الحكومة الصفوية في العراق كيف يسرقون نفط الشعب ؟! :

هنالك وجه حكومي آخر لنهب النفط مكتًمٌ عليه ، هو عدم وضع (عدادات) لمبيعات النفط العراقي، سواء على أرصفة التحميل أو في المصافي ومحطات الكهرباء والخزانات وخطوط أنابيب النفط .. فكيف إذاً يباع النفط العراقي بدون عدادات ؟ وكيف تحتسب أقيام هذه المبيعات ومنذ عام 2003 ولحد الآن ؟

 

كل الدلائل تشير رسمياً إلى أن العدادات المتوفرة براً وبحراً لا تتجاوز 39% من ما هو مطلوب - وكما ذكر الدكتور عصام الجلبي وزير النفط السابق أن جدول بالعدادات يمثل الآتي :

- العدادات المخطط نصبه (4898) عداد .

- العدادات المقرر نصبها عام 2010 (3646) عداد .

- العدادات التي تم نصبها في نهاية عام 2010 (1899) عداد .

- الفرق بين المخطط والمنفذ لعام 2010 (1747) عداد .!!

 

ومن زاوية هذا الفرق تتم عمليات سرق النفط العراقي المنظم.. بمعنى ، الشركات الاستعمارية المهيمنة (المشترية) تسرق .. والبائع الحاكم الصفوي يسرق ، في ظل الفوضى المتعمد تكريسها .!!

إن عدم وضع العدادات وبهذه الكميات الكبيرة يُعَدُ مدخلاً للسرقات الهائلة لنفط العراق، وهو وجه آخر يتم من خلاله التعاقد على نصب منشئات جديدة كلفتها لا تقل عن (800) مليون دولار دون أن تكون مشمولة بالعدادات الضرورية (( حتى بيع الماء للشرب يتم على وفق العدادات، حيث يستعمل البائع عداد أو (جليكانات) بسعتها المعروفة أصلاً)!!

 

فقد نصبت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2012 ثلاث منصات عائمة هي (جيكور والمربد والفيحاء)، تخلو من عدادات .. اثنتان منها تعتمد في تصدير النفط على طريقة (الذرعة) في احتساب كمية النفط المباع ، كما قال مدير مشروع تصعيد الطاقات التصديرية " بأن الفرق ليس كبيراً بين استخدام نظام الذؤعة ونظام استخدام العدادات الالكترونية " .!!

 

هذا يحدث منذ عام 2003 ونفط العراق يتدفق إلى أمريكا وأخواتها الغربيات بدون عدادات وبأسعار تفضيلية ومصروفات جيوشها الغازية في العراق بدون مقابل .. والنتيجة لا تقتصر على اللص الأمريكي واللص الصفوي، إنما هناك لصوص آخرون لا يقلون نهباً للنفط العراقي ، وهم الكويتيون في الجنوب الذين يسرقون نفط الرميلة العراقي باسلوب الحفر المائل، والإيرانيون يستولون على حقول النفط العراقية شرق العراق بدعوى الشراكة ، والأكراد يسوقون النفط العراقي تحت ذريعة حصة الإقليم ، وما بين هؤلاء تهرب أحزاب السلطة الصفوية الحاكمة في بغداد النفط العراقي بصهاريخ إلى إيران بأسعار زهيدة وزهيدة جداً.!!

 

أما اتفاقات مد أنابيب النفط من إيران إلى سوريا عبر العراق.. وأنابيب النفط الأخرى من إيران إلى الأردن حيث ميناء العقبة ثم إلى (إسرائيل)، فسيتم الحديث عنها في الحلقة القادمة.

يتبع ....

 

 





الثلاثاء ١٥ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / شبــاط / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة