شبكة ذي قار
عـاجـل










الحلقة الرابعة : الحقائق العلمية لتأثير الجينات الوراثية في حياة الإنسان
 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ) النساء 71

صدق الله العظيم

 

تمهيد :

تناولنا في الحلقة الأولى وكمقدمة لبحثنا هذا تأثير الجينات الوراثية في وراثة السمات الجسمية والمرضية، حيث اوضحنا بان إن الإنسان حينما يولد فانه سيرث من والديه وسلالة عائلته سمات جسمه ومظهره وحالته الصحية، كوراثة لون وشكل العين والأنف والبشرة والشعر ومدى استعداد جسمه للإصابة بأمراض معينة دون غيرها. كما اوضحنا بان الجينات الوراثية ومثلما تورث السمات الجسمية والصحية فأنها تورث ايضا نشاط الغدد والخلايا المنتجة للهرمونات أي ما اسميناه بالبصمة الهرمونية.

 

وفي الحلقة الثانية تناولنا دور وتأثير الجينات الوراثية في صياغة وتشكيل شخصية الإنسان، ومدى تأثير الهرمونات في سلوك الإنسان ومشاعره، حيث اوضحنا رأي علماء الطب عموما والوراثة خصوصا والمستند على ادلة علمية وتجارب واقعية بإمكانية وراثة الإنسان لطباعه ومشاعره وأحاسيسه وعادته من والديه وسلالة عائلته، وذلك بحكم وراثة الانسان لبصمته الهرمونية.

 

كما تناولنا الحلقة الثالثة دور وتأثير الجينات الوراثية في عملية التفكير، حيث توصلنا الى وجود هرمونات معينة تؤثر في تشكل فكر الانسان عبر تأثيرها بجزيئيات عملية التفكير اي بقدرة الانسان على الفهم والتعلم والاستيعاب والتخطيط واتخاذ القرار وبقوة ذاكرته وإحساسه بالبهجة والاستمتاع والتخيل، بالإضافة الى تأثير الهرمونات في حواس الانسان وفي مشاعره والتي تلعب دورا مهما في عملية التفكير. وخلصنا الى ان وجود تأثير هرموني في جزيئيات عملية التفكير يقدم لنا الدليل على امكانية وراثة طريقة التفكير ما دام الانسان يرث بصمته الهرمونية وان كان هذا الدليل غير مباشر ولا يورث الفكر نفسه.

 

اما في هذه الحلقة فأننا سنتناول وبشكل تدريجي ومبسط ما تم اثباته علميا من قبل علماء الوراثة والهرمونات.

 

حقائق تأثير الجينات الوراثية في الإنسان :

قد يستغرب البعض حديثنا عن دور العنصر الوراثي في صياغة التكوين الفكري والعقائدي للفرد والأمة، بل وقد يستهجنه ويتسرع علينا بالنفي وهو يقرا عنوان بحثنا هذا.

 

ولكن فأننا هنا ننبه إلى ضرورة عدم الخلط بين تأثير الجينات الوراثية في شخصية الإنسان وبين اعتبار الجينات الوراثية هي الموجه الوحيد للفرد. فنحن لا نريد ان نكون ماركسيي الجينات الوراثية فندعي بان الانسان رهينة بجيناته الوراثية مثلما ادعى الصهيوني المتخفي كارل ماركس بان الانسان أسير وضعه الاقتصادي، ذلك الادعاء الذي سبق وكشفنا زيفه في الجزء الثالث من دراستنا هذه.

 

فلو يتمعن هذا السأل في عنوان بحثنا هذا (الجزء السادس ككل) فانه سيجد الإجابة على سؤاله في العنوان بحد ذاته، فعنوان هذا الجزء هو ((أهم العوامل المؤثرة في صياغة التكوين الفكري والعقائدي للفرد والأمة - العنصر الجيني الوراثي))، أي أننا نقر أولا بان دور الجينات الوراثية لا يزيد عن كونه عامل مؤثر وليس موجه، لان من يصنع القرار ومن يوجه الفرد نحو سلوك معين ومن يحدد خيارات الفرد هو أولا وأخيرا عقل الإنسان وليس شئ آخر.

 

ان الذي نتحدث عنه هنا هو أن تأثير الجينات الوراثية على الانسان يكمن في عدد من الحقائق التي ثبت وجودها علميا وتم تشخيصها واكتشافها من قبل علماء الوراثة أنفسهم، وليس من قبيل التكهن أو الادعاء. وبذلك فان تأثير الجينات الوراثية على الانسان يمكن في الحقائق التالية :

 

الحقيقة الأولى، وراثة نواة خلايا اجسامنا (1) :

تعتبر الخلايا الوحدات الأساسية المكونة لجسم الإنسان، وتتألف الخلية إجمالاً من نواة ومادة هيولية تحتوي على عدة مكونات تحيط بتلك النواة، ويحيط بالجميع غشاء خلوي بديع التركيب. ولكل نواة خلية غشاء خاص بها هي الاخرى، كما أنها تحتوي على مواد وبنى متنوعة من بينها مادة وراثية هي الأهم في الخلية، ومجموع تلك المادة الوراثية هو ما يدعى بالموروث GENOME. ويحتوي كل موروث على معلومات خاصة ببنية الخلية ووظيفتها وتكاثرها، حيث أن المورثة الواحدة تشفر من 10 الى 20 وظيفة مختلفة وذلك لان المورثات الموجودة في الخلية لا تعمل كلها بنفس المستوى.

 

الحقيقة الثانية، جسم الإنسان وحياته عبارة عن نشاط هرموني معقد (2) :

لقد بينا لنا علماء الطب عموما وعلماء الإندوكرينولوجيا (العلم الذي يدرس الغدد وافرازاتها الهرمونية) خصوصا، أن جسم الإنسان مليء بعشرات الهرمونات التي تنظيم بطريقة او بأخرى حياة الإنسان، ابتدءا من مظهره الخارجي الى اعضاءه الداخلية الحيوية مرورا بانفعالاته ومشاعره وأحاسيسه وحتى سلوكه وخياراته وقراراته. وقد تناولنا ذلك وبالتفصيل الموجز المفيد حيث بينا مدى تأثير الهرمونات في السمات الجسمية والمرضية وفي تشكل شخصية الإنسان بما تتضمنه من عواطف وانفعالات وقدرات فكرية متفاعلة فيما بينها فضلا عن تأثير النشاط الهرموني في عملية التفكير والتي مازال الغموض يلف مصدرها مابين دماغ وقلب الإنسان.

 

والهرمونات بشكل عام هي مواد كيميائية، تفرز من قبل غدد وخلايا خاصة في مختلف أجزاء جسم الإنسان، بموجب أوامر وإشارات يصدرها الدماغ عبر آلية فيزيائية يزخر بها جسم الإنسان عموما وجهازه العصبي خصوصا. فالنظر والسمع والنطق والتذوق والأكل والهضم والشم واللمس ومسك الأشياء بالأصابع واليدين والسير على الأقدام والقفز والركض والسبح والجلوس والنوم والإحساس بالتعب والراحة والجوع والشبع والفرح والحزن والنشاط والخمول والحيوية والاكتئاب والهدوء والغضب والآلاف غيرها من الانفعالات والنشاطات تجري كلها بموجب النشاط الهرموني الذي منحنا إياه الخالق المبدع العظيم الله جل جلاله.

 

الحقيقة الثالثة، وراثة البصمة الهرمونية (3):

أن النشاط الهرموني الذي يجري في كل خلايا جسم الإنسان وفي كل انفعالاته ونشاطاته، محكوم بالعوامل الوراثية هو الآخر حاله حال السمات الجسمية للإنسان. فمثلما يتوارث الإنسان من والديه وسلالته سمات وخصائص مظهره الخارجي من لون وطبيعة البشرة والشعر وطول او قصر القامة، فهو يتوارث سمات وخصائص غدده وخلاياه المنتجة للهرمونات أيضا، سلبا وإيجابا، فان كان في سلالة الإنسان وبالأخص الوالدين مرضا ما في غدة معينة فانه من المتوقع ان يرث الوليد نفس هذا المرض.

 

ومن الأمثلة على أمراض الهرمونات التي تنتقل عبر الجينات الوراثية مرض الوسواس القهري الذي ينتج عن انخفاض نسبة هرمون السيروتونين والذي يوجد في المخ وفي الجهاز الهضمي والصفائح الدموية وفي المشبك (منطقة ارتباط خلية عصبية بخلية عصبية أخرى). بينما يعتبر قصور النخامية من الأمثلة المهمة على مرض الغدد والذي ينتقل عبر الجينات الوراثية والذي يتسبب بسلسلة من الأمراض. فوراثة الأمراض تقدم خير دليل لنا على وراثة نشاط الغدد والبصمة الهرمونية.

 

الحقيقة الرابعة، وراثة فسيولوجية أعضاء الإنسان (4) :

أن هذه الحقيقة، حقيقة وراثة الإنسان لفسيولوجية أعضاءه ناتجة عن الحقيقة السابقة، حقيقة وراثة الإنسان لبصمته الهرمونية. فمن خلال تعرفنا على وراثة البصمة الهرمونية فأننا قد توصلنا إلى الدليل على إمكانية أن يتوارث الإنسان فسيولوجية أعضاءه. كوراثته لفسيولوجية القلب والرئتان والمعدة والكلى والعيون والعضلات والعظام.

 

أي أن الإنسان يرث نشاط جهاز الدوران والتنفسي والهضمي والبولي والبصري والعضلي والعظمي وباقي أجهزة جسم الإنسان الحيوية عبر وراثته للبصمة الهرمونية. ولولا وراثة الإنسان للبصمة الهرمونية وعوامل اخرى، لما ورث فسيولوجية أعضاءه، ولولا وراثته لفسيولوجية اعضاءه، لما ورث امراضه.

 

ومن الأمثلة على الأمراض الوراثية التي تصيب مختلف اجهزة الانسان الحيوية البيولوجية هو مرض شتاينرت (مرض يصيب العضلات خصوصا المتواجدة في الوجه واليدين والقدمين والرقبة) ومرض فرط كولسترول الدم العائلي، ومرض هانتنغتون (عته ما قبل الشيخوخة)، ومرض الوسواس القهري وأمراض قصور النخامية والصم والبكم والتهاب الشبكية، والصرع والقزمية وضيق عظام المخ، وحساسية الجهاز التنفسي، والصلع والشعر الهش وضعف الذاكرة واضمحلال عضلات الأطراف. فوراثة الأمراض تقدم خير دليل لنا على وراثة نشاط الأعضاء والغدد.

 

الحقيقة الخامسة، وراثة الاحاسيس والمشاعر (5) :

ان الإحساس بشعور معين ناتج عن العديد من العمليات الفيزيائية والكيميائية والميكانيكية التي تتم في جسم الإنسان عموما وفي دماغه وجهازه العصبي خصوصا. وتنتج هذه العمليات الفيزيائية والكيميائية والميكانيكية عبر نشط هرموني عصبي عضلي بالغ التعقيد والتطور. وقد خصصنا الحلقة الثانية لتوضيح هذه الحقيقة حيث اوضحنا ما يتم في جسم الانسان من عمليات فيزيائية (في الجهاز العصبي) وكيميائية (افرازات الهرمونات) وميكانيكية (الجهاز العضلي) عند الاحساس بالغضب او الشعور بالسعادة.

 

فعند احساس الانسان لموقف خطير وهو يعبر الشارع مثلا فان الدماغ سيصدر اوامره وإشاراته العصبية الى غدد وخلايا معينة لزيادة افراز هرمونات معينة تؤدي الى زيادة سرعته او احيانا الى جموده وسط الشارع..!! وهذه الحالة قد تسبب هي الاخرى بإصابة الانسان بمرض معين بمعنى اخر فقد يؤدي تعرض الانسان لحادث خطير الى اختلال في خلايا بيتا احدى انواع خلايا جزر لانغرهانس الموجودة في البنكرياس بحيث تنخفض نسبة افراز هرمون الانسولين في الدم مما يؤدي الى الاصابة بداء السكري.

 

وأحيانا فان الية العمل هذه تكون معكوسة، بمعنى اوضح فإصابة دماغ الانسان او احدى غدده او خلاياه المنتجة للهرمونات بمرض او اختلال ما فان ذلك الانسان قد يعتاد ويتطبع على حدة المزاج وسرعة الانفعال او على العكس قد نراه هادئا اكثر من المعتاد.

 

ان الية عمل الهرمونات في جسم الانسان اثناء عبوره الشارع وان كان يخص واقع مادي احاط بالفرد، فانه ينطبق ايضا على الية عمل هرمونات اخرى في المواقف العاطفية، كالفرح والحزن او السعادة والكآبة او الأمل واليأس او الخضوع والتحدي. وهكذا فان الانسان سيرث طريقة معالجته او تعاطيه مع المواقف التي يمر بها في حياته سلبا وإيجابا بحكم وراثته لبصمته الهرمونية وفسيولوجية أعضاءه. اي ان وراثة البصمة الهرمونية وفسيولوجية الاعضاء وأمراضهما تقدم لنا الدليل على امكانية وراثة الاحاسيس والمشاعر والانفعالات والعكس صحيح.

 

الحقيقة السادسة، وراثة التفكير (6) :

في الحقيقة وكما هو معلوم لكل متابع فان علماء الطب لم يتوصلوا ولهذه اللحظة بإمكانية وراثة الفكر او حتى طريقة التفكير، ولكننا ومن خلال تحرينا ودراستنا لتطورات علم الإندوكرينولوجيا (الغدد والهرمونات) وما توصل اليه العلماء في هذا الميدان فأننا قد وجدنا العديد من الهرمونات والأحماض التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في اجزاء عملية التفكير، أي في الفهم والاستيعاب والتخطيط واتخاذ القرار، والإحساس بالبهجة والاستمتاع والتخيل.

 

فهرمونات السيروتونين والدوبامين والإندورفين و الاكسيتوسين والجريلين بالإضافة الى حامض الغلوتاميك او غلوتامات تمارس تأثيرا مهما في تحفيز التعلم وتنشيط الذاكرة واللذان يعتبران من اهم متطلبات عملية التفكير.

 

وباعتبار التفكير سلسلة من النشاطات التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمس : السمع والبصر واللمس والشم والذوق، فان قدرة الفرد على التعلم والتذكر والفهم والاستيعاب ومن ثم قدرته على التفكير، مرتبطة ارتباط مهم وحيوي بسلامة الحواس الخمسة، والتي هي الاخرى بدورها مرتبطة بشكل او بأخر بمدى سلامة جيناتها الوراثية وبمدى سلامة البصمة الهرمونية للفرد عموما ولهذه الحواس خصوصا، ذلك لان كل حاسة من الحواس الخمسة محكومة بكل تأكيد من قبل الجينات الوراثية ومن قبل هرمونات معينة، فهرمون اللبتين "هرمون الدهون" يؤثر بشكل كبير في حاستي السمع والبصر، كما ان حدوث ورم حميد في الغدة النخامية والتي أغلب امراضها وراثية، يؤدي الى زيادة نسبة افراز هرمون البرولاكتين والذي يعرف بـ"هرمون الحليب" وهو الامر الذي يؤثر على حاسة البصر بشكل كبير.

 

كما تساهم هذه الهرمونات في الاحساس بالسعادة والهدوء والطمأنينة وهي وان كانت من قبيل العاطفة إلا انها وبنفس الوقت تعتبر من مراحل التفكير حيث يمثل الإحساس بالبهجة والاستمتاع عقب عملية التفكير، امرا مهما للفرد حيث يشجعه ويدفعه الى الاستمرار في التفكير. وهنا نود ان ننبه بان الاحساس بالسعادة والهدوء والطمأنينة لا تمثل مجرد مرحلة نهائية من مراحل عملية التفكير فحسب، بل ان العواطف تشارك مشاركة مهمة وفاعلة قبل وأثناء عملية التفكير. فان الافكار وحتى بعض النظريات العلمية الرصينة بنيت اساسا على احساسا ما او شعور معينا راود المفكر او العالم قبل او اثناء تفكيره او وضعه لنظريته.

 

اذن فطالما نقلت البصمة الهرمونية عبر الجينات الوراثية من جيل لآخر، وطالما وجد تأثير هرموني في عملية تفكير الانسان او في جزيئياتها، فان عملية التفكير سيتم توارثها هي الاخرى. اي ان وجود تأثير هرموني في عملية التفكير يقدم لنا الدليل على امكانية وراثة طريقة التفكير وان كان هذا الدليل غير مباشر ولا يورث الفكر نفسه.

 

الحقيقة السابعة، وراثة الشخصية :

أن أي تصرف يقرره الفرد حيال موقف ما أو قضية معينة إنما هو في الحقيقة ناتج عن قدرات فكرية وعاطفية لذلك الفرد، فمثلا فأن التزام الهدوء او الغضب من قبل فرد ما وهو يواجه موقفا أو قضية مهمة أو حساسة أو خطرة يعبر عن طبيعة تلك القدرات وبنفس الوقت يعبر عن شخصية ذلك الفرد، حتى يوصف بأنه إنسان هادئ أو عصبي (مضطرب أو منفعل) أو صاحب شخصية هادئة أو شخصية عصبية (مضطربة أو منفعلة).

 

والهدوء أو الاضطراب هنا لا يعني مجرد صفة مفردة من بين صفات عديدة للإنسان إنما الهدوء أو الاضطراب هنا سيمثل الشخصية برمتها، أي أننا هنا لا نتحدث عن كلمة أنما عن صفة، وصفة الهدوء أو الاضطراب هنا هي صفة عامة تعبر عن عشرات المعاني والصفات المتناسبة والمنسجمة مع صفة الهدوء أو الاضطراب.

 

فدائما ما يصاحب الهدوء، الحكمة وبعد النظر والصبر والتأني وسعة الصدر والمسؤولية وقوة الضمير والإحساس والقدرة على استشعار الخطر والتخطيط المسبق وتوقع المشاكل المفترضة وإيجاد الحلول المناسبة والبديلة بل وقد يصاحب الهدوء أيضا القدرة على الحسم والرد السريع والحسم وقوة الانتقام أي انه سيحسن التصرف بشكل منطقي عقلاني مفهوم. فكل هذه الصفات والقدرات تعبر في الحقيقة عن وجود هدوء ضمني في كل واحدة من هذه الصفات. ولولا تحلي الإنسان بصفة الهدوء لما استطاع أصلا أن يتحلى بباقي الصفات، فلا يمكن أن يكون الإنسان حكيما من غير أن يكون صبورا ولا يمكن أن يكون صبورا من غير أن يكون هادئا، ولا يمكن أن يخطط الإنسان ويحسن التصرف ويضع الحلول المناسبة للمشاكل المتوقعة من غير يكون هادئ، فصفة الهدوء هنا صفة أساسية محورية في شخصية الإنسان بحيث يتم بناء باقي الصفات عليها، فالصفة المحورية هنا تمثل عشرات الصفات.

 

والعكس صحيح في حالة الإنسان المضطرب الشخصية فالاضطراب هو الأخر سيمثل صفة محورية في شخصية الإنسان تجذب إليها ما يناسبها وينسجم معها كالانفعال والهياج والغضب والتسرع والقلق وسوء التخطيط والتخبط والتصرف اللامنطقي واللامعقول واللامفهوم.

 

وهكذا فان الشخصية تنقسم لعدد غير محدد من الانواع، فهنالك الهادئ ونقيضه وهنالك ايضا من هو بالغ الهدوء ومن هو بالغ الانفعال والهدوء ان كان اكثر من المعقول والطبيعي قد يولد صفات قبيحة في شخصية الانسان كعدم مبالاته واكتراثه بالآخرين والمسؤولية العامة بل وقد يدفع به الى الجبن مثلما قد يدفع بصاحب الشخصية الحادة المنفعلة الى التهور او قد يؤدي هدوء الانسان وبحكم تحليه بالصبر والحكمة والذكاء وعدم التسرع والتهور الى ان تكون طريقة رده على خصومه وأعداءه طريقة "خبيثة" بالمكر والخداع.

 

الخلاصة :

لقد كشفت الحقائق العلمية لتأثير الجينات الوراثية في حياة الانسان عن وجود تأثير كبير لها في شخصية الانسان وسلوكه وخياراته وقراراته وليس فقط في مظهره وحالته الصحية ومدى استعداده بيولوجيا للإصابة ببعض الامراض دون غيرها. فالجينات الوراثية، وعبر توريثها لما اسميناه بالبصمة الهرمونية للإنسان والتي نعني بها الية ونسب انتاج الهرمونات في جسم الانسان، تلعب دورا مهما في وراثة مكونات الشخصية.

 

فحسب ما اكتشفه العلماء فان البشر يتوارثون مشاعرهم وأحاسيسهم وقدراتهم في التعلم والانتباه والتركيز وقوة الحفظ والذاكرة والتخيل مما يجعلهم يتوارثون طريقة تفكيرهم ايضا.

 

فشخصية الإنسان والتي هي عبارة عن صفة واحدة محورية، تنتج عن تفاعل قدرات الانسان الفكرية والعاطفية (كقدرة التعلم والذاكرة والتركيز والربط والتوقع والتحليل والاستنتاج والتخطيط ودرجة التحسس والانفعال) والتي تتشكل حسب طريقة معالجة عقل الإنسان لما يلاقيه في حياته من أحداث ومواقف وقضايا، حيث تلعب حواس الانسان المادية والمعنوية دور الناقل من الواقع الى دماغ الانسان وقلبه. مع العلم بان وطريقة المعالجة هذه تتأثر بالمؤثرات البيئية (الوضع الاقتصادي والثقافة المكتسبة وتأثير رجال الدين) وتتأثر ايضا بالمؤثرات الوراثية (البصمة الجينية والبصمة الهرمونية).

 

أي وبمعنى اوضح، فان شخصية الانسان تتحدد وترسم من قبل دماغ الانسان وجهازه العصبي وحواسه الخمسة بالإضافة الى القلب (الذي على ما يبدو من خلال بعض التجارب والشواهد الطبية اكثر من مجرد مضخة للدماء في عروق البشر). وبما ان دماغ الانسان وقلبه وجهازه العصبي وحواسه الخمسة خاضعة لتأثير العوامل الوراثية (الجينات والهرمونات) فان الانسان سيرث شخصيته من والديه وسلالته او على الاقل جزءا منها كالصفة المحورية. اي ان شخصية الانسان لا تتشكل بالعوامل الاقتصادية والثقافية والدينية فحسب بل وبالعوامل الوراثية ايضا.

 

وبالتالي فان كل إنسان يولد وهو مجبول على صفة محورية معينة قد تهفت حدتها او تزداد حسب ما ستلاقيه من ظروف اجتماعية محيطة بذلك الإنسان، فقد تلعب الجينات الوراثية دورا مؤثرا على شخصية الانسان إلا أنها بحاجة إلى مؤثرات بيئية لتنشيطها.

 

اي ان تأثير الجينات الوراثية في الانسان هي بمثابة الارض التي تنمو عليها باقي العوامل المؤثرة في صياغة تكوينه الفكري والعقائدي، مثال ذلك المزرعة حيث تتمثل الجينات الوراثية بالأرض الخصبة، ويتمثل الواقع المادي بالآلات والمعدات والبذور الزراعية، ويتمثل العامل الثقافي بما يروج في السوق من مزروعات دون غيرها، ويتمثل الواعز الديني بما يحرم من زراعة بعض انواع المزروعات والثمار، بينما يلعب العقل دور المزارع او الفلاح الذي يوجه ويجمع كل هذه العوامل لخدمة هدفه إلا وهو الانتاج او تحقيق اهداف ومصالح الانسان.

 

وفي الحلقة القادمة وهي الخامسة والأخيرة من هذا الجزء، وبعد ان تناولنا موقف العلم من تأثير الجينات الوراثية في حياة الانسان وفي تشكيل شخصيته وتوجه سلوكه وتحديد خياراته وحسم قراراته، فسنتحدث بأذن الله تعالى عن آفاق تطور علم الوراثة، وكيفية استثماره في سبيل اعادة البناء العرقي لامتنا العربية المجيدة، وبما يؤدي الى معالجة النتائج الكارثية المترتبة على اهمالنا لأهمية العرق لقرون طويلة، وبما يمكننا من وضع برنامجنا الخاص للحفاظ على العرق العربي الاصيل كجزء من واجباتنا تجاه رعاية امتنا وعرقها المهدد بالزوال.

 

الهوامش والمصادر:

نرجو قراءة المصادر التالية بتركيز وتدقيق بالغين للتأكد من مدى سلامة وصحة ما جاء في حلقتنا هذه.

1- وراثة نواة خلايا اجسامنا :

- النواة :

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%A9_%28%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%A9%29

 

- الخلية :

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%A9

 

2- نشاط الهرمونات في جسم الانسان :

- الهرمون :

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%87%D8%B1%D9%85%D9%88%D9%86

 

- قائمة الهرمونات البشرية

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%84%D8%AD%D9%82:%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%B1%D9%85%D9%88%D9%86%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%A9

 

3- وراثة البصمة الهرمونية :

ونستدل عليها من خلال وراثة امراض الغدد والهرمونات.

 

- مرض الوسواس القهري، دليل على وراثة نشاط هرمون السيروتونين :

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%A7%D8%B3_%D9%82%D9%87%D8%B1%D9%8A

 

- قصور الغدة النخامية :

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D8%B5%D9%88%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AE%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9

 

4- وراثة فسيولوجية أعضاء الإنسان:

ونستدل عليها من خلال وراثة بعض امراض الاعضاء الحيوية كامراض القلب والعيون والعضلات الوراثية.

 

- علم دراسة وظائف اعضاء الانسان (الفسيولوجيا) :

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7

 

- المرض الوراثي :

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%B1%D8%B6_%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AB%D9%8A

 

- انواع الامراض الوراثية :

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B5%D9%86%D9%8A%D9%81:%D8%A3%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%B6_%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AB%D9%8A%D8%A9

 

- متلازمة الوهن العضلي الخلقي، من امراض الجهاز العضلي الوراثية :

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AA%D9%84%D8%A7%D8%B2%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%87%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B6%D9%84%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%82%D9%8A

 

- رباعية فالو، من امراض القلب الوراثية:

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D9%81%D8%A7%D9%84%D9%88

 

- امراض العيون الوراثية :

http://www.alriyadh.com/2005/10/29/article104178.html

 

- التهاب الشبكية الصباغي، من امراض العيون الوراثية :

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%87%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D9%83%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A8%D8%A7%D8%BA%D9%8A

 

5- وراثة المشاعر والأحاسيس :

ان وراثة البصمة الهرمونية وفسيولوجية الاعضاء وأمراضهما تقدم لنا الدليل على امكانية وراثة الاحاسيس والمشاعر والانفعالات والعكس صحيح.

 

- الجينات الوراثية تتحكم في شخصية وطباع الإنسان

http://www.alarabiya.net/articles/2012/04/18/208532.html

 

- هل يمكن وراثة السعادة..؟

http://www.sehitak.com/view-1384.html

 

- الغيرة...وراثة..!!

http://www.ahram.org.eg/New-day/News/22553.aspx

 

- مزاجك وراثي بالدرجة الاولى :

http://www.alriyadh.com/2008/05/04/article339784.html

 

- الضحك

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B6%D8%AD%D9%83

 

- الغضب

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B6%D8%A8

 

- هرمون السعادة :

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%AA%D9%88%D9%86%D9%8A%D9%86

 

6- الحقيقة السادسة، وراثة التفكير:

ان وجود تأثير هرموني في جزيئيات عملية التفكير وحواس الانسان الخمسة يقدم لنا الدليل على امكانية وراثة طريقة التفكير وان كان هذا الدليل غير مباشر و لا يورث الفكر نفسه.

 

- هرمونات الغدة الدرقية تساعد على التطبّع في الذاكرة

http://www.alrayy.com/62186.htm

 

- هرمون يحسّن الذاكرة ويقوي التركيز

http://www.mbc.net/ar/variety/health/articles/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9--%D9%87%D8%B1%D9%85%D9%88%D9%86-%D9%8A%D8%AD%D8%B3%D9%91%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D9%8A%D9%82%D9%88%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%B2.html

 

- هرمون الدهون يفقد السمع والبصر لدى الانسان

http://maktoob.omg.yahoo.com/news/%D9%87%D8%B1%D9%85%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%87%D9%88%D9%86-%D9%8A%D9%81%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%B9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B5%D8%B1-%D9%84%D8%AF%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86-071056614.html

 

- زيادة هرمون الحليب وآثاره على صحة الانسان

http://www.webteb.com/woman-health/diseases/%D9%87%D8%B1%D9%85%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D9%8A%D8%A8

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

rafat_ali2009@yahoo.com

بغداد الجهاد

 ٥ / كانون الاول / ٢٠١٢

 

 





الجمعة ٧ صفر ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / كانون الاول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق رأفت علي والمقاتل النسر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة