شبكة ذي قار
عـاجـل










الانتفاضة .. هي ملك الشعب العراقي كله.

الانتفاضة .. لا تحكمها الجغرافية.

ومطالبها .. هي مطالب كل شعب العراق .

شعب العراق كله .. يعاني من الدستور والعملية السياسية.

 

المقدمة :

الحاقد والمأزوم، الذي لا يمتلك الحجة والمنطق، تكون وسائله في التعامل هي التهديد باستخدام القوة أو استخدامها، ولكونه عاجز عن قول الحق، ولكونه في قلبه مرض الحقد الطائفي الذي لا يستسيغ الآخر، ولكونه فاشل، فهو يغطي عجزه ومرضه وفشله وحقده وطائفيته بالتهديد باستخدام القوة واستخدامها علناً تحت يافطة الديمقراطية والقانون.!!

 

والحليم لا يتوانى عن قول الحق حتى على نفسه، والعاقل يقيم الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق، ويتعامل على أساس قبول الآخر والرأي الآخر، وحجته ومنطقه عاماً شاملاً لا يحدده مكون ولا تقيده جغرافيا.

انتفاضة الشعب العراقي الرائدة، تمثل في حقيقتها تراكم الظلم والقهر وهدر الكرامة الإنسانية منذ الاحتلال الوحشي الذي تعرض له العراق عام 2003 وحتى الوقت الحاضر.. وهذا الظلم والقهر وهدر الكرامة الإنسانية جاء بصورة مركبة، إحداها بفعل قوات الاحتلال الأمريكي الغازية، والأخرى بفعل مليشيات الأحزاب الإيرانية ،المنشأ والمنهج، التي تدير العملية السياسية بأسلوب خلق الأزمات دون إيجاد حلول لها .. ومن سمات هذه الانتفاضة :

1- أنها ليست حزبية، وليست مناطقيه ولا ترسمها جغرافية محددة بحكم المطالب.

 

2- أنها تتبنى مطالب شعبية عامة مشروعة لا تخص مكون اجتماعي معين، إنما تشمل كل العراقيين الذين يعانون من الظلم والقهر والإهمال والحرمان من أبسط حقوق المواطنة بتوفير ( الماء والكهرباء والخدمات والرعاية الصحية والبيئية، ومعالجة البطالة والفقر المستشري والمرض والتهميش العنصري والطائفي، وغياب العدالة وغياب القانون وبالتالي انعدام الأمن الاجتماعي).. هذه المطالب لا تخص جغرافية أو مكون اجتماعي معين، إنما ينطق بها العراقي من البصرة مروراً بالناصرية والعمارة والديوانية والكوت والنجف وكربلاء صعوداً إلى بغداد وصلاح الدين و ديالى والرمادي والموصل حتى المحافظات الشمالية .. كل مواطنوا هذه المحافظات يطالبون بالعدالة والأمن والأمان وبحياة حرة كريمة تليق بشعب الحضارات ، فيما تجابه حكومة المالكي الصفوية هذه المطالب بالإهمال والتهديد باستخدام القوة ، حيث حركت قوات مليشياتها وطاردت شباب الانتفاضة ورجالها وشيوخها واعتقلت منهم وقتلت بعضهم .. فماذا نسمي هذه التصرفات والأفعال غير المسئولة التي تندرج في حقيقتها، في خانة قمع الشعب وإرهابه ؟

 

3- الانتفاضة الشعبية وهي بالملايين، وملايين أخرى غاضبة تراقب الموقف، وملايين أخرى صامتة تترقب الفرصة للانفجار، قد اتخذت منحى سلمياً منذ انطلاقتها، فهي سلمية وحضارية وغير مسلحة يشهد لها العالم .. ومع ذلك فأن المالكي الصفوي يدفع بجيشه لقمعها، فضلاً عن تسهيل وصول عناصر إيرانية مسلحة للقيام بأعمال العنف والقمع في العراق ، والتمهيد لتشكيل عصابات (المختار) بقيادة الصفوي (البطاط) وتحت عِلمْ المالكي، وما مذكرة الاعتقال الصادرة بحق (البطاط) سوى لعبة مكشوفة لا تنطلي على أحد .. فهل يستوي الأمر بين انتفاضة سلمية تعلن مطالب مشروعة وبين حشد عسكري وأمني حكومي مسلح لمجابهة هذه الانتفاضة ؟!

 

هنالك ملاحظات ذات طابع سياسي وإستراتيجي تتعلق بطبيعة الحراك الجماهيري الثائر ومقاربات محيطه العربي والإقليمي والدولي، يمكن إدراجها على النحو الآتي :

أولاً- الحكومة الصفوية في بغداد مستمرة في أسلوب القمع والدهم والقتل والاعتقال والاغتصاب، وهي بذلك تتحدى الشعب وتستهين بكرامته الإنسانية، كما أنها لا تكترث بما سيقوله العالم حول تصرفاتها المخالفة لمنطق الأشياء والمحتقرة للبشر باعتبار أن البشر المنتفض لا قيمة إنسانية يستحقونها .!!

 

ثانياً- إن الحكومة الصفوية ، بدلاً من تلبية مطالب الجماهير بإعادة صياغة الدستور الذي هو من صنيعة الاحتلال، وتعديل مسار العملية السياسية ذات النفس الطائفي والإثني، وتقدم للشعب برنامجاها ومشاريعها التنموية في الزراعة والصناعة والنهوض بمشاريع الري والتصريف الصحي، والكهرباء والماء، والصحة العامة للشعب العراقي الذي تنخره الأمراض، بدلاً من كل ذلك، وهو أمر يخص كل شعب العراق في كل المحافظات، يصر النظام الصفوي على إبقاء الألغام الطائفية التقسيمية في دستور لا يريده الشعب العراقي، لأنه لا يلائمه في الجوهر، ويصر على بقاء العملية السياسية التي لا تمثل الشعب العراقي، إنما تقوم على المحاصصة الطائفية، ولأن الشعب العراقي غير طائفي ويرفض الطائفية، فهو بريد تغيير الدستور وتغيير العملية السياسية غير التمثيلية .. فلماذا إذاً ، هذا الإصرار على إبقاء قاعدة التعامل المقسمة للشعب , ولماذا الإصرار على إبقاء الشعب كل الشعب في حلقة مفرغة من فوضى القتل والإقصاء والتهميش والنهب المنظم ؟!

 

ثالثاً- لماذا ترسل إيران عناصر مسلحة إلى العراق، وترسل صواريخ مع مجموعة من الضباط لتضرب معسكراً أمناً ومكفولاً دولياً، يضم مجاهدي خلق المعارضة، وتشكل مليشيات مسلحة وتدعو إلى التطوع لتشكيل جيش أطلق علية " جيش المختار" بقيادة حزب الله، فيما ترسل إيران ضباطها وخبرائها، ليس من أجل التدريب فحسب إنما من أجل الاستخدام أيضا .. ماذا تريده إيران من العراق؟ هل تريد حماية النظام الصفوي في بغداد، ليشكل عمقاً جغرافياً قتالياً على أرض هي ليست أرضها وشعب لا ينتمي إليها ؟

 

رابعاً- كل العالم ، ومنذ اندلاع انتفاضات ما يسمى بالربيع العربي، بات مهتماً ليل نهار بالدول العربية التي تعيش إرهاصات الثورة على الأنظمة القمعية الفاسدة والعميلة، ولحد الآن يتابع العالم ما يجيري في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا، ولكنه يتعامى عن مشهد الثورة السلمية في العراق، ويتغاضى عن أحداثها المروعة ومعضلاتها الجسام التي تقشعر لها الأبدان .. اغتصاب النساء في السجون بجريرة عائلاتهن ، على غرار ما حدث في سجن أبو غريب من أهوال تمحق الكرامة الإنسانية وبالجملة .. لماذا هذا الصمت المريب ؟ صمت الإعلام العربي، وصمت الإعلام الدولي ، وصمت المنظمات الدولية وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي والمنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة وأمينها العام ، وسكوتهم على هذه الانتهاكات المروعة ... لماذا ؟! ، لماذا تسكت الدول العربية ؟ ولماذا تصمت منظمة المؤتمر الإسلامي ؟ ولماذا يصمت المؤتمر القومي العربي ؟ ولماذا لا تحرك منظمات حقوق الإنسان ساكناً ... وإذا تكلم بعض هؤلاء فباستحياء وبكلمات خجولة لإسقاط فرض ؟!

 

خامساً- لماذا تصمت أمريكا على هذه الانتهاكات .. ألم تعلن أنها جاءت إلى العراق لإحلال الديمقراطية وحقوق الإنسان وتخليص الشعب العراقي من القمع ؟ ، فلا وجود لديمقراطية ولا حرية ولا حقوق إنسان في العراق منذ عام 2003 ، إنما محقاً لحرية الإنسان وسحقاً لكرامته وإذلاله واغتصابه، هو المستشري في العراق ، فلماذا يصمت الغرب وتصمت أمريكا ؟ ثم وهو المهم جداً، ماذا يختبئ وراء هذا الصمت المريب ؟! :

 

1- المالكي الصفوي هو اللعبة التي يراهن عليها الطرفان المتوافقان إستراتيجياً (أمريكا وإيران) لإدارة المصالح المشتركة من جهة، وإدارة الصراع من جهة أخرى .. فهو البيدق الذي تحركه إيران في العراق وفي سوريا وفي البحرين والمنطقة ، كما أنه البيدق الذي تمسك به أمريكا لضمان مصالحها النفطية تحت أغطية معاهدة الحماية الأمنية، التي وقع عليها الطرفان حكومة العراق المحتل، وهي حكومة صفوية بامتياز، وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية تحت إشراف السفارة الأمريكية وشركات الأمن والقواعد العسكرية الأمريكية في العراق .. كل هذا لا يعني شيئاً لحقوق الإنسان ولا لحقوق الحيوان ولا لحقوق الحجر.!!

 

2- لا يتوقع من أمريكا ولا من أوربا ولا من الجامعة العربية ولا من منظمة المؤتمر الإسلامي ولا من المؤتمر القومي العربي ولا من حركة عدم الانحياز ولا من الأنظمة العربية ولا من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، أن تكسر صمتها المريب وتطلق صرختها وتباشر إجراءات الردع بالضد من النظام الصفوي الدموي الفاسد .. لماذا، لأن هنالك من يرضخ لما تريده أمريكا والصهيونية.. خوفاً على مصالحه أو لكي يبعد عنه وعن كيانه معول التغيير والتقسيم ثم التفتيت .. وهنالك من لا يريد أساساً أن ينهض شعب العراق ويمتلك حريته وكرامته وعروبته.. وهنالك من يسعى لكي يبقى العراق واهناً وضعيفاً ومفككاً لكي لا يستطيع أن يستكمل عناصر قوته من جديد ويكون سيد نفسه شامخاً في ميزان تعادل القوى في هذه المنطقة الحساسة من العالم .!!

 

3- الإطار العام المرسوم للمنطقة بأسرها هو التغيير والتقسيم ثم التفتيت، ومضمونه سيناريوهات إستراتيجية متحركة يشترك فيها لآعبون إقليميون ولآعبون دوليون في رسم معالم المنطقة جيو- سياسياً .. هذا هو الإطار العام، ولم يكن وحده كما يتصور البعض، إنما هنالك ما يترافق خارج الإطار العام هو الأجندات الإقليمية ، وهي ليست جديدة إنما تأخذ شكل التصعيد كلما ظهر فراغ القوة أو اختلال الأمن في أي وحدة سياسية في محاولة لملء الفراغ أو التدخل، وأغطية التدخل متعددة الأوجه وحسب طبيعة الوضع الجيوبوليتيكي العام بكل مفرداته الديمغرافية والاقتصادية والجغرافية وكل عناصر القوة والضعف التي تتحكم في تلك الوحدة .. والآعبون الإقليميون في المنطقة هم (إيران – ومشروعها الإستراتيجي الصفوي) و (تركيا – ومشروعها الإستراتيجي العثماني) و (وإسرائيل- ومشروعها الإستراتيجي الصهيوني) و (أمريكا – ومشروعها الإستراتيجي الشرق أوسطي) .. ثلاثة مشاريع إقليمية معادية، ومشروع إطارها العام الأمريكي يهدد دول المنطقة ، والسمة الأساسية للإطار العام والمشاريع الثلاثة هي التوافق والتعاون الإستراتيجي ، وكل الأطراف المعنية بالتغيير تعرف مضامين هذه المشروعات وتضع حساباتها في ضوئها وعلى أساس حركتها وتأثيرها ومدى قدراتها على الفعل ورد الفعل والانسحاب المؤقت والمناورة المحسوبة على مسرح الأحداث في المنطقة .. والغريب في الأمر أن الوطن العربي لا يمتلك مشروعاً قومياً ينهض بقدراته في التعامل إزاء المشاريع التي تنخر منذ زمن بعيد في كيان الأمة العربية حتى أوصلتها إلى ما هي عليه الآن .!!

 

4- المشاريع المعادية للدول العربية بدون استثناء لا تستهدف الأنظمة العربية على أساس أنها قمعية وفاسدة وتفتقر إلى الديمقراطية، إنما تستهدف شعبها، وتستهدف مكوناتها وتستهدف قيمها ومقدساتها وخياراتها، وتستهدف ثرواتها وتستهدف وحدتها أرضاً وشعباً .. إذاً ، ماذا ستفعل الدول العربية حيال هذه المشاريع .. وماذا سيفعل الشعب العربي في كل ساحة إزاء تلك المشاريع ؟!

 

5- الإيرانيون يريدون تقسيم شعب العراق باسم الطائفة والمذهب، كما يريدون تقسيم أرضه باسم الطائفة والمذهب .. وشعبنا وهو ينتفض، يرفض أن يقسم ويمزق نسيجه الرائع من السنة والشيعة العرب ومن الأكراد والتركمان الوطنيين ومن باقي الطوائف والأديان .. الشعب العراقي يحترم كل من ينطق بالوطنية لا بالطائفية ولا بالتعصب العرقي، لأن الوطن فوق الجميع ، فوق الطائفة وفوق المذهب وفوق العرق وفوق العشيرة والقبيلة، إنه وطن كبير يتسع للجميع ويحظى بالجميع .. فلماذا تسييس الطائفية وإشهارها سيفاً مسلطاً على رقاب الشعب ؟!

 

6- من له مصلحة في الفوضى التي تعم العراق المشحون بالقتل والتصفيات ؟ من له مصلحة في إبقاء العراق وشعب العراق يدور في حلقة مفرغة من التدهور والانهيار؟ من الذي له مصلحة في إضعاف العراق ؟ ، الجواب ، هو إيران تريد أن يكون العراق ضعيفاً .. و (إسرائيل) تريد أن يكون العراق ضعيفاً .. وتركيا تريد أن يكون العراق ضعيفاً .. وأمريكا تريد أن يكون العراق ضعيفاً وممزقاً .. إذاً ، هنالك مشترك إستراتيجي يجمع إيران و(إسرائيل) وأمريكا وتركيا لإضعاف العراق.

 

7- العراق الحر الموحد المستقل قوة للبلدان العربية كلها وخاصة المحيط القريب، الذي يشكل العراق الحر المستقل عمقاً إستراتيجياً له من الخرق الخارجي .. إذاً ، من مصلحة الدول العربية الإستراتيجية أن تقف وتؤازر ثورته العملاقة حتى لو بالإعلام وهو أبسط الإيمان .!!

 

يعتمد شعب العراق بانتفاضته الرائدة على الله أولاً وعلى جهود أبناءه البررة وقواه الذاتية وما تزخر به شهامة الجميع في يوم المحنة .. شعبنا في العراق امتص صدمة الاحتلال الأمريكي ورد عليها رداً مسلحاً سريعاً أذهل الأعداء والأصدقاء، وأرغم المحتل الغازي على الرحيل خائباً .. وهو الشعب ذاته الذي استوعب الدرس وأنضج إمكاناته وقدراته في إدارة صراع من نوع آخر، وها هو يرد رداً سلمياً متأنياً أذهل الأعداء والأصدقاء، على الرغم من أجواء الضغط والتهديد وتجاهل الأقربون .. إنه شعب مذهل ارتقى كالعنقاء ينفض غبار الموت والضيم والقهر والإذلال .. إنها الكرامة الجريحة والوطن المثخن بالجراح أيها الأغبياء .!!

 

 





الاربعاء ٢ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / شبــاط / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة