شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

الذي يدعو إلى الحرية وتحرير الشعوب ، لا يبيدها بوسائل الحروب والحصار ، ولا يتبنى نظريات الإبادة ضد الإنسانية ، ليس على مستوى العالم فحسب، إنما على مستوى المجتمع الأمريكي نفسه أيضا .. كيف ؟!

يستند الفكر الرأسمالي العنصري الأمريكي في الإبادة الجماعية ضد الإنسانية إلى عدد من النظريات والأفكار، ومنها على وجه التحديد نظرية (توماس روبرت مالثوس 1766- 1834) ونظرية داروين ، وتوجيهات (جيرالد فورد) وأفكار (هنري كيسنجر) وغيرهم .

 

ومن أجل إثبات النهج العنصري الذي تتبناه وتطبقه أمريكا على شعوب العالم بما فيها المجتمع الأمريكي، ينبغي تقديم لمحة مختصرة لتلك النظريات والأفكار أولاً ، ليصار إلى تناول التطبيق العملي لهذه الأفكار والنظريات في شكل جرائم ضد الإنسانية، ما تزال أمريكا ترتكبها بصورة مخادعة وبأشكال مختلفة من حيث الطبيعة والأسلوب، فيما يبقى الهدف واحد، وهو الإبادة الجماعية والهيمنة على العالم :

 

أولاً- نظرية " توماس روبرت مالثوس" (Thomas Malthus : Theory Of Population) 1766- 1834 :

يرى " مالثوس" في نظريته عن تكاثر السكان أنها ترتبط بعلم الاقتصاد.. حيث وجود عوامل الإنتاج والتوزيع والتبادل، التي لها علاقة وطيدة بين تطور عدد السكان وتطور كمية الإنتاج، فضلاً عن إدخاله عنصر الزمن والحركة في الفعاليات الاقتصادية، ويرى (أن زيادة السكان تتم على وفق متوالية هندسية ، بينما يزيد الإنتاج الزراعي وفقاً لمتوالية حسابية، الأمر الذي سيؤدي إلى نقص الغذاء) .. فمبدأ نظرية السكان لدى "مالثوس" ورد فيه ( أن الرجل الذي ليس له من يعيله والذي لا أرضه، فهو عضو زائد في وليمة الطبيعة، حيث لا صحن له بين الصحون، فأن الطبيعة تأمره بمغادرة الزمن ..) ، وقدر "مالثوس" أن العالم سيتجه نحو مجاعة محققة إذا لم يتم التقليل من البشر، وعلى هذا الأساس لا بد من أن يموت بعض الناس لكي يعيش البعض الآخر.!! ،

 

وفي ضوء ذلك، تبنى مثقفو الطبقات العليا في أوربا هذه الأفكار الوحشية، كما باشرت الحكومات الغربية بتطبيق هذه الأفكار كل حسب توجهاته وقدراته على التطبيق، وفي مقدمتها الحكومات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض مدعومة بأفكار الصهيونية العالمية.

 

وعلى الرغم من ان هذه النظرية، التي تنبأ بها "مالثوس" بحدوث مجاعة كبرى ستجتاح العالم خلال عقود قليلة ( هذا التنبؤ قبل قرنين ) إذا لم يتم التدخل لتقليل عدد سكان العالم ، إلا أن هذه النبوءة لم تتحقق ، عدا في بعض الدول الفقيرة ومنها أثيوبيا والسودان والصومال في أفريقيا وكذلك في شبه القارة الهندية .. ولكن هنالك ظواهر طبيعية ومشكلات مفتعلة مرصودة مثل :

 

- بيوت الصفيح المنتشرة في الدول الفقيرة والغنية على السواء، وهي تشكل أحزمة رثة تطوق المدن .

- مجاعات تحدث نتيجة للحروب الأهلية في بعض المناطق الغنية بالموارد .

- حروب مفتعلة من اجل التطهير العرقي في (البلقان- كوسوفو- رواندا بوروندي- صبرا وشاتيلا- لبنان ، وغيرها .

- الحرب على العراق ومذابح التطهير الطائفي والعرقي.

- الحرب على أفغانستان ومذابح التطهير الطائفي.

- سوء استخدام البحار في إنقاص وانقراض الثروة السمكية في المحيطات .

- سوء استخدام الأرض في الزراعة .

- تفاقم مشكلة المناخ في العالم بسبب التلوث الصناعي.

 

- تفاقم مشكلة تقليص وانكماش مساحات الأراضي الزراعية حيال اتساع رقعة المدن بزيادة نسبة السكان .. وبروز ظاهرة الزحف العمراني للمدن على حساب الريف الزراعي .. والهجرة السكانية من الريف إلى المدن .

- تفاقم مشكلة المياه والموارد المائية .. بسبب الجفاف وسوء الاستخدام والتخطيط والتنظيم واحتكار المياه الدولية عن طريق السياسة .

 

الظواهر الطبيعية هذه ، يمكن معالجتها عن طريق التخطيط والتنظيم وتقنين الموارد وضبطها باتجاه التنمية، والتنمية البشرية ، وتقع على عاتق الحكومات أولاً وعلى المجتمع الدولي ثانياً .. أما المشكلات المفتعلة فتقع في مقدمتها الحروب المفتعلة وفرض الحصار الاقتصادي بصورة غير مبررة لهدفين أساسيين، أولهما : فرض الإرادة السياسية وثانيهما : القتل بالحروب والموت بالحصار، وكلا الهدفين ينصبان في الإبادة الجماعية ضد الإنسانية ممثلاً بتقليل نسبة السكان في العالم ، تحت ذريعة أنه من المتوقع بعد نصف قرن – أي عام (2050) سيصل سكان الأرض إلى (9.4) مليار نسمة بزيادة (3.3) مليارات نسمة .. ولكن هذه الزيادة تكاد تتساوى مع الزيادة التي تحققت فعلاً بين عامي (1950-2000)، فيما تأكد مع ذلك، اكتشاف المزيد من الموارد وتحقيق معدلات جيدة من النمو في البلدان الصناعية والنامية، واستمرار مجالات العلوم وميادين التكنولوجيا الحديثة في البحث عن المزيد من الموارد لتلبية احتياجات الزيادة المتوقعة في السكان .. حيث اثبت العالم نورمان بورلوج (Norman Borlaug) ، الحائز على جائزة نوبل في العلوم (أن العالم استطاع مضاعفة إنتاجه من الحبوب ثلاثة مرات خلال أربعة عقود، وانه يمكن لموارد الأرض إطعام نحو عشرة مليارات إنسان)، وبالفعل من ، تمكن من برمجة نظريته في الإنتاج مع تقنية حديثة في الزراعة أن يحقق نتائج جيدة في هذا المجال .

 

الأمر إذن ، هو ظاهرات يمكن معالجتها، ليس بوسائل الحروب والقتل والحصار الاقتصادي وأساليب العقم القسري، إنما عن طريق التخطيط المركزي والتنظيم والرقابة الحكومية، والتعاون بأجهزة متخصصة ما بين الحكومات ، فهل ترتضي ذلك أمريكا ؟!

 

هذه النظرية قد أثارت احتجاجات واسعة، لأنها تدعوا صراحة إلى إبادة جماعية ضد الإنسانية تحت مبررات السكان والغذاء .. فيما تزخر الأرض والبحار بثروات غذائية هائلة تجاهلتها حسابات "مالثوس" في نظريته العنصرية .

 

ثانياً- نظرية " داروين " (Darwin theory) .. :

تقول هذه النظرية بشكل مبسط ( سيأتي زمن على الأعراق المتحضرة أن تبيد الأعراق الهمجية وترث منها الأرض .. إنها جرثومة الفقر والفساد الأخلاقي تجري في دمائهم، ولا بد من القضاء عليها كما ينبغي القضاء على الطاعون ).!!

 

ثالثاً- هنالك أفكار لـ هربرت سبنسر (Herbert Spencer) ، تقول (على الضعفاء أن يُتركوا حتى يموتوا، ومن الأفضل أن يموتوا ).!!

 

رابعاً- وهنالك أفكار للمؤرخ الأمريكي ريشارد هوفستادتر (Richard Hofstadter) ، تقول (ينبغي حرمان الفقراء من البيوت النظيفة والرعاية الصحية، وحرمانهم من الحياة، فقط ليموتوا).!!

 

خامساً- وجَهَ " جيرالد فورد" الرئيس الأمريكي بإعداد دراسة سرية يتم بموجبها ( قطع نسل نساء 13 دولة في العالم الثالث خلال 25 سنة ) .!!

 

سادساً- أعد " هنري كيسنجر" اليهودي الصهيوني عام 1974، حين كان مستشاراً للأمن القومي الأمريكي، وثيقة سرية قام بأعمامها حصرا على وزارة الدفاع والزراعة والخارجية والإستخبارات العسكرية والبيت الأبيض، تحتوي على خطة إبادة وتخفيف سكان العالم على مدى ربع قرن، ولم تحدد وسائل تنفيذها .!!

 

كيف حولت أمريكا هذه الأفكار والنظريات إلى الواقع ..؟!

1- كان القادة السياسيون الأمريكيون يوجهون قادتهم العسكريين، لإبادة الهنود الحمر، واجتثاثهم من أراضيهم بالرصاص وبنشر الأمراض ومن خلال مباضع الجراحين، التي تمزق أرحام الشابات الهنديات كي تبقى الأرض خالية من شعبها الأصيل .. والمحصلة هي أن هذه الحملة، التي تستحق توصيف (هولوكوست الهنود الحمر)، حصدت أرواح (112) مليون هندي أحمر.!!

 

2- أرسلت أمريكا إلى "بوليفيا" بعثة طبية مارست جريمة حرمان النساء والرجال من الإنجاب بالتواطؤ مع النظام البوليفي آنذاك .. والجريمة هي (عملية تعقيم – بمعنى العقم) عن طريق الخديعة.. ومثل هذه البعثة التي تمتهن القتل الجماعي في بوليفيا ، أرسلت مثيلاتها إلى دول أمريكا الآتينية ، حتى قيل أن منهج الإبادة الجماعية الأمريكي هو في حقيقته (هولوكوست)، الأمر الذي أثار حفيظة الصهاينة الذين يصرون على احتكار خديعة الـ(هولوكوست)، ورفضهم لغيرهم استخدام هذه المفردة، لأنها تجارة سياسية، فيما اقترفوا أكبر جريمة في تاريخ البشرية بغزوهم لفلسطين من أجل إفراغها من شعبها العربي الأصيل عن طريق الإبادة والتجريف والتهجير المنظم .

 

3- ففي أمريكا تم (تعقيم – بمعنى العقم) 14 أربعة عشر مليون أمريكي فقط في عام 1915، بتدمير نسلهم في الأرحام .. إنها سياسة فوق عنصرية بامتياز وفكرتها تقوم على التخلص من الأمريكيين الفقراء المستضعفين بذريعة أنهم غير جديرين بالحياة وفقاً لقانون الانتخاب الطبيعي المزعوم (البقاء للأقوى، فالأقوى والأغنى هو الأصلح، وهو الأحق بالعيش والتمتع بالحياة) .. وبحجة الخطر السكاني الذي يهدد كوكب الأرض تعمل الولايات المتحدة على تأمين الشروط اللازمة لـ(تعقيم- بمعنى العقم) أكثر من ربع نساء العالم القادرات، لحماية مصالحها الاقتصادية الرأسمالية.. وهذا المنطق يتطابق مع منهج الصهيونية كعنصرية تعتمد مبدأ البقاء للأصلح عن طريق الإبادة الجماعية المنظمة .

 

4- كما اتخذت أمريكا إجراءات (العقم) القسري في أفريقيا بلغت (63678) ألف شخص سنوياً .. فيما بلغ العدد في أمريكا (150) ألف سنوياً شمل فقط متدني الدخل من الفقراء.

 

الهدف من هذه الأفكار أو النظريات، ينحصر بالتأكيد على الدور السلبي لزيادة السكان وصولاً إلى تقليله والحد منه ، الأمر الذي يخدم أساساً سياسات الغرب لبواعث سياسية معينة وفي مقدمتها السياسة الأمريكية .. إذ يتركز معظم النشاط الأمريكي في مجال الحد من عدد السكان، على الحد من سكان دول العالم الثالث والرابع ومن ضمنها الأمة العربية والعالم الإسلامي على وجه التحديد (وهذه واحدة من أوجه التصادم الذي يدفع به الغرب) ، ويحصل ذلك عن طريق صندوق النقد الدولي ومنظمة الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة التابعة لها مثل، منظمة الصحة العالمية ، ومنظمة الأغذية والزراعة .. إدراكاً من أمريكا وأخواتها الغربيات والصهيونية، إن الدول النامية ، وهي في مساعيها ستحصل على أساليب التقنية الحديثة، شاءت أمريكا أم أبت ، في المجال العسكري والاقتصادي والصحي والزراعي .. وهذا ما حصل فعلاً في الصين والهند وباكستان ودول آسيوية (النمور الخمسة).. ولهذه الأسباب فأن أمريكا تتبع في سياستها الخارجية بشأن تقليل السكان، إستراتيجيات خطيرة وهي :

 

الأولى- جعل الدولة التي لديها زيادة كبيرة في السكان دولة صغيرة وبمجتمع سكاني صغير يرتبط ويكون بحاجة إليها ، وذلك عن طريق تفكيك الكتل الكبيرة وتفتيتها .. والمنطقة العربية تدخل في هذه الإستراتيجية، ممثلة بهدف حرمان الدول العربية من التقارب والتكامل الاقتصادي والاجتماعي والوحدة .

 

الثانية- استخدام الضغط بمختلف الوسائل على أصحاب القرار في الدول النامية وغيرها من أجل الرضوخ لسياسات الحد من الزيادات السكانية وعلى الطريقة التي ترسمها أمريكا وأدواتها صندوق النقد الدولي ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة.

 

الثالثة- استخدام الحصار الاقتصادي التدرجي وعلى مراحل (كما حصل في العراق طيلة ثلاثة عشر عاماً أدى إلى موت (500) ألف طفل ، عدا كبار السن بسبب الحصار على الغذاء والدواء للفترة ما بين 1990- 1998) ، وذلك بافتعال أحداث من شانها أن ترتب قرارات التدخل وبالتالي الوصول إلى تقليل السكان بالموت عن طريق الحصار إضافة إلى أهداف إستراتيجية أخرى.

 

الرابعة- افتعال الحروب لاستخدام القوة العسكرية المفرطة من اجل تقليل السكان - إضافة إلى أهداف أخرى – عن طريق القتل والإبادة الجماعية ضد الإنسانية .

 

الخلاصة :

1- أمريكا تعمل بأسلوب الإبادة الجماعية ضد الإنسانية لشعوب العالم الإسلامي بوجه عام وللشعب العربي بوجه خاص وبدافع صهيوني، تحت ذرائع مختلفة وتحت أغطية متنوعة للتدخل وفرض الحصار من أجل الموت ، وشن الحروب من اجل القتل والإبادة.

 

2- أمريكا قد أعلنت إستراتيجيتها، خلال العقد الماضي ، بأن عدوها الكوني الأول هو الإسلام .. وحددت بأن الإسلام السياسي هو طرف الصراع الإستراتيجي .. ثم جاءت بـ أو سهلت للتيار الإسلاموي الصعود إلى مواقع القرار في بعض أقطارنا العربية ، ليس حباً بالإسلام ولا حباً بالتيار الإسلاموي ، إنما لكي تستكمل دورة التصادم مع المسيحية- المتصهينة على قاعدة صدام الحضارات، تلك النظرية التي بشر بها صموئيل هنتنغتون ، وبشر بنهاية التاريخ فرانسيس فوكوياما ، وهي نظريات تبلورت في بيئة المحافظين الجدد التي تقف خلفهم الصهيونية العالمية ( وهذه واحدة أخرى من أوجه التصادم التي يدفع به الغرب ).

 

3- قد تعلم أمريكا بأنها باتت من حيث الأهداف والوسائل مكشوفة تماماً، وهذا يكفي لتقويض هجومها العدواني المتغطرس على الشعوب، ليس بأساليب حديثة ومتطورة كما هي تمتلك ، إنما بإرادة الشعوب التي لا تقهر إذا قررت فسيكون عندئذٍ لكل حادثٍ حديث .!!

 

 





الاثنين ٧ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / شبــاط / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة