شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ احتلال المسجد الأقصى من قبل الكيان الصهيوني في حرب حزيران عام 1967، ظلت سلطات الاحتلال الإسرائيلية تضع القيود والعراقيل على سكان الضفة الغربية وسكان الأراضي المحتلة من تأدية صلاة الجمعة وصلوات الأعياد في المسجد الأقصى على سكان تلك المناطق، بل أنها كانت تمنع من يقل عمره عن أربعين سنة من المشاركة في هذه الصلاة حتى لسكان القدس نفسها، وكانت هذه التدابير مثار سخط عربي وإسلامي بل وإنساني، لأن أحدا لم يكن بمقدوره أن يتخيل وتحت أي ظرف من الظروف أن تقدم سلطة احتلال في النصف الثاني من القرن العشرين على خطوة من هذا القبيل، ولأن الكيان الصهيوني يقف تحت مظلة الحماية الأمريكية سياسيا وعسكريا، ولأن الإعلام الغربي وكذلك المنظمات الحقوقية والإنسانية كانت تحت الوصاية الأمريكية، فقد مضت الخطة كما تم الإعداد لها من دون ضجة أو مع ردود فعل محدودة من باب دفع الحرج.


ولكن الإجراءات المانعة لإقامة الصلاة أو العراقيل التي كانت حكومة نوري المالكي تتفنن بوضعها أمام حشود المواطنين الراغبين بتأدية صلاة الجمعة في مختلف مناطق بغداد والمدن العراقية الأخرى، وخاصة عمليات الحصار على الأعظمية ومنع سكان بغداد من الوصول إليها وبصرف النظر عن أعمارهم، بعد الدعوة التي أطلقها المتظاهرون في محافظات العراق لتأدية صلاة الجمعة الموحدة في جامع الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بالأعظمية، فاقت في اتساع نطاقها وفي وحشية الإجراءات المهينة للكرامة والاعتداء على المواطنين بمن فيهم الشيوخ وكبار السن والتي تتبعها أجهزة القمع المرتبطة بالمالكي شخصيا، جاءت هدية كبرى لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، لأنها منحته شهادة حسن السلوك مقارنة بما يحصل في "العراق الديمقراطي التعددي" الذي أقامته أمريكا بعد احتلالها له، وبشرت بأنه النموذج الذي سيصبح عامل استقطاب وجذب لسائر شعوب المنطقة لتطبيق تجربته ذات الإشعاع الديمقراطي.


إن إجراءات قيادة القوات المنحدرة من مليشيات حاقدة وتم بناؤها على أسس طائفية مقيتة تفوقت على ما كانت تقوم به إسرائيل مع الفلسطينيين الراغبين بالمشاركة في صلاة الجمعة في المسجد الأقصى في أسوأ ظروف المواجهات بين الفلسطينيين وسلطات الكيان الصهيوني، فإسرائيل كانت تضع شروطا أكثر يسرا وسهولة من الأوامر التي أصدرها نوري المالكي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة وحشد لها فرق الجيش وألويته وأجهزة الشرطة فأغلقت الطرق وسد المنافذ ومارست أسوأ الاحتلالات التي عاشتها بغداد في تاريخها المعروف، كل ذلك لمواجهة جموع المصلين الذين أرادوا التوجه إلى الله في جمعة مباركة ولكن يدا غادرة حالت دون إتمام هذه الفريضة العبادية الخالصة، والمراقب حينما ينظر إلى المشهدين سيصاب بصدمة كبرى، فإسرائيل طرف محتل وهو عدو بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان وعلى سكان الأراضي المحتلة توقع كل سيء وكل قبيح، لأنه يحمل مشروع الدولة اليهودية كجزء من مشروع امبريالي عالمي، على أساس العقيدة الصهيونية العنصرية التوسعية التي لا ترى لنفسها استقرارا إلا بتكفير المواطن الفلسطيني بأرضه، ولا تدخر وسعا في الإساءة للإسلام والعروبة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.


ولكن أن تأتي الأوامر المانعة لإقامة الصلاة من نوري المالكي وهو يرأس وزارة تحكم باسم حزب الدعوة الإسلامية وتحالف إسلامي مزعوم، فذلك لا بد أن يستدعي وقفة تأمل من أجل صياغة الموقف السليم تجاه هذا الاستهداف الخطير لعقائد المواطن، فالتدابير التي أمر بها المالكي تتصادم مع قول الله سبحانه وتعالى " ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيه اسمه وسعى في خرابها"، أو "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون" نعم تلك فريضة ربانية ولا يجب أن تمر من دون رد فعل عربي غاضب وساخط، وحتى من الأمم المتحدة التي تعتبر نفسها راعية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي أعطى مكانة كبرى لقضايا المعتقدات والقناعات الدينية، أما منظمة التعاون الإسلامي والأزهر الذي يتعرض لحملات غزل إيراني فيجب أن تكون لهما وقفة حازمة مع سلوك حكومة المالكي التي تفوق فيها على هولاكو وجنكيز خان وكل الغزاة الذين جربوا حظهم العاثر مع بغداد مدينة الإسلام والسلام ولكنهم ارتدوا على أدبارهم خائبين.


واقع الحال أن هذه السياسة الممنهجة والتي يبدو أنها خيار الائتلاف الحاكم عن عمد وسبق إصرار، ليست مقطوعة الجذور عما سبقها من إحراق لعشرات المساجد والمئات من أئمتها ومؤذنيها وحراسها، في نطاق خطة لإحداث التغييرات الديموغرافية في المدن العراقية التي يراد تحويلها إلى مدن اللون الواحد.


لقد فاق المالكي الذي صك آذان الناس بكثرة حديثه عن الإسلام، كل رؤساء الحكومات الإسرائيلية الذين تعاقبوا على الحكم منذ عام 1948 وحتى اليوم بمن فيهم بن غوريون وإيرل شارون ونتنياهو في سلوكه العنصري الطائفي المبني على نظرية الإقصاء وحكم اللون الواحد مع سحق الألوان الأخرى، وتفوق عليهم في سنوات معدودات في حرب ضارية على الإسلام من داخله وبشعاراته كما علمته سيدته إيران، بعد أن ظل هذا الدين الحنيف طودا شامخا في مواجهة كل الأعاصير والشبهات التي تسعى اليهودية لإثارتها ضده طيلة 14 قرنا، ولم يتمكن أحد من النيل منه، ولكن الحرب التي تشن على دين أو عقيدة من داخلها أو باسمها، تكون أكثر سوء من الحروب التي تأتي من الخارج، بسبب تداخل الخنادق في الحالة الأولى وتقابلها في الثانية.


إن المشروع الفارسي القومي الذي يعتبر نوري المالكي أحد دعائمه الرئيسة أو على الأقل جزءً مهما منه، مهما حاول أن يتميز عنه بادعاء الاختلاف مع نظرية ولاية الفقيه، مشروع قومي الهدف منه ضرب العروبة باسم الدين، هذا المشروع القومي كان لا بد له أن يسوق نفسه بمشروع طائفي سياسي من أجل أن يكون سائغا من الناحية الإعلامية ويعطيه بعض المقبولية على مستوى المتلقين، حتى إذا تم إنجاز الخطوة الأولى أي حسر المد العروبي من المشهد الراهن، يصار إلى الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة المجاهرة بالتصدي للإسلام كعقيدة ودين سماوي، وحتى يعاد العرب إلى موطنهم في الحجاز كما كانوا هناك في الأصل على حد قول أحد كبار المعممين الإيرانيين أثناء تهديده لكل من يقف بوجه المشروع الإيراني.


إن النظم العنصرية دينيا وعرقيا وطائفيا، لن تستطيع فرض خياراتها على المجتمع الإنساني في الألفية الثالثة، ولنا في سقوط تجربة نظم الحكم في جنوب أفريقيا وفي روديسيا والبرتغال، وسقوط نظريات الفصل العنصري في الولايات المتحدة التي قادتها منظمة كوكلوس كلان، أكبر دليل على أن الزمن لا يمكن أن يرجع إلى الوراء مهما تصور الطغاة أن عمرهم في الحكم طويل وأنهم تمكنوا من تثبيت أقدامهم وأقدام الحركات الطائفية المرتبطة بهم، وقيل قبلا، إن أكثر الناس حماقة هو من يظن نفسه أقوى من حركة التاريخ.

 

 





الثلاثاء ٨ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / شبــاط / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة