شبكة ذي قار
عـاجـل










الحلقة الثانية  :  حركة الإخوان المسلمين

 

استناداً إلى مقاطع منتخبة من الفصل السادس من كتاب (الردة في الإسلام) لمؤلفه حسن خليل غريب، المنشور في العام 1999، سننشر خمس حلقات تعالج هذا الموضوع، وقمنا بتقسيمها إلى موضوعين رئيسين، وهم : 

أول :  التعريف بأهم حركتين بينها، وقسمناها إلى ثلاث حلقات :  

- الحلقة الأولى :  الحركات الإسلامية من مرحلة التبشير إلى مرحلة التنظيم :

- الحلقة الثانية :  حركة الإخوان المسلمين

- الحلقة الثالثة :  حركة ولاية الفقيه

ثاني :   القضايا الخلافية بين حركات الإسلام السياسي :

- الحلقة الرابعة :  حركـة الإحياء الإسلامي وسيادة مبدأ الاتهام بالردة

- الحلقة الخامسة :   إشكالية مقاربـة النص الإسلامي مع انتشار العولمـة/ الأنسنـة

 

 

الحلقة الثانية :  حركة الإخوان المسلمين

أ -  حركـة الإخـوان المسلمـين :

ارتبطت نشأة حركة الإخوان المسلمين بالحركة الإصلاحية التي ابتدأت مع الأفغاني؛ وقد أخذ حسن البنَّا (1324- 1368هـ=1906- 1949م) - مؤسس الحركة-  في العام (1345هـ=1927م)، السلفية عن أساتذته في الحركة الإصلاحية، وبشكل خاص عن محمد عبده، وحاول أن يعود بها إلى حماس الأفغاني ونشاطه ونظرته الشمولية وعدائه للاستعمار والتخلف؛ وحاول أن يكمل ما نقص عند الأفغاني محققاً هدفه في تجنيد الجماهير الإسلامية. فأسس جماعة الإخوان المسلمين - كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة-  التي خرجت منها الجماعات الإسلامية الحالية.

 

لم تكن الحركة الإصلاحية الدينية هي الوحيدة التي احتلَّت الساحة الفكرية في مواجهة أهم متغيرين :  فشل استمرار الدولة الأممية الإسلامية من جهة؛ وانتشار أسس الحضارة الغربية في أوساط النخب المثقفة الإسلامية والعربية من جهة أخرى. فقد سار، إلى جانب تيار الحركة الإصلاحية، تياران آخران، وهم :  التيار الليبرالي الذي أسَّسه رفاعة رافع الطهطاوي (1216- 1290هـ=1801- 1873م)، والتيار العلماني. فشكَّل هذان التياران حافزاً مباشراً في نشأة الحركة الإسلامية الإصلاحية المعاصرة.

 

انفتح التيار الليبرالي على التراث الغربي، وأحيا الفكر. فجاء طه حسين وانكبَّ على منهج الاستنارة العقلية، وتحوَّلت الليبرالية على يديه إلى إعمال للعقل في نقد التراث الأدبي، ونقد الأوضاع الاجتماعية. وهنا خبا الإسلام لصالح الغرب، وأثارت هذه النتيجة السلفيون الإسلاميون، وبدأت موجات التكفير. وثم انتهت الليبرالية تماماً، وظهر كُتَّاب إسلاميون، أقرب إلى السلفية منهم إلى العقلانية، يُكفِّرون طه حسين، ويضعون الإسلام في مواجهة العقل والعلم والنظم الديموقراطية، ويُظهرون جوانبه الإلهية على حساب الجوانب العقلانية. فانتهت الليبرالية وسادت موجات التكفير لكل فكر جديد؛ وأصبح كل اجتهاد بدعة. وقد تاب عدد من الليبراليين مثل علي عبد الرزَّاق وخالد محمد خالد؛ وأعطى هذا الانقلاب في الحركة الليبرالية دفعة جديدة للأصولية الإسلامية.

 

أما التيار العلماني فشطح كثيراً تجاه الحضارة الغربية؛ وبدأت النظم العلمانية الغربية كالإشتراكية أو القومية تظهر كبديل عن النظام الإسلامي. وقد خلَّف هذا التيار ردود فعل لدى الأصولية الإسلامية، فأظهرت العداء الشامل للغرب. وفي المقابل تحوَّل التيار العلماني إلى المادية والإلحاد والطعن على الإسلام والمسلمين؛ وهكذا انتهى فجر  النهضة الإسلامية العربية الحديثة لصالح الأصولية الإسلامية، وسادت روح المحافظة الدينية.

 

شقَّت حركة الإخوان المسلمين، بقيادة حسن البنا، طريقها بسهولة، منذ تأسيسها حتى قيام ثورة 23يوليو/ تموز 1952م في مصر؛ وامتازت بعدد من الخصائص، منه :

 

- ارتباطها بالحركة الوطنية المصرية، خاصة في الأربعينات من القرن20م، وكان ينظر الاستعمار إليها على أنها عدوه الرئيس. وشارك أعضاؤها في حرب فلسطين.

- اصطدامها بالملكية، لأن الإسلام حسب اعتقادها لا يقبل النظام الملكي، أو يعترف بإمام للمسلمين لا تقوم ولايته بيعة وشورى.

- شعبية الدعوة وتغلغلها في أوساط العمال والفلاحين والطلبة والمثقفين. وصياغة برنامج إصلاحي شامل.

- نشاط الدعوة وفاعلية تنظيمها.

- الانفتاح على العالمين العربي والإسلامي.

- مثَّلت دعوة ظاهرة في أذهان الناس بالمقارنة مع الأحزاب التي كانت قائمة.

 

اصطدمت حركة الإخوان مع المَلَكِيَّة في مصر، وقُتِل بنتيجة الصدام حسن البنا، مؤسس الحركة. وفي المرة الثانية مع ثورة 23يوليو/ تموز وذلك على إثر محاولة الاغتيال التي نفَّذتها الحركة ضد جمال عبد الناصر؛ وقد برز نتيجة للصراع سيد قطب (1324- 1386هـ=1906- 1966م)، الذي مثَّل - قبل إعدامه في العام 1966م- قمة النضج الفكري عند الإخوان المسلمين.

 

اصبح كتاب سيد قطب (معالم في الطريق) يُعبِّر أصدق تعبير عن حال الدعوة الإسلامية في ظروف الاضطهاد. وهو يمثِّل محوراً أساسياً في تطور فكر الإخوان. وفيه يرسم بوضوح منهاج الدعوى القائم على أن هناك تعارض شديد بين فكرتين وتصورين، ومجتمعين و نظامين وحقيقتين :  الإسلام والجاهلية، الإيمان والكفر، ولا بقاء لطرف إلا بالقضاء على الطرف الآخر.

 

- فالإسلام هو الحق والخير والعدل؛ هو مجتمع الإيمان حيث تكون فيه الحاكمية لله؛ ونظام الدولة القائم هو مجتمع الكفر. ولا يمكن إحداث التغيير فيه إلا عن طريق الانقلاب، والقضاء على أئمة الكفر، ووضع أئمة الإيمان محلهم؛ ويقوم بهذه العملية الصفوة المؤمنة، وهي مفروضة فرضاً عينياً على كل مسلم ومسلمة.

 

لقد تأثَّر سيد قطب بأبي الأعلى المودودي، الباكستاني الأصل، خاصة في بلورة فكرة الجهاد. وانحصرت مستويات الرؤية للمودودي في الآتي :  «إن حاكمية الله هي ضد حاكمية البشر، وإن ألوهية الله في مواجهة ألوهية البشر، ثم ربانية الله في مقابل العبودية لغيره من البشر، وأخيراً وحدانية الله في مقابل الاعتماد على أي مصدر آخر في تيسير أمور الحياة». وقد مثَّلت فكرة (الحاكمية لله) ما يشبه المُسلَّمَة الفكرية والحركية بالنسبة لتنظيمات الإخوان المسلمين، حيث كانت الحاكمية تعني تكفير الحاكم والمؤسسات المحيطة به، وشرعية الانقلاب عليه، لأنه يستند إلى حاكمية أخرى غير حاكمية الله وهي (حاكمية البشر) التي تسمح أحياناً بالديموقراطية، وأحياناً أخرى بالاشتراكية وبالعلمانية.

 

وعلى العموم، انتشرت حركة الإخوان المسلمين - بالإضافة إلى مصر-  وبشكل أساسي في كل من سوريا والجزائر. وسيان كانت الأسباب فقد انقسمت الحركة إلى تيارات عدَّة يجمع بينها الدعوة إلى إقامة الدولة الإسلامية، وتتمايز بعضها عن بعض في أسلوب الوصول إلى الهدف. وهذه أهم تياراتهم :

 

«  السلفيـون :  وهم الداعون بالقلب. ويحسبون أنه لا سبيل إلى مواجهة السلطة؛ فدعوا إلى إنكار ما تفعله، على أن لا تتجاوز الدعوة القلب إلى اليد واللسان؛ وهم يصلون إلى الهدف بالتربية الدينية. ويستندون إلى الآية :  )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ( (المائدة :  من الآية105). وانطلقوا من أن السلف الصالح هو النموذج البشري الذي يجب أن يُقتَدى به.

 

« الإخوان المسلمون والدعوة باللسان :  تخلَّوا عن أسلوب الحركة الأول في  التنظيم السري وأدوات القتال و أساليب الاغتيال. وأصبح سبيلهم في محاربة الانحراف والفساد الدعوة باللسان، أي تعليم الناس، حاكمين ومحكومين، الكتاب.

 

 « الإخوان المسلمون :  جماعة التكفير والهجرة :  تأسست العام (1397هـ =1977م). وتحسب نفسها أنها الفرقة الناجية من النار. ودعت إلى النضال ضد الدولة الكافرة التي تحكم بغير ما أنزل الله. ويمر النضال عندهم بمراحل ثلاث :

 

- مرحلة الدعوة إلى إعلاء كلمة الله، وهي مرحلة علنية.

- المرحلة التي يبدأ فيها الصراع، ويشتدُّ البلاء. وفي أثنائها يهاجر المؤمنون إلى أرض تحفظ عليهم إيمانهم وأرواحهم؛ وفيها يتربون تربية قتالية في سبيل العودة لقتال الكافرين.

- الثالثة :  وهي مرحلة العودة بعد أن يشتدَّ عود المهاجرين، وحينها سوف ينتصرون على جند الشيطان حتماً.

وتقوم دعائم دعوتهم- كما وردت في اعترافات أميرهم شكري أحمد مصطفى أمام محكمة أمن الدولة العسكرية العليا في مصر في العام 1977م-  على ثلاث :

 

- الأولى :  ما يتصل بإيجاب التماس الهدى والعلم من الله وحده.

- الثانيـة :  ما يتصل بحد الإسلام.

- الثالثـة :  تحديد الغاية الإسلامية، وأسلوب السعي إليها بالطريقة الشرعية. والحاكمية هي، أيضاً، من فكر هذه الجماعة، ولكنهم يطبِّقونه بأسلوب العزلة وليس القتال. وتُحرِّم الجماعة كل ما يُسمَّى بعلم وليس بعلم إن لم يتصل سنده بالله. ودلائل علم الله عندهم أربعة :  الفطرة - خلق السماوات والأرض- الرسل- الكتب.

 

ومنهاج الإسلام- عندهم- يعتمد على المطالبة بالدليل والحجة، وليس على إغلاق باب النقاش/ الاجتهاد. ولذلك - يحسبون-  أنه منذ أن تُرِكَ التلقِّي من القرآن والسُنَّة - إقفال باب الاجتهاد-  واقتصر الأمر على تقليد الرجال وآرائهم الذين يسمونهم الأئمة، سقط الإسلام. وهنا يحسب أحمد شكري مصطفى - أمير الجماعة-  أن أكثر المعاهد الأزهرية الدينية-  في ما يتصل بالجوانب الفقهية بالذات - منحرف كل الانحراف، لأنها تقرر دراسة فلسفة ابن سينا والفارابي والكندي وغيرهم على طلبة الكليات بما فيها من انحراف متعمَّد. فالعلم عنده«من الله وحده، وإن ما عداه فهو ظن، وعليه فإننا نُخرِج كل ما لا يتصل سنده بالله من دائرة العلوم - وإن أسموه علوم-  كعلوم الفلسفة والاجتماع… إن العلم الذي أجاز الله تعلمه للناس إنما هو على سبيل الحصر :  العلم الذي يربطهم بالتكليف الوحيد الذي لم يكلفهم الله إلا به وهو عبادته سبحانه… وأول سورة أنزلها ]عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ( (العلق : 5) …هي نهي عن التعليم إلا للعبودية». و« ثبتَ أن الأعلم بالله والأتقى له هو الأقل علماً بأمور الدنيا». و«يُحرَّم تعليم الكتابة في الجماعة المسلمة إلا بقدر الحاجة العملية الواقعية لما يتصل بالكتابة، وتعلُّم الكتابة الزائدة حرام». وهو يحسب أن مضار العلوم الدنيوية حجة :  «إن البشرية كلها الضالة، التي دمرها الله تعالى، لم تكن تزهو إلا بالعلم، ولم تكن تتعالى على الله إلا بثمرة هذا العلم المنعدم الصلة بعبادة الله وحده».

 

تُبطِل جماعة التكفير والهجرة شرعية أي دستور غير قائم على الشريعة الإسلامية، حتى ولو جاء فيه أن الشعب هو مصدر السلطات؛ فإن التشريع لا يمكن أن يكون لأي مخلوق أو أمة أو شعب، فهو لله وحده. فالرسول كما يزعم شكري مصطفى-  رفض رفضاً كاملاً أن يكون الشعب هو الذي يختار الخليفة؛ والسبب هو أن الدين الإسلامي يعلم أن عموم الناس لا يملكون الإمكانيات الصحيحة، سواء من القدرات العقلية، ولا من المعلومات الواردة، على اختيار الأصلح لهم.

 

إن مظاهر معصية الله الآن «في الأرض - كل الأرض-  وفي المجتمعات - كل المجتمعات…هو مثل الدساتير المُستَمدَّة من غير شرع الله تبارك وتعالى، والمنبثقة من إرادة الشعوب بزعمهم؛ وإننا نقرر الآن [يستطرد شكري مصطفى] أنه لا ظل لدين الله في الأرض… فكان على المؤمنين أن يبعثهم الله…بعد أن يضرب ضربته سبحانه ويبطش بطشته انتقاماً لألوهيته و عزَّته…».

 

ولا تُجيز الجماعة قتال اليهود، ولهذا طلبوا إعفاءَهم من الخدمة العسكرية في الجيش المصري، لأن الجيش لا يقاتل في سبيل الله، و«قتال العرب الآن لليهود لا يمكن بحال أن يُسمَّى قتالاً إسلامياً؛ حيث إن القتال الإسلامي- كما نعرفه- هو القتال في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، يعني لغرض الحكم بما أنزل الله، وليس من الممكن أن يقاتل قوم لا يحكمون أنفسهم بكتاب الله، ليحكموا غيرهم بكتاب الله…».

 

لهذا، حتى لو دخل اليهود مصر - يتابع شكري مصطفى- « فليس بالضرورة أن يكون سلوكي هو تقديم شباب جماعة المسلمين للموت في هذه المعارك، إنما قد يكون سلوكي ترك مصر وينتهي الأمر…». و«خطتنا هي الفرار من العدو الوافد تماماً كالفرار من العدو المحلِّي وليس مواجهته…».

 

أما بخصوص بقاء بعض أفراد الجماعة في الجيش، أحلال هو أم حرام، فيقول :  «فإنه عندنا حرام من الناحية الشرعية».

تحكم الجماعة بالكفر على كل من لا يقتنع بفكرها ومذهبها، بسبب تكذيبه بآيات الله وسُنَّة رسوله، والتي يزعم شكري مصطفى أنه يسوقها آية تلو آية، ودليلاً تلو دليل.

وتحكم، أيضاً، بكفر أي إنسان بعد البلاغ وإقامة الحجة؛ ولكنهم- كما يقول- لا يَحِلُّ لهم قتله الآن، وإذا قتله أحد من جماعته فلا يستحق القود استناداً إلى ما جاء في حديث الرسول « لا يُقتَل مؤمن بكافر».

 

« الإخوان المسلمون :  تنظيم الفنية العسكريـة :  أُنشيء في العام (1393هـ =1973م)، وأُعدِم أميره صالح سرية في العام 1975م على إثر قيامه بمحاولة لقلب نظام الحكم في مصر.

يعتقدون أن الجهاد لتغيير الحكومات الكافرة، وإقامة الدولة الإسلامية، فرض عين على كل مسلم ومسلمة. لكنهم يُجيزون للمسلم أن يشارك في هكذا حكومات على مختلف المستويات إذا كان واحداً من ثلاث :

- إذا كان واضحاً في عقيدته مصرِّحاً بأنه يعمل لإقامة الدولة الإسلامية.

 

- أن يدخل في مختلف اختصاصات الدولة بأمر من الجماعة، إذا كان العلن غير ممكن.

- إذا وطَّد العزم على أن ينضمَّ إلى الجماعة الإسلامية الحقَّة حين يجدها.

 

يكفر عندهم كل شخص يشترك في الأحزاب والجمعيات ويعتنق مبادئها العقائدية - وكل من يوالي الدولة والأحزاب الكافرة - كل من أعدَّ القوانين المخالفة للإسلام أو أسهم في إعدادها، أو طبَّقها من دون اعتراض - المعارضون لأحكام الإسلام مهما كانت - الاعتزاز بتراث الكفر - حصر الدين بالعبادة - كل من سبَّ الله أو الدين أو النبي - كل من ترك أركان الإسلام، وكل من أنكر إحدى عقائده.

 

أما القواعد التي اعتمدها التنظيم لتكفير الناس فهي ثلاث :

- الأولى :  إن الإيمان بالله يقتضي بأنه وحده الذي يرسم منهاج الناس وشرائعهم.

- الثانية :  إن الإسلام كل متكامل، من آمن ببعضه وترك البعض الآخر فهو كافر.

- الثالثـة :  يتم الحكم على الإيمان بثلاثة أركان، كما يقول السلف :  «الإقرار بالجنان، والتكلم باللسان، والعمل بالأركان، فإن اختلَّ ركن واحد من هذه الأركان حكمنا بالكفر».

 

« الإخـوان المسلمون :  جماعـة الجهـاد :  وقد ظهرت إلى الوجود في العام 1973م؛ وتفرَّع عنها جماعة الجهاد الإسلامي في العام (1399هـ=1979م)، وهي التي نفَّذت اغتيال أنور السادات في العام 1981م.

 

أما جماعة الجهاد الإسلامي فهي جماعات متعددة، لا يضمها إطار تنظيمي واحد، بل تفرَّقت بها السبل إلى عدة تنظيمات صغيرة لا يجمعها إلا (عقيدة الجهاد)، وقتال الحاكم وتكفير مؤسساته المختلفة؛ ولم يعد لقيادة بعينها داخل تنظيم الجهاد الأم سلطان مطلق على شتى جماعات الجهاد الإسلامي.

 

يقوم فكرها على عقيدة الجهاد، تلك الفريضة الغائبة التي تركها المسلمون، وتقوم ممارستها على قتال الحاكم الظالم، فرداً كان أو جماعة، مواجهةً أو اغتيالاً بناءً على تكفير الحاكم. وعماد عقيدة الجهاد يستند إلى فكرة الحاكمية، التي يؤمن بها كل أعضاء الجماعة سواء من يؤيد العنف منهم، أو من يسلك طريق النصيحة.

 

والحاكميـة ليست للسلطة أو للحاكم بل للشريعة؛ أما السلطة فهي مجرد أداة لتنفيذ شرع الله. وعن فكرة الحاكمية ينتج تكفير النظام، وتكفير الحاكم ووجوب الخروج عليه، وجواز قتاله، واغتنام أموال الدولة، ومحاربة الجيش والبوليس لأن الخدمة فيهما كفراً. فلا طاعة إلا لإمام، ويجب عصيان إمارة الكفر والسفه والجاهلية. ويتم تكفير الحاكم استناداً إلى قوله تعالى : )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ( (المائدة :  من الآية47).

 

ترى جماعة الجهاد أن القتال ضد السلطة الكافرة واجباً دينياً لا يمكن التقصير في القيام به. ووجوب قتال الحاكمين عندهم يستند إلى أنهم ارتدُّوا عن دينهم حينما حكموا بغير ما أنزل الله؛ و يُعَدُّ قتل المرتد واجباً دينياً؛ وإنه ليس من حق المسلم أن يتخلَّى أبداً عن قتل المرتد، وعلى هذا الأساس يجب أن يبدأ المسلمون.

 

انتقدت جماعة الجهاد جماعة التكفير والهجرة، وهم يُذكِّرونهم بأنه)كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُم( (البقرة :  من الآية216). وانتقدوا، أيضاً، الواقفين بالإسلام عند حدود التقوى والعبادة والنسك،وقالوا بأن قمة العبادة في الإسلام هي الجهاد؛ فأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر؛ ومن يقف عند حدود العبادة فهو إما أنه لايفهم الإسلام أو هو جبان.

 

و يردُّون على الذين يدعون إلى توجيه الطاقات الإسلامية لتحرير مقدَّسات المسلمين وأوطانهم من الاستعمار والصهيونية، بأن الطريق إلى تحرير القدس يمر عبر تحرير البلاد من الحاكم الكافر.

إن الطابع الغالب على قراءات الجماعة هو فكر الفقهاء، وفي مقدمهم مجموعة فتاوى ابن تيمية وتلاميذه.

 

يحدد عبود الزمر - أمير جماعة الجهاد- في العام (1406هـ=1986م) وسائل الوصول إلى بناء دولة إسلامية بمرحلتين :  مرحلة البناء والتكوين، ومرحلة الحركة.

ففي المرحلة الأولى تهتم الجماعة بالتعليم الشرعي والتعليم الواقعي من جهة، وبالتربية الروحية والبدنية من جهة أخرى، وإعداد الأعضاء قتالياً واختصاصاً من جهة ثالثة.

 

أما في المرحلة الثانية، أي الحركة، وهي مجموعة الأعمال التي تقوم بها الجماعة للوصول إلى الغاية العظمى؛ وتتمثَّل بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-  ثم الجهاد في سبيل الله وهو ذروة سنام الإسلام.

وعن أهمية الجهاد يتكلم محمد عبد السلام فرج - الأمين العام لتنظيم الجهاد في العام1979م/1981م-  في وثيقة الفريضة الغائبة، وهي من أهم معتقداتهم، فيقول :  إن إقامة الدولة الإسلامية فرض أنكره بعض المسلمين، وتغافل عنه البعض مع أن الدليل على فرضية قيام الدولة واضح بيِّن في كتاب الله :   )فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه( (المائدة :  من الآية48)؛ ويقول، أيض :  ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ( (المائدة :  من الآية44). ومن أجل ذلك فقد أمر الله المسلمين بالقتال، حيث قال :  )كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَال( (البقرة :  من الآية216). أي أن القتال فرض، وهو واضح بالنص القرآني :  أي المواجهة والدم. فالجهاد، إذن، هو فرض عين.

 

ب -  حزب التحرير الإسلامي  : تأسس في العام (1371هـ=1952م) «بهدف استئناف الحياة الإسلامية، بإقامة دولة إسلامية؛ أو عودة الخلافة لتطبيق الإسلام، لأن الإسلام لا يمكن أن يعود للحياة إلا بدولة تقوم على تطبيق أحكامه في المجتمع». ويرى الحزب أنه لا بد من مراحل ثلاث، كأساس لتطبيق أفكاره :

 

- تهيئة ناس أكفياء مؤمنين بهذه الفكرة، وعندهم الاستعداد الكامل للتضحية بكل ما يستطيعون لنصرة الإسلام.

- تهيئة الأمة لتقبل ما يريد هؤلاء الناس من تطبيقه…

- مرحلة إقامة الدولة الإسلامية.

 

حسب الحزب أنه اجتاز بنجاح المرحلتين الأولى والثانية، فأخذ منذ العام (1385هـ =1965م) ينازع السلطة لاستلام الحكم في أي قطر يستطيع الحصول عليه فيه. وقد حاول في الأردن مرتين، وعدة محاولات في العراق، لكنه لم يُوَفَّق في عمله.

 

يدعو الحزب المسلمين كافة إلى إبصار الطريق الذي حدَّده الشرع والرسول، وهو طريق لا يخضع لتغير الزمان والمكان. قال تعالى :  )قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي( (لأعراف :  من الآية203)، أي لا أقوم ولا أسير بشيء إلا بما يوحيه الله ليسير الناس عليه. فهذه الآيات قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، في بيان وحصر أن ما يأتي به الرسول للناس، وما ينذرهم به، وما يدعوهم إليه، وما ينطق ويتلفَّظ به في تبليغ الرسالة، كله صادر عن الوحي من الله، ولا يحتمل غير ذلك من تأويل أو تفسير. وإن كل من يدعو إلى عدم الأخذ بالسُنَّة النبوية إنما هو عدو للإسلام. ولذلك «فإن إنكار حُجيِّة السُنَّة، قولية كانت أو فعلية، أي إنكار جعلها كالقرآن دليلاُ شرعياً، وأصلاً من أصول الإسلام، التي تُؤخَذ منها العقائد والأحكام الشرعية كفر صُراح».

 

ومع ذلك، فلا يرى الحزب مثلاً أن لبنان يصلح لقيام دولة إسلامية، لأنه لا يوجد فيه مقومات تعيش ولو ليوم واحد. ففي مثل هذه الحالة يعمل الحزب على تهيئة الناس لانضمامه إلى قطر آخر يصلح لهذا. وعلى الرغم من موقف الحزب في شأن لبنان إلا أنه يعلن أن كثيراً مما هو سائد فيه من الأنظمة السياسية والقانونية مخالفة لتعاليم الإسلام :

 

- يشمل مشروع قانون الزواج المدني بعض المسائل التي تؤكد بشكل قاطع أنه قانون كفر. وإن الدعوة إليه كفر. وكل من يرضى به عن طيب نفس هو كافر.

- «كان الواجب على المسلمين رفض كل القوانين اللبنانية المخالفة للقرآن».

- على العلماء «أن يرفضوا أن يكون رئيس الجمهورية نصرانياً، فالله سبحانه يقول :  )وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً( (النساء :  من الآية141)».

بالإضافة إلى كل ذلك، يتخطَّى حزب التحرير كل ما هو إقليمي، وكل ما هو قومي، وكل ما هو وطني، لأنه- كما يزعم- حزب مبدئي يتخطَّى حتى المذهبية؛ فالبلاد «الإسلامية هي بنظر الحزب بلد واحد، كذلك الحزب في كل الأقطار حزب واحد، بقيادة واحدة، وانتظام واحد، ولا يخرج عن ذلك أحد، كل ما تتبناه قيادة الحزب، الجميع مُلزَمون به» .

 

ج -  المذهب الوهابي يبني نظامه السياسي :  محمد بن عبد الوهاب (1115- 1206هـ=1705- 1792م) هو الزعيم الروحي للمذهب الوهابي. انتشر المذهب في منطقة نجد وما حولها في داخل الجزيرة العربية.

والوهابية هي من أولى حركات الإصلاح الديني في الوطن العربي. وهي بعث للاتجاه السلفي المحافظ في الفكر الإسلامي، الذي يأخذ بظاهر النصوص الأصلية، ويرفض البدع كلها، وينفر من الفلسفة والتأويل؛ وكان ابن حنبل هو الذي أسس هذا الاتجاه/ المذهب وتابعه فيه أحمد بن تيمية.

 

فالمذهب الوهابي حركة من حركات اليقظة العربية المناوئة للعثمانيين. ولما انتسب إليه محمد بن سعود - أمير الدرعية في الحجاز-  أصبح له أمراء يسعون لتكوين دولته، وقد انتصر المسعى بتكوين المملكة العربية السعودية في العام (1342هـ =1924م).

 

لقد شهد تجديد (علم التوحيد) بداياته الأولى على يد محمد بن عبد الوهاب؛ وتُعَدُّ الحركة الوهابية استئنافاً للاحتجاجات الحنبلية، التي عبَّر عنها تقي الدين بن تيمية، وتحقيقاً عملياً لانتقاداته المعارضة للبدع المستحدثة في الحياة الدينية والاجتماعية اليومية. وقد بدا هذا الاحتجاج من خلال مظاهر متعددة، منه :  الدعاء والاستغاثة والاستعاذة والحلف بغير الله غير جائز؛ وزيارة القبور إذا كانت مصحوبة ببدع أو إذا كانت لطلب الحوائج أو الشفاعة من أصحابها.

 

لم يُعنَ الوهابيون إطلاقاً بالتدليل على وجود الله أو نبوَّة الرسل أو على إثبات المعاد وما أشبه ذلك من قضايا علم الكلام الإسلامي التقليدي - كما فعل المعتزلة-  وهو أمر يلزم بالقول بالتوحيد العقلي. وإنما كان التوحيد الوهابي ذا مضمون نفسي اجتماعي متحرر من الخرافات والأوهام. وعلى الرغم من ذلك، فقد ظلَّت الوهابية حبيسة أطر ثقافية عاجزة أصلاً عن استخدام الينابيع الأولى لأغراض العالم الحديث.

 

دخلت الوهابية ساحة الصراع الدائر بين الفرق الإسلامية حول حيازة موقع الفرقة الناجية من النار. وهنا يُعرِّف عبد الله التركي - أحد كبار مشايخ الوهابية- الطائفة المنصورة (الناجية)، كما يلي :  «هي الجماعة القائمة بأمر الله، العاملة بكتابه، المهتدية بسُنَّة رسولهr ، وهي الملَّة المنصورة التي أخبر عنها المصطفىr، والفرقة الناجية من الثلاث والسبعين فرقة التي ذكر الرسول r أن أمته ستفترق عليها». ويقول، أيضاً، إن كثيراً من المسلمين :  «انحرفوا عن الجادَّة، وتفرقوا شِيعاً وأحزاباً، وابتعدوا عن الكتاب والسُنَّة، وما عليه سلف الأمة، واستوردوا مناهج عملهم من أعدائهم». أما المملكة العربية السعودية فتتميز بواقعها وخصوصياتها، وأنها «ليست في حاجة لأي فكر وافد أو منهج من أي جماعة أو حزب، فقد أغناها الله بمنهج الإسلام وطريقة رسول الله r عن أي منهج آخر». ولهذا فقد نصح شباب المملكة أن يؤهلوا أنفسهم لحمل الرسالة وفق ما تُدين به المملكة و تسير عليه.

 

ومن دون أن نخوض في ما يوجهه بعض التيارات الإسلامية من نقد للمذهب الوهابي، فلا بد من أن نؤشِّر على تأثيرات المذهب على المسلمين، من خلال ما قاله أحد الصحفيين المصريين نقلاً عن المهاجرين المصريين إلى السعودية، الذين يعودون بأفكار عنصرية تجاه المسيحيين؛ حيث ينقل العائدون ملاحظات كثيرة تنتشر في مصر، وتدل دلالة مباشرة على مكمن الخطورة، وذلك بأن هؤلاء يفتخرون بأنه لا توجد في السعودية أية كنيسة؛ وكأن ذلك مبعث فخر ألا توجد هناك كنائس، بينما توجد القواعد العسكرية الأمريكية، وشركات البترول المتعددة الجنسيات؟!!.

 

 





الاحد ٢ صفر ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / كانون الاول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة