شبكة ذي قار
عـاجـل










في سنة 1962 ضمني ببغداد مجلس أدبي كان من بين حضارة، الملحق الصحفي في السفارة الإيرانية في بغداد.


وقد جرنا الحديث إلي تطور العلاقات القائمة بين "اسرائيل" وإيران وتحولها إلى ما يشبه التحالف الحقيقي غير المعلن بينهما.


ومما قلته في حينه مخاطبا الملحق الصحفي الإيراني إن من يطلع على هذه العلاقات المتطورة بين إيران و"اسرائيل" لا بد أن يطالب إيران حكومة وشعوباً بأن تعلن أنها بلد غير إسلامي، وإلا فبماذا نبرر قيام مثل هذا التحالف بين طهران وتل أبيب؟ ثم لماذا لم نسمع عن الشعوب الإيرانية ما يؤكد بأنها شعوب إسلامية، وأنها غير راضية عن سياسة حكومة طهران إزاء "اسرائيل"، وتعلن تضامنها مع الشعوب العربية والإسلامية الأخرى في معاداة الصهيونية والنضال ضدها!.


وكان الجواب الذي أعطانيه الملحق الصحفي الإيراني حاسما وصريحا في الوقت ذاته، إذ قال ما معناه بالحرف الواحد "أن إيران لا يمكن أن تنسى أبداً أن العرب المسلمين هم الذين حطموا الإمبراطورية الإيرانية، ودمروا عرش الأكاسرة، وأخضعوا الإيرانيين للنفوذ العربي الإسلامي، ولذلك كان الإيرانيون منذ ذلك الوقت وما برحوا يتحالفون مع أي عنصر يعادي العرب والمسلمين ..


وهذا الذي نطق به الملحق الصحفي الإيراني يشير إلى حقيقة تأريخية ثابتة وقديمة جداً تؤكد حقد الفرس على العنصر العربي، ليس في الوقت الحاضر، ولا خلال العهد الإسلامي حسب وإنما إلى أبعد من ذلك بعصور قديمة ممعنة في القدم.


فالتحالف بين ايران و"اليهودية" والصهيونية التي تمثلها "اسرائيل" لا يقتصر على عهد "الشاهات" ولا على عهد "الملالي، الدجالين وأسيادهم وكبيرهم "الخميني الدجال"، وإنما يمتد هذا التحالف الفارسي الصهيوني إلى عشرات من القرون التي سبقت التأريخ الميلادي.


فإذا جاز لنا أن نعتبر الأكديين والبابليين، والآراميين والآشوريين فروعاً من العروبة على أساس أن العنصر المشترك بينهم هو العنصر السامي الواحد، فإننا نجد أن أول تحالف بين الفرس تحالف بين الفرس والصهاينة قد ظهر في التآمر على الدولة البابلية في العراق منذ القرن السادس قبل الميلاد. فما أن شعرت الأسرة الأخمينية التي استوطنت إقليم (عيلام) منحدرة من الأجزاء الشرقية الشمالية لإيران، بقوتها حتى بدأت تعد العدة لغزو بلاد بابل والقضاء على حضارتها التي كانت مزدهرة جداً في ذلك الوقت.


ومع أن اليهود قد استفادوا جل الاستفادة أثناء وجودهم في بلاد بابل، من حضارة البابليين وعلومهم، إلى درجة أنهم وضعوا "التوراة" في بلاد بابل وعلى أساس معطيات التأريخ القديم للعراق، ومع أنهم كانوا يمارسون شعائرهم وأعمالهم التجارية بمنتهى الحرية، ومع ذلك فقد أبى اليهود إلا التآمر على الدولة البابلية والعصف بعظمتها ومدنيتها.


فلقد أكدت المصادر التأريخية القديمة أن اليهود هم الذين حرضوا "كورش" ملك الأسرة الأخمينية على مهاجمة مدينة بابل في سنة 539 - 538 قبل الميلاد ومهدوا له سبيل الاستيلاء عليها وتدميرها.


وقد ذكرت المصادر التأريخية أيضاً أن أحد عملاء "كورش" من اليهود قد خدع البابليين حين أدعى بأنه هرب من البطش الذي أنزله به "كورش" عندما عارض فكرته في غزو بابل، وتمادى في خدع البابليين حين استبسل في القضاء على الوحدات الفارسية الأولى التي دفع بها "كورش" لمحاصرة بابل، فنال بذلك ثقة البابليين فأوكلوا إليه أمر الدفاع، عن العاصمة، وإذ ذاك أقدم على تنفيذ مؤامرته الدنيئة بأن فتح أبواب أسوار بابل أمام القوات الفارسية في الوقت الذي كان فيه أهل بابل يحتفلون بعيد السنة الجديدة.


وعلى أثر ذلك أقمم كورش على مكافأة اليهود، بأن سمح لكل راغب منهم بالعودة إلى فلسطين، وأعاد إليهم كنوز الهيكل في أورشليم التي نقلها نبوخذ نصر ملك بابل، كما أمر كورش أيضاً بأن يعاد بناء الهيكل وأسوار أورشليم على حساب العاهل الإخميني. كما تزوج كورش من أخت "زوربابيل" الذي تزعم اليهود العائدين من السبي في العراق إلى فلسطين.


ولقد ذكر "ابن العبري" في كتابه "مختصر تاريخ الدول" أن كورش عندما دخل بأخت "زوربابيل" ارتفعت في عينيه فقال لها "أطلبي ما شئت" فطلبت منه ن يسمح بعودة الأسرى اليهود إلى أورشليم وأن يأذن لهم بعمارتها. وقد عين "زوربابيل" ذلك أول حاكم على أورشليم من قبل الدولة الإخمينية، وشرع ببناء الهيكل، وإذ ذاك انبرت لمقاومته الأقوام التي كانت تسكن فلسطين في ذلك الوقت، وأجبرت الملك الإخميني "سميرد" الذي كان يحكم في سنة 523 قبل الميلاد إلى إصدار الأوامر بإيقاف أعمال البناء.


ولكت ما لبث "دارا" الأول (521- 489 ق. م.) أن ألغى ذلك الأمر فأباح لليهود الاستمرار في إعادة بناء الهيكل والسور، كما سمح ارتخشتا (اردشير) (465- 489) قبل الميلاد لعدد جديد من المسبيين اليهود بالعودة إلى فلسطين.


ولقد أصبح اليهود في عيش رخي لأن خلفاء "كورش"، أطلقوا لهم الحرية الكاملة في ممارسة شعائرهم الدينية، كما منحوهم حكما ذاتيا لإدارة شؤونهم وولوهم المناصب الرفيعة حتى في البلاط الإخمينى في العاصمة "سوسة".


وتتحدث التوراة عن اليهودية "استير" التي حرضت الملك الإخميني على الفتك بوزيره الأول ومعتمده "هامان". كانت "استير" هذه متزوجة من ابن عها "مردخاي". وحين راح "هامان" الوزير الأول في البلاط الإخميني يخطط لتنفيذ مذبحة جماعية ضد اليهود، دفع "مردخاي" بزوجته "استر" إلى أن تتودد إلى الملك "احشويرش" (486- 465 ق. م.) وأن تغريه بأن يتزوجها بدلا من زوجته الملكة "رشتي" وتد نجحت في ذلك، فتزوجها الملك واشترطت عليه أن يفتك بوزيره "هامان" ففعل ذلك وقتله شر قتلة.


وما يزال اليهود حتى اليوم يحتفلون بذكرى مقتل عدوهم اللدود "هامان" وذلك في اليومين الرابع عشر والخامس عشر من شهر آذار كل سنة.


وقرب ملوك الاخمينيين إليهم الكتبة من اليهود ووثقوا بهم. ومن هؤلاء الكتبة "ابن سرايا" الذي يعرف في التوراة باسم "النبي عزرا" أو "اليعازر"، وكان هذا موظفا في بلاط "ارتخشتا الأول" ومستشارا له، واستطاع أن يحظى بموافقة الملك في العودة إلى فلسطين ومعه زهاء ألفين من اليهود الساكنين في العراق. وقد زوده الملك برسائل توصية إلى عماله في فلسطين ليساعدوا "عزرا" على ما ينوي القيام به. ويقال أن القبر الموجود الآن في ناحية "العزير" شمالي القرنة هو قبر "عزرا" نفسه حيث توفي ودفن هناك بعد أن عاد إلى العراق لتنظيم الهجرات اليهودية إلى فلسطين.


أما النبي اليهودي الآخر المعاصر لـ"عزرا" فهو "نحميا" وكان يعمل ساقيا في بلاط "ارتخنشا الأول، ولذلك نال لديه منزلة رفيعة، ورجاه بأن يسمح له بالعودة إلى أورشليم لبناء أسوارها من جديد، فأذن له الملك بذلك، وحمله رسائل توصية إلى عمال الفرس هناك، وعينه حاكما على "اليهودية" أي الضفة الغربية للأردن وذلك في سنة 445 ق. م..


ويذكر المؤرخون أنه في عهد الملك الفارسي "أرتا خرسيس الثاني" (424- 358 ق. م.) قام العرب في فلسطين بقيادة ملكهم "جشم" بحركة مقاومة منظمة لحركات الاستيطان اليهودي في فلسطين التي قادها كل من "عزرا" و"نحيا" بتشجيع من الفرس، وتخطيط من لدنهم.


نعود إلى تأريخ الأسرة الساسانية (226- 637 م) التي قضى عليها العرب المسلمون، فنجد أن الفرس قد أولوا اليهود سواء في فارس أم في العراق الذي استولوا عليه، اهتماما خاصا. فقد وطد اليهود علاقاتهم مع "سابور الثاني" (310- 379)، الذي عرف باسم "ذو الأكتاف" لبطشه بالمناضلين العرب وخلع أكتافهم، وعاونوه في قتاله ضد العرب الذين كانوا في ذلك الوقت يسيطرون ليس على إقليم "الأحواز" العربي الحالي فحسب، بل وحتى على السواحل الشرقية من الخليج العربي بالإضافة إلى مناطق عميقة داخل بلاد فارس ذاتها. فكان اليهود يقدمون الهدايا الثمينة إلى البلاط الفارسي، وينالون مقابل ذلك الرعاية والحماية من الحكام الفرس، إلى درجة أن مجموعة كبيرة من البيوتات التجارية اليهودية قد وفدت من فلسطين إلى العراق لممارسة أعمالها فيه في عهد الحكم الساساني.


ولم ينقطع التحالف الفارسي اليهودي حتى بعد أن ظهر الإسلام وانتشر في بلاد فارس وأقبلت أكثرية الفرس على اعتناقه. فلقد راح اليهود يتعاونون مع الفرس في الدس على الحكم الإسلامي وعلى الشريعة الإسلامية ذاتها، بما كانوا يبتدعونه من مختلف البدع المضللة، ابتداء من حركة "عبد الله بن سبأ" وانتهاء بالبابلية والبهائية وغيرها من الحركات الأخرى التي انبعثت في بلاد فارس وكانت كلها تستهدف العروبة والإسلام.


وإذ نعود إلى العصر الحديث نرى أن إيران هي أولى البلدان الشرقية التي تلقفت الحركة الصهيونية وعملت على تنشيطها، وبث الدعاية، ومساعدة القائمين بها، وذلك بفضل الهيمنة المطلقة لليهود على الحياة الاقتصادية في إيران. فقد كانت إيران أول بلد تؤسس فيه المنظمات الصهيونية بعد الحرب العالمية الأولى، وأول الفروع لها، حيث تأسس أول فرع للوكالة اليهودية في طهران بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة.


ولقد تحولت إيران منذ أوائل سني العشرينات إلى مركز كبير وقوي من مراكز الصهيونية في "الشرق الأوسط" كما أصبحت إحدى المحطات الرئيسة التي يتجمع فيها اليهود الهاربون إلى فلسطين من العراق ومناطق الخليج العربي كله. وكانت المهمة الموكلة في الدرجة الأولى إلى القناصل الإيرانيين الموجودين في بغداد، والكاظمية وكربلاء، والبصرة، وخانقين، هي تسهيل هرب اليهود من العراق إلى إيران كخطوة أولى لذهابهم إلى فلسطين.


وحين قامت في سنة 1939، ضجة في الأوساط الصحفية في العراق، ولاسيما صحف "جمعية الهداية الإسلامية" ضد هذه الأعمال التي كان القناصل الإيرانيون يقومون بها، توقفت المفوضية الإيرانية في بغداد عن عملية تهريب اليهود إلى إيران وأبلغت قرارها هذا إلى القنصليات الأخرى في العراق. ومن بعد الاتصال بوزارة الخارجية الإيرانية في هذا الشأن صدرت الأوامر منها إلى القنصليات الإيرانية بأن تعاود منح سمات الدخول إلى إيران إلى اليهود كما كان عليه الأمر سابقا.


ولقد وردت هذه المعلومات في برقية صادرة من مديرية شرطة البصرة إلى مديرية الشرطة العامة ببغداد مؤرخة في اليوم السابع من حزيران 1939 جاء فيها "بلغنا من مصدر موثوق بأن القناصل الإيرانيين في العراق كانوا قد امتنعوا عن منح اليهود العراقيين سمات للدخول إلى إيران، وذلك بناء على الأمر الصادر إليهم من المفوضية الإيرانية ببغداد. غير أنه بعد المخابرة مع وزارة الخارجية الإيرانية، على ما اتصل بنا، صدر أمر آخر أعيدت بموجبه الحالة إلى ما كانت عليه في السابق وأعطيت السمات لليهود بدخولهم إلى إيران".


وحين وقفت حكومة الدفاع الوطني برئاسة المرحوم رشيد عالي الكيلاني ذلك الموقف الحازم والصريح إزاء الصهيونية ونشاطها العدواني في العراق، أخنت الصحف الصهيونية تهاجم العراق على موقفه ذاك وكان من بينها جريدة "بالستاين بوست" (بريد فلسطين) التي تصدر بالإنكليزية في القدس، التي هاجمت حكومة الدفاع الوطني لأنها منعت حتى اليهود الإيرانيين من الهجرة إلى فلسطين، حيث قالت في عددها الصادر في يوم 29 نيسان 1941 " هناك بعض المهاجرين اليهود في إيران، ولديهم شهادات هجرة إلى فلسطين، ولكنهم لم يستطيعوا ذلك بسبب رفض الحكومة العراقية منحهم تأشيرة مرور".


ومنذ أن تحولت ايران إلى مستعمرة أمريكية خالصة، بعد أن كانت مستعمرة بريطانية، في أعقاب القضاء على حكومة (الدكتور محمد مصدق) واستحواذ الاحتكارات البترولية الأمريكية على حصة الأسد من النفط الايراني، تضاعف النشاط الصهيوني في ايران تضاعفاً شديداً بحيث أصبحت "اسرائيل" تهيمن اقتصاديا وفكريا على إيران برمتها.


فلم يقف الأمر عند حد إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين طهران وتل أبيب، بل تعدى ذلك إلى إنشاء أوثق العلاقات الاقتصادية والسياحية والثقافية بينهما. فقد قام بين "اسرائيل" وإيران تعاون اقتصادي واسع النطاق لم يقتصر على التبادل التجاري وحده، بل امتد إلى التعاون الاقتصادي والفني في مجالات الزراعة، والسياحة، والعمران وغيرها. فقد قفزت الصادرات "الاسرائيلية" إلى إيران من خمسة ملايين دولار في سنة 1963 إلى سبعة ملايين ونصف مليون دولار في سنة 1966، وذلك في أعقاب الاتفاقية التي وقحت بين البلدين في سنة 1962، والتي تضمنت قيام عدد من الخبراء الاسرائيليين" في الزراعة والمياه والسياحة وغيرها للعمل في إيران، هذا بالإضافة إلى قيام "اسرائيل" بتنفيذ العديد من المشاريع العمرانية والزراعية في إيران.


وحين أغلقت قناة السويس في أعقاب حرب حزيران سنة 1967، بدأت تصدر منتجاتها مباشرة إلى ميناء "ايلات الاسرائيلي" ومن هناك تنقل إلى حيفا ليتم تصديرها إلى أوروبا وأمريكا. وكان إمداد إيران "لاسرائيل" بالنفط من أهم الوسائل التي أبقت الحياة نشطة داخل الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، التي أمدته بوسائل البقاء.


فحين توقف ضخ النفط العراقي في الأنبوب الذي ينتهي في ميناء حيفا، في شهر نيسان 1948، توقفت المصفاة التي أنشأها الإنكليز هناك عن العمل نتيجة لذلك، لكن إيران ما لبثت أن عوضت عن النقص الحاصل في وصول النفط إلى "اسرائيل" فعادت تلك المصفاة التي اشترتها "اسرائيل" من الشركة الإنكليزية المالكة لها، إلى العمل من جديد، وتضاعف إنتاجها حتى بلغ في سنة 1968 أكثر من خمسة ملايين طن سنويا. وشجع إمداد "اسرائيل" بالنفط الإيراني، الذي كان يمثل أكثر من ستين في المائة من حاجة "اسرائيل" إليه، حكومة تل أبيب على بناء خط أنابيب لنقل النفط من "ايلات" إلى ميناء عسقلان على البحر الأبيض المتوسط ونقله من هناك إلى الأسواق الأوروبية. ومازالت "اسرائيل" حتى الآن تعتمد على النفط الإيراني، وذلك لأن هذا النفط يؤمن لها فوائد أكثر، من ناحية فرق السعر، وفروق أجور الشحن وما شاكلها، فضلا عن تشغيل خطوط أنابيب "ايلات – حيفا - ايلات وعسقلان".


يحاول بعض الناس الذين انخدعوا بالموقف الدعائي الإيراني الذي وقفته بعض الفئات الإيرانية أثناء الثورة وبعد سقوط الشاه مباشرة إزاء القضية الفلسطينية أن يطبلوا ويزمروا كثيرا لذلك الموقف، وأن يكيلوا المديح المفرط لتلك الفئات، متجاهلين مرور أكثر من نصف قرن من الزمن لم تبد خلاله أية فئة أو منظمة أو جماعة في إيران أي انتصار لحق العرب في فلسطين بل حتى أدنى نقد للصهيونية أو استنكار للاعتداءات "الاسرائيلية" على العرب في فلسطين وبقية الأراضي العربية الأخرى المحتلة، منذ سنة 1948 حتى الآن.


نشرت "آفاق عربية" مقالة للدكتور محمد جعفر المظفر في عددها لشهري شباط وآذار سنة 1981، ومع أن التناقضات الواردة في المقالة المذكورة وبعدها عن الواقع تستحق أن تناقش مناقشة مطولة، إلا أنني وددت توضيح بعض النقاط المخالفة للحقائق التي وردت فيها. فالدكتور المظفر يزعم بأن الإيرانيين "كانوا يناضلون ذاتيا ضد الوجود الصهيوني في إيران" وأن "صراعهم مع الصهيونية كان بسبب تناقضهم المباشر معها على الساحة الإيرانية" وأن "المواجهة الصهيونية الإيرانية ضمن إيران ذاتها كانت عملية طبيعية سواء وجد الصهاينة في فلسطين أم لم يوجدوا. كما أنها قامت للرد على الوجود الصهيوني في إيران".


"ونظرا للوجود الصهيوني المكثف داخل إيران، توجه الإيرانيون لكي يناضلوا ضد الخطر الصهيوني المركزي المباشر. فلقد كانت مصلحة الشعوب الإيرانية تصطدم بشكل مباشر مع النفوذ الصهيوني في إيران، ومع تحالف الصهيونية ضد إرادتهم. وكان لابد للشعوب الإيرانية أثناء صدامها المباشر داخل إيران أن تتعاطف مع القضية الفلسطينية، وأن تعلن مساندتها لهذه القضية" (كذا... – كذا...).


إن مثل هذا الإدعاء لا أساس له من الصحة أبدا، ولا يقوم على أي سند تاريخي إطلاقاً، بل وحتى على سند منطقي أيضاً. ذلك أن العنصر الفارسي الذي تميز بالحقد على العنصر العربي والكيد له خلال العصور، لا يمكن أن يظهر عطفه أو مساندته لعرب فلسطين في صراعهم الطويل مع الاستعمار والصهيونية. فلو كانت الجماهير الإيرانية التي يتحدث الدكتور عن تعاطفها مع القضية الفلسطينية صادقة ومخلصة في مشاعرها فلم لم تظهر مثل ذلك التعاطف مع شعب الأحواز العربي في ثوراته المتوالية ضد الاحتلال الفارسي، وتعلن مساندتها له في تلك الثورات التي استمرت أكثر من نصف قرن؟


ثم أين هو الصراع الذي خافته الجماهير الإيرانية ضد الصهيونية وانعكاساته على الشعوب الأخرى ومنها الشعب العربي؟ وفي أية حقبة من الزمن حدث ذلك الصراع بين الجماهير الإيرانية والصهيونية؟ ومن الذي سمع به وتحدث عنه؟ وأين هي الصحف أو الكتب التي سجلت ولو طرفا ضئيلا جدا من ذلك الصراع طيلة هذا الزمن الطويل الذي انقضى منذ أن بدا النضال العربي ضد الصهيونية؟ أين هي أصوات ممثلي الجماهير الإيرانية التي استنكرت الصهيونية وعدوانها الصارخ على العرب سواء في المنظمات أو المؤتمرات الدولية، أو حتى الاجتماعات والمؤتمرات الشعبية الإيرانية؟


وثمة نقطة أخرى خطرة وردت في مقال الدكتور المظفر تنم عن جهله التام بالصهيونية وبأطماعها التوسعية. فهو يعتقد أن الصهيونية لا تستهدف سوى الدول العربية (كذا...) وأنها لا تطمع في البلدان الأخرى مثل إيران. فهو يقول في مقالته تلك أن "الكيان الصهيوني قام على حساب العرب ولم يقم على حساب الإيرانيين، واستهدف وجود العرب ووحدتهم ولم يستهدف وجود الإيرانيين ووحدتهم، وهو يحتل أراضي عربية ويستهدف المزيد منها في حيت أنه لا يطمع في الأراضي الايرانية ولا يستهدفها".


من الذي قال للدكتور أن الصهيونية لا تطمع في إيران ولا في غيرها من البلدان الأخرى خارج نطاق البلاد العربية؟ إن الصهيونية، و"اسرائيل" التجسيد الواقعي لها حركة عدوانية استعمارية مثلها في ذلك العنصر الفارسي الذي كان وما يزال يسعى إلى العدوان والسيطرة علي أية بلاد مجاورة له عربية كانت أم غير عربية. فالصهيونية كحركة إمبريالية توسعية لا تختلف في أهدافها عن أية حركة توسعية عدوانية أخرى في العالم الحاضر. فهي تسعى للسيطرة على العالم اقتصاديا وفكريا إذا لم تتح لها فرصة السيطرة العسكرية.


كما أن أطماع الصهيونية وأهدافها لا تقتصر على بقعة معينة في العالم. فإذا كانت "اسرائيل" تحتل اليوم فلسطين العربية وأجزاء من سوريا ولبنان ومصر فأن ذلك لا يعني أنها راضية بما كسبت وأنها لا تمد أبصارها وأطماعها إلى البقاع الأخرى في العالم سواء في أفريقيا أم أسيا. فلو كان ما أدعاه الدكتور صحيحاَ فلماذا ركزت الصهيونية كل جهودها على إيران فغدت تهيمن على الحياة الاقتصادية والفكرية فيها إلى درجة أنه مازالت تصدر في إيران عدة صحف يومية وأسبوعية وشهرية يشرف الصهاينة على إصدارها وتحريرها وتنطق بلسان الصهيونية.


إن كل من يقرأ مقال الدكتور المظفر بإمعان يخرج منه بنتائج أقل ما فيها تجاوز العنصرية الفارسية وإضفاء صفة النضال ضد الصهيونية على الجماهير الإيرانية وليست هي على هذه الشاكلة، وكذلك الجهل بالأطماع "الاسرائيلية" التي لا تقف عند حد من الحدود ولا عند بلد من بلدان العالم. ولعل الموقف الذي وقفته إيران الشاه من حركة (أمل) في لبنان وتقفه (إيران الخميني) الآن من هذه الحركة التي جندت نفسها للدفاع عن "اسرائيل" وعن المنظمات المشبوهة التي تسعى إلى تمزيق وحدة لبنان وإقامة "دولة مسيحية" فيه تكون عذرا لوجود "اسرائيل" في الوطن العربي، إن موقف إيران من "حركة أمل" خير ما يفند ادعاءات الدكتور المظفر عن اصطدام الجماهير الإيرانية مع الصهيونية وتعاطف تلك الجماهير مع القضية الفلسطينية.


والذي نود أن يعلمه الدكتور الفاضل وغيره من القراء الكرام هو أن تعاطف الجماهير الإيرانية مع القضية الفلسطينية لا وجود له إطلاقا لا في السابق ولا في الحاضر، وأن الجماهير الإيرانية لم تبدأ هي بهذا التعاطف، بل على العكس من ذلك أن المنظمات الفلسطينية هي التي أظهرت العطف على الحركة الإيرانية ضد نظام الشاه، ذلك لأن المقاومة الفلسطينية كانت تدرك جيدا مدى الخطر الذي يشكله وجود إيران كمستعمرة أمريكية صهيونية على حركة التحرر العربي، كما تدرك أن إسقاط ذلك النظام وتوجه الحكم الجديد في إيران إلى منح الحرية للشعوب الإيرانية الخاضعة للاستعباد الفارسي، يمثل انتصاراً كبيراً لحركة التحرر العربي وللمقاومة الفلسطينية في الدرجة الأولى.


ولقد كان فضل المقاومة الفلسطينية على الحركة الإيرانية ظاهراً كبيراً لا يستطيع أحد نكرانه. ولكن ماذا كان نوع الوفاء من جانب النظام الجديد في إيران، ومن جانب الجماهير الإيرانية على ذلك الفضل؟ كان الوفاء شن الحرب على العراق، والدعم الواسع لحركة "أمل" التي تحارب المقاومة الفلسطينية في لبنان سواء مع الكتائب أو قوات سعد حداد أو "اسرائيل".


وإذا كانت بعض الفصائل الإيرانية قد أظهرت شيئا من التعاطف مع القضية الفلسطينية كما يزعم الدكتور المظفر فأننا نقول له أن مثل هذا التعاطف إن وجد فأنه ليس مبدئيا ولا نابعا عن إيمان تلك الفصائل الإيرانية بحق الشعب العربي الفلسطيني وحقه في استرداد أراضيه المحتلة وإقامة حكومته الوطنية المستقلة، وإنما كان ذلك التعاطف من قبيل "الخداع" ليس إلا، كيلا تتأثر المقاومة الفلسطينية بالموقف السلبي لتلك الفصائل الإيرانية إزاء القضية الفلسطينية. وإلا فلم لم تظهر تلك الفصائل وغيرها من المنظمات والجماهير الإيرانية مثل ذلك التعاطف مع القضية الفلسطينية أيام حكم الأسرة البهلوية الذي امتد إلى أكثر من نصف قرن؟ ثم لم، لم نسمع عن مثل هذا التعاطف من هذه الفصائل الإيرانية إزاء ثورات شعب الأحواز العربي ولاسيما ثورته الكبرى في سنة 1946؟



مصادر البحث
1 - ملامح من التأريخ القديم يهود العراق: د. أحد سوسة.
2 - النشاط الصهيوني في العراق: حسن عبد السوداني.
3 - الأقلية اليهودية في العراق: خلدون ناجي معروف.
4 - العلاقات الاقتصادية الخارجية "لاسرائيل": يحيى عيدو ديحي.
3 – "اسرائيل" والسوق الأوربية المشتركة: انجلينا الحلو
6 – "اسرائيل" والنفط: عاطف سليمان.
7 - تجارة "اسرائيل" الخارجية : يوسف شبل


http://www.al-moharer.net/moh284/salim_tekriti284.htm

 

 





الخميس ٣ ذو القعــدة ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / أيلول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سليم طه التكريتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة