شبكة ذي قار
عـاجـل










 

أفرز الحراك الشعبي العربي نتائج ظاهرية متأكدة واقعا بغض النظر عن تلك المتعلقة بمن تصدر قيادة السلطة التي هي محل نقاش حد الرفض ، نتائج تحض بإجماع مختلف الفرقاء سواء بصيغة الرؤية أو الخطاب ، النفوذ بمفهوم السلطة أو بدونه ، في تعبير من يمتلك المعرفة أو من يتعلمها ، عند الخاص و العام ، وهي أن الشعب العربي و بفعل التضحيات التي قدمه استطاع افتكاك مساحة هامة من حرية الرأي و التعبير و تجاوز جدار الخوف من السلطة القمعية دون أن يتمكن بعد من تحطيم الجدار نهائيا في علاقته بالموروث السلبي سواء رؤية أو سلوكا من ناحية و من ناحية ثانية أنه وظف حرية الرأي و التعبير الي الخارج دون أن يربطها بإخضاع الذات نفسها لذات العملية بما جعل حركة المجتمع العربي عامة لا زالت تراوح تحت ذات الخطاب الذي كان سائدا في ظل الأنظمة الاستبدادية مقتصرا علي تغيير اللفظ دون المساس بالمحتوي خاصة فيما يتعلق بما يتهدد الأمة العربية من استهداف لا يتوقف عند حدود خلق أنظمة بديلة من حيث الشكل والأداة لتصريف شؤون المجتمع في أقطارها و المحافظة علي ذات الارتباطات و انما يتخطاه الي مسألة بقاء الأمة من عدم بقائها بصيغة المرحلة من خلال العمل علي الغاء أقطار منها و بالكامل كما تؤكده معطيات متعددة يطرحها الواقع القائم حاليا. و اذا كان انسداد آفاق الحل الوطني بمفهوم تحصين الأمة و قطع مختلف الأيادي العابثة و المستهدفة لمستقبلها من خلال تناسي متعمد لواقع العراق رسميا و في عديد الحلقات شعبيا و التعاطي مع الوضع في سوريا من منطلق مصلحي ظرفي قد عري واقع الأمة العربية المرير و مدي ظاهرة الانحدار و الاتجاه بها نحو المجهول ، فان العدوان علي غزة و طرق التعامل معه و مجابهته قد كشف الغطاء كاملا بما يجعل المرء يري دخول الحراك الشعبي الذي تحول أحببنا أم كرهنا الي " ربيع " في حديقة الاستراتيجية الأمريكية الهادفة الي تحقيق مشروع الشرق الأوسط كما عبرت عنه منذ احتلالها للعراق ...بما يؤشر بداية مرحلة ثانية من هذا الحراك و يجعل التساؤل حول الواقع ، و الاتجاهات ، و ما هو الحل ، حالة ملحة ؟

 

الوطن العربي الواقع و الاتجاهات

 

منذ العدوان الثلاثيني علي العراق سنة 1991 و حجم الدمار الذي ألحق به و اخضاعه لحصار شامل الأسوأ ، و الأكثر بشاعة في التاريخ الانساني ، و اخضاعه بالتوازي و الحصار الي حرب استنزاف في ظل انتهاج النظام الرسمي العربي لسياسة التقوقع والانعزال قطريا و عربيا و الهروب الي ما هو عالمي باهت لا يجيب علي تساؤلات المواطن أمام حالة الاستفراد بالعراق الذي مثل حتى ذلك التاريخ المثال المنقذ و التجربة المستقطبة لاهتمام المواطن البسيط عامة و عديد المثقفين و ان كان لا يخلو من نقاش ، حتى ترسّخت جملة شعارات ومفاهيم ومعتقدات تقوم على مصطلحات "الوطن ــ القطرــ أولاً " في اعلام الدولة القطرية و خطابها السياسي ، و "الإسلام هو الحل " في ذهنية المواطن العادي الذي أخضع للكبت في رأيه و في عيشه ، و"حقوق الطائفة أو المذهب " لدي بعض الساسويين و خاصة منهم الاسلاميين الذين غادروا الوطن العربي منذ الستينات و السبعينات عامة أو خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي وتأقلموا خطابا و رؤية مع مواطن احتضانهم دون قراءة مستوي تطور وعي المواطن العربي علي طريق فهمه لمعني المواطنة وأهمية المصالح الوطنية و القومية بالتقابل مع الآخر و طرق التوظيف .

 

يؤكد الواقع أنه و باحتلال العراق سنة 2003 و ما اقترن به من " صدمة و ترويع " و سياسات اجتثاث لكل ما هو وطني و قومي حتى سجل الواقع العربي ضمور "الهويّة العربية " و الرؤية لما يمكن أن يكون بديلا وطنيا و قوميا رغم فعل المقاومة العراقية المحاصرة اعلاميا و ماديا ، ضمور الهوية العربية حد استبدالها بمصطلحات إقليمية ودينية وطائفية. تحول واكبه تصعيد مفتعل و قسري و اعلامي لبدائل أخرى بألوان دينية وطائفية ، بعضها قائم في المنطقة منذ عصور متقدمة لكن دون تأثيرٍ سياسيٍّ فاعل ، وبعضها الآخر افرازا طبيعياً لحروب الكيان الصهيوني وللصراعات الأهلية وتداعياتها السياسية في المشرق العربي في علاقة وثيقة و تصورات قديمة جديدة لطرق و أساليب تمدد أطراف اقليمية في الجسد العربي . واقع ثبته الحراك الشعبي بصيغة نتائج في مرحلته الأولي التي بلغت أوج فعلها في العدوان علي غزة و طريقة التعاطي العربي معها و حتى الفلسطيني كمؤسسات بائنة ليؤشر ملامح الكارثة التي تترقب الوطن الوطني العربي من هذا الحراك الشعبي بعد أن تحول الي " ربيع أمريكي " بكل ما تعنيه الكلمة من مواصفات ، و الاجابة التي نسمعها و المتداولة سواء في الاعلام أو في النقاشات القائمة سواء داخل القوي المحلية كمكونات و هياكل أو بين أفراد الشعب العربي للأوضاع القطرية أو المتعلقة بالأزمات القومية تنتهي الي ترديد : " المسألة مرهونة بموقف القوي الدولية و تلك الاقليمية من ذلك " كلما كان السؤال يتعلق بما هو متوقع من تطورات فيها ، اجابة بمثابة الحجة المادية تحمل مخاطر الكارثة اذ تؤكد بما لا يرقي الشك اليه من أن الأطراف المحلية سلمت معنويا و فكريا بأن الحلول لما هو وطني و قومي كقضايا ملحة و كمصير بما يترتب من نتائج عن صراعات الاستراتيجيات الدولية التي تتمحور حول تفعيل مصالحها علي حساب مصالح الأقطار العربية و الوطن العربي عامة ، و من أن دور و مهمات هذه القوي المحلية لا يتجاوز في أحسن الحالات دور المراقب المقدم للمعلومة و المنفذ لإرادات و أوامر ـ قرارات ـ دول و قوي خارجية .

 

ان تغييب دور العراق جزئيا منذ 1991 و نهائيا منذ الاحتلال ، جعل للأطراف الدولية عامة و الاقليمية خاصة الباب مفتوح لكسب ساحات هامة مقترنا بأدوار لها بائنة و متنامية في تفعيل الانقسامات بصيغتين عمودية علي مستوي الأقطار و أفقية داخل أبناء الشعب العربي ... و اذا كانت الأنظمة يحكمها هاجس السلطة مما يقلص مسؤوليتها و يعمق انحرافها بالضد من مصالح الأمة بما في ذلك تلك التي أوصلها الحراك الشعبي الي تصدر القيادة في بعض الأقطار ، فما هي مسؤولية أبناء الشعب العربي و هل تتجه أفعالهم الي خانة العمل علي تحصين الأمة ؟ الواقع يؤشر في هذا المجال اتجاهين يضيفان حجة أخري علي أننا قاب قوسين أو أدني من الكارثة:

الأول: ملامحه اليأس والإحباط وانهيار الثقة في أيِّ عمل أو أيِّ حراكٍ شعبي نتيجة تجليات أفعال ما أفرزته المرحلة الأولي من الحراك كنتائج بقت دون الاستجابة لما رفع من شعارات فيه لا بل سجلت في العديد من حلقاتها تراجعا عما كان سائدا مرفوضا و سببا من أسباب اندلاع الحراك في حد ذاته .

 

الثاني: انفعالي غرائزي حد تغييب العقل يرى في رؤيته المستندة الي قراءة سطحية للدين بصيغة متدحرجة الي الخلف من ناحية و من ناحية ثانية العنف طريقه لبناء حياةٍ يراها فاضلة دون اعتبار لمفاهيم العصر يستحضر الماضي استحضارا ميكانيكيا في جانب و في جانب ثاني استحضار التغني الفاقد للروح بما يؤكد القطيعة و يعمق الردة باعتبار تغييب الحق و استحضار الباطل خطابا و ممارسة و سلوكا .

 

واقع عربي بشقيه الرسمي و الشعبي يطرح صورة متأكدة ملامحها تتمثل في :

 

أول:  الشعب العربي لم يجد في الحراك الشعبي الذي بدأ منذ بداية 2011 في تونس و امتد شاملا ساحات قطرية عديدة من المجال العربي بصيغة مباشرة و كل المجال العربي بصيغة معنوية ، ما كن يأمله من نتائج معبرة عن الأهداف الشعارات التي رفعها و لا حتي اقتراب هذه النتائج من المسار الصحيح لما تعبر عنه هذه الأهداف حتي في صيغها القطرية المحدودة ، لا بل أن عديد الفعاليات قلبت الحراك الشعبي الي حالات من التدخل الخارجي المؤذي لا للأمة عامة و القطر خاصة و انما حتي للأفراد بشكل مباشر.

 

ثاني:  تفكيك روابط النظام العربي الرسمي ، و ازدياد التبعية و انتقالها من حالة الولاء لمنهج عام في جانب منه هو امتداد لما كان سائدا في فترة الوفاق الدولي ، الي الانخراط الفاعل خطابا وفعلا ماديا و عمليا بصيغة معلنة في استراتيجية ارادات دولية سواء منها قوي كبري أو أطراف اقليمية مصعدة بمفهوم قوة مؤثرة ، مما جعل اللأمة العربية بكل مكوناته:الأنظمة القطرية و الشعب العربي و الأقطار كوطن مصائرها مرهونة لإرادات خارجية ... تعمل كل منها علي صياغاتها بما تراه خادما لمصالحها في هذه المرحلة .

 

بناء علي مختلف النقاط أعلاه التي تؤكد سلبية الواقع العربي في هذه المحطة من تاريخ الأمة العربية و التي مردها غياب الصورة البديلة و الأفضل في ذهنية المواطن فالنتيجة المتأكدة نفسيا هي تسليم المواطن بالواقع تحت طائلة اليأس و الاحباط " مقالات الأستاذ صلاح المختار في الغرض " ...فهل فعلا لا يطرح الواقع العربي صورة بديلة مضيئة ؟ و ما هي الحلول ؟

 

الواقع العربي الحلول

 

إنّ تأشير السلبيات بصيغة النقد يمثل المدخل الصحيح لأجاد الحلول ان كانت غائبة أو استنهاضها و استحضارها ان كانت مغيبة خاصة و أن الحراك الشعبي العربي في نتائجه يتجه لدخوله المرحلة الثانية منه بمفهوم تثبيت المكتسبات الغير مكتملة لحركات سياسية ذات امتداد شعبي لكن في اتجاهات ذات طبيعة منحرفة ، جعلت لكل من هب و دب في السياسة الدولية سواء من هو بعيد جغراسياسيا أو من هو إقليمي مؤثر في أزمات وطننا العربي حد مصادرة الارادة الوطنية ، مستغلين غياب الحد الأدنى من الرؤية العربية المشتركة سواء في صيغتها الرسمية أو الشعبية أي غياب المرجعية العربية الفاعلة التي أنقذت الوطن العربي من الانهيار بعد زيارة السادات الي القدس و توقيعه لكامب دفيد ... و كلفها حرب دامت ثماني سنوات انتهت بانتصارها ، انتصار أنقذت فيه العرب من التمدد الفارسي الذي حرك تحت لافتة دينية " انكشف زيفها الآن لمن أبهرته الشعارات " يهدف تعطيل هذه المرجعية العربية من أن تتحول الي مثال جامع للعرب من ناحية و من ناحية ثانية تحويل وجهة الصراع الرئيس من "صراع عربي ــ صهيوني " الي صراع "عربي ــ إسلامي مسلح و "عربي ــ عربي " اعلامي . انتصار قاد الي استهدافها المباشر بعد أن فشل الاستهداف بالنيابة و انتهي الي الاحتلال الذي اقترن بطرح مشروع الشرق الأوسط الجديد ... الذي استوقفت تعميمه ذات المرجعية العربية في صيغة صراع ارادات مثلته المقاومة العراقية الباسلة و شكلت بذلك سبب و في ذات الوقت عامل من عوامل الحراك الشعبي الأساسية معنويا الي جانب جملة العوامل الأخرى المحلية علي مستوي الأقطار في اندفاعاته الأولي رغم الحصار المادي و الاعلامي و حجم التضحيات التي قدمها العراق شعبا و مقاومة . و لكون العراق مثل منطلق الفعل المحصن للأمة العربية من الاستهداف الخارجي بشكليه الاقليمي و العالمي و في ذات الوقت هو نقطة الانطلاق في بناء استراتيجية ابتلاع الأمة العربية و توزيعها محاصصة بين ذات القوي و لكونه مرجعية العرب في صراع الارادات القائم كما تعبر عنه المقاومة العراقية ميدانيا فهو و من خلاله تستعيد الأمة العربية مرجعيتها بصيغة الصورة البديلة المضيئة لما هو قائم و قاتم حد السواد صراع يؤكد من أن العراق هو ساحة التقابل الحقيقية الآن فوق ساحته يحسم الصراع في مستقبل الأمة بصيغة المرحلة التاريخية في أن تستمر الأمة العربية علي طريق تحقيق الاستقلال و التحرر و بناء ذاتها و المساهمة في الفعل الانساني أو تخرج من دائرة الفعل التاريخي حتي مرحلة تاريخية أخري قادمة لا أحد يمكنه تصور متي يمكن أن تاتي تماما كما حصل في التاريخ الوسيط ، و ضع يفرض علي القوي الشعبية أساسا و الرسمية تباع:

 

احتضان المقاومة العراقية و اعتبارها الممثل الشرعي للشعب العراقي .

 

القطع الشعبي و الرسمي مع مكونات العملية السياسية المخابرتية القائمة في العراق وكالة عن النفوذ الايراني الفارسي و النفوذ الأمريكي ـ الصهيوني .

 

تمكينها من حيز اعلامي يتناسب و حجم الاستهداف الذي يتعرض له العراق بصيغة اجتثاثه هوية و انتماء للأمة العربية بعد أن خضع للاجتثاث الديمغرافي قتلا و تهجيرا من ناحية و توطينا ايرانيا فارسيا .

 

تأكيد علي أن حق تقرير المصير و حقوق الانسان في الحياة ليست حقوقا تفاضلية بما يردع السياسة الأمريكية التي نري مدي نذالتها عندما يتعلق الأمر بالعراق و فلسطين و انسانيتها عندما يتعلق الأمر بغيرها من الساحات ... أي كشف الادعاء الانساني في الخطاب الأمريكي الغربي و علاقته بما يستجيب لمصالحهم و من أنه لا يعدو أن يكون أكثر من مدخل لتلميع صورة الفعل الكالح البربري البائن في العراق أساسا و غطاء لتمرير مشروعهم .

 

 

d.smiri@hotmail.fr

 

 

 





الاحد ١١ محرم ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / تشرين الثاني / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوغرطة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة